صفحات ذات صلة

كتبوا في السينما

 

كان حلمه الذي ظل يرواده إلي أن حقق جزءا منه‏,‏ هو تصوير فيلم عن حياة عبدالحليم حافظ‏,‏ ونجح رغم آلامه في تصوير جزء كبير من المشاهد المهمة بالفيلم‏,‏ وكل الأغاني التي تدور من خلالها دراما الفيلم‏.‏

ويبدأ المشهد الافتتاحي لفيلم حليم‏..‏ صورة شعب مع مشهد وفاة عبدالحليم عندما أتاه النزيف الحاد وانفجار الشعيرات الدموية بالمعدة في مستشفي بلندن‏,‏ ومع معاناة مشهد الموت‏,‏ يسترجع حليم شريط وفلاشات من طفولته ومشواره الفني شديد الثراء ولحظة موته شاركه فيها شحاتة ابن خالته والذي يجسد شخصيته في الفيلم الفنان كمال سليمان‏,‏ وشريط الذكريات يأتينا في الفيلم بلسان حليم ـ أحمد زكي ـ وهو يروي حياته للمذيع اللامع وجدي الحكيم ـ وجلال معوض ـ وهذا ما حدث في الواقع‏..‏ ويجسد الفنان السوري جمال سليمان شخصية المحاور‏,‏ يتذكر حليم القرية‏,‏ بداية علاقته بمدينة القاهرة‏,‏ والموسيقي‏,‏ وكيف شكل ثورة في عالم الغناء هو وزملاؤه من الملحنين والشعراء‏,‏ وعلاقاته النسائية‏.‏ زكي انتهي من تصوير أغنية رسالة من تحت الماء‏,‏ موعود‏,‏ قارئة الفنجان‏,‏ والتي يمتزج جزء من مقاطعها‏..‏ مع مشهد الموت‏..‏

المخرج شريف عرفة‏..‏ قام بمونتاج بعض المشاهد التي أنهي زكي تصويرها وكان يرغب في رؤيتها بالمستشفي حيث صرح لكل المقربين له بأن أمنية حياته أن يستطيع إنجاز الفيلم بالكامل ويشاهده‏!!‏

لماذا‏..‏ حليم

قد نشعر بالدهشة من كم التفاصيل التي تربط أحمد زكي في الواقع بعبد الحليم حافظ‏,‏ وقد تكون كلمة الدهشة غير كافية للتعبير عن هذه الحالة‏..‏ التي تتشابك فيها التفاصيل‏..‏ وتتماس فيها العلاقات‏..‏ بل النظرة نفسها للحياة فأي قدر جمع الاثنين‏!!‏

وقد يكون التماس بينهما‏..‏ هو الذي جعل أحمد زكي‏..‏ يصر ويحلم بإنجاز مشروع عن عبدالحليم حافظ الذي يشبهه كثيرا‏.‏

وإذا كان د‏.‏ ماكبث أحد الأطباء الذين كانوا يعالجون حليم وبالتحديد يقوم بعملية الحقن للشعيرات الدموية بالمعدة‏,‏ قد ردد علي حليم جملة‏..‏ العذاب الكبير دائما ابن أخطاء صغيرة لم يلتفت لها الإنسان‏..‏ وكان يقصد في حالة حليم استحمامه في الترعة‏,‏ والتي أدت إلي إصابته بالبلهارسيا‏,‏ ولكن أية أخطاء صغيرة ارتكبها أحمد زكي؟‏!‏ هل عشقه للتمثيل إلي حد الذوبان خطأ؟‏!‏ أم تحامله علي نفسه والعمل المستمر والمتواصل أنهكه ربما هذا أو ذاك ولكن لماذا كتب عليه أن يعيش العذاب‏,‏ الكبير‏,‏ تماما‏,‏ مثلما عاشه حليم‏,‏ وقد تكون كلمة الشاعر سيد حجاب والتي تغني بها المطرب علي الحجار في مسلسل الأيام تحمل جوابا للأسف ليس شافيا‏,‏ بل موجعا ليه أجمل ولاد الحياة من بدري بيموتوا‏.‏

