في أكتوبر الماضي، افتتح السيد طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام رئيس المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب، فعاليات "أيام السينما المصرية الجديدة"، والتي
نظمها نادي البحرين للسينما، وأفتتحت في صالة البحرين الثقافية، في الفترة ما بين
السادس عشر والعشرين من ذلك الشهر.
وكانت فعاليات "أيام السينما المصرية الجديدة"، من بين أهم الفعاليات في الحدث
الثقافي البحريني خلال عام 1993. كما كانت أيضاً، مناسبة وفرصة هامة للجمهور
البحريني للتعرف ـ وعن قرب ـ على هذه السينما الجديدة. حيث حفلت هذه التظاهرة
بسلسلة من العروض السينمائية والندوات والنشاطات المتعددة، من خلال تواجد حشد كبير
من الفنانين المصريين، ممثلين ومخرجين ومنتجين ونقاد، ممن شاركوا في هذه التظاهرة
الفنية الضخمة، أو لنقل هذا العرس الفني الجميل.
لقد تم عرض ثمانية أفلام، اختيرت بعناية ودقة لتمثل هذه السينما الجديدة، وهي حسب
ترتيب عرضها: أرض الأحلام، أحلام هند وكاميليا، حب في الثلاجة، آيس كريم في جليم،
ليه يا بنفسج، سيداتي آنساتي، سمع هس، الهروب. كما استضافت هذه الأيام من الممثلين
النجوم: نجلاء فتحي، يحيي الفخراني، لوسي، ممدوح عبدالعليم، ليلى علوي. ومن
المخرجين: محمد خان، خيري بشارة، داود عبدالسيد، عاطف الطيب، رأفت الميهي، سعيد
حامد، رضوان الكاشف. ومن المنتجين: حسين القلا، فتحي الكاشف. أما من النقاد، فقد
حضر كل من: الدكتور مذكور ثابت، رئيس الوفد، سمير فريد، كمال رمزي، طارق الشناوي،
خيرية البشلاوي. إنه حقاً حشد كبير من فناني مصر المتميزين، جاءوا ليشاركونا هذا
العرس الفني.
إن التفكير في مثل هكذا تظاهرة فنية كبيرة، كان عبارة عن خطون جريئة يقوم بها نادي
البحرين للسينما، بل لنقل بأنها مغامرة وتحدي في نفس الوقت، لمجمل الظروف الصعبة
المحيطة بالنادي، وأهمها قلة الإمكانيات المادية، والتي تقف حجر عثرة أمام أي تفكير
أم تصور لإقامة نشاط معين لهذا النادي. هي حقاً مغامرة محفوفة بالمجاطر، حيث تخضع
بالطبع لإمكانيات النجاح والفشل. وتحدي لهكذا ظروف، أصر النادي والقائمين عليه على
تجاوزها، والمضي قدماً لتأكيد دور النادي الثقافي، ومن ثم إثبات وجودة ليس فقط على
المستوى المحلي، وإنما أيضاً على المستوى العربي والدولي، بشكل عام.
لقد بدأت فكرة إقامة مثل هذه الأيام السينمائية، تراود الفنان بسام الذوادي منذ
فترة طويلة. إلا أنه لم يعلن عنها إلا عندما تكونت إدارة جديدة لنادي البحرين
للسينما، وأصبح هو رئيساً للجنة العروض بالنادي. حيث عرض هذه الفكرة على الإدارة
وتمت مناقشتها من قبل أعضاء النادي. وبالرغم من أن البعض قد أبدى تخوفه من حجم هذه
الفعاليات المقترحة، إلا أن المزيد من الحوارات ودراسة متأنية للمشروع من جميع
جوانبه، قد خفف من رصيد التحفظات. ومن ثم إنخرط الجميع في السعي الدؤوب لإنجاح هذه
الفعاليات، والبدء في المشوار الطويل للإعداد والتنظيم لهذه الأيام السينمائية. فقد
بدأ الإعداد فعلياً، قبل ما يقارب الأربعة أشهر على بدء هذه الفعاليات، وذلك عندما
عقد الإجتماع التحضيري الأول في الثاني والعشرين من شهر يونيو 1993 بفندق الريجنسي،
حيث تم توزيع المهام على أعضاء اللجان المشاركة في الإعداد، وطرح البرنامج العام
لأيام السينما المصرية الجمديدة" ومناقشته، وقد تم اختيار بسام الذوادي ليكون
المشرف العام على هذه الأيام، ولجنة مشرفة من عضوية: نادر المسقطي، ومحمد فاضل. هذا
إضافة إلى ما يقارب السبعين عضواً، شاركوا في الإعداد والتنظيم، وتوزعوا على ستة
مراكز رئيسية، وهي: مركز العلاقات العامة، مركز النشرة اليومية، مركز الندوات،
المركز الإعلامي، مركز الضيوف، مركز التنسيق والمعلومات. بعد هذا الإجتماع التحضيري
الأول، توالت الإجتماعات بشكل دوري، وتعددت وجهات النظر ولم تختلف بالطبع، من أجل
الوصول إلى مستوى مشرف من خلال هذه التظاهرة الفنية السينمائية الضخمة.
