كتبوا في السينما

سينماتك

«ليالي بلوبيري» سيصل في موعده لكن الأسئلة عنه تزداد حدة...

الصيني وونغ كارواي يفتتح مهرجان «كان» بفيلم طريق أميركيّ الهوى

ابراهيم العريس

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

هذه المرة من المؤكد أن جمهور مهرجان كان، والمسؤولين في المهرجان، لن يقلقوا ولن يضعوا أيديهم على قلوبهم متسائلين: هل تراه سيصل في وقته أم سيتأخر أو يختفي تماماً؟ هذا السؤال الذي كان طرح مرتين على الأقل في صدد وصول المخرج الصيني وونغ كارواي وفيلمه الذي برمج في المهرجان، خلال السنوات الماضية، سيغيب هذه المرة. ذلك أن ما يعرضه وونغ كارواي في الدورة الستينية للمهرجان الفرنسي العريق هو فيلم الافتتاح. وهذا الأمر يستدعي طبعاً أن يكون الفيلم جاهزاً وفي حوزة أهل المهرجان قبل أيام من عرضه. وتؤكد أخبار «كان» منذ الآن أن النسخة موجودة فلا داعي للقلق. ولعل ما يزيد من تأكيد هذا الأمر أن الفيلم ليس انتاجاً صينياً خاصاً حققه وونغ كارواي على هواه كما يحقق رسام لوحة تشكيلية، بل هو انتاج غربي، مع فريق عمل دولي، وممثلين من أربعة أو خمسة بلدان على الأقل. ثم ان الفيلم ناطق بالانكليزية في أول تجربة للمخرج الصيني في هذا المجال. وبطولته معقودة لنورا جونز المغنية التي تكاد تصبح أسطورية منذ ألبومها الأول والتي يُراهن كثر على نجاح تجربتها السينمائية الأولى. اذاً؟ إذاً في بساطة شديدة: يمكن أهل «كان» أن يطمئنوا... عرض الفيلم سيكون في موعده، ليلة الافتتاح في المهرجان. ووونغ كارواي سيكون هناك أيضاً، على رغم انشغاله بالبدء في تصوير فيلمه التالي الناطق بالانكليزية «السيدة من شانغهاي» من بطولة نيكول كيدمان هذه المرة. وللعلم: لا علاقة بيّنة لفيلم كارواي الجديد هذا بسميّه فيلم أورسون ويلز المحقق في سنوات الأربعين من القرن العشرين من بطولة ريتا هايوارث. انه تشابه في الأسماء لا أكثر.

قواسم مشتركة

ومع هذا هناك من بين النقاد المتحمسين لكارواي، وهم كثر كما نعرف، من يجد أكثر من قاسم مشترك بين وونغ كارواي واورسون ويلز، لعل في مقدمتها تمكُّن الاثنين من الحصول على حرية مطلقة في مجال انتاج أفلامه، حتى وان كان الثمن الذي دفعه ويلز مقابل ذلك كان باهظاً. حتى الآن لم يدفع مخرج الصين الشهير مثل هذا الثمن. وليس فقط لأن الأزمان تبدلت، بل لأن حضور كارواي في المهرجانات والجوائز التي نالها حتى الآن، ناهيك بترؤسه لجنة تحكيم مهرجان «كان» في السنة الفائتة، كل هذا أمن له تلك الحماية، التي كانت هي أيضاً ما نقله من أن يكون مخرج الأفلام الصينية (مصوّرة في معظمها في هونغ كونغ وحول قضاياها في الخلفية)، الى أن يصبح، ولثلاثة أفلام مقبلة على الأقل، مخرجاً عالمياً ذا هوى نيويوركي – في فيلمه الذي يعرض هذه السنة في «كان».

