بإعلان نتائج مسابقاتها الأساسية، الدولية والعربية والرقمية
إضافة الى جائزة إتحاد النقاد والصحافيين السينمائيين
Fipresci،
تكون قد اختتمت فعاليات تظاهرة الدورة الحادية والثلاثين لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي. تلك التظاهرة كالعادة، وكما في السنوات القليلة الماضية،
لم تمر من دون ان تطلق سهام نقد قاسية شنتها الصحافة المحلية تجاه إدارتها
واختياراتها مرة، وأخرى صوب الداعم المالي للمهرجان رجل الأعمال المصري
نجيب سايروس. ولئن حُمل الأخير تقليص حضور الصحافة لمتابعة عروض الأفلام
السينمائية والندوات الحوارية التي تليها إلا بدعوات رسمية، والتشكيك بفكرة
استقلالية المهرجان عن وزارة الثقافة، مما دفع ببعض الصحافيين الى التظاهر
أمام دار الأوبرا في الأيام الأولى لانطلاق هذه الدورة.
فان تضاربه مع انطلاق فعاليات مهرجان القاهرة للإعلام العربي،
والذي أشرفت عليها وزارة الإعلام، ولد إرباكاً مضافاً، ولو لحين، وعبر سرقة
الأضواء من الأول نحو الثاني.
ومع ذلك، فان ما دار خلف كواليس المهرجان وما أثارته من ردود
أفعال عليها ليس جديداً على هذه التظاهرة، إنما في التحديات التنظيمية
والجدية القادمة رياحها من مهرجانات سينمائية منافسة مثل مهرجاني مراكش
ودبي الوليدين، خصوصاً ان الأخير عرف كيف يوظف سلطة المال والعمالة
الأجنبية في استقطاب أسماء كبيرة كما هو الحال في دورته الرابعة. إن عثرات،
على شاكلة عرض شريط سينمائي مختلف عن ذلك المبرمج، أو عدم الالتزام بمواعيد
العروض المقررة وفق جدول زمني محدد، وطريقة إدارة الندوات وجعلها أكثر
حيوية في اغناء وتعدد قراءات الأشرطة المعروضة بدلاً من مداخلات طويلة
تتغزل بجمال ممثلة، كما حدث مع المكسيكية لورا هارينغ، او إظهار إعجاب
مبالغ بشريط ما او بالعكس التنديد بصناعه. والتدقيق في الترجمات المباشرة
الى اللغة العربية او تلك المطبوعة في كاتلوغ المهرجان، كما يفضحه اسم مخرج
الشريط الفائز بجوائز المهرجان الأساسية إذ تحول على يد المترجم الى مخرجة،
كان بالإمكان تجاوزها، لكنها بمجملها وتكرارها تضع رهانات مهرجان القاهرة
السينمائي في موضع تساؤل. وهي رهانات ليست بالقليلة ولا بالهينة، ولعاصمة
ذات إرث فني كبير وآخر ضارب في عمق التاريخ. ولو دققنا جدياً في فقرة
المسابقة الدولية للأفلام الروائية الطويلة، وهي الأهم، لوجدناها تقريباً
خالية من اكتشافات حقيقية، حتى إن قسماً منها عرض او يعرض تجارياً او سبق
ان جال على مهرجانات سينمائية ثانوية.
المسكوت
عنه
شملت فقرة أفلام المسابقة الدولية، 18 فيلماً من 15 بلداً،
وكان شريط "العدو الحميم" للفرنسي فلوران اميليوسيري، والذي خطف ثلاثة
أهرام ذهبية، لأفضل فيلم ومخرج إضافة الى واحدة لممثله البرت دوبانتيل،
الأقرب للفوز منذ البداية. وما كان قرار لجنة التحكيم، التي رأسها المخرج
البريطاني نيكولاس روج وضمت في عضويتها المخرج البولوني والكاتب كريستوف
زانوسي والممثلة التركية نورغول ياسيلكاي والمخرجة المصرية ساندرا نشأت،
مخيباً لأحد إنما المصادقة على توقعات نقدية وشعبية سبقت عرضه في صالات
السينما التجارية. وفيه يستعيد مخرجه موضوعاً إشكالياً ظل يؤرق الذاكرة
الفرنسية لسنوات طويلة، وكان أشبه بالتابو المحرم، ألا وهو الحرب
الجزائرية. لكن قراءة فلوران جاءت مخالفة، وعلى عكس اشتغالات سينمائية
كثيرة، منها ما هو متعاطف مع حركات التحرر الوطني كما في "معركة الجزائر"
لجيلو بونتيكورفو، او استرجاع العلاقة التاريخية بين المستعمِر والمستعمَر
مثلما نقلها الجزائري محمد لخضر حامينا الى الشاشة في شريطيه "ريح الأوراس"
و "وقائع سنوات الجمر". او الغبن والنسيان وعدم المساواة الذي لاح بسوطه
الشباب المنحدر من أصول شمال أفريقية في حروب فرنسا "الأم" والدفاع عنها،
حسب صنيع رشيد بوشارب في "بلديون".
إذ أحال فلوران تلك الحرب الى عذر درامي لمقاربة العدو الحقيقي
القابع داخل أعماق الجندي والضابط الفرنسي، وليس ذلك الرابض على جبهات
القتال وأعالي الجبال. إنه العدو الذي لا يتردد من ارتكاب فعل الحماقات
والممارسات الهمجية والدموية، ويتفنن في أساليب التعذيب وممارسة سياسة
الأرض المحروقة عبر رمي القنابل العنقودية والنابالم، والتي دفع ثمنها
المدنيون الجزائريون والعُزل ثمناً غالياً. إن بطلي الشريط تيريان، ذي
الفكر الإنساني والمثالي والذي عرف العالم من خلال الكتب، ونقيضه ضابط
الاستخبارات بيرتو،الذي قاوم الاحتلال النازي لبلده وتعرض للتعذيب، يضعهما
المخرج إزاء امتحان قيمي لآدميتهما ولوحشية الحرب.
