(١)
إلى كونه معارضاً منهمكاً في ورطة السياسة، لم يكن ضجيجاً في مجمل افلامه المكنوزة
بالهم السياسي.
إلى ذلك كله، يكتمل داوود بالسيد، في تجربته بإعلان احتجاجه الصامت بغير ضجيج ولا
صراخ ولا مانشيتات، تصير فيها السياسة تجارة، يخسر فيها المناضل ما يكسبه، او يتوهم
انه يكسبه.
(2)
حسن حداد، الذي ظل الفيلم العربي محور عنايته وكتابته ونقده، لم يكن غريباً،
بإعجابه، عن تجربة المخرج داوود عبد السيد. ولم يكن بعيداً عن رصد غياب عبد السيد
في السنوات الماضية. غير انه، فيما كان ينتظر فيلمه الجديد، فوجئ مع غيره، بإعلان
اعتزال مخرجه الأثير، ولم يصدم كثيراً بهذا الاعلان الفاتن، ربما لأنه، لمعرفته
الخاصة بالواقع السينمائي المصري ومشهده المحبط، كان من بين من استدركوا ضرورة
مراجعة وتعويض غياب عبدالسيد بتاريخه ومنجزاته الآملة.
(3)
منذ بدأ يكتب عن السينما، ومن ثم اطلاق موقع (سينماتك)، كان حسن حداد يخص مخرجيه
العرب، المصريين خصوصاً، بقدر لا بأس به من القراءات النقدية، معبراً عن اعجابه
النقدي بالسينما الجادة، في سعي واعٍ نحو الترصين الحضاري للعمل السينمائي الاكثر
تعرضاً للاختراق التجاري الهابط، الذي تعمل السلطات العربية على تسطيحه والنيل من
جديته.
ولعل في خلفية فكرة هذا الكتاب، رغبة موضوعية للدعم المعنوي (حيلة الكاتب الوحيدة)
لعبد السيد وتجربته السينمائية.
(4)
في زيارته الوحيدة للبحرين، اثناء مهرجان السينما، كنتُ كتبت عن واحد من اهم افلام
داوود عبدالسيد (أرض الأحلام) الذي قام ببطولته فاتن حمامة ويحيى الفخراني، ورأيت
فيه شيئاً خطيراً من التحولات الاجتماعية التي كان المجتمع المصري (لئلا اقول
العربي) وهو يتعرض لقصف الانسان بشهوة الاستهلاك والنزوع النفسي نحو الهجرة واوهام
التغيير.
الآن اعتقد ان احساس المخرج السينمائي بالعجز تجاه السلطات التي تفتك بمكونات
المجتمع العربي (لئلا اخصّ المصري) وتدفعه الى التدهور المرير، هو ما يشي بالضعف
الهائل الذي ينطوي عليه المبدع، هو ما يقف في جوهر وخلفية اتخاذ قرار الاعتزال من
طرف داوود عبدالسيد.
(5)
عنوان هذا الكتاب (…. واقعية بلا حدود) ذكّرني بكتاب روجيه غارودي الشهير في واقعية
الستينيات، ( واقعية بلا ضفاف).
يومها كان غارودي من بين الكتابة الادبية التي تقول بالتحرر من حدود الواقعية
الاشتراكية التي كانت تعمل على حبس الكاتب وتلقينه كيف يكتب للشعب، حسب ما يريد
الشعب ومستواه. وظني ان داوود عبدالسيد من بين الفنانين الذين تحرروا من تلك التخوم
التي تنجح في التعبير وتفشل في احلام المخيلة. ولذا فإن العنوان الذي اختاره الكاتب
لكتابه جاء متصلاً بتجربة عبدالسيد السينمائية، الفنان الذي لا يخضع للشرط الواقعي
الذي افسد العديد من تجارب المبدعين العرب.
(6)
سنظل معجبين بالنحت الذي يسهر عليه داوود عبد السيد في حقل السينما كتابة واخراجاً،
ونظل متصلين بسعيه المخلص لطرح الرؤية الجديدة الحرة في حقل السينما،
ونظل مؤازرين لخطواته السديدة، متفهمين طريقتك في الاحتجاج، مؤمنين بأن الفن الضعيف
او الفاشل لن يكون جديراً بالدفاع عن القضايا الانسانية، مهما كانت سامية. |