كل الآمال كانت أن يخرج خالد تاجا من مستشفى الشامي في دمشق، الذي
دخله في 23 مارس الماضي، بعد أن خذله الأوكسجين وعانى من صعوبة في التنفس.
ليل أول من أمس جاء بخبر الموت المؤكد بعد أكثر من شائعة تم تكذيبها على
مدى الأيام الماضية، توقف قلب تاجا الذي قضى حياته يدافع عن طفولته، أو كما
قال في حوار سابق لـ«الإمارات اليوم»: «الطفولة، الطفولة، اللعب، القدرة
على صيانة الطفل الذي في داخلنا، هذا هو سري، حافظت على الطفولة رغم كل ما
واجهني في حياتي».
تاجا المولود في حي ركن الدين الدمشقي، رحل عن عمر ناهز 72 عاما،
تاركاً خلفه مسيرة فنية قاربت الـ50 عاما. بدأت من المسرح عشقه الأول،
ومسيرة سينمائية ريادية بدأت مع فيلم «سائق الشاحنة» عام ،1967 وكان أول
فيلم روائي طويل من انتاج القطاع العام في السينما السورية، فضلاً عن أدوار
سينمائية كثيرة في «رجال تحت الشمس»، و«الفهد» وغيرهما الكثير. حين كان
نجماً سينمائياً، ليس له أن يجد في الدراما التلفزيونية ما يلبي طموحه، لكن
مع توقفه عن التمثيل لفترة طويلة، عاد وظهر، لكن هذه المرة عبر الشاشة
الصغيرة، ولعل ظروفاً كثيرة أسهمت في ذلك، فمع تراجع الإنتاج السينمائي
السوري، واندثار القطاع الخاص، وبداية الانتاجات الدرامية، جاء تاجا
متخففاً من تاريخه الطويل، وراح يتحول إلى العلامة الفارقة في الدراما
السورية مجسداً مقولته «الممثل ممثل»، منوعاً على الأدوار كافة، فهو ومن
سهرة تلفزيونية حملت اسم «خريف العمر» ونجمه لا يغيب عن انتاجات الدراما
السورية، ويكفي أن نستعيد أدواره في «نهاية رجل شجاع»، و«الزير سالم»،
و«التغريبة الفلسطينية» لنكتشف كم هي ماثلة في ذاكرة المشاهد العربي.
«الممثل ممثل سواء كان على خشبة المسرح أو في التلفزيون أو في السينما،
ولا وجود لدور كبير وآخر صغير، هناك ممثل كبير وآخر صغير»، هكذا يقارب تاجا
عالم التمثيل، ويحرص دائماً على كسر النمطية. تاجا منغمس حتى النخاع في
التمثيل، بالانتقال من شخصية إلى أخرى أشد وقعاً، وبقدرة مثيرة للإعجاب
والدهشة على تحويل أي دور إلى ما يجعل المشاهد يلاحقه بحب وشغف، وهو متأكد
من أنه سيشاهد من يحب مسبقاً، وليس للدور إلا أن يكون على مقاسه دائماً.
إنه يجيب كما أجاب نجنسكي ـ راقص الباليه الروسي الشهير ـ حين سؤاله كيف لك
أن تكون كذلك؟ كيف يمكنك أن تقفز وتدور سبع دورات في الهواء، «لا أعرف،
أقفز في الهواء، أعد الدورات فأصل الرقم سبعة فأتوقف وأعود إلى الأرض».
