مثيرة هي السيرة السينمائية للممثل السوري الراحل خالد تاجا. الإثارة
التي صنعتها مشاركاته المتنوّعة في أفلام عديدة، نابعة من الاختلاف الجذريّ
العميق في خياراته المتناقضة بين أساليب وهواجس لا رابط بينها أبداً،
درامياً وجمالياً وآلية اشتغال. من النوع التجاري العاديّ للغاية، إلى
البراعة الإبداعية في تحويل الصورة السينمائية إلى مرايا واقع وذات
وتفاصيل، قدّم تاجا أفلاماً كثيرة، بعضها القليل يُشكّل جزءاً أساسياً من
التاريخ الحديث للسينما السورية الجادّة. هذا القول نابعٌ من قدرة الممثل
على التكيّف مع شخصيات وأدوار وحكايات، متصادمة في ما بينها، أو متناقضة
بعضها مع البعض الآخر في المجالات كافة. نابعٌ أيضاً من رغبة الممثل في
العمل السينمائي، أي في المحافظة على هذا الجانب الإبداعي الخاصّ به، في
ظلّ ندرة الأفلام الصدامية والسجالية، القادرة على طرح أسئلة الصورة
والتمثيل والتقنيات، بالتوازن مع أسئلة الواقع والتاريخ والمجتمع والناس.
إثارة
الإثارة المذكورة أعلاه مردّها انشغال خالد تاجا بفن التمثيل بحرفية
واضحة تماماً في أفلامه السينمائية كلّها، العادية والصدامية معاً. انشغاله
بفن التمثيل أولاً وأساساً، أكثر من انشغاله بالشكل السينمائي. أحسب أنه
وافق على الانخراط في مشاريع متناقضة، لتوقه الفني البحت إلى اكتشاف
التنويع، أو إلى التمرين الأدائي الدائم، أو إلى تحصين حضوره الثقافي من
خلال السينما أيضاً (مثّل في مسرحيات وأعمال تلفزيونية عديدة). ذلك أن
تمثيله في فيلم للمخرج اللبناني الراحل سمير الغصيني مثلاً (أيام في لندن،
1978)، يُعتبر نقيضاً واضحاً لتمثيله في «الفهد» (1972) للسوري نبيل
المالح، أو في «شيء ما يحترق» (1993) للسوري غسان شميط. فشهرة الغصيني
كامنةٌ في براعته الفائقة في تحقيق أفلام استهلاكية، مرتكزة على خبريات
ولقطات ومتتاليات بصرية، محتاجة كلّها إلى خيط درامي عميق لتحويلها إلى
فيلم سينمائي متكامل. وهذا على نقيض المالح وشميط، اللذين طوّعا العمل
السينمائي، كلٌّ بطريقته الخاصّة، في البحث الدرامي في أحوال وحالات
وتفاصيل وحكايات. الغصيني منتمٍ إلى فئة من المخرجين اللبنانيين والعرب،
الذين اعتبروا الكاميرا مهنة لا فناً، مع أنه حقّق ومحمد سلمان أكبر عدد من
الأفلام اللبنانية. سلمان نفسه أنجز أحد أفلام خالد تاجا بعنوان «عروس من
دمشق» (1973)، في فترة خصبة بالعناوين السينمائية اللبنانية والسورية،
المقيمة في مساحة من الغليان المفتوح على الاختبارات الثقافية والجمالية،
في مقابل كَمّ كبير من الأفلام المنغلقة على بهتان الاشتغال السينمائي،
وخلله وارتباكاته البصرية والفنية والتقنية. أي إن الفترة الممتدة بين
نهاية ستينيات القرن الفائت وبداية سبعينياته، شكّلت منعطفاً حقيقياً
لسينما عربية خرجت من نكسة «حرب الأيام الستة» في العام 1967، لتقع في
الارتباك الثقافي والإنساني جرّاء انعدام الأجوبة الواضحة عن معنى هذه
الهزيمة القاتلة. سينما عربية تبلورت مشاريعها التجديدية أيضاً من قلب
النكسة نفسها، كي تقول لغة أخرى في مخاطبة الوعي وطرح الأسئلة والتنقيب في
جذور الحكايات الفردية. وهي الفترة نفسها التي شهدت استمرار صناعة الأفلام
الاستهلاكية والتجارية أيضاً، وبغزارة أحياناً. في هذه الفترة بالذات،
تنقّل خالد تاجا بين سينما استهلاكية بحتة، وسينما ساعية للحفر في أعماق
البيئة الإنسانية، وتحوّلاتها وانقلاباتها وتوهانها الجمالي، في لحظة
التأسيس الفعلي للتجديد البصري.
