فيلم (الأقزام قادمون - 1986)، هو باكورة أعمال المخرج الموهوب (شريف
عرفة). بطولة خمسون قزماً شاركوا ليلى علوي ويحيى الفخراني وجميل راتب.
وكتب سيناريو الفيلم ماهر عواد، وصوره طارق التلمساني.
تدور أحداث هذا الفيلم الجرىء حول رجل الإعلانات شهاب (يحيى الفخراني) الذي
حقق وضعاً إجتماعياً وشهرة عريضة في هذا المجال. إلا أنه يشعر بزيف حياته
وكذب بريقها، خصوصاً عندما يحترق محل ديسكو (كان قد نفذ له إعلاناً) في يوم
إفتتاحه، ليكون هذا الحادث دافعاً لأن يبتعد عن مجال الإعلانات، ويلقي نظرة
من جديد على حياته هو وزوجته ناني (ليلى علوي) موديل إعلاناته. لذا يقرر
القيام بإجازة يقضيها في شاليه يملكه في الإسكندرية. وهناك يلتقي بالقزم
شيكو بائع الآيس كريم، الذي سبق وعمل معه في عدد من إعلاناته. يعجب شهاب
بإرادة شيكو، عندما قرر ترك الإعلانات والعودة الى عربة الآيس كريم. حيث
يتعرف من خلاله على عالم الأقزام ويزور قريتهم ويعجب ببساطة حياتهم وصدقها.
هنا تبدأ لحظة الإكتشاف والتنوير عند شهاب، فمن خلال معايشته لعالم
الأقزام، هذا العالم الذي على الرغم من إستضعافه من قبل الآخرين إلا أنه
عالم يعيش فيه قوم متحابون يفعلون مايحلو لهم ويستطيعون العيش في سعادة لم
يستطع وهو الإنسان السوي تحقيقها، سواء في منزله أو في عمله، على الرغم من
أنه مخرج إعلانات مشهور، حيث يجد نفسه مجبراً على الدعاية والإعلان لسلع لا
يحبها، بل ويشعر بزيفها.
وعندما تتحقق لحظة التنوير هذه، ينخرط شهاب بحماس في هذا العالم الجديد
عليه، بل ويساهم دون أدنى تردد في حل مشكلة الأقزام المزمنة، وهي إسترجاع
ملكية قطعة الأرض التي يعيشون عليها، والتي يدعي رضوان بيه (جميل راتب)
ملكيته لها. وينتهي الفيلم بعد أن ينجح الأقزام ومعهم شهاب في إسترجاع
ملكية الأرض، ويخرج هو أيضاً من أزمته النفسية، ليعود الى الحياة التي يحلم
هو بها.
يستمد فيلم (الأقزام قادمون) فكرة موضوعه، بالتركيز على واحدة من المهام
الوظيفية المؤثرة في محيط المجتمع، حيث العلاقة التي لا تنتهي بين مصمم
الإعلانات التجاري والإعلان نفسه بمجرد أن يقبض أتعابه. وماذا لو تبين بأن
البضاعة التي روج لها مصمم الإعلان وأبدع في الإعلان عنها، هي بضاعة فاسدة
أو هي دون مستوى الإعلان نفسه؟ ألا يكون قد ساهم فعلياً في تزييف الحقيقة؟
ثم ما هو مدى المسئولية التي يتحملها؟! جميعها أسئلة طرحها الفيلم وحاول
جاهداً البحث عن إجابات واضحة عليها.. إجابات أدان من خلالها الكذب والغش
والتحايل والتزييف في ظل ظروف إجتماعية معينة، تتحرك في إطار ما هو مسموح.
منذ البداية تتضح لنا قدرة المخرج وكاتب السيناريو على خلق أفضل الأجواء
الفنية التي تضع المتفرج في لب الأحداث، وذلك من خلال لغة سينمائية تتسلسل
فيها اللقطات في مشاهد (الفلاش باك) بعفوية مقصودة لنتعرف على الشخصيات
والأحداث التي وصلت الى ذروتها مع دخول الأقزام في حياة شهاب.
لقد إستغل المخرج شريف عرفة أقزام فيلمه لتحقيق المعادلة الصعبة، فجاء
توظيفه لمجتمع الأقزام جيداً يخدم فكرة الفيلم، بعيداً عن التهريج، بل
أعطاها أبعاداً وإسقاطات رمزية تنطبق على المجتمع ككل، وليس على مجتمع
الأقزام فقط.
قدم شريف عرفة مستوى فني وتقني جيد ومبتكر، إعتمد فيه كثيراً على الصورة،
حيث قدم كادرات جمالية موحية ومؤثرة تحت إدارة الفنان طارق التلمساني. كما
إعتمد أيضاً على المونتاج المتدفق الذي لعب دوراً بارزاً في الإرتفاع
بمستوى الفيلم، وجاء ليخدم الإيقاع العام للفيلم بمنتهى الحساسية، خاصة في
مشاهد (الفلاش باك) والإنتقال من الحاضر الى الماضي والعكس، ثم الدخول الى
لب الحدث مباشرة، بعيداً عن الوسائل التقليدية البالية. وقد جاء (الفلاش
باك) سريعاً مركزاً لم يقطع تدفق الأحداث، بل ويؤكد نجاح السيناريست
والمخرج في أولى تجاربهما الفيلمية. |