ربما كان لشخصية الحارث بن عباد التي قدمها في مسلسل «الزير سالم»
إخراج حاتم علي، أن ترضي مطامحه الشكسبيرية، فهو كما يقول حين قرأ النص
الذي كتبه الشاعر الراحل ممدوح عدوان «رأى هاملت يطل برأسه من شخصية ابن
عباد». يشعر المشاهد وهو يشاهد تاجا أنه قادر أثناء تأدية الدور على أن
يستحضر كل موهبته وثقافته ومخزونه دفعة واحدة، وعلى شيء يدفعنا للاعتقاد أن
الأمر لا يستدعي تكبد عناء، هذا «لأنني أجد في التمثيل هواية، وعشقي
للتمثيل لم يصل درجة الهيام، لكنه بالنسبة لي حالة فرح، حالة تفريغ للهموم
السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بي، بحيث أكون جديداً دائماً»،
ويستشهد بالكاتب المسرحي هنريك ابسن «كان ابسن يضع عقرباً في زجاجة، وحين
تمتلئ بالسم كانت تصدر عنها أصوات غريبة، فيقرب قلم رصاص منها، فتفرغ كل
سمها في هذا القلم»، ويوضح تاجا «حالنا نحن الفنانين كحال هذه العقرب، فنحن
نعطي البشر جرعة سم تصيبهم بالحمى، فإن كان الفن خالياً من أي مشروع فلا
استطيع تسميته فناً». هذا يقود إلى كمية الأدوار التي قدمها، وغواية الفن
التي تبدو شاسعة أمامه، الأمر الذي يؤكده «طالما أنني لم أغلق نوافذي
المشرعة، فأنا دائماً منفتح على تجارب جديدة، والحياة مليئة بالنماذج
والشخصيات التي تستحق أن تجسد، فأنت تعيش مع امرأة 30 سنة وتكتشف أنك لم
تعرفها بعد»، ويضيف «ليس لدي شروط مسبقة، أيه شخصية تغويني بأن ألعبها لا
أتردد أمامها».
المشاهد العربي كان يطالب بخالد تاجا أولاً، وهو متأكد من أنه سيقع في
غرام الشخصية، هذه الحقيقة تقوده إلى أخذها إلى مساحة أخرى «يحزنني هذا
الشيء، ويعيدني إلى مشكلة تقنية متعلقة بـ(الماكير) الذي نفتقر له، والقادر
على تغيير شكل الممثل، على الرغم من أنني أحاول دائماً أن أغير في شكلي على
الشاشة، عبر الشوارب أو الحاجبين، وأجد في ذلك من جهة أخرى عبئاً داخلياً».
حاول تاجا دائما كسر صورته، وأن يغير في أدائه من دون ماكياج، ففي «الحصرم
الشامي» قدم شخصية مسحوقة، بينما في مسلسل «الساروجة» وفي مسلسل «وحوش
وسبايا» قدم فيه دوراً شريراً وغيرهما الكثير الكثير من الأعمال التي تنوعت
فيها أدواره. يعد تاجا نظرية قسطنطين ستانيسلافسكي في التمثيل منهجاً
راسخاً في عمله، ويعده عشقه الذي لم يفتر، كما يرى في ثقافة الممثل سلاحاً
أساسياً في صقله وتنويع أدواره، ويستعين بعبارة لستانيسلافسكي يقول فيها
للممثلين «اقرأوا، اقرأوا حتى الممات». كان حلم خالد تاجا أن يقدم شخصيتي
لير وعطيل وغيرهما من الشخصيات الشكسبيرية على خشبة المسرح، إلا أن شروطه
الصارمة أمام تلك الشخصيات منعته من خوض تلك التجربة، وعمل مع الكاتب
والشاعر الراحل ممدوح عدوان على «مأساة لير» لتقديمها تلفزيويناً بشكل
معاصر لكن العمل لم ير النور.
رحيل الفنان خالد تاجا ليس فقط خسارة للمشهد الفني السوري والعربي
بصورة عامة، بل هو خسارة للحياة التي ستفتقد واحداً من أكثر الأشخاص
التصاقاً بها وبما تمنحه من انتصارات وخسائر.
الإمارات اليوم في
06/04/2012
مسيرته درب من الجنون
خالد تاجا يرحل قبل أن يحقق حلمه الشكسبيري
عمّار أبو عابد
فجعت الأسرة الفنية السورية أمس الأول الأربعاء برحيل الفنان السوري
الكبير خالد تاجا عن عمر يناهز ثلاثة وسبعين عاماً، إثر مرض عضال. وكان
الراحل قد نُقل إلى المستشفى منذ أسبوعين بعد تعرضه لأزمة صدرية حادة،
استلزمت عناية طبية مركزة، فارق بعدها الحياة، منهياً مسيرة طويلة من
العطاء الفني امتدت لأكثر من خمسة وخمسين عاماً، عمل خلالها في المسرح
والسينما وتألق في التلفزيون من خلال عدد كبير من أعمال الدراما
التلفزيونية السورية.