الفيلم اسمه، كما بات معروفاً الآن بفضل الأخبار المتناقلة عنه «لياليّ البلوبيري» (أو في عربية فصحى «ليالي ثمار عنبياتي»، لكننا نراهن منذ الآن أن أحداً لن يستخدم هذا العنوان الأخير!)... وصحيح أن هوى هذا الفيلم نيويوركي، لكنه، وكما يعرّفه مخرجه نفسه «فيلم طريق»، أي من ذلك النوع العزيز على قلب مخرج آخر، الماني هذه المرة، وقع ذات يوم في هوى طرقات أميركا وحقق عنها غير فيلم نقله فجأة من مخرج الحياة الألمانية المعاصرة، الى مخرج المواضيع الأميركية الجوالة الفاتنة. ونتحدث هنا، طبعاً، عن فيم فندرز وعن «باريس/ تكساس» ثم عن «لا تأت قارعاً الباب». في الأول القديم نال فندرز سعفة كان الذهبية... لكنه في الثاني، الأحدث، لم يتمكن من الاقناع على رغم جمال فيلمه. فأي مصير يحفظ كان لـ «ليالي البلوبيري» اليوم؟ وهل ينال عنه كارواي سعفة ذهبية لم تعط له حتى الآن على رغم محاولاته المتكررة وجوائزه الكثيرة؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال منذ الآن... وكون الفيلم فيلم افتتاح في «كان» مع دخوله المسابقة الرسمية لا يضمن شيئاً. خصوصاً أن لا أحد يعرف أشياء كثيرة عن الفيلم، على رغم وفرة الأخبار المتناقلة عنه. فالواقع أن قلة فقط من الناس شاهدت «ليالي بلوبيري». وهو أمر معهود على أي حال، لدى صاحب «في مزاج الحب» (2000) و «2046» (2004)، الفيلمان اللذان أثارا قلق أهل كان يوم عرض كل منهما كما ذكرنا أول هذا الكلام. فوونغ كارواي، وربما لأنه يأخذ وقته كله في تحقيق كل فيلم من أفلامه يبقي الغموض محيطاً بكل واحد من أفلامه حتى اللحظات الأخيرة. بل يقال عنه انه قد يبدل وربما أشياء جذرية، حتى في تلك اللحظات. فهو من محبي الدنو الى أقصى الحدود من الكمال، ويشتغل على أفلامه، شكلاً إن لم يكن مضموناً، على الأقل، بدقة الجوهرجي، معطياً عنصر الزمن مكانة أساسية. الزمن؟

ربما يكون من الأجدى القول: الزمن الضائع... طالما اننا بتنا نعرف اليوم – ومنذ أول أفلام وونغ كارواي، التي خرجت من الصين، أي منذ «فيما تسيل الدموع» (1988) وحتى «2046» (2004) مروراً بأفلامه الطويلة «رماد الزمن» (1994) و «تشانغ كنغ اكسبرس» (1994 أيضاً) و «الملائكة الساقطة» (1995) و «سعداء معاً» (1997) ثم «في مزاج الحب» (2000)... وثلاثة قصيرة دعائية أو كجزء من ثلاثية («ايروس») – بتنا نعرف، أن سينماه هي سينما الأمكنة وعلاقات الناس بها، أكثر مما هي سينما الأزمنة. فالزمن يكاد يكون ممحواً تماماً في سينما صاحب «2046» حتى وان حمل هذا الفيلم اسم سنة محددة – لأننا سنكتشف أن هذا الرقم على رغم دلالته المتعلقة بموعد استقلال هونغ كونغ النهائي، هو رقم غرفة فندق -. الزمن لدى كارواي هو لمرور الوقت فقط، وربما لعيش الذكريات لا أكثر.

