كتبوا في السينما

سينماتك

5  آلاف إعلامي يتابعون عرس السينما

"كان" ينطلق الأربعاء محتفياً بدورته الستين

محمّد رُضا

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

ينطلق مهرجان “كان” السينمائي الدولي في دورته الجديدة الأربعاء المقبل محتفياً بستّين سنة من العمر. مرّة أخرى عليه مهمّة تقديم السينما التي نتمنّاها لكن لماذا عليه ترويج السينمات التجارية أيضاً؟

الملصق الذي اختاره مهرجان “كان” لهذه الدورة يختلف عن تلك الملصقات السابقة للمهرجان من حيث إنه ليس رسماً وليس فكرة تجريدية أو قائماً على صورة لشخص او لشيء واحد. فكرته تقوم على جمع عدد من السينمائيين المعروفين (تسعة) يعلوهم المخرج عثمان سمبان بردائه الأبيض ويتضمن بدرو ألمادوفار وبروس ويليس وبينهما سامويل جاكسون، وهم يقفزون في الهواء.

إلى حد، فإن الملصق، الآتي إلينا بالأبيض والأسود، يعكس شيئاً جوهرياً في “كان”: لجانب سينما غير جماهيرية من عثمان سمبان وبدرو ألمادوفار وآخرين في الملصق، هناك أيضاً سينما جماهيرية يمثّلها سامويل ل. جاكسون وبروس ويليس. ولا أدري إذا ما كانت هذه القراءة مقصودة أو لا، لكني أعلم أن هذا هو قلب المسألة في هذه الدورة التتويجية، كما كانت قلب المسألة خلال العقد الأخير على الأقل.

هل هناك وجوه مختلفة لهذا المهرجان الكبير؟

هل يدخل أي فيلم جيد المهرجان لمجرّد إنه فيلم جيّد؟

هل هناك جديد مختلف في هذه الدورة؟ هل من رسالة؟

في حين أن غاية كل مهرجان سينمائي دولي أن يكون مهرجانا وأن يكون سينمائياً وأن يكون دولياً بكل معنى لهذه الكلمات، الا أن “كان” أصبح أكثر من معاني هذه الكلمات. أصبح تجسيداً.

هو العيد الأكبر للسينما العالمية من بين كل الاحتفالات والمناسبات السينمائية في العالم.

وهو السينما من كل طرف وفي كل حقل والى كل قصد. إليه يأتي كل السينمائيين العاملين في كل حقل يمكن تخيّله، وإليهم اولئك الذين يدورون في فلك السينما مثل محامين جاهزين لكتابة العقود الخاصّة او الإشراف على أي عملية قانونية. سائقو السيارات الخاصّة. مصمّمو الأزياء ومروّجو شركات التجميل والعطور. الطبّاخون المتخصصّون. المعلنون، وآخرون كثيرون في حقول حياة لا تنتمي الى السينما لكنها تنتعش بوجود السينمائيين جميعاً في مكان واحد (شحّاذون، بائعون على الأرصفة).

ثم هو دولي. برلين وفانيسيا وتورنتو وسندانس كلها مهرجانات دولية، لكن الفارق أن مندوبين صحافيين من بلزايس اللاتينية الى تشاد الإفريقية وكوبا يأتون إلى “كان” لكنهم لا يكترثون للمهرجانات الأخرى (او أن إمكانيات أدوارهم الإعلامية لا تسمح لهم بالمجيء إليها). بكلمات أخرى، في حين أن هناك 2000 صحافي في المتوسط يهطلون فوق معظم المهرجانات الأخرى المذكورة، هناك 5000 إعلامي موجود في “كان” هذا العام و4000 في الدورات العادية.

وبينما يحط فوق جزيرة الليدو قرابة 5000 سينمائي في أفضل الأحوال، هناك من 20 الى 25 ألف ضيف سينمائي يحطّون في “كان”.

هذا هو الحجم الذي أنجزه “كان” لنفسه في ستين سنة، وهذه هي الوجوه المختلفة لمهرجان لا يزال شابّاً في الستّين من العمر.

لكن قبل أن تجد بعضنا يقفز في الهواء فرحاً، كما هو حال من في الملصق المذكور، هل يعني كل ذلك أن كل دورة هي في مستوى واحد مع الدورة التي سبقتها، او أن هناك تصاعداً في المستويات؟

هذا ينقلنا الى السؤال الكبير الثاني؟

ما مواصفات الفيلم الجيد؟

في العام الماضي تم إرسال الفيلم السعودي “كيف الحال” لإيزودور مسلّم مخرجاً منتجاً ليُعرض على أعين لجنة الاختيار لاختياره كأحد أفلام المسابقة.