بدأ خالد تاجا العمل المسرحي وهو على مقاعد الدراسة في سن السادسة
عشرة، ووقف أمام محترفين كبار مثل عبد اللطيف فتحي، وفي السابعة عشرة انتسب
إلى فرقة المسرح الحر، ثم انتقل إلى المسرح العسكري، ليدخل بعد ذلك إلى
عالم السينما، ويقوم بدور البطولة في فيلم “سائق الشاحنة” عام 1966، حيث
حقق نجاحاً كبيراً، فتح له الأبواب ليلعب أدوار البطولة في أكثر من عشرين
فيلماً خلال طفرة الإنتاج السينمائي الخاص في سوريا. وبعد فترة من الانقطاع
عن العمل الفني دامت حوالي عشر سنوات، أعاد التلفزيون اكتشافه من جديد في
عيون الجمهور السوري مع نهاية الثمانينيات، فلعب منذ ذلك التاريخ وحتى
اليوم أدوار البطولة في عشرات المسلسلات التلفزيونية.
حصل الراحل تاجا على عدد من الجوائز المحلية والعربية العالمية، منها
الميدالية الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، وذهبية أفضل ممثل في
مهرجان القاهرة الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون، وكرمه مهرجان بودابست
ببلجيكا عام 2010، كما عدته مجلة “التايم” الأميركية واحداً من أفضل خمسين
ممثلاً في العام 2004. ومن أهم أعماله التلفزيونية: التغريبة الفلسطينية،
أخوة التراب، أيام شامية، الدغري، تمر حنة، الزير سالم، الفصول الأربعة،
بقعة ضوء، زمن العار، يوميات مدير عام، غزلان في غابة الذئاب، قاع المدينة،
الحصرم الشامي، وغيرها. ومن أعماله السينمائية، العار، أيام في لندن، الفهد.
أما المسرح، فمنذ انقطاعه عنه، ظل ملازماً له كحلم مؤجل، وكان يردد
دائماً أمنيته بأن يتوج مسيرته الفنية بذروة درامية شكسبيرية. وهو الذي كان
يبدو في أدواره التلفزيونية كبطل تراجيدي فر من مسرح شكسبير والتجأ إلى
الدراما التلفزيونية مؤقتاً!. ولهذا كان خالد تاجا يشعر دائماً بأنه مقصر
بحق نفسه، وأن ما أنجزه ليس سوى جزء بسيط من طموحاته، فمحرضاته الداخلية
المفعمة بالقوة والدلالات كانت تطالبه بأكثر من ذلك، سواء على الصعيد
المسرحي أو على صعيد الكتابة والإخراج. لكنه كان يعزي نفسه بأن عمر الإنسان
أقصر من طموحاته ومشاريعه، ويقر بأنه يحتاج أكثر من عمر حتى يحقق ما بداخله.
طوال مشواره الفني، حافظ خالد تاجا على الطفل الذي في داخله، وحماه،
وكان يعتبر ذلك الكسب الذي كسبه في حياته، لأن الفن له علاقة بتركيبة الطفل
برأيه، وعلى الممثلين أن يحافظوا على هذا الطفل بداخلهم، وألا يكبروا، لأن
فن التمثيل يضيع بين الكبرياء والخجل.
عند وفاته، ترك لمحبيه جملة واحدة على شاهدة قبر أعده بنفسه لنفسه:
“مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب، زرع النور بقلب من رآها لحظة ثم مضت”.
الإتحاد الإماراتية في
06/04/2012
"رشا شربتجي" تعلن عن حزنها لوفاة "خالد تاجا"
دعاء ذكي
أعربت المخرجة السورية رشا شربتجي عن حزنها الشديد لرحيل الفنان
السوري خالد تاجا وقالت : يعجز الكلام عندي لارسي واودع اب وصديق ومعلم
كبير .