الكثير من الناس ولدوا في محافظة واحدة‏..‏ ولكن القليل أجمع علي حبهم الناس‏..‏ والأندر هم الذين يغيرون في البشر ويتشابهون إلي هذه الدرجة‏,‏ فأحمد زكي ليس فقط ابن المحافظة التي ولد فيها عبدالحليم حافظ الشرقية ولكن الاثنين عانيا الحرمان‏..‏ وظلا طوال حياتهما يبحثان عن الحنان وعن الحضن الدافيء‏,‏ نفس الألم من اليتم‏,‏ الأم وما تمثل من مفتاح لشخصية كل منهما‏.‏

نظرة حزينة من عين الأم هو كل ما يتذكره أحمد زكي من لقائه الأول بأمه وهو في سن السابعة من عمره‏,‏ ونظرة حزينة من عين والده هي التي ظل حليم يتذكرها ويستدعيها طوال عمره‏..‏ فالأب كان حزينا علي رحيل الأم وهذا الطفل الرضيع‏.‏

ولكن ظلت الأم هي الوجع‏,‏ فحليم عاني من فراقها‏,‏ لأن الكثير حملوه سبب موتها وهي تلده؟‏!‏ وزكي بعد وفاة والده قام أهل أمه بتزويجها فهي فلاحة صغيرة في السن ويخشي عليها لذلك قام بتربيته جده‏,‏ أما حليم فقام خاله بتربيته‏.‏

الاثنان عاشا لفترة بملجأ في الزقازيق والأهم أنهما لم ينطقا أبدا جملة بابا‏,‏ ماما‏,‏ وما أصعب علي طفل بأن يحيا بدون نطق كلمة واحدة‏,‏ فما بالك بالاثنتين؟‏!‏
والاثنان‏..‏ قد نزلا إلي نفس الترعة وأصيبا بالبلهارسيا‏..‏ كما علق أحمد زكي في الحفلة الافتتاحية لفيلم حليم‏.‏

في دراستيهما الابتدائية‏..‏ كانا شديدي التفوق ويملكان موهبة التمثيل والغناء أحمد زكي‏..‏ أنهي دراسته في معهد الفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج بتقدير امتياز وكذلك حليم‏..‏ بمعهد الموسيقي المسرحية‏.‏

القاهرة بالنسبة لأحمد زكي‏..‏ كانت مثل الحجاز يتمني أن يحج إليها ليصبح ممثلا‏,‏ ويري مثله الأعلي رشدي أباظة‏,‏ أما بالنسبة لحليم‏..‏ فكانت الموسيقي وعبدالوهاب‏.‏

حليم منذ طلته الأولي علي المسرح‏..‏ أكد علي أن هناك ثورة قادمة‏,‏ وولد غنائيا مع مولد ثورة يوليو‏..‏ تعذب وعاني كثيرا من كونه نموذجا مختلفا عن السائد ورفض تقليد عبدالوهاب وصمم علي غناء أغانيه بطريقته لذلك شكل ثورة حقيقية في عالم الغناء‏,‏ وغير الكثير من القواعد بدءا من وقفته علي المسرح وتجاوبه مع الجمهور‏,‏ وصولا إلي الأشكال الموسيقية‏..‏ هو وزملاؤه كمال الطويل والموجي‏,‏ ومرسي جميل عزيز وبليغ حمدي‏.‏

نفس الحال بالنسبة لأحمد زكي فبعد تألقه في فيلم شفيقة و متولي وعيون لا تنام شكل ثورة في مقاييس نجم الشباك وفتي الأحلام‏..‏ والأداء التمثيلي الذي يضاهي النجوم العالميين‏,‏ وفي الثمانينيات أكد هو وزملاؤه من المخرجين وكتاب السيناريو‏.‏ علي ما يسمي بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية فمولده وتألقه كنجم تواكب مع جيل خيري بشارة‏,‏ داود عبدالسيد‏,‏ محمد خان‏..‏ والذين أثروا السينما المصرية بأفلام شديدة التميز شكلت ثورة علي سينما البكيني والصالونات في السبعينيات‏.‏