في الوقت نفسه، تم إرسال الفيلم الألماني “حياة الآخرين” لفلوريان هنكل فون دونرسمارك الى اللجنة ذاتها ولذات الغاية.

وفي حين أن “كيف الحال” لم يكن يصلح للمسابقة في أي مهرجان غير عربي، او في أي مهرجان بمستوى مهرجان “كان” او برلين او سواها، الا أن “حياة الآخرين” هو واحد من أفضل عشرة أفلام تم إنتاجها في العام الماضي عالمياً. كيف أنجز “كان” هذه المساواة بين فيلمين غير متساويين؟

لكي تنجز فيلماً تعرضه في المهرجانات عليك بالطبع أن تفكّر  من قبل تصوير اللقطة الأولى  بمراحل. “كيف الحال” لم يُصمّم على أن يكون فيلماً لهواة السينما لكن حين تبيّن لمنتجه أيمن حلواني أنه في سبيل إنجاز الفيلم السعودي الروائي الأول (مناصفة مع فيلم عبد الله المحيسن “ظلال الصمت” الذي خرج في الشهر ذاته) بما يحمله ذلك من قيمة تاريخية، بمضمون اجتماعي يطرح وضعاً قائماً في المجتمع السعودي اليوم، قرّر أن يتوجّه به الى أقرب مهرجان أمامه وهو “كان”.

لكن الكوميديا (اجتماعية كانت او لا) قلّما تستطيع أن تدخل مسابقة، والفيلم كان بحاجة الى ميزانية أعلى لضبط حاجيات أخرى مفقودة في السيناريو المُنجز، لذا فإن النتيجة المنطقية كانت رفض الفيلم. وهذا مفهوم (من ناحية سينمائية بحتة، ورغم نواقصه “ظلال الصمت” الذي لم يُعرض على لجنة الاختيار، أكثر صلاحية لدخول شكل رسمي ما في مهرجان دولي).

لكن ما سيبقى غير مفهوم هو الصورة المقابلة: كيف انزلق من “كان” فيلم رائع من مستوى “حياة الآخرين” يتناول موضوعاً مهمّاً للغاية (عميل مخابرات في ألمانيا الشرقية وما آل إليه حاله قبل وبعد إنهيار النظام) مصنوعاً بخامة فنيّة صحيحة ومتوّج ببعض أفضل ما لدى السينما الألمانية والأوروبية من عناصر فنية في التمثيل والموسيقا والتصوير.

لا ندخل هنا في عملية تحليل لكيف شاهدت لجنة الاختيار الفيلم او ذاك، او سواهما من أفلام تم قبولها ورفضها، لكنه واضح من أن ما تراه اللجنة صالحاً للعرض في المسابقة ليس دائماً ما هو أفضل مما في الإنتاجات السينمائية المختلفة. هناك معايير أخرى: هل المخرج معروف؟ هل المخرج الجديد غير المعروف حقّق فيلماً استثنائياً جداً؟ هل الإنتاج أغلى كلفة من المستوى العام؟ هل يمكن ترويجه كفيلم يعرضه المهرجان في المسابقة؟ وحتى ضمن هذه المعايير هناك أخطاء كالخطأ الشنيع في اختيار فيلم “الأرنب البنّي” قبل سنوات وكل فيلم رديء الصنعة قدّمه المخرج من قبل او بعد.

لذلك كلّه، هناك مستويان مختلفان يتعايشان جنباً الى جنب فيما يتعلّق ب “كان” كثيراً ما لا يثيران انتباه الحاضرين (ومعظمهم مغرم بوجوده هناك أكثر مما هو مغرم بالسينما ومستواها الثقافي تحقق في “كان” او لم يتحقق).

المستوى الأول هو “كان” كمهرجان: في هذا الوضع يمكن الإجابة بالتأكيد: نعم “كان” أهم مهرجان سينمائي في العالم. العيد الأكبر لها والمناسبة الأكثر تعدداً.

المستوى الثاني ليست كل دورات “كان” متساوية الأهمية او الجودة (وهذا منطقي حين يضطر المهرجان الاعتماد على المتوفر، وغير مقبول حين يستبعد أفلاماً جيّدة متوفّرة بحجة او بأخرى) لكن ذلك يعني أن ليس كل دورة منه أفضل من دورات لمهرجانات أخرى. بمعنى أنه قد يحدث كثيراً أن تكون دورة عام 2005 من مهرجان “برلين” أفضل من دورة العام نفسه ل “كان”، او أن دورة فانيسيا قبل عامين أفضل من تلك التي ل “كان” او “لبرلين” معاً. والعكس صحيح في أي إتجاه.