وعن أهداف إقامة هذه الأيام، تحدث بسام الذوادي المشرف العام، فقال:
"أعتقد بأن لدينا في النادي اعتقاداً راسخاً، بأن طاقتنا الجميلة في البحرين لا
يكاد ينقصها شيء، فعلى مستوى الفنانين أو الكتاب أو الأدباء أو الصحفيين، أو حتى
المتابعين للسينما وغيرها من مجالات الإبداع، بنطوي الأمر على إسهامات راقية
ومتقدمة مقارنة بالمحيط الخارجي.. هذا وحده، فيما أحسب، عنصر كاف لنقل الصورة
الثقافية للبلد والسعي إلى تأكيد تميز إنتاجنا المحلي على هذا الصعيد.. من هنا فإن
حضور الفنان المصري وإحتكاكه بالعناصر المثقفة المحلية، أدباءً وكتاباً ومتعاطين مع
السينما، من شأنه أن يبلور علاقة ثقافية تنقل الصورة المتميزة لثقافتنا، هذا من
جهة. ومن جهة ثانية، تأتي هذه الأيام السينمائية لتقريب السينمائينن العرب من
الجمهور البحريني العادي. والأهم من ذلك، مادمنا لانزال بصدد الحديث عن أهداف هذا
النشاط، فإن إقامة مثل هذه الأيام وترسيخ تقاليد بهذا الخصوص، بفتح الباب مع تكرار
المبادرة، وضمن إمكانيات النجاح لنيل إعتراف دولي بقرتنا التنظيمية على الأقل".
وفي أول مؤتمر صحفي عقده المشرف العام واللجنة المشرفة على تنظيم هذه الفعاليات، في
السادس عشر من سبتمبر الماضي، تحدث السيد نادر المسقطي رئيس نادي السينما ورئيس
اللجنة المشرفة، فقال:
"بالنسبة لتكاليف "أيام السينما المصرية الجديدة"، فكما تعرفون، أن النادي هو مؤسسة
ثقافية أهلية تطوعية، لا تهدف إلى تحقيق ربح مادي أو تجاري. وهذا لا يعني أنه لن
تكون هناك نفقات مالية تتكلفها هذه الفعالية، مثل مصاريف دعوة الضيوف، من تذاكر
السفر، الإقامة، والمصاريف الأخرى المتعلفة بتنظيم هذه الأيام وغيرها من الأمور.
لذلك فإن هذه المصاريفيتعين على النادي تغطيتها، ومصادر التغطية بشكل أساسي هي
إيراد تذاكر الدخول، بالإضافة إلى الإعلانات التي سوف تنشر في الكتيب الذي سيصدر
بهذه المناسبة. إضافة إلى أنه جاري الإتصال ببعض الجهات كي تساهم معنا بتغطية هذه
المصاريف. وهنا ينبغي الإشارة بدور زارة الإعلام في رعاية هذه الأيام وتوفير كافة
التسهيلات التي سوف نحتاجها لإقامة هذه الفعالية".