كان الفنان السوري خالد تاجا قد توفي عن عمر ينايز 72 عاما وشيعت
جنازته بدمشق وسط حشد كبير من الفنانين والكتاب السوريين منهم وزير الاعلام
السوري عنان محمود والفنانين دريد لحام وممدوح الاطرس وفايزه شاويش وفوزي
بشارة والمخرج مظهر الحكيم والمخرجه رشا رشربتجي وفاديا خطاب نقيبة
الفنانين السوريين .
يذكر أن الفنان الراحل شارك في العديد من الأعمال الفنية واعتبره
الفنانين السوريين عمودا من أعمدة الدراما السورية.
ومن أعماله هجرة القلوب إلى القلوب، جريمة في الذاكرة، إخوة التراب،
يوميات مدير عام، التغريبة الفلسطينية، على طول الأيام، رجال تحت الطربوش،
غزلان في غابة الذئاب ومسلسل زمن العار الذي أخرجته المخرجة رشا شربتجي .
أخبار اليوم المصرية في
06/04/2012
أفق
سائق الشاحنة
إبراهيم اليوسف
يعد الفنان الكبير خالد تاجا “1939-2012” أحد أبرز الفنانين السوريين،
إذ كرس حياته على امتداد نصف قرن للفن، فعرفته خشبة المسرح، كما عرفته
الشاشتان الصغيرة والكبيرة، واحداً من الرواد الأوائل الذين أرسوا دعائم
التمثيل محلياً، وعربياً، وعالمياً، منذ السابعة عشرة، من عمره حتى آخر نبض
في حياته، إذ تأكد نبأ وفاته النهائي في تمام الساعة الرابعة من يوم
الأربعاء4-4-2012- ويالمصادفات الرقم 4 هنا- وهو الذي تزوج بأربع نساء، بعد
أن انتشر في الأيام الأخيرة هذا النبأ الأليم، إثر جلطة أصابت كلتا رئتيه،
وراح المقربون منه يكذبون الخبر، إلى أن حل النبأ الحقيقي، بعد أيام فحسب
من محنته المرضية المفاجئة، ليكون لسان حال من هي مقربة منه في أسرته
الفنية “هذه المرة لن أكذب الخبر فهو حقيقة مرة” .
خالد تاجا، الفنان السوري الكردي، أو “تاجا الشامي” كما كان يحب أن
يسمى “هو ابن حي” الأكراد الدمشقي، لا فصام بين شريط حياته الزمني، والفن،
حيث كلاهما متداخلان، إلى تلك الدرجة العالية من التطابق، وكيف لا وهو الذي
كرس عقود عمره لضالة الفن، إلى درجة عالية من الإخلاص، ليسميه الشاعر محمود
درويش ب”أنطوني كوين العرب”، ليقول عنه مصطفى الخاني، الفنان المعروف
والقريب المقرب منه: بل هو “خالد تاجا العرب”، كما أن مجلة “التايم”
الأمريكية قد وصفته في العام 2004 بأنه واحد من أفضل خمسين ممثلاً عالمياً
مهماً ومؤثراً .
لقد برز تاجا خلال أعمال فنية كثيرة، بعدما دخل عالم التمثيل من بوابة
المسرح، وكان باكورتها سينمائياً فيلم “سائق الشاحنة” الذي كرس اسمه، على
نحو واسع لتتالي أعماله الإبداعية ومن بينها على سبيل الذكر لا الحصر
“غوليمانوف” و”شبكة العنكبوت” و”أخوة التراب” و”يوميات مدير عام” و”الزير
سالم” و”أيام شامية” و”صلاح الدين الأيوبي” و”الحصرم الشامي”، وقد بلغت هذه
الأعمال المئة، ليكون أحد صناع المسرح السوري المعاصر، كما هو أحد صناع
الدراما السورية ذات الحضور الكبير على الخريطة الفنية عربياً وعالمياً .
وإذا كانت صفات الدمشقي، الحكيم، دمث الأخلاق، تميز شخصية الفنان
تاجا، فإنه قد أدى أدواراً متعددة، ومن بينها دور الشخص “القبضاي” والقائد،
والزعيم، بل والمحارب، ناهيك عن جملة من الأدوار الأخرى التي كانت تؤكد
بجلاء براعة موهبته الكبيرة، في تقمص شخصيات الأدوار التي لعبها، وهي خصيصة
الفنان المبدع الكبير الذي يعيش شخصية الدور المسند إليه، كاسراً بذلك
نمطية الشخصية التي لا يستطيع كثيرون التحرر منها البتة .