عزلة
قبل «الفهد»، تعاون خالد تاجا مع نبيل المالح في «رجال تحت الشمس»
(1970). وبينهما، مثّل في عدد لا بأس به من التنويعات، محاولاً إيجاد طريق
إبداعية صرفة له، وسط تبدّل اللحظة التاريخية. السياسة والتاريخ والصراع
المفتوح ضد عدو الخارج، متمثّلاً بإسرائيل وبالصراع العربي معها وبآثار
الصدام التاريخي بين الطرفين، كما في «شيء ما يحترق» و«رجال تحت الشمس»
و«المتبقّي» (1995) للإيرانيّ سيف الله داد. أو ضد عدو الداخل، كالإقطاع
والاستعمار، كما في «الفهد» و«العار» (1974) لبشير صافية وبلال الصابوني
ووديع يوسف، لارتكاز هذا الفيلم على قصص عديدة متعلّقة بمعاناة أبناء الريف
السوري مع الإقطاع، تماماً كالحبكة الدرامية لـ«الفهد». السياسة، وإن بشكل
مبطّن، وسمت شيئاً من مناخات أفلام أخرى له، كـ«الليل الطويل» (2009) لحاتم
علي، المرتكز على قصّة سجناء سياسيين يُطلَق سراحهم بعد سنين طويلة من
الأسر، فإذا بكل واحد منهم يذهب في طريق معبّدة بالألم والقلق والخراب.
وعلى الرغم من أن هذا الفيلم لم يرتق إلى مرتبة إبداعية راقية، إلاّ أن
خالد تاجا، باشتغاله على تعابير الوجه وحركة الجسد المثقل بأعوام العذاب
والوحدة والألم، وبنظـــراته الملتبسة في علاقتها بالآخرين وبالآخرة
أيـــضاً، بدا مُذهــلاً في إعطائه الشخصية نبضها الإنســاني المفتوح على
سؤال الحياة والموت. أما مشاركته في «دمشق مع حبّي» (2010) لمحــمد عبــد
العزيز، فكانت إضافة عددية على لائحة أفلامه المتنوّعة، بتقديمه صورة عجوز
مُقعد، تنتابه أزمة أخلاقية تدفعه إلى فتح جرح الأمــس، المتمثّل بعلاقة
عاطفية مقطوعة بين يهودية ومسيحي.
أفلامه كثيرة. لكن المميّز في تمثيله السينمائي كامنٌ في قدرته على
الإمساك الإنساني أولاً بنواة الشخصية المطلوب منه تأديتها، بحيث يستطيع
لاحقاً (أي أثناء التصوير) الانعتاق من صورتها المكتوبة على الورق، كي
يتمكّن من إفراغها فيه، وإفراغ نفسه فيها. أمام الكاميرا السينمائية، كبت
خالد تاجا براعته المسرحية والتلفزيونية، وإن خضع لها أحياناً عابرة.
المميّز في تمثيله السينمائي أيضاً، كامنٌ في تلك الشفافية والإنسانية
البديعتين، اللتين تظهران بفضل تعابير وجهه، وحركته وأسلوبه في النطق.
شفافية وإنسانية جعلتاه ينعزل ببراعته الأدائية عن ممثلي بعض أفلامه التي
لم تبلغ مرتبة الإبداع الجمالي.