مكان وزمان

ومن هنا لم يكن غريباً أن يكون موضوع «ليالي بلوبيري» مرتبطاً بالمكان، حتى وان كانت «الليالي» التي يحملها العنوان، ترتبط لغوياً بمفهوم الزمن. لقد سبق أن أشرنا الى أن ما هو معروف عن هذا الفيلم حتى الآن، قليل، لكننا نعرف أنه فيلم طريق، تلعب فيه نيويورك دوراً أساسياً، ولكن دور ممفيس (مدينة الروك والفيس بريسلي) ودور لاس فيغاس (مدينة القمار والحلم الأميركي)، لن يقلا عن دور نيويورك. فنورا جونز، الحسناء الهندية الأصل (وهي في المناسبة ابنة الموسيقي الهندي الشهير بانديت رافي شنكار) وصاحبة سبع جوائز «غرامي» منذ البومها الأول، تلعب في الفيلم دور أميركية تبارح ذات لحظة عالمها الخاص لتتنقل بين الولايات الأميركية ذات الدلالة في ثقافة «البوب» وثقافة السينما الطليعية. أما عنوان الفيلم فمأخوذ من نهم نورا جونز هذه، في الفيلم طبعاً، لتناول حلوى العنبية (بلوبيري) من دون انقطاع. وهذا النهم الى أكلة معينة نجده في أفلام عدة لوونغ كارواي. غير أنه هنا لا يتخذ دلالة عابرة وحسب، بل يشكل جزءاً من شخصيتها، ويشهد على هذا – على الأقل – مشهد كان وونغ كارواي دعا بعض الصحافيين الى مشاهدة تصويره في مطعم ليلي في حي سوهو النيويوركي، وسيعرف لاحقاً باسم مشهد «القبلة»، انطلاقاً من قبلة غامضة تدور فيه بين نورا جونز وجود لاو (الذي يشاركها بطولة الفيلم الى جانب راتشيل فايز وناتالي بورتمان وآخرين). فهذا المشهد يدور، وقبلته، أصلاً من حول بقايا الحلوى التي تحيط فم نورا، ما يجعل جود لاو يقبلها وراء الطاولة ليزيل الحلوى. والطريف أن كارواي صور هذا المشهد، من طريق مدير تصويره الإيراني الأصل داريوش خونج، نحو 150 مرة خلال ثلاثة أيام التصوير، آخذاً وقته ووقت فنانيه وفنييه، حيث ان اللقطة قد تظهر على الشاشة مرات عدة ومن مواقع مختلفة.

لقد شاهد الصحافيون تصوير اللقطة... لكن وونغ كارواي لم يفصح أمامهم عن الدور الذي تحتله القبلة في الفيلم، ولا حتى عن طبيعة العلاقة بين نورا جونز وجود لاو... هذا كله أمور يفضل المخرج أن يكتشفها الآخرون على الشاشة، كعادته. والحقيقة أن العدد الأكبر من رواد «كان» ينتظرون لحظة ذلك الاكتشاف ليروا ما اذا كان وونغ كارواي نجح في امتحانه «الأميركي» من دون أن يتخلى عن أمانته لتاريخه الفني الصيني. وكذلك ليروا ما اذا كانت تجربته الأولى، في اللغة الانكليزية، ستمهد لاستمراريته في هذا المجال، عبر «السيدة من شانغهاي» وربما المشاريع التالية له أيضاً.

مهما يكن، «ليالي بلوبيري» سيقدم في عرضه العالمي الأول ليلة السادس عشر من أيار (مايو) الجاري. ويقيناً أن الأقلام ستتحرك منذ صباح اليوم التالي عنه مجيبة عن كل الأسئلة التي ما برحت تطرح منذ وردت أول الأخبار، قبل سنة ونيّف، متحدثة عن انطلاق وونغ كارواي الى عالمية نجوم هوليوود الكبار والانتاجات الانكليزية اللغة الضخمة، بعد أن ظل محافظاً حتى ذلك الحين، على سمعته كواحد من كبار نجوم الإخراج في السينما الصينية، محققاً عالميته عبر هذه الكينونة لا أكثر.

 