وفي نفس المؤتمر الصحفي، تحدث السيد محمد فاضل نائب رئيس نادي السينما وعضو اللجنة
المشرفة، عن سبب اختيار السينما المصرية بالذات، فقال:
"هناك العديد من الإعتبارات التي دعتنا للبدء في اختيار السينما المصرية، والتي
أسميناها "السينما المصرية الجديدة". ونحن ندرك بأن معظم هذه الأفلام التي سوف تعرض
ضمن الفعالية، هي أفلام شاهدها الجمهور البحريني. لكننا هنا ننظر باتجاه الجانب
الفكري، حيث نشعر بأن هذه السينما الجديدة في ملامحها الخاصة المتميزة، تبلورت
وأخذت تفرض نفسها داخل السينما المصرية والعربية عموماً، وقد أختيرت الأسماء على
هذا الأساس. ونحن من خلال عرضها، نريد أن نقول للمشاهد سبب إعجابه بها ولكن من
ناحية نقدية. ثم وجدنا بأن هؤلاء النجوم قريبون جداً من المشاهد البحريني والعربي
بشكل عام. لذلك حاولنا أن نختار لهذه الأيام مادة وأفلاماً ونجوماً، نعتقد بأن لهم
قيمتهم النقدية والثقافية، ويتوفر فيهم عامل قرب مع الجمهور".
وللتعريف بشكل أكثر وضوحاً بالسينما المصرية الجديدة كمفهوم، نستطرد في الحديث عن
هذه السينما وبدايات ظهورها. حيث لا يقصد بالسينما الجديدة، تلك الأفلام التي أنتجت
حديثاً بالطبع، فهذا ليس هو المقصود بالجدة، بل إن الجدة تكمن في التصور والرؤية
السينمائية، وتكمن أيضاً في البحث عن أطر جديدة وأسلوب مغاير للتعامل مع الواقع،
ومع مجمل القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية المعاصرة. وقد تمثل هذا التصور
وهذه الرؤية الجديدة في مجموعة من الأفلام أو التجارب القليلة، والتي لم تعهدها
السينما المصرية من قبل.. تجارب متمردة عن ما هو سائد، حاول صانعوها التصدي ببطولة
لذلك التيار المسيطر للسينما التقليدية والثورة عليه.
إن السينما المصرية الجديدة قامت على أكتاف سينمائيين مغامرين، أو بالأحرى فرسان،
حاولوا ويحاولون دائماً إحداث ذلك التغيير وصنع سينما مختلفة. هؤلاء الفرسان بدأوا
يشكلون، ومنذ بداية الثمانينات، تياراً مختلفاً، أو لنقل بذوراً لسينما متكاملة
مغايرة. ومن أهم هؤلاء الفرسان، المخرجون: محمد خان، خيري بشارة، داود عبدالسيد،
رأفت الميهي، عاطف الطيب، وغيرهم ممن أخذوا على عاتقهم رفع مستوى الفيلم المصري،
والإنطلاق به إلى آفاق فنية رحبة، والخروج بسينما جديدة.
ولو رجعنا إلى بداية الثمانينات، للبحث في البداية الفعلية لهذا التيار الجديد، أو
هذه السينما المغايرة، فمن الطبيعي بأننا سنواجه بعض الإشكالات في تحديد اسم فيلم
واحد لهذه البداية. حيث لا بد من الإشارة إلى أربعة أفلام على أقل تقدير، وهي (عيون
لا تنام ـ 1981)، (طائر على الطريق ـ 1981)، (العوامة 70 ـ 1982)، (سواق الأتوبيس ـ
1982). حيث أننا سنلاحظ بأن المخرجان: رأفت الميهي (عيون لا تنام)، ومحمد خان (طائر
على الطريق)، قد حاولا تجاوز بعض القيود القديمة للسينما السائدة، لكنهاما لم
يستطيعا الخروج عن نطاقها، بل عبرا عن إرهاصات لشكل جديد وسينما متجددة، ضمن إطار
السينما القديمة، وكانا بحق مثالاً للفنان المتجدد. أما خيري بشارة (العوامة 70)
وعاطف الطيب (سواق الأتوبيس) فقد إستطاعا أن يتجاوزا تلك السينما التقليدية
القديمة، ويصنعا سينما مصرية جديدة خالصة. حيث أنهما نجحا في التخلص من مواصفات
السينما السائدة والمسيطرة والخروج عليها، كما إتسم فيلمهما بالجدة في كل شيء.. في
الشكل والرؤية الفنية، في الإخراج والتصوير، حتى الأداء التمثيلي كان يتميز
بالحيوية وينطلق إلى آفاق رحبة للتعبير.