السفير اللبنانية في
06/04/2012
دافع عن فن عظيم في أرض عارية
خالد خليفة
من غرائب المواطن خالد تاجا، الذي كان يعتقد بأنه سيعيش ألف عام، أن
يرحل في وقت توغل آلة القتل في دماء السوريين منذ أكثر من عام وسط صمت
عجيب، يبدو فعل موته عبثاً لا يستطيع أحد احتماله، كأنه فعل لهو لطالما
أحبه وأخلص له، أو فعل احتجاج صامت على ما يحدث في طول البلاد وعرضها، ومن
غرائب الممثل خالد تاجا أنه لم يكن يوماً يخطط لشيء، يبحث عن الأدوار في كل
مكان، حين تصل إليه يمسك بها كالمتشبث بقدره، يقوم بإعادة الخيال إليها
ويعيد إنتاجها كما يليق بممثل عظيم، لا كممثل يبحث عن الشهرة والمجد
والعلاقات العامة، فعل ما لم يفعله الآخرون، ذهب إلى التمثيل بكل ما لديه
من طاقة، لم يفكر يوماً بما يشغل أقرانه من الممثلين، عناوينه واضحة لا لبس
فيها ولا غموض، يعبر عن حلمه بتجسيد «الملك لير» على خشبة المسرح من دون أن
يتشكى ومن دون أن يتنطع ويلعب دور العراب ومن دون ان يتواطأ، يبحث وسط
الركام عن بهجته، يحولها بعد تفكيكها وإعادة بنائها إلى سحر خاص، كثيراً ما
سألت نفسي كم شخصية يختزن في داخله برغم أنه لم يعش سوى بشخصية واحدة واضحة
العناوين.
من السينما في منتصف الستينيات بكل أنواعها الجادة والتجارية إلى
التلفزيون وأدواره التي يصعب حصرها «من هجرة القلوب إلى القلوب» مع المبدع
هيثم حقي والكاتب المبدع عبد النبي حجازي إلى دوره في «التغريبة
الفلسطينية» مع المبدعين المخرج حاتم علي والكاتب وليد سيف الذي سيبقى
علامة كبيرة في فن التمثيل، إضافة إلى شخصياته الأخرى التي تتحول أحياناً
إلى مادة أولية لتجريب أدوات سيقوم باعتمادها في أدوار أخرى، غارقاً بين
البروفات والنسخة النهائية التي سرعان ما يتخلى عنها إلى أفق التجريب وخيال
الممثل الأكثر رحابة.
مع بداية نهضة الدراما السورية بداية التسعينيات من القرن الماضي،
ببساطة استعاد خالد تاجا موقعه كممثل فريد بين أقرانه، بعد انقطاع طويل عن
التمثيل عاد ليجلس مكانه من دون أن يزاحم أحداً على مكانه، الممثل شبه
الوحيد الذي لم يعدد صفاته، لم يقل إنه سيجرب الكتابة لأن الكتاب أقل من
عبقريته، لم يقل بأنه سيتحول إلى الإخراج أو الإنتاج أو العلاقات العامة
التي أصبحت من مستلزمات الممثلين النجوم الفخورين بسياراتهم وفيلاتهم
وعلاقاتهم مع رجال السلطة الأقوياء بعد سنة 2000 وبعد تحول الدراما
التلفزيونية من مشروع بحث جماعي بين كل أطراف العملية الإبداعية إلى مشروع
بزنس وإذعان، تقوم فيه مجموعة من الممثلين بممارسة سطوتهم واستعارة أسوأ ما
في الدارما المصرية التي تعتبر النجم مركز الكون والدراما، وسط كل هذا بقي
خالد تاجا يشكل إحراجاً لزملائه المتعددي الصفات، بقي ممسكاً صولجان الممثل
فقط، يدافع عن فن عظيم في أرض عارية مع مجموعة ممثلين قلائل لم تستطع موضة
العلاقات العامة إفساده.