ما يجعل المرء على قدر من الذهول حيال الظاهرة التي اسمها “كان” هو التالي:

كيف سمح نقاد السينما الفرنسيين والعالميين (والعرب بينهم) لأنفسهم إعتبار أن الأفلام التي تُعرض في “كان” هي بالفعل الأكثر أهمية من الأفلام التي لا تصل إليه او التي لا تعرض في المهرجانات الرئيسية الأخرى؟ السؤال مطروح ليس كتعميم. بالطبع يدرك معظمهم أن هناك أفلاماً رائعة أخرى تُصنع ولا تُعرض (أستطيع أن أضع “السقّا مات” لصلاح أبو سيف في هذا المصاف ومثله عشرات من كل أنحاء العالم) لكن قليلون منهم يتوقّفون عندها.

الفيلم الذي يُعرض في “كان” هو الفيلم الذي يتم الحديث فيه على مدار السنة. الأخرى تسقط من الإعتبار الا إذا عُرضت في مهرجان آخر وحدث لهذا الناقد او ذاك أن حضر المهرجان.

الى حد، هذه طبيعة الأشياء، لكن الى حد أكبر هذه طبيعة تجاهل الأشياء أيضاً. “كان” يعوّد بعضنا على الإكتفاء وتجاهل الأفلام الأخرى.

* مخرجون عائدون دائماً:

يستقبل “كان” هذه السنة عدداً من المخرجين المداومين كمداومة زبائن المحلاّت التجارية القريبة من منازلهم: جوول وإيثان كوون (“لا بلاد للعجائز”  أمريكا)، أمير كوستاريتزا (“عدني بذلك”  فرنسا/ صربيا)، وونغ كار  واي (“لياليّ التوت”  كوريا)، كوِنتين تارانتينو (“مضاد للموت”  أمريكا)، ألكسندر زوخوروف (“ألكسندرا” روسيا). غس فان سانت (“بارونويد بارك”  أمريكا) بذلك، ومع أنه من المفيد دوماً متابعة أعمال مخرجين يعاودون الإطلال بجديدهم، الا أن هناك دائماً الشعور بأن هذا إنما يتم على حساب الإكتشافات.

* المخرجون الأمريكيون:

بصرف النظر عن قيمة  او لا قيمة  هذا المخرج او ذاك، هل يستحق “مضاد للموت” لكوِنتين تارانتينو أن يدخل مسابقة؟ لقد شاهدت الفيلم وأستطيع أن أقول لا براحة. لكن الأهم هو أنه بدخوله احتل موضعاً تم سحبه من فيلم ربما كان بحاجة الى مثل هذه الفرصة الرائعة. الى جانب أن أفلام كوون وتارانتينو ليست بحاجة للترويج بينما فيلم عربي او أفريقي او لاتيني او حتى أوروبي  وربما بالتحديد أوروبي  بحاجة الى مثل هذه الفرصة المسحوبة منه لصالح فيلم سيشهد عرضه التجاري الواسع على أي حال.

* المخرجون المسحوبون من مهرجانات أخرى:

التركي فاتح أكين نال ذهبية مهرجان برلين سنة 2004 عن فيلمه الروائي الطويل الأول “تصادم” وهو الآن يتسابق بفيلمه الروائي الطويل الثاني “على الجانب الآخر”. لكن هل كان المهرجان الفرنسي سيكتشفه لولا جائزته الذهبية تلك؟ إذا لم يكن هذا مثلاً واضحاً لننظر حالة المخرج المجري الرائع بيلا تار. في السينما منذ عشرين سنة يحقق أفلاماً تتسابق عليها المهرجانات الأخرى، وفقط في هذه السنة استقبله “كان” للمرة الأولى (بفيلمه “الرجل اللندني”). ومثل فاتح أكين المخرج الروسي أندريه زفاينستزيف الذي قدّمه فانيسيا بفيلمه الأول “العودة” وأهداه ذهبيّته. الآن يسحبه “كان” الى صفه بفيلمه الثاني “الصد”.

لا يخلو الأمر بالطبع من مخرجين جدد وواعدين، ولا أعني أن أقول إن أفلام الآخرين لن تكون جيّدة، إنما هي ملاحظة تصب في نطاق عملية حسابية للمهرجان قائمة على مقاييس ناجحة في جعله أهم مهرجان، لكنها قد تكون أقل نجاحاً في جعل الدورة أفضل من سواها.

الخليج الإماراتية في 13 مايو 2007

 

سينماتك