صفحات ذات صلة

كتبوا في السينما

 

لا أعرف احمد زكي الا من السينما واذا كنت أرجو له الشفاء فإن ذلك بالطبع ليس سببا كافيا لكتابة مقال، ليس احمد زكي الفنان سبيلنا الى احمد زكي المريض. الأمر بالعكس، المريض سبيلنا الى الفنان، فأحمد زكي مريضا هو ككل مريض آخر أما أحمد زكي الفنان فواحد.

ليست وسامة احمد زكي مما يستحب في السينما المصرية فالسمرة الحادقة المحروقة قلما كانت مرغوبة للابطال الذين يتحدرون في احيان كثيرة من طبقات ميسورة او متوسطة. اذا كان هيكل يروي ان السادات كان خجولا بلونه الضارب الى السواد فإن تأبي مخرجي السينما عن هذا اللون لأبطالهم من النوع نفسه. الحنطي والاسمر الفاتح والابيض ألوان تنم، بحسب سذاجة بصرية دارجة، عن اصول ثقافية وطبقية وربما بسيكولوجية مستحبة لفتيان الشاشة الاول، بمن فيهم اولئك الذين يوصفون في الافلام بأنهم من فئات شعبية او فقيرة. حين لا يدل اللون الى نموذج طبقي وثقافي يدل الى نموذج اخلاقي او نفسي، بين الخلق (بضم الخاء) والخلق (بفتح الخاء) تطابق نسبي في هذه السينما شبيه بذلك التطابق المفروض في السينما ذاتها بين دخيلة الممثل، المفترض انها خفية ومحجوبة عن شركائه في الفيلم، وإمارات وجهه وحركاته مما يؤدي عادة الى مفارقه، فما هو محجوب عن الشريك ظاهر معلن للمتفرج، كأن ما يراه المتفرج في وجه الممثل هو خلاف ما يراه الممثل الشريك. لنقل انها سذاجة بصرية، لنقل انها سذاجة طبقية ايضا نابعة من تصور أن الهيئات تحمل سيماء المنبت والخلق والنفس، لكنها قبل كل شيء درجة من التغريب اذا علمنا ان اللون الحادق الاسمر هو الغالب على المصريين. هكذا لا يكون الواحد قابلا للبطولة الا بوجه فيه سيماء الاجانب او ما يتراءى في سذاجة بصرية اخرى انه سيماء الاجانب. احمد زكي كما نعلم اسمر حادق ضارب للسواد، وعلى الرغم من لطف هيئته الا انها مألوفة وعادية فليست له مهابة عماد حمدي ولا حلاوة شكري سرحان ولا التأثير البالغ لوجه عمر الشريف. الغريب ان ابطالا لا يشكون من فرط الجمال مثل محسن سرحان مثلا كانوا كذلك بما في وجوههم وقاماتهم من ترهل ذي سمة استقراطية.

لذا يعلّم وجه احمد زكي على مقلب آخر للسينما المصرية. لقد كان احمد زكي هو البطل الأنسب لموجة الواقعية الجديدة في مصر، انه بطل محمد خان بامتياز، ولا يكفي هنا ان نتكلم عن شغف خان بالحياة الشعبية فهي من <<تيمات>> الفيلم المصري عموما، بيد ان التقديم الفولكلوري والالكتروني احيانا لهذه الحياة هو الذي يختلف. الحياة الشعبية ليست من اكسسوارات الفيلم عند خان، فهي عادة متنه وأساسه ثم ان التقديم نفسه لا يبقى ميلودراميا فولكلوريا او طرائفيا، فهو ديناميكي نقدي ولنقل انه طبيعي عادي مقابل الاكزوتيكي والطرائفي، احمد زكي هو في أدواره الشعبية البطل العادي الذي يعيد لهذه الحياة قدرتها على توليد الاشكاليات والخوض في صراعات وطرح الخيارات والمصائر. لقد امتلك منذ البداية تلك القدرة على الانسلاخ عن النموذج التمثيلي شبه الكوميدي والنمطي للأدوار الشعبية. اذا كنا لا نتخيل عماد حمدي في دور فلاحي فاننا لا نتخيل عبدالله غيث الا في دور العمدة والمستبد الريفي الشرير ونور الشريف في دور روبن هود مصري فلاحي. لكن احمد زكي وحده يمثل السائق والمتسكع والصعلوك بدون ان يتخذ لها انماطا او يجد لها انماطا. انه يمثلها بدون ان يكون هذا ذا غرض ترفيهي او يتجاوب مع نماذج قبلية. يمثلها بقدرة هائلة على اعادة خلقها وعلى ابتكارها وعلى ابراز جدلها وتناقضاتها وحضورها الخاص. مع الواقعية الجديدة المصرية يمكن ان نتكلم عن احمد زكي كممثل جديد او كمدرسة جديدة في التمثيل، بل يمكن الكلام عن احمد زكي بصدد مفهوم جديد للممثل السينمائي الذي يتخلص كليا تقريبا من الارث المسرحي المصري او الارث الملحمي (اذا تذكرنا المطولات الملحمية المصرية) كما نراه عند فريد شوقي وعبدالله غيث مثلا. ما صنعه احمد زكي هو البطل <<العادي>> بدون شطح ميلودرامي او ملحمي، وبالطبع بدون ترفيه فولكلوري، صنع البطل العادي الذي ليس نمطا والذي يبتكر نفسه ويقف كل لحظة امام خياراته.

