ما إن يحلّ موسم
الجوائز السينمائية في الغرب، حتى تقفز إلى
الواجهة أفلام السِّيَر الذاتية. ذلك أن
حالات الـ«فتيشزم» (الهوس الحسّي) لطلاّت ساسة أو نجوم أو قتلة أو ما
شابههم، تجعل
المراهنة أكثر إغواء، وأوسع تخميناً. للسينما ولعٌ في إعادة رسم شخصيات
أثيرة،
ويومياتها وخيباتها وخبالاتها وفضائحها. هناك نصوص سينمائية جوهرية، أحالت
حيوات
أناس إلى تجلّيات إيقونية وعبر وملامح عصور وعظات مسيّسة، بدءا من النبيين
موسى
وعيسى، مروراً بغلاة الدين أمثال جان دارك، وانتهاءً بعباقرة أمثال بيتهوفن
وإميل
زولا وإديث بياف، من دون إغفال الغمزة السينمائية الأخيرة لكذبة الأميركي
مارك
زوكيربرغ مخترع الـ«فايس بوك».
الناظر إلى نصوص جليلة للمعلم الفرنسي جان ـ لوك
غودار، يعي أن «بلا نفس» (1960) و«بيار المجنون» (1995) سيرتا حياتي عاصيين
في
المجتمع، عضّا على القانون بأسنان أسلحة الحداثة، وشتما السلطة بلسان
التمثيل.
زميله الإيطالي الكبير فرانشيسكو روزي انكب، في «سلفاتوري جوليانو» (1962)
و«قضية
ماتي» (1972)، على صوغ الحِقَب الدموية عبر سيرتي مغتصِبَين: الأول أراد
التسلّط،
والثاني اغتصاب الموارد وعضد الـ«كارتل» النفطي في إيطاليا ما بعد الحرب
بحجّة
الوطنية. العناوين هذه وُضّبت على أسس «مانيفستو» يساري اتّهامي النزعة. في
نصّ «في
البرّية» (2007) لشون بن، تحوّلت سيرة الشاب المغامركريستوفر ماك كاندلس
إلى درس
قاس بشأن معاني الحياة وعيشها، والرغبة في الوصول إلى المنتهى الطبيعي.
فيما تقمّصت
أغنية المطرب الشعبي بوب ديلان في «أنا لست هناك» (2007) لتود هاينز،
وقصيدة الشاعر
الطليعي ألان غاينسبيرغ في «بوم» (2010) لروب أبيستاين وجيفري فريدمان،
موارات عصر
غامض مليء بالخديعة السياسية والعسكرة. هناك، في قلب السينما، تحوّلت سيرة
الموظّف
الياباني العجوز كانجي واتنابا في «بقاء» (1952) لأكيرا كوروساوا، إلى نعي
شعريّ
لموت الأنانية الذاتية كضدّ لبيروقراطية مجتمع مرعوب، يدفع بالسَّوقة إلى
الواجهة.
في الإشارات اليقينية التي غمر بها الروسي أندره تاركوفسكي ملحمته «أندره
روبليف» (1966)،
ذهب قانون القهر، الذي أصاب البطل الراهب بأذاه، إلى حدوده القصوى.
فالإيمان المطلق وصل إلى مديّات كونيّة لا حدود لها، وخارجة عن
نطاق احتواء سلطة
وضعية ـ دموية.
التهويل
في وصف التهويل، جاء فيلم المخرج المسرحي
البريطاني المتحوّل إلى السينما سيمون كيرتس «أسبوعي مع مارلين»، الذي
اختتم الدورة
الثامنة (7 ـ 14 كانون الأول 2011) لـ«مهرجان دبي السينمائي الدولي»
(يُتوقّع إطلاق
عروضه التجارية اللبنانية في التاسع عشر من كانون الثاني 2012)، مفتعلاً
حكاية
الشاب الإنكليزي كولين كلارك (ابن مؤرّخ شهير للفن التشكيلي يُدعى كينيث،
وشقيق
وزير مثير للقلاقل السياسية)، الذي وظّفه الممثل والمخرج لورنس أوليفييه في
طاقم
فيلمه الشهير «الأمير وفتاة الاستعراض». وبدلاً من حالة السخرة التي تعرّض
لها في
بداية مشوار تصوير العمل، أكملت نجمة هوليوود مارلين مونرو، القادمة في
العام 1956
لتأدية دور البطولة، حلقة مقرّبيها بالشاب الأرستقراطي. كتب كولن تفاصيل
عامّة في
كتابه الأول عن عمله مع مونرو، نشره في العام 1995. بيد أن إغواء انفراده
مع بطلة «كل
شيء عن إيف» (1950) و«البعض يحبّها ساخنة» (1959) أسبوعاً في قصر وسط الريف
البريطاني، حرّضه على سرد تفاصيل لا يعلم أحدٌ بصدقها. اقتباساً عن النص
هذا، كتب
أدريان هودجز معالجة شديدة التقليدية، طغى عليها التجسيد أكثر من الخبريات
الجديدة.
