خرج الفيلم المصري «واحد صحيح» خالي الوفاض بلا جوائز في مسابقة
«المُهر العربي للأفلام الطويلة»، ولم يكن ذلك يحمل في الحقيقة مفاجأة لأن
الأفلام العربية الفائزة كانت هي الأفضل.. الفيلم حمل بذرة لتقديم عمل فني
له وميضه الخاص، ولكن لم تكتمل الرؤية الإبداعية حيث إنه توقف في منتصف
الطريق!! الكل يلهث في بحثه الدائم عن الآخر ليكتمل به، هناك نظرة مثالية
تؤرقنا في البحث عن شريك حياتنا، نريد الكمال إلا أننا نكتشف مع مرور الزمن
أن لا أحد صحيح، وأننا مثل الآخرين لدينا ضعفنا.. هذه هي فكرة الفيلم
المصري الذي عرض هذه الدورة في مهرجان دبي، وتخللته علاقة حب بين فتاة
مسيحية وشاب مسلم لم تنتهِ بالزواج، حيث اختارت البطلة أن تترهبن على أن
تتزوج.. ذهبت إلى أحضان الكنيسة لتعيش داخل أسوارها بعيدا عن أي نوازع
بشرية تدفعها لارتكاب خطيئة، لأن الزواج بغير الأرثوذكسي في الديانة
المسيحية خطيئة.
في العام الماضي عرض مهرجان دبي فيلم «الخروج»، أول إخراج لهشام
العيسوي، وحتى الآن لم يعرض الفيلم تجاريا في مصر، وأظنه سيظل ممنوعا من
العرض، على الأقل هذه الأيام، فلا أحد يستطيع أن يجازف ويوافق على السماح
بفيلم يشهد علاقة حب بين مسيحية ومسلم أو العكس، في ظل حالة الشحن الطائفي
التي نعيشها في مصر، وندرك تماما أن هذه الحالة كانت قد وصلت إلى أقصى
درجاتها قبل ثورة 25 يناير، ولا تزال تعيش مصر في لهيب المأزق الطائفي.
إلا أن فيلم «واحد صحيح»، أول إخراج لهادي الباجوري، لا أظنه هذه
المرة سيتعرض لهذا المأزق؛ حيث إنه مصنوع بدقة لكي يقفز فوق المحاذير التي
تضعها الرقابة المصرية، لأنها هذه المرة لن تجد حرجا في التصريح بعرضه
جماهيريا لأنه في النهاية ينحاز إلى تعاليم الديانة المسيحية عندما تقرر
البطلة «كندة علوش» أن لا تفرط في ديانتها وتهجر حبيبها، وبالتأكيد فإن
تقديم أبيها الذي أشهر إسلامه وتزوج بأخرى غير أمها من الممكن في هذه
الحالة التسامح معه دراميا لأنه سيظل من الماضي، كما أن الابنة لم تكرر
غلطة الأب، بينما فيلم «الخروج» الممنوع من العرض الجماهيري لم تلتزم فيه
البطلة بالحدود التي تفرضها ديانتها المسيحية وقررت الزواج بمسلم!! لا يمكن
بالطبع التعامل مع الفيلم السينمائي فكريا من خلال ما تفرضه أو ما تسمح به
الرقابة، إلا أننا نتعامل مع ظرف استثنائي تعيشه، ليس فقط السينما المصرية،
ولكن الحياة كلها في مصر، وهذا بطبعه انعكس في التعاطي مع الفنون والإبداع.
الكاتب تامر حبيب أراه واحدا من الموهوبين في هذا الجيل، وهو الأقل
نشاطا، ولكنه ولا شك لديه شيء حقيقي وصادق يعبر عنه، وذلك منذ أول أفلامه
«سهر الليالي» قبل 8 سنوات، وتابع ذلك في عدد آخر من أفلامه.. كان تامر
يكتب عن أصدقائه الذين عرفهم وتعلق بهم، لم يروِ بالطبع كل التفاصيل ولم
يكن يقدم فيلما بقدر ما نرى مشاعر تختلط فيها الحقيقة بالخيال، وهو أيضا ما
كرره في فيلمه «واحد صحيح».
