من بين أهم ظواهر السينما المصرية
منذ ثمانينات القرن الماضي، بروز المرأة المصرية
كمخرجة للفيلم الروائي. حيث أن للمرأة تجارب سابقة
في الإخراج، فالسينما المصرية عند ولادتها قامت
على أكتاف عزيزة أمير وفاطمة رشدي وأمينة محمود
وبهيجة حافظ، وقمن بإخراج بعض الأفلام الرائدة،
إلا أنهن لم يواصلن وتفرغن للإنتاج والتمثيل فقط.
كما أن المرأة المصرية قد برزت في مجالات سينمائية
أخرى منذ سنوات طويلة، ككاتبة للسيناريو وكمساعدة
مخرج فقط.
وعودة المرأة مرة أخرى إلى عالم
الإخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا
المرأة المعاصر، حيث أن السينما المصرية ـ وعلى
مدى تاريخها الطويل ـ قد أساءت إلى المرأة وقدمتها
بصورة سلبية، كما أغفلت الجانب الإيجابي لدور
المرأة في المجتمع، فليست المرأة المصرية هي
الراقصة أو بائعة الهوى فقط، بل هي أيضاً السيدة
الفاضلة القوية التي تتحمل وتواجه الحياة بكل صبر
وشجاعة.
وبما أن المخرج (الرجل) هو الذي
يصنع الأفلام، فالسينما المصرية كانت تعكس، في
معظمها، فكر الرجل عن المرأة. لذلك غالباً ما يشوه
وضعها الاجتماعي نتيجة جهله لمشاكلها، وتخلف موقفه
الاجتماعي تجاهها، فنرى أن السينما المصرية تقدم
المرأة من زاوية علاقتها بالرجل، مع التركيز على
الأنوثة والإغراء والانحراف، والبعد عن المرأة في
حالة علاقتها بالمجتمع، كإنسانة صاحبة رأي أو مهنة
محترمة، أو صراع مع المجتمع والحياة.
وهذا بالطبع، لا ينفي أن تكون هناك
أفلام قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، قد عالجت
المرأة وقضاياها بشكل إيجابي، مثل (الحرام، ولا
عزاء للسيدات، الشقة من حق المرأة)، وأهم هذه
الأفلام قدمه المخرج سعيد مرزوق تحت اسم (أريد
حلاً) الذي كتبت له القصة والحوار الكاتبة
والصحفية (حُسن شاه)، وقامت ببطولته الفنانة
الكبيرة (فاتن حمامة). هذه الأفلام تقف وحدها أمام
إنتاج ضخم من الأفلام يتعدى الألفي فيلم أنتجتها
السينما المصرية عبر مسيرتها الطويلة.
لذا علينا أن ننتبه إلى جانب مهم
وهو أن الخطر لا يكمن فقط في التشويه الذي تعرضت
له المرأة في تلك الأفلام، ولكنه يتجسد أيضا في
تصدير هذا التشويه للمرأة كمتلقية لمثل هذه
الأفلام الشاذة.
يبقى هذا التساؤل الذي يطرح نفسه
دائماً على الساحة السينمائية المصرية.. هل
استطاعت المرأة المخرجة أن تساهم في إبراز قضايا
المرأة الملحة من خلال الأفلام التي قدمتها؟ وهل
استطاعت أن تصنع لها مكانة بارزة في عالم الإخراج
السينمائي المصري الذي يسيطر عليه الرجل منذ سنوات
طويلة؟
وتبقى هناك ملاحظة مهمة، فدخول
المرأة في المجال السينمائي كمخرجة، يعتبر خطوة
أخرى من الخطوات التي تسعى إليها لإثبات قدراتها
الإبداعية والوقوف جنباً إلى جنب مع الرجل. مع
العلم أن قضية المرأة ومساواتها بالرجل في الوطن
العربي، ليست قضية عادية وبسيطة، بل هي قضية عميقة
ومتجددة، لا يحلها في الأساس وجود كاتبة أو مخرجة،
إنها تحتاج لنسف اجتماعي شامل لتغيير النظرة
الخاطئة عن المرأة. فالمرأة قادرة على أن تكون
مخرجة رديئة ومخرجة جيدة، مثلها مثل الرجل تماماً.
وبروز المرأة كمخرجة يعتبر خطوة
إيجابية تستحق الثناء والدعم، وذلك لإبراز القضايا
الاجتماعية على الشاشة، وإبداء وجهة نظر مغايرة
لما يطرحه الرجل. ولكن يجب أن يتبع هذا خطوات أكثر
أهمية وإيجابية، كابتعادها عن القصص التقليدية
المملة وترك الابتذال والتسلية في الفن، وتقديم
أفكار وقيم جديدة، ذات خاصية اجتماعية حساسة. وذلك
لتبرر وجودها كمخرجة مميزة تطرح وجهة نظر جادة
وواضحة، هذا وإلا ستكون مجرد إضافة غير فعالة للكم
الهائل من المخرجين الرجال.
لذلك سنحاول تناول الأفلام التي
صنعتها المرأة، سواء التي ناقشت قضايا المرأة، أو
التي لم تفعل ذلك. مع استعراض سريع للتعرف على
المخرجات وبدايتهن في المجال السينمائي. مع ملاحظة
أن الفكر أو الكلمة التي يريد أن يقولها الفيلم
والسيناريو الذي يترجم هذه الفكرة، سيكونان محور
تناولنا لهذه الأفلام، باعتبار أن المسائل
المتعلقة بالحرفة ذاتها، مثل القدرة علي تحريك
الكاميرا وقيادة فريق العمل الفني وغيرهما، فمن
البديهي أن تتفاوت فيها القدرات، سواء كان المخرج
رجلاً أو امرأة. |