هناك حرب أداءات بين مارلين (ميشيل ويليامز) وأوليفييه (كينيث براناه).
وبينهما عدد
من الشخصيات التي بدت بلا طعم سينمائي، كزوج مارلين الكاتب المسرحي آرثر
ميلّر (دوغري
سكوت)، وعقيلة أوليفييه النجمة فيفيان لي (جوليا أورموند)، وأخيراً شخصية
لوسي (أوما تومسن المشهورة بفضل سلسلة هاري بوتر) في دور حبيبة البطل كولن،
وغيرهم.
هناك مارلين المزاجية، العابثة بوقت التصوير، والمارّة بأزمات وأمزجة
اشتهرت بها.
هناك توقّع بوجود فصول كشف المخرج عبرها النقاب عن النميمة التي طالت
العلاقة
الجنسية بين مارلين ولورنس. لكن، في مقابلها، ذهب الفيلم مع سيرة الأسبوع
الغريب،
الذي اجتمعت فيه محبوبة هوليوود بالشاب النكرة، المتحوّل لاحقاً إلى قبلة
تاريخية،
مخفياً سرّاً لن يفصح عنه: هل عاشرته عشيقة الرئيس
كنيدي؟
مراهنات
يهوّل الفيلم كل تفصيلة يومية داخل الاستديو وفي
صبينة الثنائي مونرو ـ كلارك. هذا دليل ضعفه، لأن القسم الأكبر مناكفات عمل
صبّت في
صالح أداء ويليامز، ودقّة تجسيدها أشهر امرأة هوليوودية. المشكلة الرئيسة
أن الفيلم
لا يمتلك الحقيقة. ومُشَاهِدُه وضع إصبعاً على قلبه ليتحسّس إن كان هناك
نبض في
مكان ما. هذا خلاف ما شُحِن به العمل القوي «الشائن» (2006) لدوغلاس ماك
كراث، من
درامية متفجّرة حول شخصية الكاتب ترومان كابوتي، التي لعبها الممثل
البريطاني توبي
جونز برونق يُحسَد عليه، وبزّ به ما أدّاه زميله الأميركي فيليب سيمور
هوفمان
للشخصية نفسها في «كابوتي» (2005) لبينيث ميلّر.
المديح الصحافي الذي تلقّاه «أسبوعي
مع مارلين» تمهيداً لمراهنات جوائز «غولدن غلوب» و«أوسكار» في العام
المقبل، غطّى على كبوة سينمائية مماثلة، قامت بها المطربة المليونيرة
مادونا في «دبليو.
آي.» («سينما العالم» في مهرجان دبي نفسه)، التي هاجمها النقّاد إثر عرضها
العالمي الأول في الدورة الثامنة والستين (31 آب ـ 10 أيلول 2011)
لـ«مهرجان
البندقية السينمائي»، إذ أنها قابلت، بشكل حكائي مفتعل، بين قصّة الغرام
الشهيرة
الرابطة ملك بريطانيا إدوارد الثامن والأميركية واليس سيمسبون، التي ضحّى
بالعرش من
أجلها (هناك تفاصيل أدقّ وأكثر حيوية في «خطاب الملك» لتوم هوبر)، وحكاية
السيدة
والي وينثروب، التي تركت نيويورك اليوم لتتصيّد علاقة مقاربة مع موظّف في
مؤسّسة
المزادات الشهيرة «سوذبي»، التي تعتزم بيع مقتنيات تعود إلى الثنائي
الملكي. إشارة
مادونا إلى التماهي الغامض بين الشخصيات والي ـ واليس وإدوارد ـ يفجيني،
المرتسمة
بالحرفين الأوّلين لعنوان الفيلم، أثارت حفيظة الجميع باعتبارها تدليساً
واستخفافاً. كما أن الفصول التي صوّرت فيها صاحبة أغنيات «مثل العذراء»
(1984)
و«مَنْ تلك الفتاة؟» (1987) اللحظات الحميمة بين الحبيبين الملكيين، افتقرت
إلى
جذوة الصدق، على الرغم من دقّة صنعتها وتفاصيلها، وهي متقاربة مع المشهديات
المفتعلة الجامعة مارلين بالشاب كولن (إدي ريدمين) في فراش واحد.
