مسعود أمر الله مدير "مسابقة أفلام من الإمارات":
أبو ظبي ـ ريما المسمار |
صفحات خاصة
|
عقدت مسابقة أفلام من الامارات دورتها السادسة بين 7و13 آذار/مارس الجاري محافظة كعادتها على تقديم الانتاجات الفيلمية الخليجية بحالتها الخام التي قد لا تعني أكثر من تجارب هواة بالنسبة إلى الكثيرين. ولكن الروح التي تُصنع بها هذه التظاهرة هي نفسها مدعاة تفاؤل واعجاب. فمن مؤسس المسابقة ومديرها مسعود امر الله إلى فريق المهرجان المؤلف من شخصين إلى المخرجين الخليجيين المشاركين... حماسة تسري في الهواء وتنتقل إلى اوصال المسابقة وأجوائها لترتفع بها إلى مصاف الحلقة الجامعة وتجعل من امر الله المعلم القادر على تحريك مجموعة كبرى من الشباب إلى عمل شيء. في هذا الحوار مع أمر الله، نسأله عن خصوصية المسابقة ودورها في تنشيط حركة انتاجية خليجية وعن مستقبل الأخيرة. هنا نص الحوار.
· لنبدأ من شعار المهرجان "نحو صورة بديلة". عن أية صورة بديلة نتحدث؟ وبديلة من ماذا؟ ـ الشعار "نحو صورة بديلة" يعنى أولاً صورة بديلة من السينما التجارية المنتشرة في العالم بشكل أكبر من السينما الفنية. في دولة الإمارات أغلب الصالات تقدم سينما تجارية سواء أكانت هوليوود أم الأفلام العربية التجارية.الصورة الأخرى الصورة البديلة أو الأفلام الأخرى التي يجب أن يشاهدها صانع الفيلم الإماراتي أو الخليجي ليست موجودة وليست حاضرة باستثناء ما بدأ يُعرض مؤخراً في مهرجان دبي. المسابقة ايضاً تعرض أفلام لا يمكن مشاهدتها في الحالة الطبيعية. الوجه الآخر للصورة البديلة يحاول أن يبدل في صورة الخليجي أو الإماراتي الذي كانت بدايات ظهوره في السينما العالمية في هيئة البدوي الذي لا يفقه شيئاً كما صورة سائر العرب ثم انتقلت إلى صورة الخليجي الغني المشبع بالنفط والمرفّه لتصل في الفترة الأخيرة إلى الخليج الإرهابي . الأفلام المعروضة في المسابقة تعكس للمرة الاولى ربما صورة الخليج. حتى المشاهد العربي سيكتشف في هذه الافلام تفاصيل لايعرفها عن الخليج عن مشاكلنا وهمومنا. تحاول تلك الافلام ان تقول ان الخليج ليس مجرد مجموعة دول غنية نفطية بل على العكس حيث ان المجتمع الخليجي مثل أي مجتمع آخر حي فيه طبقات في الغنى وفي الفقر ولا يمكن أن يكون مجتمعاً ذا بعد واحد. فالصورة البديلة أيضاً هي هذه الصورة التي نشاهدها في هذه المسابقة من خلال افلام تدخل في عمق المجتمع وتدخل إلى بيوت الخليجيين المغلقة دائماً. · كلامك يوحي بأن هذا الجهد الذي يبذله الشباب يقوم بمكان ما بكسر الجدار. هل الشباب قادرون على اختراق الجدران وتخطي المحظورات بواسطة الكاميرا؟ ـ في غياب التراكم في الصورة الخليجية، فإن أية صورة سواء أكانت من الماضي أو من الحاضر أو من الذاكرة فهي طازجة لم تطرق من قبل.لم ينتج الخليجيون كماً هائلاً من الأفلام لنقول أن هناك مواضيع كثيرة طُرحت والآن حان دور تخطي المحظورات. حضور الصورة هو في حد ذاته كشف للذاكرة وللتاريخ وللماضي وللحياة اليومية. لسنا مثل السينما الاميركية في علاقتها بحرب فييتنام مثلاً التي عولجت في مئات الافلام حتى أصبح البحث عن مناطق لم تُطرق ضرورة. كل فيلم خليجي هو كشف. على صعيد آخر، هناك من يحاول أن يتطرق إلى مشكلات اليوم وإلى ما هو مخبأ وثمة جرأة في الطرح ولكنني أتوقع خلال السنوات الاربع او الخمس المقبلة أن يكون الوعي السينمائي قد تأسس بما يسمح بطرق المناطق المحظورة وكيفية تناولها. فلا المتفرج ولا الرقيب تعود على حضور الأفلام كجزء من مجتمعاتنا. المسألة حديثة بالنسبة إلى المجتمعات الخليجية رغم مرور 110 سنوات على ولادة السينما. هذه التجارب تضع الحجرالأول وباعتقادي انها مهما تباينت مستوياتها لا بد من أن تؤدي إلى شيء. هذا التجمع وهذا الإهتمام لا يمكن أن يكون من فراغ. · بدأت مسابقة أفلام من الإمارات كتظاهرة وانتقلت في السنة الثانية إلى ما يشبه المهرجان. ما الذي استدعى ذلك التحول؟ ـ كانت الفكرة بالدرجة الأولى رصد الإنتاج الإماراتي خلال السنوات الماضية. فوجئنا في الدورة الاولى بتجميع نحو150 فيلماً. فكانت الفكرة تهدف إلى خلق حالة سينمائية لادراكنا اننا نعيش عالم الصورة اليوم ولا يمكن أن يكون هذا المجتمع بلا صورة أو بلا ذاكرة تحفظ مكنوناته اليومية. كان الرهان في الدورة الأولى على إمكانية حصولنا على ستة أو سبعة أفلام إماراتية. لكن الذي حدث اننا استقبلنا 90 فيلماً في السنة الأولى على الرغم من أن الانتاج كان صفراً في السنة التي قبلها. يبدو أن كان هناك أناس مهتمون ولكنهم خجولون يصنعون أفلامهم ويعرضونها أمام أصحابهم وفي بيوتهم. فلما توفر المكان الحاضن لهذه التجارب ظهر كم هائل من الأفلام. · إذاً يمكن القول إن العرض سبق الإنتاج أو بمعنى آخر وجود المهرجان أوجد الإنتاج. الا يُخشى من ان يتسبب ذلك في غياب التحدي والسعي إلى الافضل مادام الشباب يعرفون ان هناك من سيحتضن تجاربهم بصرف النظر عن مستواها الفني؟ ـ ربما كان هذا صحيحاً في السنوات الاولى. ولكن المخرجين الذين استمروا معنا إلى هذه الدورة لم تعد المسابقة فقط هي همهم. بل صار الهم سينمائياً يحركه القلق. وباتوا يعرفون ان عرض الفيلم في المهرجانات يحتم عليهم مقاييس غير التي في المسابقة. · من يختار الأفلام لمسابقة أفلام من الإمارات وما هي المعايير؟ ـ بالدرجة الأولى أنا أشاهد كل الأفلام وربما لي اليد الطولى في الاختيار النهائي. ولكن نحن لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص تشاهد الأفلام. طوال السنوات الخمس الماضية كنا متساهلين جداً في الاختيار أو لنقل لم يكن هناك إختيار. كل ما يصلنا يُعرض في المسابقة. وقد انتقدت على ذلك منذ الدورة الثانية ولكنني كنت مصراً على عرض كافة الأفلام لأنه لم يكن ممكناً الحكم على شخص يمسك كاميرا للمرة الاولى. الهم الأساسي بالنسبة إلي كان توريط الشخص في المسابقة وليس إقصاءه. كنت أريد أن أجذبه ليحضر ويشاهد الافلام أريده فقط أن يتورط في هذا الفضاء ومن بعدها أنا أكيد إنه سيتغير. في هذه الدورة كنا أكثر تشدداً. · بأي معنى كنتم متشددين في هذه الدورة؟ ـ في الدورة السادسة من المسابقة أعتقد أن الأهم بالنسبة إلي هو كيفية استجابة الأفلام الإماراتية والخليجية معنا وتطورها. من ملاحظتي للدورات السابقة ألمس تطوراً كبيراً. هناك فهم أكبر للغة البصرية والتقنية وأيضاً في المحتوى وإختيار الموضوع. اللافت ايضاً تكاثر التجارب في دول خليجية كانت حتى قبل سنتين تقتصر على تجارب قليلة جداً. هذه السنة مثلاً هناك 18 فيلماً من المملكة العربية السعودية مقابل 13 في العام الماضي. ومن الكويت عرضنا 13 فيلماً في هذه الدورة مقابل فيلم واحد في سابقتها. نحن نتكلم على زيادة في العدد ولكن بانتظار النوعية أيضاً. ولعل من المؤشرات الجيدة ان ثمة أسماء تتكرر مما يعني ان هناك مثابرة وشغف حقيقي لدى البعض وارادة للاستمرار. · أي دورتلعب مسابقة الأفلام من الإمارات اليوم غير الدور الحاضن؟ ـ قد يكون وضع المسابقة مغايراً لفكرة المهرجانات لأنها مثل ما قلنا هي التي أوجدت حركة الانتاج. بهذا المعنى، لعبت المسابقة بالدرجة الأولى دور المؤسس لحالة سينمائية خليجية لا أعرف إلى أين ستؤدي. لا أعرف اذا توقفت المسابقة اليوم هل ستكمل هذه الحالة أم لا. ولكنني أكيد من أن هناك مخرجين مستمرين. · تحدثنا عن انجازات المسابقة خلال سنواتها الست. ماذا ينقصها بعد؟ ـ ينقصها الكثير الذي ينقص المجتمع الخليجي ككل وهو فهم دور السينما. وهذا لن يتحقق ما لم يرافق تطور الأفلام دعم الحكومة وفهمها لدور السينما. أعتقد ان ما نفتقده في دول الخليج مدرسة تؤهل صناع سينما وتصنع أجيالاً. فبوجود معهد متخصص للسينما نضمن الاستمرارية والتخصصات الغائبة. أما الكلام على عن صندوق لدعم الأفلام فهذا شيء لاحق للمدرسة حيث يجب أن يكون عندنا كم هائل من الشغوفين بالسينما والمتمكنين من تقنياتها لكي يصنعوا أفلاماً بعد ذلك عن طريق الصندوق. · من الواضح ان المسابقة استطاعت خلال ست سنوات أن توطد علاقتها بالمخرجين. لكن ماذا عن الجمهور؟ ـ الجمهورلهذا النوع من الأفلام غير موجود. الفيلم القصير والفيلم التسجيلي يعانيان من ابتعاد الجمهور منهما وعدم الاعتراف بهما كشكلين فنيين مستقلين. عندما تتكلم على فيلم قصير في الامارات لا يفهمون ماذا يعني فيلم قصير. هذه إشكالية مع الجمهور.الشيء الآخر المتوقع نظراً للتراكم عند الجمهور في مشاهدة الأفلام الأميركية أن يأتي المشاهد الاماراتي إلى الفيلم الخليجي بتوقعات مماثلة للتي يذهب بها إلى فيلم اميركي. المشاهد يعاني من إشكالية عدم فهمه بأن هذه الأفلام لا علاقة لها بالسينما الأميركية برغم ذلك، أعتقد ان الحضور أثناء مسابقة افلام من الإمارات ليس سيئاً عندما نجد في الصالة عندك 300 شخص. · ألا تعتقد أن الخيارات التي تقومون بها في الفئات الجانبية لا تساعد على مد جسور التواصل مع المشاهد المحلي؟ كأن تقدمون مثلاً ثيمة السينما التجريبية لجمهور غير معتاد الا مشاهدة الافلام الاميركية؟ ـ فهمي للأشياء مغاير. ما يعنيني بالدرجة الأولى هم صنّاع هذه الأفلام الذين أريدهم أن يشاهدوا الافلام ويكونوا صورة عن ما يحدث في السينما وعن هذه الموجات التي لا تصل اليهم. ما يهمني من التيمة اذاً هو التنويع لصانع الفيلم ليتسنى له أن يشاهد تجارب مختلفة في السينما لا يمكن أن يشاهدها في الوضع الطبيعي. صانع الفيلم الإماراتي أمام سينما تجارية فقط وقنوات تلفزيونية. فإختيار التيمة يساعد على فتح مناطق كثيرة في السينما كانت غائبة عنه. · من خلال متابعتك للأفلام ، هل تعتقد انها ستكون هي البداية لسينما خليجية حقيقية؟ ـ قد تكون بداية لحركة ما. اذا اعتبرنا أن عمر المسابقة عشر سنوات واستطاعت خلالها ان تفرز ثلاثة مخرجين جيدين فبالنسبة الي حققت هدفاً كبيراً. ما يعنيني أكثر من ذلك ليس ان يكونوا كلهم مخرجين ولا ان تكون كل الأفلام جيدة بل ان تراهن على أسماء يمنكها ان توصلك إلى مكان وتخلق حالة خليجية وسينما يمكن تكون خليجية. ليس الرهان على الكل ولا على كل الأفلام. · هل من طموح للمهرجان في الوصول إلى شيء أو دور آخر؟ ـ الطموح هو فعلاً عمل شيء في هذه البلدان حيث صورة السينما غائبة. لكن شكل المسابقة ودورها هو ما تكلمنا عنه من تشجيع واحتضان ومساعدة في الترويج وبتقديم الأفلام إلى مهرجانات اخرى. وبوجود التظاهرات وبنفس الوقت لاصدار سبعة كتب تصبح المسابقة مهرجاناً ومدرسة وفرصة للمشاهدة ومكاناً يقدم خدمات. الحفاظ على المكتسبات هم لدي. ربما هذا هدف بسيط جداً ولكن بالنسبة إلي شيء كبير أن ألتقي مع شخص بعد سنة من الآن مازال محافظاً على حبه للسينما. المستقبل اللبنانية في 23 مارس 2007 |