وإذا كان تاجا فناناً كبيراً، فإنه عرف بتأثره الشديد بما يدور من
حوله، إلى درجة وقوعه تحت فورة العاطفة في ردات فعل، إلى درجة اللبس، ربما
في أكثر من موقف موثق، بيد أن “بارومتر” حبه للإنسان، وفق زاوية نظره،
ومحيطه، لم يتغير، فهو الذي جسد أدواراً بطولية في أكثر من عمل فني لنصرة
القضية الفلسطينية، ناهيك عن تفاعله مع أحداث غزة، بروح عالية، إذ لم يتلكأ
طوال حياته في إدانة القاتل، وانحيازه إلى الضحية والدفاع عنها، بروح
مجاهد، عملاق، ولعل وقوعه تحت فورة العاطفة تلك، كان نتاج تفاعله واستجابة
لهيمنة الصورة الإلكترونية، الأحادية، من حوله، لتظل روحه الإنسانية
الباذخة، العمود الفقري لشخصيته الاستثنائية .
الخليج الإماراتية في
06/04/2012
مات خالد تاجا!..
طارق عبدالواحد
مات الرجل الذي أثرى المشهد الفني السوري لنصف قرن من الزمان، والذي
سطع نجما بلا ألقاب. فحتى اللقب الوحيد الذي أسبغه عليه الشاعر الفلسطيني
الراحل محمود درويش لم يكن موفقاً. لقّبه بـ"أنتوني كوين العرب"، لا يرقى
ولا يليق بمكانة تاجا. لكن بدون عقد، أو انحيازات "عنصرية" ألم تكن منى
واصف أكثر براعة من الممثلة إرين باباس، حيث لعبت الممثلتان دور هند بنت
عتبة في نسختي فيلم "الرسالة"، العربية والإنكليزية؟ ألم يطلب "أنتوني
كوين" نفسه من الممثل المصري عبدالله غيث أن يقوم بأداء المشاهد التي يلعب
فيها دور حمزة بن عبدالمطلب، في الفيلم نفسه، كي يتعلم منه؟
مات خالد تاجا!
رحل الممثل القدير الذي لم تسفعه موهبته الفذة في لعب أدوار بطولة من
الدرجة الأولى، منذ دخل حلبة الفن في العام 1966 في فيلم "رجال في الشمس"
المأخوذ عن رواية غسان كنفاني التي تحمل الإسم نفسه، ولاحقا في عشرات
الأداور التلفزيونية التي تألق فيها كأحد أبطال الصف الثاني. مات تاجا
بينما يخوض شعبه السوري، الذي كان دائما "يلعب" أدوار بطولة ثانوية مع "بطل
رئيسي" واحد أوحد يشغل جميع الأدوار، معركة "البطولة" الحقيقية، مناضلا من
أجل توسيع حجم الدور، والانتقال من شخصية "السنيّد" و"الصديق" الذي يموت من
أجل أن يفوز بطل الفيلم بشفتي البطلة المكتنزتين في آخر الفيلم. الأدهى أن
"الفيلم" السوري كان طويلا جدا ومملا جدا وكان السوريون مرغمين على مشاهدته
لأربعين عاما.
مات خالد تاجا!
انتقل إلى جوار ربه ذلك الوجه المألوف في مواسم الدراما السورية
المزدهرة، والتي بدأت تدخل بدايات خريف قسري بسبب ما تشهده البلاد من
"مسلسلات" لا تقل درامية وتراجيدية، وأحيانا كوميدية، مسلسلات لم يعد
أصحابها ينتظرون شهر رمضان لتسويق أعمالهم، بل صارت تبث على مدار الساعة،
بحلقات 24/7. هذا ناهيك عن هجرة فنانين نجوم إلى "أم الدنيا" ليستفيدوا من
"مناخها" الفني برمزيته ووزنه التاريخي، مع أن الدراما السورية استطاعت
خلال العقد الماضي، أن تدفع الدراما المصرية إلى مواقع متراجعة أثارت، ليس
غيرة المصريين الفنية، بل حنقهم وغضبهم الشديد.