وبناء على ذلك، لابد من الإشارة بأن الفنان الذي يقدم الجديد غير الفنان المجدد،
والجديد شيء آخر غير التجديد. وبالتالي يمكن إعتبار فيلمي (العوامة 70، سواق
الأتوبيس) مثالان واضحان للفن الجديد، ويمثلان ـ بالتالي ـ البداية الفعلية للسينما
الجديدة في مصر.
يبقى أن نشير بأن فيلم (العوامة 70) يمثل النواة الحقيقية والقوية لهذه السينما
الجديدة، بل ويتميز فنياً عن الفيلم الثاني. إلا أن (سواق الأتوبيس) فيمن إعتباره
الإنطلاقة الجماهيرية الحقيقية، التي أعلنت للجميع عن وجود سينما جديدة ومغايرة.
هذه السينما الجديد، إستضافتها البحرين بنجومها وفنانيها، الذين وصلوا جميعاً مساء
يوم الجمعة، واستقبلهم نادي البحرين للسينما في حفل كوكتيل، أقامه فندق الخليج على
شرفهم في نفس الليلة. وفي صباح اليوم التالي استقبلهم وزير الإعلام السيد طارق
عبدالرحمن المؤيد، ودعاهم إلى حفل غداء في وزارة الإعلام.
أما في المساء، فكان الحفل الذي إنتظره الجميع بشوق وتلهمف بشوبه الحذر.. الحذر من
حدوث أي خطأ قد يعكر صفو الإحتفال. إلا أن حفل افتتاح "أيام السينما المصرية
الجديدة" كان رائعاً بشهادة الجميع. وكان حقاً عرساً ثقافيا، شمله وزير الإعلام
برعايته وحضور عدد من وزراء الدولة ووكلائها، وحشد كبير من الجمهور. هذا إضافة إلى
تواجد جميع الفنانين المصريين المشاركين في هذه الفعاليات.
وقد بدأ الحفل بعزف السلامين الأميري البحريني والجمهوري المصرية. ثم قدمت فرقة
البحرين للفنون الشعبية، بقيادة الفنان جاسم الحربان، لوحة فنية شعبية، عن صياغة
بانورامية لعدد من فنون البحرين الشعبية. بعدها ألقى وزير الإعلام كلمة رحب فيها
بالحضور، وأعرب عن تقديره لمشاركة مجموعة بارزة من فناني السينما والمسرح في مصر.
كما أكد في كلمته سعي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للتعاون مع الجمعيات
الثقافية الأخرى، لتشجيع الأعمال الإبداعية في الفن والثقافة، والإستفادة من تجارب
الدول الشقيقة، مشيراً إلى مشاركة المجلس إلى جانب وزارة الإعلام في هذه التظاهرة
الثقافية. وأشاد الوزير بالعطاء الثقافي والفني للسينما المصرية على المستوى العربي
والدولي. كما نوه سعادته إلى أهمية هذا التجمع الفني والثقافي للتعريف بفن صناعة
السينما، مبدياً دعم الوزارة للإنتاج السينمائي في البحرين ورعايته، ومشيراً في هذا
الصدد إلى فيلم (الحاجز) كأول تجربة سينمائية بحرينية طويلة. كما شكر الوزير في
ختام كلمته نادي البحرين للسينما، معرباً عن تقديره لهذا الإعداد والتنظيم الجيد
للأيام، وتعاون النادي مع إدارة الثقافة والفنون، متمنياً لهذه التظاهرة التوفيق
والنجاح.
ثم ألقى الفنان بسام الذوادي، المشرف العام للأيام، كلمة شكر فيها وزير الإعلام
لرعايته هذا التجمع الفني والثقافي، ولما قدمته الوزارة من تسهيلات ودعم للأعضاء
العاملين بنادي السينما. وأوضح الذوادي بأن "أيام السينما المصرية الجديدة" تأتي
لتبادل وجهات النظر بين المبدعين الهواة السينمائيين في البحرين وبين صناع السينما
الجديدة في مصر، مشيراً إلى أن هذا التبادل سوف يدفع لمزيد من الأعمال المشتركة،
وإقامة روابط جديدة للإنخراط في المشاريع السينمائية وغيرها من الفعاليات الثقافية
الأخرى.