الغريب أن
كيرتس أصرّ على أن عفّة الأرستقراطي لا
تشوبها شائبة. من هنا، فإن تهويل السِيَر
السينمائية لا تحتاج إلى تزكيات من سوق العروض، بل من داخل الظروف
الملوّنة، التي
تُفتَتح قريباً وتُنهي التخمينات الفارغة، في ما إذا كانت الموهوبة ميريل
ستريب
بتأديتها شخصية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر في «السيدة
الحديدية» (2011) لفيليديا لويد، ستكرّس الأداء الكلّي لشخصية لا تزال
حيّة، وتعيد
هذا النوع من الأفلام إلى مكانه الإبداعي من دون تطبيل وتزوير.
السفير اللبنانية في
22/12/2011
خالد محمود يكتب من مهرجان دبى: 99 دقيقة مع مارلين مونرو
وجوائز المهرجان تنتصر لحيارى ومساكين ضبطوا
متلبسين بممارسة حياتهم اليومية
خالد محمود
99 دقيقة قضيتها مع مارلين مونرو غيرت مفهومى عن الحياة، بل إن كل
دقيقة جاءت عينى فى عينها، ترمق نظراتها، تومض بكلماتها وهمساتها الساحرة،
كانت كفيلة بقلب ميزان العواطف بداخلى، عرفت سر أسطورتها، وهجها، لماذا
التف حولها مئات العشاق الذين عرفوا فيما بعد كيف يفرجون عن مكنون العواطف
الحقيقية بداخلهم.. عرفت السر.. إنه الإيمان النضر بقيمة نفسك فى عيون
الآخر وأن تتجسد رؤيتك لذاتك فى نظرة المحب إلى فضيلة تنهل منها الراحة
والطمأنينة.
..هكذا عشت فترة أحداث فيلم «أسبوعى مع مارلين» الذى عرض فى ختام
مهرجان دبى السينمائى، وكشف خلاله أحد المنتجين ومساعدى الإخراج كولن كلارك
قصة أهم أسبوع قضاه فى حياته مع مارلين مونرو، حينما اختارته من بين فريق
فيلم «الأميرة وفتاة الاستعراض» ليكون بجوارها وسندها لتهرب معه من دنيا
التوتر التى أصابتها إثر سطوة الأسطورة لورانس أوليفيه بطل ومخرج الفيلم
الشهير الذى صور عام 1956 فى بريطانيا فى أول زيارة لها للندن. لم يكن
الفتى الذى تخرج فى إكسفورد وحلم بالعمل فى السينما يتخيل لحظة أنه سيكون
مرشد وملهم مارلين طوال فترة تصوير الفيلم، وبعد نصف قرن قرر أن يفرج عن
مذكرات هذا الأسبوع الذى عاشه كحلم مع مارلين ليل نهار فى كتاب بعنوان
«الأميرة وفتاة الاستعراض وأنا».
وفى الفيلم منحت مارلين الفرصة لهذا الشاب قد يعرف كيف يتسلل الحب إلى
وجدانه قطرة قطرة، كيف تبنى العواطف على مشاعر صادقة دون افتعال، كيف يمكن
للمرء أن يتلمس كل خطى ونبض خليله حتى يصل لذروة الغرام.
الجميع حذر الشاب كولن من الوقوع فى صدمة بعد نهاية مغامرة مارلين،
لكنه أكد لهم أنها صدمة لصالح الحياة، كانت تشفق على قلبه من أن يتمزق عقب
الفراق، فهى قطعا ستعود لزوجها الأديب الشهير آرثر ميللر عقب نهاية الجفاء
بينهما، لكنه كان يقول تكفينى الساعات التى قضيتها بجوارك.. كانت تدعو
لقلبه بالشفاء من داء غرامها، وكان يقول بعينه أن كل لحظة ربما تمحى فيروس
المشاعر الخادعة.