ما كان لأحمد زكي ان يفعل ذلك لولا انه ممثل استثنائي. ومن الصعب ان نجد ممثلا بهذه الطاقة في كل تاريخ السينما المصرية فالعربية عموما. احمد زكي بخلاف الفتيان الاول في السينما المصرية ممثل ذو حرفة عالية جدا. الحرفة العالية كانت في الغالب من نصيب الادوار الثانية لا الأولى. يمكننا ان نتذكر على سبيل المثال محمود المليجي وتوفيق الدقن وصلاح قابيل، والارجح ان احمد زكي بين نادرين وصل الى الادوار الاولى بفنه لا بسيمائه ومظهره، وصل بفنه واستطاع فعلا ان يملي فنه على هذه الادوار، بل استطاع ان يعيد جبلها وتكوينها فتمثيل احمد زكي يملك هذه القدرة على اخراج الشخصية من أي أحادية ممكنة. ليست المتانة والقدرة الفورية على استظهار الشخصية وتقديمها بكل حضورها هما فحسب ما يميز تمثيل أحمد زكي، بل هناك في نفس الوقت هذا <<الخرق>> او هذا الكسر في المثال النمطي الذي يجعل لكل شخصية يمثلها فرادتها الخاصة، اي الى حد كبير حريتها وليونتها الداخلية والقدرة على تجديد نفسها. فرادة كانت تمنح شخصيات احمد زكي ظلا من غرابة خاصة، من استثنائية، وقوة طابع. لذا يمكننا القول ان احمد زكي ممثل من نوع آخر، انه لا يكتفي بحرفة عالية كحرفة المليجي لكنه يضيف اليها نكهته الخاصة، غرابته الخاصة التي تلون الحرفة وتحررها. اذا كانت فاتن حمامة هي دائما الحساسة الرقيقة، ونور الشريف هو دائما الشهم، ومحمود ياسين هو الرائق الهادئ فليس لأحمد زكي على ذلك وجه مصاحب. انه النصاب والصلعوك والبروقراطي والفتى المغوي والضابط المهم والشهم و...الخ. انه الممثل الذي لا يقلد نفسه والذي يتقمص كل الادوار. مع ذلك فإن لأحمد زكي طابعا خاصا و<<غريبا>> يضيفه الى كل شخصياته. دوره لا يصنعه لكنه يصنع دوره واذا تحدثنا عن حضور عارم وشره وشهواني ومفترس فإننا لا نتحدث عنه بصدد نور الشريف ومحمود ياسين بقدر ما نتحدث عنه بصدد احمد زكي. بل ان احمد زكي من القلائل الذين يذكروننا بأن قوة الممثل هي الاولى وهي اكبر من قوة الدور، لا نبالغ اذا قلنا بأنه من قليلين يذكروننا بممثلين فنهم يخضعنا بقوته. يذكروننا على سبيل المثال بجاك نيكولسون وانتوني هوبكنز فالاثنان هما قبل كل شيء تمثيل. احمد زكي مثلهما هو قبل كل شيء لعبه ومثلهما مدعو كل مرة الى التفوق على نفسه.

حين لعب السادات بدا احمد زكي في دور بالغ التركيب، ففي تمثيله لدور السادات كان الممثل يلعب دور الرئيس الذي كان في حضوره مسرحيا واصطناعيا كممثل. لعب احمد زكي الدور المزدوج بل المثلث، كان احمد زكي والسادات والممثل الذي يلعبه السادات. لعب احمد زكي بحرفة فاقت التصور وبشغف هائل وفظيع. كان هنا الفن الذي يلتهم صاحبه ولكن كان هنا الفن الذي يصل الى ذروة تجعله فوق الدور وربما، الى حد ما، خارجه. لعب زكي السادات الى حد جعل منه دمية كبيرة وفانتازيا، اضاف الممثل في لحظة التجلي الفارس الخفي والتفنن شبه الهذياني. اتعبتني قوته في الواقع، لكن الواضح ان الدرامي والكوميدي كانا هنا في اعتلاق وزواج غريبين. نرجو الشفاء لأحمد زكي لكنها ايضا مناسبة لنحيي اكبر ممثلينا وربما اكبرهم في كل تاريخنا السينمائي.