مات خالد تاجا!
لكان موته صاعقا أكثر لو كان في ظروف عادية، ولكن أن يأتي هذا الغياب
في الوقت الذي يقتل فيه العشرات من السوريين يوميا (10 آلاف شخص خلال عام
واحد، بمتوسط حسابي قدره 30 شخص يوميا) فهذا يبعث في النفس تساؤلات مريرة
وحسرات حارة. وفي كل الأحوال يليق بجثمان تاجا أن يشيع بجنازة مهيبة (مع أن
مبدعين سوريين كبارا حرموا منها بسبب مواقفهم السياسية) إلى مثواها الأخير.
وفي آخر الأمر، رحل تاجا ذو الشعر الناصع البياض والقلب الناصع البياض، في
الوقت الذي تمر فيه سوريا بأكثر ايامها سوادا وقتامة. السواد الكبير يمكن
استعارته كعلامة حداد..
أما وسوريا تودع الشهداء كل يوم، فخالد تاجا هو شهيدها اليوم، مع أنه
لم يقتل برصاصة قناص أو شظية قذيفة. مات الرجل بسبب نقص الأوكسجين في
رئتيه، وسوريا اليوم وبسبب الحريق تعاني من نقص الهواء الطلق..
الوطن (أمريكا) في
07/04/2012
وداعا خالد تاجا:
اعتبر من أفضل 50 ممثلا على مستوى العالم،
وتأييده للانتفاضة السلمية كان آخر مواقفه
شُيع من مشفى الشامي في العاصمة دمشق، عصر الخميس، الفنان السوري
الراحل خالد تاجا، حيث صلي عليه في جامع الزهراء في حي المزة قبل أن يوارى
الثرى في مقبرة بئر السبيل بركن الدين في دمشق.
وحضر مراسم التشييع كوكبة من الفنانين السوريين، بالإضافة إلى وزير
الاعلام السوري عدنان محمود، رغم مواقف تاجا التي أعلن فيها تأييده
للانتفاضة في سوريا والدعوة إلى التغيير.
"أنطوني كوين العرب"
وكان تاجا الملقب بـ"أنطوني كوين العرب" قد توفي ظهر الأربعاء بعد
صراع مرير مع سرطان الرئة، بعد أن نقل إلى العناية المركزة في مشفى الشامي
بدمشق منذ أسبوعين بسبب نقص حاد في الأوكسجين، لتخسر الدراما السورية
والعربية أحد أعمدتها الأساسية وقامة فنية لا تعوض.
وكان تاجا يفضل لقب "تاجا الشامي" وهو في مسيرته وقيمه الاجتماعية
والوطنية وغير المذهبية والمنفتحة، كان ملكا شاميًّا.. صديقا وزعيما بين
أقرانه، وشاعريا بسيطا في علاقاته ونظراته وشيطاناته الإبداعية.
مسيرته الفنية الطويلة والناجحة كرست تاجا أحد كبار الفنانين في الوطن
العربي، رغم أن شهرته لم ترق إلى ما وصل إليه البعض عبر أعمال أقل بكثير
مما قدمه "الشامي الكبير" كما ومضمونا، التي رأى بأنها، وكما كتب على شاهد
قبر أعده قبل أن يرحل، "حلم من الجنون كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها
لحظة ثم مضت".
عمل تاجا المولود بحي ركن الدين الدمشقي عام 1939 في المسرح منذ كان
صغيرا مع كبار الفن المسرحي آنذاك، من أمثال عبد اللطيف فتحي، وحكمت محسن،
وعلى خشبة مسارح المدن السورية صقلت موهبته الفنية وقدمته لاحقا للسينما
والتلفزيون.
في العام 1966، اختاره المخرج اليوغسلافي يوشكو فوتونوفيتش للقيام
بدور البطولة في أول فيلم سينمائي تنتجه المؤسسة العامة للسينما، وهو "سائق
الشاحنة".. بعدها، عمل في أفلام عدة أنتجت في القطاعين العام والخاص، ومن
أبرز أفلامه "الفهد" و"رجال تحت الشمس".