ثم قام الناقد سمير فريد بإلقاء كلمة نيابة عن الوفد المصري المشارك، شكر فيها نادي
البحرين للسينما على تنظيمه لهذه الفعالية الثقافية الفنية، والتي تعبر عن التعاون
الثقافي بين شعبي البلدين. وأشار في كلمته إلى إهتمامات النقاد البحرينيين ودورهم
البارز في إثراء الثقافة العربية.
بعدها أعلن السيد طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام عن بدء فعاليات "أيام السينما
المصرية الجديدة"، حيث بدأت بتقديم وعرض لفيلم الإفتتاح (أرض الأحلام)، وهو من
إنتاج حسين القلا، وإخراج داود عبدالسيد، ومن بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة
والفنان يحيي الفخراني.
وبعد إنتهاء عرض الفيلم، وتصفيق حار من قبل الجمهور، بدأت ندوة فيلم (أرض الأحلام)
بحضور المنتج حسين القلا، والمخرج داود عبدالسيد، الفنان يحييء الفخراني. وأدار
الندوة عضو اللجنة المشرفة ورئيس مركز الندوات السيد محمد فاضل.
وقد ناقشت الندوة العديد من جوانب الفيلم الفنية والتقنية، والتي عبر المخرج عن أن
إرتقائها جاء بفضل توفير الإمكانيات التقنية. فبالرغم من أن التصوير قد تم في فصل
الصيف، إلا أن فريق العمل في الفيلم قد نجح في توفير أجواء الشتاء الممطرة. مما
يؤكد حجم الجهد المبذول في العمل والوقت الطويل الذي بذل في إعداده وإبرازه بهذه
الصورة.
وفي سؤال عن صغر حجم دور يحيي الفخراني في الفيلم، رد الفخراني بأنه: ليس مهماً أ،
تكون مساحة التواجد على الشاشة كبيرة، في حالة ضمان وجود كفاءات أخرى تحمل الفيلم.
ففي ظل تواجد مخرج كبير وممثلين متميزين، لا تهم مساحة الدور، كبرت أو صغرت، طالما
أن العمل جيد.
وفي رده على سؤال عن عدم ملائمة اسم الفيلم بالنسبة لمضمونه، قال عبدالسيد: بأن
المقصود بأرض الأحلام، هي الأرض التي تحقق فيها أحلامك، قد تكون بلدك أو بلد آخر،
وليس المقصود بأرض الأحلام أمريكا. فالفيلم لا يطرح بأنه ضد الهجرة أو معها، إنه
يكشف وبشكل بسيط وغير مباشر عن كيفية إكتشاف البطلة لذاتها وأهدافها.
أما أحد الحضور فقد تساءل عن سبب التركيز على بعض المظاهر الخارجة عن السلوك العام
والمنافية للأخلاق العامة، فأجاب عبدالسيد بأنه أراد أن يبين إذا كانت البطلة
إنسانة محافظة، فهناك الضد الكامل لها. وأضاف بقوله: إن الأفلام ليست موجهاً
سلوكياً، والفن لا يقوّم الأخلاق أو يفسدها، إنما يشرح حالات معينة عبر شخصيات
معينة، وهو بالطبع ليس أداة وعظ وإرشاد.
وفي ختام الندوة، شكر محمد فاضل مدير الندوة، كل من المخرج داود عبدالسيد على
ماميرته الرشيقة ولغته الشاعرية، والفنان يحيي الفخراني على أداءه المتألق، والمنتج
حسين القلا على إنتاجه المتميز.
بهذا، يكون أول "أيام السينما المصرية الجديدة" قد إنتهى، مصحوباً بفرحة غامرة من
المنظمين، نيتجة إطراء الحضور على النجاح في هذا الإعداد والتنظيم الجيد.
