في إيحاء واضح بأن يعقوبيان كعمارة، تجمع شرائح
مجتمعية مختلفة بل ومتناقضة، هي بمثابة صورة مختصرة لمجتمع كامل..
مجتمع يحمل في جوانبه خلفيات اجتماعية وطباع وثقافات متعددة.. في
هذه العمارة يسكن المهندس زكي الدسوقي وهو ارستقراطي ابن باشا
ووزير سابق، أعزب وله علاقاته النسائية العديدة.. وهو يلجأ إلى
كريستين صديقته في أصعب لحظاته.. وكشخصية رئيسية، فإن بقية
الشخصيات الرئيسية الأخرى تدور في فلكها.. منهم محمد عزام الذي
ارتقى طبقياً من ماسح أحذية في نفس العمارة إلى رجل أعمال كبير
وعضو مجلس الشعب.. وحاتم رشيد، الصحفي الشاذ جنسياً.. ابن رجل
القانون الذي يملك صحيفة بالفرنسية، ولا يتوانى للدوران في الشوارع
باحثاً عن متعته الجنسية، والتقاط من يعجب بهم.
ثلاث شخصيات، متناقضة ولا يجمعها سوى السكن في
العمارة، شخصيات مهزومة سقطت في بحر ملذاتها، أو اضطرتها الظروف
للسقوط.. ومع إدراكهم بالخطر المحيط بهم، فهم يحاولون الخروج من
أزماتهم بأقل الخسائر.. نراهم أيضاً، عندما أرادوا البحث عن المتعة
يتجهون إلى الطبقة الدنيا.. فبثينة كانت من نصيب زكي، وعزام تزوج
من سعاد، وحاتم استغل حاجة عبدربه وعوزه للمال.. الشخصيات الثلاث
الفقيرة يصاحبها آخرون يسكنون سطح العمارة التي كان ملاذاً
للحيوانات والخدم سابقاً.. وأصبح عالماً مستقلاً لوحده.. من تلك
الطبقة نرى بثينة التي توفى والدها وكان عليها أن تعيلهم مع
والدتها.. فتتحمل الإهانات والتحرشات الجنسية لسداد قوت يومهم..
لدرجة أنها تتخلى عن حبها في سبيلهم.. والحبيب طبعاً لم يخرج عن
هذه الدائرة، حيث أنه ابن البواب الطالب المجتهد الذي يتمنى أن
يكون ضابطاً يوما ما، إلا أن مهنة والده تعوق ذلك.. لذلك يتجه
لدراسة السياسة والاقتصاد، وينظم للجماعات الإسلامية، للانتقام من
معذبه وهاتك عرضه في المعتقل.. لنراه قتيلاً في النهاية.
لم يحضرني أي فيلم مصري أو حتى عربي، يتناول قضية
اجتماعية ونفسية خطيرة.. مثل قضية الشذوذ الجنسي.. تلك التي
تناولها فيلم "عمارة يعقوبيان" بشكل جريء.. وكان عنصراً هاماً لجذب
قطاع كبير من الجمهور لحضور الفيلم.. والتعليق على كل لقطة ومشهد
يتناول هذا الجانب.. كانت الضحكات والتعليقات تدوي في الصالة مع كل
ظهور لشخصية حاتم رشيد على الشاشة.. كما أنه يحسب لصناع الفيلم تلك
الجرأة في طرح القضية وتناولها بشكل علمي والتطرق لأحد أسبابها.
هذا إضافة إلى أن الفيلم بشكل عام كان يزخر بالمشاهد الجنسية
الساخنة، والتي اقتطعها الرقيب بحذر شديد.. فمع تلك الدعاية
المسبوقة للفيلم.. بأنه سيعرض تحت لافتة (للكبار فقط).. قد جعلت
المتلقي يسعى لمشاهدة الفيلم، باعتبار أن كل ممنوع مرغوب. خصوصاً
بعد معرفته بوجود رموز للإثارة مثل "هند صبري" و"سمية الخشاب".
مروان حامد.. في باكورة أعماله السينمائية الطويلة
"عمارة يعقوبيان".. أثبت بأنه مخرج متمكن من أدواته الفنية، وهو لم
يتجاوز الثلاثين من عمره، حيث نجح في خلق ذلك التناسق والانسجام
بين الأحداث والشخصيات المتفاوتة درامياً.. وبين أجواء اجتماعية
متباينة ومتناقضة وإضفاء تلك اللمسة السينمائية المؤثرة.. كما نجح
في إدارة طاقم الممثلين من نجوم كبار وصغار.. وإكسابهم أسلوباً
منسجماً مع ما يقوله الفيلم، بالرغم من اختلاف رؤاهم الأدائية. |