جريدة السفير بتاريخ 20 فبراير 2004

 

ملف أحمد زكي

أحمد زكي يعود إلى القاهرة لاستكمال علاجه فيها

أحمد زكي أستاذ يحلم النجوم بالوقوف أمامه

حكاية صراع الامبراطور مع الالام في الغربة

الفنانون العرب والمصريون يلتفون حول أحمد زكي

محمد هنيدي:أحمد زكي مقاتل مملوء بالإيمان والتفاؤل

تصوير الضربة الجوية بعد الشفاء مباشرة

مديرة منزل احمد زكي تبحث له عن زوجة

ملف أحمد زكي

أحمد زكي

عباس بيضون

سر الاهتمام الاستثنائي بصحة نجم سينمائي

أحمد زكي وعبقرية أن تكون ولا تكون

 19 فبراير 2004

في شهادة نادرة من ابن كاره نور الشريف قال لي يوما :انا وبصفتي مدرس تمثيل في اكاديمية الفنون استطيع ان اقول لك ان اهم موهبتين عرفتهما السينما المصرية هما زكي رستم واحمد زكي ولا اعتقد ان هناك بين الجمهور ولا بين النقاد من يمكن ان يختلف حول هذه الموهبة الفذة للفنان احمد زكي ورغم ذلك يبقي هذا الاهتمام الاستثنائي بصحة نجم سينمائي امر يحتاج لتفسير فهو لم يحدث ربما منذ ان مرض الراحل عبدالحليم حافظ وسافر للعلاج ومما يضاعف الدهشة من هذا الاهتمام انه ينصب علي نجم من افشل النجوم علي الاطلاق في الدعاية لنفسه ومن اقلهم ظهورا في وسائل الاعلام ومن اكثرهم عزوفا عن المقابلات الصحفية والتلفزيونية والاغرب ان اخر افلامه الكبيرة الناجحة قد مر عليه اكثر من سبع سنوات واقصد به ناصر 56 فبعد هذا الفيلم قدم احمد زكي ايام السادات الذي احاطت به المشاكل والخلافات وتقمص فيه احمد زكي وقلد انور السادات علي عكس توحده مع شخصية جمال عبدالناصر رغم الشبه الكبير بالاول والاختلاف الكبير بينه وبين جمال عبدالناصر من ناحية التكوين الجسماني بعد ذلك قدم احمد زكي البطل مع محمد هنيدي و اضحك الصورة تطلع حلوة ثم اخيرا معالي الوزير فما هو السر في هذا الاهتمام بنجم يقدم ادواراً مركبة في سينما جادة يدعي معظم النقاد وصناع الافلام ان زمانها قد ولي وان الجمهور لم يعد يقبل عليها وفي وقت انسحبت فيه الاضواء بشكل كامل تقريبا عن نجوم هذا الجيل السينمائي نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي ومحمود حميدة واصبحت الساحة السينمائية حكرا علي النجوم الجدد سواء في الكوميديا او الرومانسية او الحركة! في تصوري ان التفسير الوحيد هو بالضبط كما كان دائما في اننا كنقاد وصناع افلام لانقدر ذكاء وفراسة الجمهور حق قدرها وعند اول بادرة تغير في مزاج هذا الجمهور لانبحث عن السبب الاعمق لهذا التغيير بل نرفع راية اليأس ونعلن ان الجمهور قد فسد وان الجمهور عايز كده الجمهور الذي تعلق بزكي رستم واحمد زكي بشكل استثنائي جمهور زكي واع يعرف من يصدقه الاداء ومن يحاول ان يمثل عليه الدور ودون ان يعرف الجمهور ما يدور في الكواليس بالضرورة من دخول نجم مثل احمد زكي في حالة كاملة من التوحد مع الشخصية الي حد المرض يشعر بالنتيجة فأحمد زكي في احلام هند وكاميليا و طائر علي الطريق و موعد علي العشاء و البيه البواب و ثلاثة في مهمة رسمية هو بالضبط الشخصية التي يذوب فيها وهو يجسدها وهو في نفس الوقت احمد زكي طوال الوقت وهو ايضا الضابط المتعجرف الطاووس في زوجة رجل مهم والوزير الغارق في انتهازيته في معالي الوزير وهو في ذروته الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في عز شبابه وكاريزميته في ناصر 56 وهو كاحمد زكي لايغيب عن الوجود ولا يتلاشي تماما ولايذوب في اي شخصية من هذه الشخصيات انها بالفعل عبقرية ان تكون ولاتكون في نفس الوقت واذكر في تجربتي الوحيدة في التعامل مع احمد زكي في المسلسل الاذاعي حاضر يادينا مع سعاد حسني انني فوجئت عندما التقيته اول مرة في استوديو التسجيل انه قد عزل نفسه واغلق الباب عليه ولم يكن يخرج من عزلته الا بين مسمع واخر يسجله ثم يعود لعزلته وحيدا قدمتني الراحلة سعاد حسني اليه بصفتي كاتب النص استبقاني لاكثر من ساعة منصتا لي باهتمام شديد وانا احكي له عن المصدر الذي استقيت منه هذه الشخصية وتصوري لتاريخها وظروفها وحتي شكل هذا الشخص كما تخيلته كل هذا في مسلسل اذاعي! فأي اخلاص هذا.. وأي جمهور فطن ذكي يدرك حجم الصدق والاخلاص في فنان فيهبه هذا الاهتمام في زمن يصفه بعضنا بزمن الاسفاف و التسالي!!

نور الشريف

عن الراية القطرية

 

صور لأحمد زكي

كل شيء عن أحمد زكي

شعار الموقع (Our Logo)