وفي صبيحة اليوم التالي، نظمت اللجنة المشرفة رحلة ترفيهية إلى جزر الدار السياحية،
لجميع أعضاء الوفد المصري المشارك في الأيام، حيث قضوا وقتاً ممتعاً في أحضان
الطبيعة البحرية. أما في المساء، فقد تواصل البرنامج ليعرض في الساعة الخامسة فيلم
(أحلام هند وكاميليا) بحضور المخرج محمد خان والنجمة نجلاء فتحي، اللذان قدما
للفيلم، وأجابا عن أسئلة واستفسارات الجمهور، في الندوة التي أعقبت العرض والتي
أدراها الناقد محمد البنكي.
في الثامنة مساءً كان عرض فيلم (حب في الثلاجة) بحضور المخرج سعيد حامد الفنان يحيي
الفخراني. هذا الفيلم الجريء في فكرته، قد أثار الكثير من التساؤلات لدى الجمهور في
الندوة التي أعقبت العرض، والتي أدراتها هدى المطاوعة.
وفي اليوم الثالث من "أيام السينما المصرية الجديدة" قام الوفد المصري بجولة سياحية
عامة، تعرف من خلالها على معالم البحرين الأثرية والحضارية، أعقبها حفل غداء في
مطعم الصواني السياحي. كما قررت اللجنة المنظمة، وفي الساعة الثالثة من عصر
الإثنين، عرض فيلم (أرض الأحلام) للجمهور، حيث كان الإقبال الجماهيري متميزاً، بل
ومفاجأً في نفس الوقت، على عكس الإقبال لعروض الأفلام الأخرى. وفي الساعة الخامسة،
عرض فيلم (آيس كريم في جليم) بحضور المخرج خيري بشارة وحيداً، مقدما للفيلم
ومشاركاً في الندوة التي أدارتها جمانة عواضة. بعدها عرض فيلم (ليه يا بنفسج) بحضور
مخرجه رضوان الكاشف والفنانة لوسي والناقد طارق الشناوي مقدمين للفيلم ومشاركين في
النقاش الذي دار في ندوة الفيلم، والتي أدراها محمد البنكي.
في العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء، أقيمت في فندق الخليج، الندوة الكبرى حول
السينما المصرية، والتي بدأها مدير الندوة السيد محمد فاضل، بمداخلة ومحور أولي
تحدث فيه عن أساس تسمية هذه الفعاليات بـ "أيام السينما المصرية الجديدة"، وذلك
إحتفاء بها كوااقع سينمائي هو ليس بالجديد، حيث أن هذا المصطلح قد ظهر مع نهاية
الستينات وتمثل في بيان جماعة السينما الجديدة. وأن السينما الجديدة جاءت عبر
محاولات وطموحات فردية فيما بعد، من مجموعة من المخرجين، وضمن نطاق ثقافي يسود
الواقع. هذا، وأضافت الناقدة خيرية البشلاوي، بأن جماعة السينما الجديدة، قد بدأت
بالتحديد في عام 1968، وكانت تضم مجموعة من خيرة كتاب السيناريو والمخرجين والنقاد
في مصر، حاولوا الخروج على طوق التجربة السينمائية السائدة في ذلك الوقت. وقد قوبلت
هذه الجماعة بحماس من قبل الفنانين والمثقفين، كما قوبلت بهجوم خفي وشرس من قبل
تيار السينما السائدة. وأشارت الناقدة بأن أهم ما يميز السينما المصرية الجديدة هو
إهتمامها بالإنسان المصري البسيط، وإبراز همومه وطموحاته وخيباته وإنتماءه الإقليمي
والعربي.
بعدها تحدث الدكتور الناقد مذكور ثابت رئيس المركز القومي للسينما، الذي أشار بأن
جماعة السينما الجديدة، الذي كان هو أحد العاملينفيها، قد تأثرت في البداية بتيارات
السينما الأوروبية، وكان ينقصها في ذلكالوقت أن تكون سينما مصرية بذاتها. وأضاف بأن
ظهور جيل المخرجين في السبعينات، أمثال خيري بشارة ورأفت الميهي، قد جعلها تبحث عن
هويتها المحلية. كا أكد الدكتور ثابت على دور النقد المهم في رصد هذه الحركة
ومتابعة تجاربها. أما الناقد كمال رمزي، فقد ركز في حديثه بالنظر إلى الواقع
السينمائي خلال العشرين عاماً الماضية، وبالذات بعد هزيمة 67، التي أثرت بشكل واضح
وقوي في إعادة تقييم الواقع المصري والعربي في لاشتى المجالات. لذلك فإن جذور هذه
القضية هي جذور ساسية في المقام الأول.