سيد الزمن: هل هناك خيانة ما؟

«سيد الزمن» هو اللقب الذي بات النقاد، ومنذ زمن، يطلقونه على وونغ كارواي. ولعل هذا اللقب يأتي ليس من مراعاة صاحب «2046» للزمن وسريانه في سينماه، بقدر ما يأتي من سيطرته عليه حتى الغائه وتحويله الى مجرد ذاكرة. أما علاقة وونغ كارواي الخاصة بالزمن، فربما كانت هي ما جعل حركة تحقيقه أفلامه بطيئة نسبياً، حتى وإن كان يؤثر عنه أن ثمة من بين أفلامه، ما حقق خلال ثمانية أو تسعة أسابيع («تشانغ كنغ اكسبرس»). وفي مقابل مفهوم الزمن، يشغل المكان حيزاً أساسياً في سينما وونغ كارواي، ولعل هذا آت من كون وونغ كارواي بدأ حياته بدراسة الهندسة والتصميم في مدرسة هونغ كونغ للبوليتكنيك التي درس فيها. لكنه لاحقاً تحول الى مساعد منتج في التلفزيون، مشرفاً على انتاج الكثير من المسلسلات، ما قاده – وهو هاوي الكتابة منذ بداياته – الى كتابة سيناريوهات للشاشة الصغيرة، ثم لأختها الكبيرة. وهو اشتغل لفترة في ذلك الحين مع المخرج باتريك تام، الذي كان من أقطاب الموجة الجديدة التي نشأت في ذلك الحين، تسعينات القرن العشرين، متأثرة بالسينما الأوروبية من ناحية وبالفنون اليابانية من ناحية ثانية. وسيكون «تام» من يعطيه فرصته الأولى كمخرج في العام 1988، حين سهل له تحقيق «فيما تسيل الدموع» الذي سرعان ما عرف طريقه الى «أسبوعي المخرجين» في مهرجان «كان» فكانت بداية كبيرة لمخرج، كان شاباً في ذلك الحين وبدا واعداً، ثم سرعان ما وفى بوعوده فيلماً بعد فيلم وعاماً بعد عام، معيداً الاعتبار الى مفهوم سينما المؤلف، ولكن مكتفياً في أفلامه الأولى بتصوير مدينته هونغ كونغ وأحوالها ومزاج أهلها في أفلام فتنت كثراً من النقاد ثم جمهوراً عريضاً، ما أعطى كارواي مكانته، التي تقوده اليوم الى أميركا... فهل ثمة خيانة ما في هذا؟

 

سكورسيزي في كان: درس السينما والرولنغ ستونز 

كان مارتن سكورسيزي يقول دائماً عن أستاذه في معهد السينما في نيويورك هايغ مانوكيان، إنه أفضل معلّم لفنون السينما وعلومها في زمنه. اليوم، ومن دون انكار مكانة هايغ هذه، يرى كثر أن سكورسيزي هو الذي يحق له أن يوصف بأستاذ فن السينما الأكبر. ذلك أن صاحب «الطيار» و «المرحلون» ليس منتجاً فقط، وليس فقط أكبر مخرج أميركي حي، كما يقول عنه النقاد عادة، بل هو أيضاً هاوي سينما وخبير في تاريخها اضافة الى كونه مدافعاً عن ذلك التاريخ. وكل هذه الأبعاد، غير الظاهرة لغير الهواة وأصل المهنة، ستظهر خلال هذه الدورة الستينية لمهرجان «كان». ذلك أن المهرجان قرر أن يكون «درس السينما»، الذي يقدمه مخرج عالمي كبير خلال الدورة في كل عام، «سوبر درس» كي يليق بالمناسبة. ومن هنا كان اختيار مارتن سكورسيزي «عين الصواب» بحسب المعلقين، حيث يتولى القاء الدرس السنوي. ومن المتوقع أن تزدحم الصالة في الموعد المحدد، حتى بكثر من متفرجين مستمعين قد لا يتمكن بعضهم من متابعة «رشاش كلام» سكورسيزي الذي يعرف عنه أنه يقول مئات الكلمات في الدقيقة الواحدة... ومع هذا يستمتعون دون شك بمشاهدته يتكلم ويعطي الدرس الثمين.

اضافة الى هذا سيستغل سكورسيزي الفرصة للإعلان عن انشاء مؤسسة جديدة تعنى، رسمياً هذه المرة، بإعادة تأهيل الأفلام القديمة وعرضها، وهو مشروع يعمل عليه سكورسيزي بنجاح منذ سنوات، وكانت آخر انجازاته فيه فيلم «كابيريا» الصامت الذي أعاده الى الحياة.

وأخيراً، اذا وفق أهل المهرجان في مسعى أخير يتعلق بسكورسيزي، قد يتيحون لرواد المهرجان، او على الأقل نخبة منهم فرصة مشاهدة آخر ما حقق سكورسيزي في مجال السينما الوثائقية الموسيقية، أي فيلمه عن فريق الرولنغ ستونز.

الحياة اللندنية في 05 مايو 2007

 

سينماتك