كانت ميشيل وليامز التى جسدت دور مارلين أكثر من رائعة، لأنها أعادت
لنا صورة حقيقية لمارلين الأصل، إنها بحق جديرة بالمنافسة على جائزة
الأوسكار، ولو أملك لمنحتها لها، فلم تكن مجرد صورة مسخ وشعر ذهبى مستعار
وماكياج، لكنها كانت هى.. نبض مارلين.. خطواتها.. طبقات صوتها وهى متوهجة
فرحة مبتسمة.. دموعها وهى كئيبة مفرطة فى أخذ دواء النوم للخلاص من اللحظة.
نجح المخرج سيمون كيرتس فى إعادة أجواء القصة الأصلية لنجمة هوليوود
الأسطورة بطريقة لم نعهدها من قبل وأدركنا معه كم كانت مارلين مظلومة، فقد
طيرت لنا الدنيا حكايات عن مارلين الجميلة العاشقة، المدللة، التى لا تعرف
الرحمة فى وقوع ضحايا فى غرامها، لكنه هنا أعاد لها اعتبار، مارلين
الإنسانة التى كانت فى حاجة إلى عطف وحنان حقيقى متجسدا فى شخص امرأة
تواصلت بالروح مع شاب فهمها كما لم يفهمها أحد غيره، كانت موهبتها المغلفة
بالبراءة هى سر نجاحها.. هكذا قال لورانس أوليفيه الذى جسد دوره باقتدار
كينيث براناه، وحاول أوليفيه أن يعلمها التمثيل ويجعلها تؤدى حسب منهجه
الكلاسيكى، لكنه فشل واعترف «إنها لا تحتاج إلى معلم.. براءتها هى سر
تألقها.. اتركوها كما هى».
.. فى فيلم «أسبوعى مع مارلين» قالت مارلين دعوا الحب ينمو كزهرة فى
الطبيعة، لا تخططوا له، لا تحكموه بقواعد.. فقط ابحث عن من يفهمك وتفهمه،
قطعا لم يكن هذا حوار منطوق لكنها مشاهد قصة دارت أحداثها فى أسبوع، وحتى
حينما تركت مارلين الشاب كان كل طرف راض بنصيبه.
فى الفيلم هناك موسيقى مكملة لواقع الصورة الدرامية، وكان هناك أداء
مبهر للشاب الذى جسده كينيث براناه، ونجح المخرج بحق عبر لقطات سريعة مفعمة
بالإحساس وتناوبت فيها الضحكة بالدمعة أن يهدى لعشاق مارلين صورة طبق الأصل
من واقع حياتها وكيف تأثرت وانهارت من الكلمات التى سجلها الأديب والزوج
آرثر ميللر فى أوراقه (أنه ضاق من دلالها وسطوتها وتمردها واقتحامها كل
لحظات يومه.. فكيف سيعيش كمؤلف.إنه لم يعد يستطيع الكتابة..إنه يجب أن
يتخلص من سطوتها والخروج من دائرتها حتى يستمر).. قرأت مارلين هذه الكلمات
صدفة وقرأت ما هو أقسى، أدركت أنها ربما تكون عقبة، وماذا ستفعل إنها لم
تشعر أبدا أنها عبئ على أحد أو ضد سعادة أحد..لهذا قررت أن تبتعد وتخرج
لمدة أسبوع مع الشاب الإنجليزى لتشاهد معالم إنجلترا وتتنزه معه كهروب
مؤقت.. لكنها اللحظات المؤثرة فى ميلاد قصة حب كانت نهايتها درسا فى غذاء
العواطف، فقد منحها الشاب الثقة فى نفسها كامرأة وكفنانة عظيمة وكإنسانة من
حقها أن تعيش لحظات مجدها..و نسيت معه الآلام.. كل الآلام.
..وجوائز المهرجان تنتصر لحيارى ومساكين ضبطوا متلبسين بممارسة حياتهم
اليومية
انتصرت بعض جوائز الدورة الثامنة لمهرجان دبى السينمائى للشخصيات
الإنسانية الحائرة بين الماضى والحاضر، ولم يتوقف طرح السؤال بداخلها، «هل
يمكننى أن أغفر للحياة أن تركتنى أعيش على أنقاض أحلام.. فالمحصلة الآن هى
كتلة من الأوجاع والخوف والرهبة من المستقبل؟!!».