كما تحدث الناقد سمير فريد، وذكر بأن تعير السينما الجديدة ليس مصطلحاً علمياً أو
نقدياً، وإن التجربة السينمائية في مصر ومنذ الثلاثينيات كانت تعيش في عزلة، وأن
الواقع الإجتماعي في مصر في ذلك الوقت لم يسمح بخلق علاقة إتصال بين السينما
المصرية والسينما العالمية، وخاصة السينما الأوروبية.
الناقد طارق الشناوي، طرح بأن التجديد جاء مرتبطاً بالحياة، بإعتبار أن الفنان
ينحاز دوماً نحو التجديد بطبيعته، ليصل إلى الفن. وأن تجربة جماعة 68 السينمائية
كانت مجرد تجمع إنطلقت من خلاله تجارب فردية لم تقترح إبراز أعمال ذات صيغة جماعية.
أما الناقد البحريني يوسف الحمدان، فقد تحدث عن إشكالية السينما الجديدة، منطلقاً
من دور المخرج في إعتماده على ممثل متوحد في دور نمطي واحد. كما أشار الحمدان بأن
السينما الجديدة تميزت بإمكانيات وجماليات خاصة للكاميرا، بدون النظر إلى المعالجة
الضمنية لمحور هذه الجماليات، ليصبح المضمون دون مستوى التميز التي ظهرت به كاميرا
المخرج.
وبعد هذه المحاور ووجهات النظر المتعددة التي طرحها النقاد، شارك جميع النفنانين
وبعض الحضور في الندوة، في حوار طويل تجاوز الثلاث ساعات، إحتدم فيه النقاش في
أحيان، وإتسم بالهدوء والتركيز في أحيان أخرى. وكانت بالفعل ندوة قيمة ومهمة،
إستفاد منها المشاركين وأفادوا.
في نفس اليوم، وفي تمام الساعة الخامسة مساءً، عرض فيلم (سيداتي آنساتي) بحضور
المخرج رأفت الميهي، الذي نزل من على المسرح وواجه الجمهور القليل الذي حضر العرض،
وأخذ يناقشهم ويرد على تساؤلاتهم بتلقائيته المعهودة، في حوار ودي صريح، جعل معظم
الحاضرين يشاركون في النقاش.
بعدها عرض فيلم (سمع هس) بحضور الفنانة ليلى علوي والفنان ممدوح عبدالعليم والفنان
سعيد حامد، بصفته مخرج منفذ للفيلم، شاركوا جميعاً في الإجابة على إستفسارات
الجمهور الكبير الذي حضر العرض والندوة التي أدارها محمد البنكي. وقد حدث خلل فني
طاريء أثناء عرض الفيلم، ضيع على جمهور المشاهدين مدة عشر دقائق من الفيلم، أبى
الفنان ممدوح عبدالعليم إلا أن يكمل ما إنقطع، فقام بشرح أحداث الدقائق العشر
للجمهور، الذي حياه بحرارة.
وفي نفس الليلة، وفي تمام الساعة السابعة والنصف، أقام سفير جمهورية مصر العربية
السيد مصطفى كمال عبدالفتاح، حفل إستقبال في منزله، تكريماً للفنانين المصريين
المشاركين في الإيام، حضره عدد من المسؤولين في وزارة الإعلام ومن نادي السينما،
ورجال الصحافة والمهتمين بالفن.
أما بالنسبة لليوم الأخير لهذه الأيام السينمائية وهو الأربعاء، فقد عرض فيلم
الختام (الهروب) للمخرج عاطف الطيب، والذي واجه الجمهور وحيداً، في الرد على
إستفساراتهم ومداخلاتهم، في الندوة التي أدارتها ريم إنطون. علماً بأن فيلم
(الهروب) يعرض كاملاً لأول مرة هنا في البحرين، بعد أن شاهده الجمهور العربي في
السابق وقد حذفت منه الرقابة المصرية حوالي عشرون دقيقة من المقدنة، وأفرجت عنها
مؤخراً.