في نهضة الدراما التلفزيونية الثانية في نهاية التسعينيات وبداية
القرن الجديد، لم يكتف خالد تاجا بالعمل على مشروعه كممثل بل أضاف إليه
العمل على شخصيته التي تشكل جزءاً أساسياً من مشروعه المبدع، كلما تقدم به
العمر ازداد تسامحاً وتوضحت صورة الطفل الذي لم يمت في قلبه، بل ازداد
براءة وهشاشة، وكيف يذهب ممثل إلى عمله إن لم يكن لديه كل هشاشة الإنسان،
وأكاد أجزم بأنه مع أشخاص قلائل أنقذوا سمعة فن التمثيل السوري بإخلاصهم
لصفتهم الوحيدة، كما أنقذوا الكثير من الأعمال الدرامية التي كان من الممكن
أن يكون نجاحها أقل لولا وجودهم فيها.
لست الكاتب الوحيد الذي يفكر دوماً بكتابة مسلسل أو فيلم يقوم خالد
تاجا بلعب دوره الرئيسي، لكنني لست الكاتب الوحيد أيضاً الذي لم يجد الوقت
في ظل انشغال الأدوار في ملاحقته، إلى درجة أنه كان يعتقد بأنه لن يموت كما
كنا نعتقد بأنه لدينا وقت طويل وحياة كاملة سنجد فيها ذات يوم وقتاً للمرح
والكتابة والعمل.
كيف يموت طفل لاهٍ، ينثر البهجة أينما حلّ في الحياة أو على الشاشة
الصغيرة والكبيرة، انتظارنا له قد مات الآن لكن ذلك الرجل السبعيني البريء،
براءة التمثيل والفن النقي الذي أمتع الملايين لن يموت وإن كان يعنيه أنه
قد ذهب إلى الموت بصفة وحيدة تاركاً باقي الصفات للحالمين بسلطة الممثل
وليس بالتمثيل واللعب والبهجة والبراءة.
وداعاً خالد تاجا.
السفير اللبنانية في
06/04/2012
خالد تاجا ظل ممسكاً بصولجان الممثل ومات كممثل كبير لا
كطالب شهرة
مدرســـة في الأداء والأخلاق
رفيق علي احمد
ما تعودت رثاء الراحلين، افتقدهم لحظة الفراق، تصيبني حالة من الصمت.
ربما اذرف دمعا لمرة واحدة. أدعي انني متصالح مع الموت.
كنت كغيري منتظرا رحيلك ومتهيئاً له. لحظة قرأت خبرك تركت الجريدة
وامضيت «صبحيتي» معك. جالستك وتحدثنا: ابتسمت اكثر من مرة على خبرياتك التي
كنت أتندر بها امام الاصدقاء.
مر شريط ذكرياتي معك. من اول مرة رأيتك على الشاشة سألت ما اسم هذا
الممثل.
أحببتك مثل كل الذين شاهدوا اعمالك. محبوب أنت؛ حتى الكاميرا تعشقك يا
ذا الحضور الطاغي.
يا سارق عين الكاميرا بدون تقصد وسارق احاسيس ومشاعر الناس.
كنت انتظر ظهورك على الشاشة كي اترصدك واتعلم منك، انت مدرسة في
الأداء والاخلاق والتمثيل، لن أشبّهك بأي ممثل عالمي، فالممثلون يشبّهون
بك، يا من كنت «تاجا» على رأس الدراما العربية.
أعرف اني لن أنجو من شتيمة منك اذا تسنى لك قراءة هذا الكلام فكل مديح
عندك باطل.
ستبقى خالدا في قلوب المشاهدين وستبقى ذكراك حاضرة على ألسنة زملائك
وعارفيك، يروونها ويأنسون... هنيئا لك.
اسمح لي ان استعير شهادتك وشاهدك وأكتب: «مسيرتي حلم من الجنون كومضة
شهاب زرع النور بقلب من رآها. لحظة ثم مضت».
أقول لك: هذه اللحظة ستدوم طويلا قبل ان تمضي.