انتصرت الجوائز لأداء ميلودرامى اعتمد أكثر على الانفعالات والهمس فى
اذن ووجدان المشاهد أكثر من حوارات ناطقة من الشاشة إلى من يجلسون فى صالة
العرض، وكانت الشخصيات والأفلام التى حظيت بنصيب الأسد فى نيل الجوائز خاصة
فى الأفلام الروائية الطويلة هى الأقرب للتتويج رغم أنها لم تكن تملك
مفردات الإبهار السينمائى الكامل، لكنها كانت الأفضل وسط ساحة سينمائية ندر
فيها من يحمل صورة سينمائية كاملة النضج والإبداع.. لكنها المهرجانات
وبالتالى لابد من جوائز، وها نحن هنا أمام فيلم «الجمعة الأخيرة» إنتاج
إماراتى والحائز على جائزة أفضل ممثل لعلى سليمان، وجائزة لجنة التحكيم
الخاصة وأفضل موسيقى، حيث نجد بطله سائق التاكسى المطلق أربعينى العمر
مضطرا لأن يقوم بإجراء عملية جراحية بعد أربعة أيام، وخلال رحلته فى البحث
عن الأموال اللازمة يفتح الستار عن مكنون حياة نسيها مع الأيام.. نجده
يرتطم بين ماضيه وحاضره، وعبر أداء ذاتى التيمة أو كأنه رحلة كشف عن نفسه،
كالانفعالات عميقة، النظرة يائسة تروى ما يكشف عنه المخرج من مشهد لمشهد
كيف يفاجأ سائق التاكسى بعد أحداث هى بالفعل من نسيج حياته، ومنها وجود ابن
له من طليقته «ياسمين المصرى» والتى تزوجت من رجل آخر.. نرى هذا الابن كيف
أنه مازال منتظرا لأب ليعيش معه.. الأب الذى يضطره الحدث، إلى فتح دفاتره
القديمة فى حبكة تبدو دراماتيكية، فمثلا نراه فى أول مشهد يجلس أمام مقبرة
ويضع فنجانا من القهوة، ومن ورائه تبدو شوارع عمان وحياتها الاجتماعية
وكأنها شاهدة على حيرة مواطنها، ثم نراه كثيرا ما يلعب طاولة الزهر، فهو فى
داخله مقامر، لكن من طرف واحد.. فى كل تلك المشاهد سواء التى يبحث فيها عن
مال أو يواجه فيها مطلقته، أو يشرب سيجارة حشيش قبل إجرائه العملية وكأنه
يريد أن يواجه مصيره الجديد وهو شبه فاقد للوعى، وكانت جمعته الأخيرة التى
تبدو أنها آخر أسبوع قبل العملية بمثابة لقطات تضبطه فيها وهو يمارس حياته
اليومية، ورغم فقر الفيلم ــ ماديا ــ إلا أنه جسد حالة عبرت بحق عن لغة
خاصة لمؤلفه ومخرجه يحيى العبدالله فى أولى تجاربه الروائية الطويلة، وكذلك
الأداء الذى دخلنا فى حضرة الشخصية وحيرتها، ووحدتها التى تشعر معها أيضا
بالزحام وطوال الوقت تشعر بالسؤال: كم عدد الأيام المتبقية فى حياتك؟..
وبالقطع لعبت الموسيقى التصويرية دورا موحيا لانتفاضة المشاعر.
كانت مأساة قصة الحب الاسطورة بين قيس وليلى وراء فوز الفيلم
الفلسطينى الأمريكى الإماراتى «حبيبى رأسك خربان» بثلاث جوائز هى أفضل فيلم
وأفضل مونتاج وأفضل ممثلة لميساء عبدالهادى، وهنا أقف عند شخصية ليلى، فقد
جسدتها ميساء بعمق شديد قوامه التلقائية والبراءة فى الفعل ورد الفعل تجاه
الصعاب التى واجهتها فى تتويج قصة حبها مع قيس، وكان هناك أكثر من موقف
تصاعدت فيه نبرة الأداء الدرامى للشخصية أولها عندما رفض أبوها وأخوها
المنتمى لحركة حماس خروجها من البيت بحجة تجنب الفضيحة التى أحدثتها كتابات
وأشعار قيس على جدران حوائط نابلس وغزة، والتى كان يحكى فيها عن حبه وعشقه
لليلى، وقدمها بأداء خاص قيس ناشف المشهد الآخر عندما ذهبت لىلى إلى قيس.