بعدها بدأ حفل ختام "أيام السينما المصرية الجديدة"، بوصول وزير الإعلام السيد طارق
عبدالرحمن المؤيد. حيث بدأ الحفل بلوحات شعبية لفرقة البحرين للفنون الشعبية. ومن
ثم ألقى السيد نادر المسقطي رئيس نادي السينما ورئيس اللجنة المشرفة على الأيام،
كلمة رحب فيها بوزير الإعلام والحضور، وأشاد بفعاليات هذه الأيام، وبالتجاوب الذي
أبداه الجمهور لها. كما أوضح بأن أيام السينما المصرية الجديدة، قد حققت الأهداف
التي أقيمت من أجلها. حيث أثبتت مقدرة النادي على تنظيم مثل هذه الأسابيع
السينمائية، مشيراً إلى أنه لولا دعم وزارة الإعلام وعلى رأسها الوزير، لما تحقق
هذا النجاح الكبير. وأعرب المسقطي في ختام كلمته عن شكره وتقديره للمسؤولين بوزارة
الإعلام وللمساهمين في دعم هذه الأيام من الشركات والمؤسسات التجارية في البحرين.
بعدها ألقى الناقد كمال رمزي كلمة نيابة عن الوفد المصري، شكر فيها وزير الإعلام
لرعايته هذه الأيام. كما عبر عن شكر الوفد وتقديره لحكومة دولة البحرين للحفاوة
وحسن الوفادة والإستقبال التي لقيها خلال إقامته في البحرين، مشيراً إلى أن حسن
التنظيم والإعداد الجيد كان له أكبر الأثر في إنجاح هذه الأيام، معرباً عن أمله في
إقامة أسابيع سينمائية مشتركة أخرى بين البلدين الشقيقين. ثم قدمت فرقة الأمن العام
الموسيقية عدداً من المقطوعات الموسيقية بقيادة الفنان مبارك نجم. أثنائها قام وزير
الإعلام بتوزيع شهادات تقديرية على الفنانين المشاركين في هذه التظاهرة الفنية.
وبهذه المناسبة، أعرب سعادته عن شكره وتقديره للوفد المصري ولنادي البحرين للسينما،
لما بذلوه من جهد كبير ساهم في إنجاح هذه الأيام، مؤكداً على أهمية الإستمرار في
عقد اللقاءات الثقافية والفنية والأدبية بين البحرين وأشقائها من الدول العربية،
لتدعيم روابط التعاون والتواصل الثقافي المشترك، وتبادل الخبرات في هذا المجال.
وأضاف الوزير بأن إقامة هذه التظاهرة الفنية قد عكس إعتزاز البحرين بما تقدمه مصر
الشقيقة من نماذج رائعة للإبداع الفني والثقافي والأدبي.
إلى هنا نكون قد قمنا بتغطية شبه متكاملة لفعاليات "أيام السينما المصرية الجديد"،
إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن فعالية من هذا النوع يجب التأكيد على تكرارها، بل
وترسيخها في واقعنا الثقافي. حيث أن الإستفادة حتماً ستكون مغرية، خصوصاً إذا عرفنا
بأن هذه التجربة، بإعتبارها الأولى في هذه المنطقة، قد حققت الكثير من أهدافها،
وإستحقت الثناء من كافة المشاركين والضيوف.
ثم لا يمكن إلا أن نشير، بأنه ليس هناك من مأخذ واضح وأكيد على نجاح هذه التظاهرة
من عدمه، سوى تلك اللامشاركة والتواجد السلبي للمتفرج البحريني في عروض الأفلام
وندواتها. ولابد أن تكون هناك أسباب لهذا اللاتواجد الجماهيري الفعلي، ربما تكون
تلك اللامبالاة التي يمكن أن يتصف بها المتفرج في البحرين لأي فعالية سينمائية، أو
ربما تكون أسباباً أخرى تكون قد غابت على مشرفي هذه الأيام، ويمكن تلافيها في
المستقبل. متمنياً تجاوز هذه الأسباب مستقبلاً، ليكون إقبال المتفرج في البحرين
دافعاً قوياً لإنجاح أي فعالية سينمائية وثقافية في المستقبل.