ترك عبدالحليم تراثا غنائيا يبلغ‏170‏ أغنية وهو تراث شديد الثراء والتنوع ما بين الرومانسي والسياسي والإيقاعي والدرامي‏,‏ والديني‏..‏ وأحمد زكي قدم للسينما إنجازا مماثلا فأفلامه التي تصل إلي‏56‏ فيلما تنوعت ما بين الأفلام الاجتماعية‏,‏ والكوميدية‏,‏ والسيرة الذاتية والسياسية‏,‏ والرومانسية والأكشن‏..‏ وطوال مشواره الفني كان حريصا علي أن يصنع أفلاما للتاريخ وأخري للنجومية ولإسعاد الجمهور‏.‏

لذلك تألق أحمد زكي في تقديم الشخصيات المتباينة شديدة التنوع والثراء وقد يكون الوحيد بين أبناء جيله الذي يملك هذا التنوع في تاريخه‏..‏ فنحن نراه صعلوك في أحلام هند وكامليا‏,‏ والفلاح الساذج‏,‏ في البريء‏,‏ ابن الحي الذي يهوي ويحلم بالتحقق ولكن خجله يمنعه في كابوريا ضابط المباحث القاسي في فيلم زوجة رجل مهم والذي لا يوجد مكان في قلبه للعاطفة‏,‏ وهو إسماعيل في عيون لا تنام والتي صرح عن اعتزازه الشخصي بهذه الشخصية المليئة بالأحاسيس المتناقضة والمركبة فهو الولد العدواني الكريم جدا‏,‏ وعندما يشعر بالحب يعود طفلا شديد البراءة‏,‏ ولكن عندما يري المال يتوحش‏.‏

ودائما ما كان زكي يردد‏..‏ بأن الشخصيات في حياتنا والتي يراقبها ويختزن كل تفاصيلها هي شخصيات رمادية ليست بيضاء وليست سوداء فهي ليست خيرة تماما ولا شريرة تماما‏..‏ ونفس الوصف ذكره حليم‏..‏ فهو أيضا كان يحب البشر كبشر‏..‏ ويري نفسه بنفس المواصفات‏.‏

علي المستوي الإنساني كان حليم طفلا انطوائيا يراقب أكثر ما يحدث‏..‏ ونفس المعني حمله حوار لأحمد زكي حيث يروي بأنه عندما كان طالبا في مدرسة الزقازيق الثانوية وكنت منطويا جدا‏..‏ الأشياء تنطبع في ذهني بطريقة عجيبة‏,‏ تصرفات الناس‏,‏ ابتساماتهم سكوتهم دوما أراقب العالم‏.‏ الاثنان يملكان رصيدا من العلاقات المتوترة وغير المكتملة مع النساء زكي أحب وتزوج من الفنانة هالة فؤاد‏..‏ ولم يستطع الحفاظ علي علاقته بها‏..‏ وظل طوال الوقت يردد بأنه أضاعها‏,‏ حليم اختفي عنه حب عمره ديدي الألفي‏..‏ وقصص لم تكتمل مع سعاد حسني وغيرها‏,‏ ماتت هالة فؤاد بلوكيميا الدم‏,‏ وديدي بمرض خطير ونادر في المخ‏.‏

الاثنان امتلكا الموهبة النادرة‏,‏ الحضور‏,‏ الكاريزما‏,‏ الدأب علي العمل والإنجاز ونفس العذاب والمعاناة من المرض‏..‏ حليم اشتد مرضه في شهر مارس وكذلك أحمد زكي‏.‏ ولا نملك إلا أن نقول له‏..‏ أغنيته التي تغني بها في هستريا‏..‏ إن ما قدرتش تضحك‏,‏ ما تدمعش ولا تبكيش‏,‏ وإن ما فضلش معاك غير قلبك أوعي تخاف مش هتموت هتعيش‏*

الأهرام العربي بتاريخ 19 مارس 2005

 