واستلقيا معا على شاطئ البحر وكأن ليلى أرادت أن تترك مشاعرها ومستقبل
حبها لقيس لموجات البحر، وقطعا بما أن المخرجة والمونتيرة والمؤلفة امرأة
ــ سوزان يوسف ــ فقد تركت العنان لممثلتها لتؤلمنى بحكايتها التى مازالت
أفكارها متناثرة بين عصرنا الحديث أيضا.
واقع الأمر أن برامج مهرجان دبى السينمائى فى دورته الثامنة تميزت
بالثراء والتنوع فى عناوينها وأيضا فى الحلقات النقاشية المصاحبة والتى
تحسب بحق لرؤية المدير الفنى مسعود أمرالله والذى قال «كان المهم هو إرضاء
الجمهور، فأنا أؤمن بأنه هو الثروة الحقيقية لفن السينما».
بينما حرص رئيس المهرجان عبدالحميد جمعة على أن تكون الدورة مميزة فى
خياراتها وأقسامها ومنذ ليلة الافتتاح، بالعروض الافتتاحية ومسابقات المهر
الإماراتى، الأفلام الروائية الطويلة والوثائقية والتسجيلية والقصيرة،
وليال عربية، وسينما العالم، وأفلام آسيا وأفريقيا، وقال جمعة «أحلامى
للمهرجان لا تتوقف، وتمنيت أن يكون مرآة حقيقية لصورة السينما فى العالم..
كل العالم».
الشروق المصرية في
22/12/2011
مهرجان دبي
السينمائي الثامن..
شهادة تقدير للسينما المصرية!
دبي: نــادر عــدلي
يعد مهرجان دبي
السينمائي هو آخر المهرجانات العالمية الكبري(7 ـ14 ديسمبر), وبرغم
ذلك
يستطيع أن يثبت جدارته وملامحه الخاصة, فمثلا من بين171 فيلماشاركت في
دورته
الثامنة نجح في أن يكون منها46 فيلما في عرضها العالمي الأول,
و25 فيلما في العرض الدولي الأول, مما يكسبه مكانه بين
المهرجانات.. وفي هذه
الدورة جذب الأفلام الجماهيرية والافلام الفنية المبدعة, فكان الافتتاح
بالفيلم
الهوليوودي
مهمة مستحيلة بروتوكول الشبح بطولة توم كروز واخراج براد بيرد, وهو
الجزء الرابع من هذه السلسلة, وجاء الاختيار لأن دبي مدينة أو
امارة سياحية وأحد
مراكز التسويق العالمية, كما أن نصف ساعة من احداث الفيلم تقع في دبي,
ويظهر فيه
برجها الشهير برج خليفة الذي يمثل أعلي بناء في العالم, لذلك حرص الشيخ
محمد بن
راشد علي افتتاح المهرجان بنفسه لأول مرة, فهو راعي هذا
المهرجان.
ما يقرب من
نصف أفلام المهرجان(89 فيلما) تنافست علي جوائز تبلغ قيمتها نحو ثلاثة
ملايين ونصف
المليون جنيه مصري, ويتم تقييمها من خلال6 لجان تحكيم في6 مسابقات, أقدم
هذه
المسابقات هي المهر العربي التي بدأت من الدورة الرابعة, ثم
المهر الأسيوي الافريقي
في الدورة الخامسة, وأخيرا المهر الاماراتي في الدورة السابعة.. ومن رحم
المهرجان
خرج مهرجان الخليج الذي بدأت تنظيمه منذ ثلاث سنوات, حيث نجح المهرجان في
صنع أجواء
أو حالة سينمائية مهدت لأنتاج افلام اماراتية, وهذا هو انتصاره
الأكبر.. كما تمخض
نجاحه عن مولد مهرجانين خليجيين أخرين( أبوظبي والدوحة).