دراما شامية وتاريخية وكوميدية
برع الفنان الراحل في الأعمال الدرامية والكوميدية، وفي أنماط وبيئات
فنية مختلفة، واشتهر بتماهيه مع الدور والحرص على تقديم أفضل ما لديه
دائما، وله كم هائل من الأعمال الفنية المتنوعة.
اضطرته أوضاعه الصحية للابتعاد عن العمل لمدة 12 سنة، ليعود بعدها
ويشارك في أكثر من 100 مسلسل تلفزيوني، مثل بعضها علامات فارقة في الدراما
السورية، التي اكتسبت شهرة لدى المشاهدين العرب، ونافست بقوة الدراما
المصرية.
تنوع أداء الفنان خالد تاجا، فلعب أدوارا في أعمال تلفزيونية تجسد
البيئة الشامية من قبيل "أسعد الوراق"، و"أيام شامية"، و"الحصرم الشامي"،
و"أبو خليل القباني"، و"الثريا"، و"نهاية رجل شجاع"، وأخرى تاريخية من قبيل
"خالد بن الوليد"، و"ملوك الطوائف"، و"ربيع قرطبة"، و"صلاح الدين الأيوبي"،
و"التغريبة الفلسطينية"، وحتى كوميدية في "بقعة ضوء"، و"الفصول الأربعة"
و"يوميات مدير عام" و"أيام الولدنة"، بالإضافة إلى أعمال أخرى اجتماعية
معاصرة.
نقد السلطة واعتقاله من النظام خلال مشاركته في إحدى المظاهرات
في أحد أدواره ظهر الفنان الراحل، وهو يخطب في الناس في ساحة المرجة
الشهيرة وسط دمشق، وعاتبهم على صمتهم وتخاذلهم، وسرعان ما انفض الناس من
حوله مهرولين، فعقب على ذلك بقوله: "إنكم لا تستعملون أرجلكم إلا للهريبة..
كنا فقط نجرب صوتنا، ماذا لو بقينا البحصة، رمينا الحصاة من أفواهنا
وتكلمنا كما نريد".
واشتهرت عدة مسلسلات سورية - شارك في بعضها خالد تاجا - من بينها
"بقعة ضوء" بهذا النوع من النقد، الذي يراه البعض جريئا، في حين يعده البعض
اتجاها نحو التنفيس المحسوب عما يعتمل في الصدور، دون أن يعبر عن تيار فني
أصيل، أو مساحة حقيقية من حرية الإبداع تسمح بها السلطة.
وكان الممثل المخضرم قد أوقف لفترة وجيزة قبل عدة أشهر من قبل الأمن
السوري في دمشق، إثر مشاركته مع عدد من الفنانين والمثقفين السوريين في
مسيرة تطالب بوقف الحل الأمني، الذي ينتهجه النظام، وتدعم التظاهرات
السلمية التي خرجت تطالب بالحرية.
أعمال كانت في الانتظار وجوائز تعكس قيمة الراحل
وغيب الموت تاجا قبل إكمال دوره في مسلسل "الأميمي" للمخرج تامر
إسحاق، ومشاركته في مسلسل "ابن الميتة" لناجي طعمة، والجزء الثاني من "أبو
جانتي"، وقبل أن يقص شريط العمليات التصويرية لفيلم "مريم" للمخرج باسل
الخطيب، ومسلسل "سيت كاز" للمخرج زهير قنوع.
يذكر أن الراحل نال مجموعة من الجوائز والتكريمات، منها الميدالية
الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، والجائزة الذهبية لأفضل ممثل في
مهرجان القاهرة الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون 2005، ودرع تكريم عن دوره في
مسلسل التغريبة الفلسطينية بأبو ظبي، وجائزة لجنة التحكيم للدراما السورية
"أدونيا 2005"، وتكريما في مهرجان بودابست بهنغاريا 2010، وغيرها الكثير،
كما اعتبر تاجا أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم عام 2004 بحسب مجلة التايم
الأمريكية.
عــ48ــرب
في
07/04/2012 |