ملف أحمد زكي

أحمد زكي يعود إلى القاهرة لاستكمال علاجه فيها

أحمد زكي أستاذ يحلم النجوم بالوقوف أمامه

حكاية صراع الامبراطور مع الالام في الغربة

الفنانون العرب والمصريون يلتفون حول أحمد زكي

محمد هنيدي:أحمد زكي مقاتل مملوء بالإيمان والتفاؤل

تصوير الضربة الجوية بعد الشفاء مباشرة

مديرة منزل احمد زكي تبحث له عن زوجة

ملف أحمد زكي

خلد طه حسين وعبد الناصر والسادات

أيام زكي وحليم

علا الشافعي

أوراق من مذكرات الفتى الأسمر 

‏            *‏ أول ما يتبادر إلي ذهني من أيام طفولتي العيد وعلي وجه التحديد ليلة العيد فحين كنت طفلا كنت أنام ليلة العيد بعد أن أرتدي الملابس الجديدة كاملة بما في ذلك الحذاء وذلك حتي أكون جاهزا في الصباح الباكر لكي أنهض رأسا وألحق بصلاة العيد ومنها إلي حيث نركب المراجيح طوال النهار أو بالأصح حتي آخر قرش في جيوبنا‏.‏

‏            *‏ أول مدرسة التحقت بها كانت مدرسة التربية الابتدائية في الزقازيق وفيها كنا نقدم من خلال حفلات المناسبات ـ مثل عيد المعلم وعيد الأم والأعياد الوطنية ـ الاسكتشات الفكاهية وكان أغلبها يعتمد علي سوء التفاهم ومنها ما كنا نقلد فيه برنامج ساعة لقلبك الإذاعي وكان يكتب لنا هذه الاسكتشات مدرس اللغة العربية وأعتقد أن بلورة حب الفن بدأت في المدرسة الابتدائية ثم تطورت في المدرسة الثانوية‏.‏

‏            *‏ التحقت بالمدرسة الثانوية الصناعية في الزقازيق واشتركت فورا بفرقة التمثيل وبعد فترة قصيرة أصبحت المسئول عن هذه الفرقة‏,‏ وفي أول تجربة لي ألفت ومثلت وأخرجت مسرحية قصيرة نلت عنها جائزة علي مستوي المدرسة‏,‏ وكان المسئول عن الفرقة هو معاون المدرسة الفنان وفيق فهمي ويومها كان ناظر المدرسة أيضا من هواة التمثيل‏.‏

‏            *‏ وبعد انتهاء المرحلة الثانوية التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية وحين تقدمت بأوراق انتسابي إلي هذا المعهد أذكر أنني حين ذهبت أول يوم وجدت الكثير من الشباب والبنات وجلست علي جانب ومعي الفنان سامي العدل والفنانة شهيرة وخلال هذه الجلسة تعرفنا وعندما نودي علي دخلت لجنة الاختبار وكانت مكونة من كرم مطاوع ـ سعد أدرش ـ جلال الشرقاوي ـ أحمد عبد الحليم ـ عبد الرحيم الزرقاني ـ المخرج أحمد زكي والدكتور علي فهمي والدكتور رشاد رشدي وكان المطلوب أن أؤدي مشهدين واحدا بالعامية والآخر بالفصحي وبعد أن أديتهما وجدت اللجنة تطالبني بأن أؤدي مشاهد أخري وفعلت ذلك فقالوا لي أنت ستنجح ولعل هذه من المرات القليلة التي يقال فيها هذا الكلام سلفا وقبل ظهور النتائج رسميا‏.‏

‏            *‏ وبعد التحاقي بالمعهد بشهرين طلبت للعمل ضمن فرقة المسرح الاستعراضي وكانت مسرحية القاهرة في ألف عام مع سعيد صالح وصفاء أبو السعود وإخراج الألماني ليستر أول عمل فني أشترك فيه وتقاضيت عنه‏25‏ جنيها ذهبت إلي وزير التموين‏!‏ أقصد عامل البوفية والمسئول عن توريد السندويتشات والعصائر في المعهد والذي كنا أنا وزملائي محمد صبحي وسامي فهمي نسميه وزير التموين‏,‏ وأثناء دراستي في المعهد اشتركت أيضا في فيلم من أجل ولدي مع فريد شوقي وسهير رمزي وإخراج نادر جلال‏.‏

‏            *‏ وبعد تخرجي كان أول مسلسل أشترك فيه بعنوان اللسان المر مع محمد السبع ـ زوزو نبيل ـ مصطفي متولي ـ مديحة حمدي وإخراج علوية زكي‏,‏ ومن أجري في هذا المسلسل اشتريت سيارة فيات‏.28‏

 

صور لأحمد زكي

كل شيء عن أحمد زكي

شعار الموقع (Our Logo)