أما النصف الثاني من أفلام المهرجان فتعرض في برامج موازية
منها: ليالي عربية ـ سينما العالم ـ أصوات خليجية ـ سينما آسيا وافريقيا
بالاضافة
إلي التكريمات.. وقد حرصت ادارة المهرجان علي أن يكون الوجود
المصري متميزا منذ أول
دوراته, فالسينما المصرية هي الأقدم والصناعة الوحيدة في العالم العربي
والشرق
الأوسط, ودائما كان لمصر مكان بين المكرمين كما حدث مع فاتن حمامة وعادل
امام
وأخيرا جميل راتب, وان يوجد مخرجوها وفنانوها في لجان التحكيم,
وقد اختارت هذا
العام عمرو واكد, وان يكون لها فيلم أو أكثر في كل المسابقات العربية,
وتقوم بدعوة
عدد كبير من النجوم المصريين.. ولكن علي مستوي آخر لم تنجح الأفلام المصرية
إلا أن
تحصد عددا قليلا من الجوائز بسبب أن كثيرا ما كانت الافلام المشاركة ليست
علي مستوي
التنافس, حتي وصل الأمر إلي أن الافلام المصرية هذا العام خرجت بلا جوائز
حقيقية,
واكتفينا بشهادة تقدير للفيلم القصير زفير للمخرج الشاب عمر الزهيري.. وقد
شاركت
مصر بـ8 أفلام:4 أفلام روائي قصير, و3 أفلام وثائقية أو تسجيلية من بينها
فيلمان عن
ثورة25 يناير, وفيلم روائي طويل واحد صحيح اخراج هادي الباجوري,
وهو عمل برغم تميز
معالجته وطرحه لفكرة مختلفة إلا أن احداثه كانت تميل نحو الاطار الجماهيري
أو
التجاري.
فاذا انتقلنا الي الجوائز, فإن الجائزة الكبري للمهر العربي كانت
لفيلم
حبيبي رأسك خربان اخراج سوزان يوسف, وهو انتاج مشترك بين فلسطين وامريكا
وهولندا
والامارات, والمخرجة لبنانية امريكية, وتدور احداثه في غزة, حول قصة حب
مستوحاة من
قيس وليلي, بين شاب فقير يعيش في المخيمات وفتاة ثرية تعيش في المدينة, حيث
يحول
الفارق الاجتماعي بين زواجهما, ويتغني الشاب بها شعرا ويكتب
اشعاره علي الجدران,
ويحاولان الهرب بجوازات مزورة, ويكتشف الجنود الاسرائيليون التزوير, وتبدأ
محاولة
تجنيدهما كثمن للسماح بالهروب.. وقد فاز هذا الفيلم ايضا بجائزة أحسن ممثلة
لميساء
عبدالهادي وأفضل مونتاج لسوزان يوسف.. أما جائزة لجنة التحكيم
الخاصة فكانت للفيلم
الأردني الجمعة الأخيرة اخراج يحيي العبد لله, وجائزة أحسن ممثل لعلي
سليمان..
وذهبت جائزة السيناريو للفيلم المغربي شيء
عادي وشيء جاي للسيناريست والمخرج حكيم
بلعباس, وجائزة التصوير لرافائيل بوش عن نفس الفيلم.
أما جوائز الافلام
التسجيلية فكانت اللبناني القطاع صفر اخراج نديم مشلاوي, ويدور حول رؤية
جديدة لما
حدث في لبنان في سنوات ماضية, وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الفيلم
العراقي
الكردي حلبجة ـ الأطفال المفقودون اخراج أكرم حيدو, ويدور حول
رجل عراقي يعود من
ايران بعد20 سنة من ضرب مدينة حلبجة بالقنابل الكيمائية للبحث عن بقايا
عائلته, أما
الجائزة الثانية للمخرجة الجزائرية ياسمينا عدي عن فيلم هنا نفرق
الجزائريين ـ17
أكتوبر وهو انتاج فرنسي,.
من ناحية أخري عرضت مجموعة من الافلام الشديدة الأهمية
سواء من آسيا وافريقيا, أو في برنامج سينما العالم,
إن مهرجان دبي أحد
المهرجانات التي نجحت في ان تفرض نفسها عالميا وعربيا وافريقيا وأسيويا,
وأصبح له
تأثيرها القوي والمباشر في انتاج الافلام العربية من خلال تمويل المشاريع
السينمائية في سوق دبي السينمائي انجاز, وهو السوق الذي يعقد
فيه الاتفاقيات بين
العديد من شركات الانتاج العالمية والعربية واصحاب المشروعات السينمائية
الجديدة.
الأهرام اليومي في
10/12/2011 |