في (ثرثرة فوق النيل)، يقدم حسين كمال رؤية فنية ضبابية، بلا موقف فكري، بل
ويكرس فئة من الناس للمتاجرة بالنكسة على نحو سيء ومبتذل. ورغم أن الفيلم
قد اعتمد على رواية لنجيب محفوظ بنفس الاسم، إلا أن الفيلم ظهر بشكل مختلف
تماماً، لذلك من المجحف حقاً المقارنة بين الفيلم والرواية.
نحن في عوامة حسين كمال، نرى داخلها مجموعة من أنماط بشرية غابثة وغارقة
حتى النخاع في الجنس والمخدرات، دون أن يكون هناك تبرير اجتماعي منطقي قوي
ومقنع، فقد أفرغت الشخصيات من كل ما تحتويه من توتر وصراع وخوف وملل ورغبة
في الهروب من الواقع، ولا تجسد الإحساس الكامن بالهزيمة والجمهود الذهني
والفكري، الذي احتوته الرواية.
فشخصية رجب القاضي (أحمد رمزي) ممثل مشهور حرفته النساء ويمثل في أفلام
هابطة، مهمتها تخدير المتفرج. وسنية (نعمت مختار) زوجة تخون زوجها لمجرد
أنه خانها مع الخادمة. وتتحول إلى مومس لأهل العوامة. وليلى (سهير رمزي)
فتاة فقيرة تطمح في الحصول على سيارة مرسيدس وشقة في الزمالك، ومن أجل
تحقيق ذلك فقط، تبيع جسدها بأعلى سعر ممكن. وعلي السيد (عادل أدهم) صورة
ممسوخة للناقد الفني والصحفي. كذلك خالد عزوز (صلاح نظمي)، الكاتب الذي
يعيش على هامش الأحداث. وسناء (ميرفت أمين) التي تمثل الجيل الجامعي الضائع
الطامع للشهرة بأية طريقة.
جميع هذه الشخصيات لا تحمل أي مبررات مقنعة لحالة الفوضى والعبث اللتان
يعيشونها ولا تمثل أية أزمة فكرية أو سياسية. ربما الشخصية الوحيدة التي
تشير إلى ذلك، هي شخصية أنيس (عماد حمدي) في تجسيد هذه الحالة. إلا أن
المحتوى الفكري للشخصية يفتقد إلى العمق والاقناع.. الشخصية الوحيدة
المقنعة في الفيلم هي "الجوزة".. كانت البطلة الرئيسية حقاً، وكانت بارزة
في أغلب مشاهد الفيلم، حيث كان دخانها هو الذي جعل أهل العوامة يعيشون
عزلتهم هذه، ويصبحون عبيداً لها، يساهمون في تزويدها بالفحم وتوفير
مستلزماتها، إنها حقاً استخدام ذكي من حسين كمال لكي يجعل من فيلمه هذا
واحداً من أهم الأفلام التجارية، حيث استمر عرضه سبعة عشر أسبوعاً.
وكل هذا لا ينفي إمكانيات حسين كمال الحرفية، والتي ساهمت في نجاح الفيلم،
ففي المشهد الذي يبين أهل العوامة وهو يعبثون بتاريخهم المتجسد في تمثال
رمسيس، حيث تمثل الأحساس بالتناقض الساخر في نفسياتهم. كذلك اللقطات التي
يظهر فيها أنيس وهو يمشي في وسط الزحام ويتلو منلوجه الداخلي، معلقاً على
ما يحدث من حوله، كانت معبرة ووفق المخرج في تنفيذها. أيضاً اللقطة التي
تجمع أنيس والأرجوحة المهجورة في الإسماعيلية بعد عدوان يونيو، نراه واقفاً
أمامها متخيلاً صوت الأطفال وهم يمرحون، حيث يأتي صوتهم من خارج الكادر.
ورغم أن هذه المشاهد تعكس قدرة حسين كمال على الخلق، إلا أنها غير كافية
لطرح وجهة نظر، أو موقف فكري معين، فحسين كمال في تعامله مع رواية نجيب
محفوظ هذه، يبدو أقرب إلى تعامل حسن الإمام مع روايات نفس الكاتب منه إلى
التنفيذ الجيد الذي قدمه صلاح أبوسيف مثلاً في (القاهرة 30، وبداية
ونهاية). يقول حسين كمال: (...ثرثرة فوق النيل فيلم سياسي، ولكن حكاية
الحشيس كان لها في السينما وقع آخر غير وقعها في الرواية، في السينما لم
يتجاوب الجمهور إلا مع الجوزة، الجوزة كانت 67...).(2) |