السفير اللبنانية في
06/04/2012
تشييع «أنطوني كوين العرب» في دمشق
ديمة ونوس
(دمشق)
كنت في السادسة عشرة من عمري، عندما اصطحبني صديقي جنادة إلى بيت أمه
نائلة الأطرش وزوجها خالد تاجا. وكانت المرة الثانية التي ألتقيه بها. أكاد
لا أذكر من تلك الزيارة سوى الضحك والمزاح. وأذكر أيضاً أنني نسيت في لحظات
معينة أن هذا الممثل الرائع يكبرني بسنوات كثيرة. كان يعثر من دون جهد كبير
على أحاديث مشتركة. ويتحدث إلى محاوريه بندية وتواضع وكأنهم في سنه ولديهم
تجربته الغنية في الحياة والدراما والمسرح. عيناه الضاحكتان، الساخرتان،
تسكنان في عيني من يعرفه. وسخريته تلك لا ينجو أحد منها بمن فيهم هو نفسه.
يقول المخرج هيثم حقي على حائطه في «فيسبوك»: الصديق الفنان الكبير
خالد تاجا كان دائم المزاح حول موته. وكيف سيكون تأبينه، ومن سيتكلم عنه
وعن موهبته الكبيرة التي شبهها الراحل الكبير محمود درويش بموهبة أنطوني
كوين وحين نقلت له رأيه هذا فرح كطفل صغير».
على باب مستشفى الشامي، تجمع العشرات. عدد لا يليق بخالد تاجا، أحد
أهم الفنانين السوريين المبدعين الذين صنعوا سمعة الدراما السورية. كأن
الناس والأصدقاء يتصالحون مع الموت. صار الموت عادياً. ومن يمت صار مجرد
رقم جديد في لائحة طويلة. وحيداً كان خالد تاجا في غرفة العناية المركزة.
أغمض عينيه ونام.
السيارة التي ستحمله من المستشفى، مملوءة بأكاليل الورد. في الوسط،
يظهر اسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بين أسماء الأصدقاء والمسؤولين
ممن أرسلوا وروداً للوداع الأخير، اضافة الى باقات من كبار المسؤولين
السوريين. وكان من بين من حضر الجنازة وزير الاعلام السوري عدنان محمود وكل
من أسعد فضة وأيمن زيدان ودريد لحام وسليم صبري وهشام شربتجي وعباس النوري
وآخرين.
شهادات
أسعد فضة: مهما تحدثت عن خالد تاجا، فلن أفيه حقه. فنان عملاق مثل
الصديق خالد سيترك فراغاً في الحركة الفنية في سوريا وفي الوطن العربي.
خالد كان ركناً أساسياً في بناء الدراما السورية. سنفتقده وسنشعر بخسارة
كبيرة في غيابه. لكنه سيبقى معنا في كل مرة نرى فيها أعماله. خالد تاجا لم
يكن مبدعاً في أعماله فقط، بل كان متعاوناً مع زملائه ومحباً لهم. ومثلما
كان متفانياً في عمله ومشروعه الفني، كان أيضاً يتفانى في مساعدة الأصدقاء
وفي دعمهم.
أيمن زيدان: رحيله فاجعة اكبر من الكلمات. خسارة للناس وللفن العربي
والإنساني. قامة يصعب تعويضها. ما يعزينا هو أن رحيله غير مكتمل لأنه ترك
وراءه إرثاً سيبقى في الذاكرة لزمن طويل.
طاهر مامللي: خالد تاجا كان صديقاً وأستاذاً وهو شخص مليء بالحياة حتى
آخر يوم من حياته.
دريد لحام: ماذا يمكن القول؟ خالد تاجا قامة أساسية في تاريخ الدراما
السورية. كان يريد ان يكون لحظة فرح في حياة الآخرين وهو كان كذلك بالفعل.
وسيبقى لحظة الفرح تلك في حياتنا.
غسان عزب: لم يكن عنده أولاد وكان يعتبرنا أولاده. خسارة كبيرة للحياة
الإنسانية.