المسكوت عنه في الجانب الفرنسي قابله آخر، ولكنه من صناعة
سورية. وجاءت عبر شريط "خارج التغطية"، الفائز بالجائزة البرونزية لمهرجان
دمشق السينمائي الأخير، عرض ضمن فقرة (مسابقة الأفلام العربية)، لعبد
اللطيف عبد الحميد. وفيه يطرق صاحب "رسائل شفوية" و "صعود المطر،" و"قمران
وشجرة زيتون" و "اختيار المستمعين" موضوعاً قلما قاربته السينما السورية،
ألا وهو المعتقل السياسي. ويدور حول جهود بطله عامر(فايز قزق) في إطلاق
سراح صديقه زهير(نضال سيجري) المعتقل لدى السلطات الأمنية، وتأمين
المتطلبات اليومية لزوجة الأخير وأبنته. بعد عشر سنوات من الاعتقال،
والمراجعات والوساطات، تنمو على الجانب أحاسيس ومشاعر بين عامر وزوجة
صديقه. وبالمقابل، تبدأ الشكوك والهواجس تأكل عقل وقلب زوجة عامر، بفعل
غيابه عن البيت والاهتمام المبالغ به بزوجة صديقه. لكن زيارة الأخيرة
لزوجها في المعتقل، وفي مشهد مكثف، تتكشف عمق الهوة التي تفصل بين الاثنين.
فهي لا تجد الكلمات المناسبة لكي تقولها وبحضور شرطي يرصد ويمرر الرسائل
والصور بينهما، بينما الزوج يبادلها نظرات الريبة والشك. وما ان تنتهي
الزيارة، وفي أثناء العودة، تطلب الزوجة من عامر التوقف وسط الطريق لتترجل
راقصة على أنغام أغنية عراقية قديمة بصوت إلهام المدفعي. الإشارة سرعان ما
يلتقطها عامر، وليتحقق له ولها رغبة مكبوتة وفي مشهد يستحضر الغياب في آن.
اقترب عبد اللطيف، سواء بالتصريح او التلميح، من منطقة حساسة، وبحدود سقف
المسموح به وتحت رنين هاتف بطله المتقطع، الذي استعار منه الشريط عنوانه.
وعلى المنوال نفسه، قدم المصري أحمد عاطف شريطه "الغابة" ضمن
(خانة) مسابقة الأفلام العربية. وفيه متابعة لظاهرة مشردي مدينة القاهرة من
الأطفال، وما يتعرضون له من استغلال جنسي، فضلاً عن حياة العنف المسلط
عليهم من قبل عصابات تنازع فيما بينها السيطرة على مناطق نفوذ، وتوظفهم في
أعمال تطول الدعارة والسرقة والقتل وتجارة المخدرات. إلا ان الشريط وقع في
أغلب فصوله في فخ الاستسهال والعجالة، بدلاً من الدراسة المتأنية لهذه
الظاهرة التي تهدد مصير أكثر من مليوني طفل. لذا جاءت معالجته مخيبة في
بنائها الدرامي، وضعيفة في لغتها السينمائية، وغير مقنعة في رصدها للظاهرة.
ودليلنا مشاهد فارغة، مثل توزيع الهدايا بين المشردين من قبل عاملات او
متطوعات في منظمة معنية بشؤون الطفولة، أو تلك التي تتم فيها عميلة سرق
الأعضاء البشرية علناً من عصابة متخصصة في هذا الشأن. والطريف هو سرعان ما
ان ينتهي الشريط حتى يحضر في البال عمل "علي زاوا" للمغربي نبيل عيوش،
والذي تصدى لهذه الظاهرة ذاتها في بلده، ولكن عبر قراءة متأنية وازنت بين
حجم المشكلة وأسبابها واللمسة السينمائية والفنية الذكية.
تكريمات
وكرمت الدورة الحالية، إضافة الى السينما البريطانية، وللسينما
المغربية الجديدة، والرومانية، خصوصاً بعد النجاحات التي حققتها في الفترة
الأخيرة وكللتها بفوز "أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان" لكريستيان مينجو،
رهطاً من نجوم السينما العالمية. وعلى رأسهم الأميركي هارفي كيتل، ومواطنه
مات ديلون والمخرج البريطاني نيكولاس روج والموسيقي كوينسي جونز، والمخرج
والمنتج الجزائري محمد الأخضر حامينا. أما على الصعيد المصري، فقد كانت من
نصيب الممثل أحمد رمزي ونور الشريف والنجمة نبيلة عبيد والمؤلف الموسيقي
راجح داود وكاتب السيناريو مصطفى محرم والناقد السينمائي أحمد صالح. وخصت
لجنة تحكيم المسابقة العربية بتنويه للبنانية نادين لبكي عن شريطها "سكر
بنات" والمصري سعد هنداوي صاحب "ألوان السما السبعة".
في حين فازت الروسية تتيانا لتوفا بجائزة أفضل ممثلة عن دورها
في فيلم "رؤية كاملة" وتناصفتها مع المكسيكية مارينا ماجروسوتو عن دورها في
فيلم "أوبرا"، والذي فاز مخرجه خوان باتريشيو ريفرول بجائزة نجيب محفوظ
لأفضل عمل أول. وذهبت جائزة أفضل سيناريو الى الفيلم الهولندي "ضربات"
لمخرجه ألبرت تير هيردت، وحاز الفيلم التركي "في انتظار الجنة" لدرويش زايم.
المدى العراقية في 18
ديسمبر 2007
|