السفير اللبنانية في
06/04/2012
رحيـل خالـد تاجـا:
مسيرتي حلم من جنون
راشد عيسى
رحل الفنان السوري خالد تاجا أمس عن عمر يناهز الثالثة والسبعين عاماً
بعد صراع مع المرض، غير أن الرجل كان قد حضّر نفسه منذ زمن بعيد، جرياً على
عادة كثير من أهالي دمشق. حضّر القبر بنفسه والشاهد، الذي حمل كلمات تقول
«مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت».
ثم يشير الشاهد على قبره إلى «منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من
مواليد عام 1939». وترك الرجل تاريخ وفاته الذي يصادف هذا العام السوري
المجيد: 2012.
بدأ «تاجا الشامي»، وهذا هو لقبه الأحب إلى قلبه، رغم ذلك اللقب
«أنطوني كوين العرب» الذي قال إن الشاعر محمود درويش قد أطلقه عليه، حياته
الفنية صغيراً في المسرح، حيث عرف مسارح دمشق وعمل فيها، كما عرف رجال
المسرح الكبار آنذاك وعمل مع
بعضهم، كعبد اللطيف فتحي، وأنور البابا، وحكمت محسن، وسواهم.
ومن المسرح، دلف تاجا إلى السينما، حيث التقى في المسرح العسكري
المخرج اليوغسلافي يوشكو فوتونوفيتش فأسند إليه دور البطولة في أول فيلم
سينمائي تنتجه المؤسسة العامة للسينما هو «سائق الشاحنة» (1966). ثم تتالت
الأعمال السينمائية في القطاعين العام والخاص، وكان أبرزها «الفهد»، و«رجال
تحت الشمس».
ويكتب الفنان الراحل بنفسه في سيرة ذاتية مقتضبة أنه ابتعد عن العمل
لمدة 12 عاما بسبب ما أسماها ظروفاً صحية خاصة، وعند عودته قدم أكثر من مئة
مسلسل تلفزيوني.
في التلفزيون كانت مسلسلاته المئة كفيلة بأن تضع بين يديه عدداً
هائلاً من الأدوار، في بيئات وأنماط فنية مختلفة، فمن أعمال البيئة الشامية
في «أسعد الوراق» و«أيام شامية»، و«الحصرم الشامي»، و«أبو خليل القباني»،
إلى التاريخية في «خالد بن الوليد»، و«ملوك الطوائف»، و«ربيع قرطبة»،
و«صلاح الدين الأيوبي»، إلى الكوميدية في «بقعة ضوء»، و«الفصول الأربعة»
و«يوميات مدير عام»، و«أيام الولدنة».. إلى ما هنالك من أعمال اجتماعية
معاصرة، كان الراحل يبدو وكأن الماكياج لم يبدل في عمره وهيئته شيئاً، يبدو
منذ أكثر من عشرين عاما في السنّ ذاته، غير أنه لعب الأب والمسؤول الفاسد،
بل وحتى العاشق والدونكيشوت، أو لنقل ما يشبه الدونكيشوت في العمل الكوميدي
«أيام الولدنة» الذي راح يلقي في أناس هذه الأيام خطباً تقرع الفساد
والفاسدين، وتراوغ قبضة أجهزة الأمن. ولعل تلك الخطب بالذات هي ما أشعل
جبهة الرقابة ضد ذلك المسلسل.
لقد ظهر الفنان تاجا في أحد أدواره وهو يخطب في الناس في ساحة المرجة
مقرعاً إياهم على صمتهم وتخاذلهم، وسرعان ما انفض الناس من حوله هاربين.
قال تاجا حينذاك ما معناه «إنكم لا تستعملون أرجلكم إلا للهريبة. كنا فقط
نجرب صوتنا، ماذا لو بقّينا البحصة؟».
رحل خالد تاجا، الشاميّ الكبير، إلى منزله الأخير، غير أن عزاء محبيه
يظل في مئات الآثار التي تركها حولنا، والتي لن تمحى بالتأكيد.
السفير اللبنانية في
05/04/2012 |