في هذا الفيلم (واحد صحيح) لا تستطيع وأنت مرتاح الضمير أن تصفه
بالفيلم الصحيح، الكل بداخله أخطأ أو لعله يشعر بضعف ما.. هاني سلامة هو
الشخصية المحورية في هذا الفيلم، إنه الرجل الوسيم الذي تتكاثر حوله
الجميلات، دائما ما يشعر بميل إلى واحدة يعيش معها مرحلة زمنية، بعد ذلك
ينتابه الفتور ولا يكمل الطريق ويبحث عن أخرى، وعادةً الأخرى هناك من
يشغلها أو يشاغلها أو يتعلق بها ولا تستطيع الفكاك، الكل مقيد بطريقة ما
تجاه الآخر، والكل لديه أيضا ما يجعله يبحث عن الحرية بعيدا عن القيد،
ويرنو إلى آخر يريد أن يعانقه ولا يعثر عليه.
الفيلم يبدأ بسرد الحكاية، كل شخصية تروي عن نفسها.. بطل الفيلم هاني
سلامة يبدأ الأحداث وهو يتناول صداقته مع بسمة، التي تشكل نقطة ضعفه، فهي
الأقرب إليه وكأنها الأخت التي لم تلدها أمه، وهي أيضا تروي ذلك وتحكي
ضعفها تجاهه، فهو الأخ الذي لم تلده أمها.. يروي لها حتى أدق أسراره
وعلاقاته النسائية وغزواته في هذا المجال، وكيف أوقع تلك في حبائله وكيف
أفلتت الأخرى، ولكنه أيضا ينجح في عمله كمهندس ديكور، بل تذهب إليه المحطات
التلفزيونية لتجري معه لقاءات.. إنها كما تبدو شخصية شاهدناها كثيرا في
أعمال درامية سواء أخذت منحى المعالجة التراجيدية أو الكوميدية، ويبقى
الفيصل بين عمل وآخر في أسلوب التعبير والأداء.
الاستعانة بالحكي الذي لجأ إليه كاتب السيناريو أراه في جانب منه يدفع
المتفرج إلى قدر من التأمل في ما وراء الحدوتة، كما أنها تحقق قدرا من
الحميمية بين المتفرج والعمل الفني، فهي تشعره بروح الصداقة مع الأبطال.
مثل هذه الأعمال يعتمد في قسط وافر من نجاحه على قدرة المخرج على
التقاط تفاصيل الحالة، كما أن مدى تحقق النجم جماهيريا يلعب دوره في
الإحساس بالفيلم، خصوصا وأن عددا من الشخصيات الدرامية تنجح من خلال توفر
هذا الشرط المسبق بين الفنان النجم والجماهير.. مثلا لو نزعت اسم عادل إمام
أو أحمد حلمي من أفلامهما واستعنت بنجم آخر ربما أكثر موهبة ولكنه لا يحظى
بتلك الهالة الجماهيرية فإن الفيلم لن يحظى بأي قدر من النجاح المرتقب.
وبالتأكيد فإن هاني سلامة، الذي شاهدناه بطلا في أول أفلامه «المصير»
ليوسف شاهين قبل نحو 14 عاما لم يحقق دائرة جماهيرية عريضة، هو بالتأكيد
تتوفر فيه صفات وملامح البطولة في السينما المصرية، ولا يمكن أن نتصور أن
كل تلك البطولات التي قدمها للسينما جاءت إليه وهو مفتقد للكاريزما
الجماهيرية، ولكن الأمر هنا مختلف لأن الدور هو النجم. تواصل الفيلم مع
الجمهور مرهون بجاذبية النجم.. الفيلم يقدم لنا ملامح بين كل من بسمة وهاني
سلامة من ناحية، ومن ناحية أخرى بين هاني وعمرو يوسف، حيث يعملان معا في
شركة للديكورات والتصميمات، وفي نفس الوقت فإن عمرو وبسمة المتزوجين قد
انفصلا، ولم تنجح محاولات هاني سلامة باعتباره صديقا للطرفين في أن يعيدهما
إلى حالة الوئام، ونكتشف في نهاية الأحداث أن العقدة الحقيقية تكمن في بسمة
التي تحب هي أيضا هاني سلامة.
الجانب الحساس في تلك القضية هو المشاعر التي تنتاب كندة علوش في
صراعها بين دينها وحبها وتختار في نهاية الأمر الدين وتضحي بالحب.. وأتصور
الاختيار هنا رقابيا أكثر منه دراميا، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف
بهذا الزواج الذي يتعارض مع مبادئها، وسبق وأن عبرت الكنيسة عن غضبها من
مسلسل سابق وهو «أوان الورد»، رغم احتفاظ البطلة سميحة أيوب بدينها بعد أن
تزوجت بمسلم.
الشخصية الأخرى كانت رانيا يوسف، المرأة الشبقة جنسيا، التي تتزوج
برجل «مثليّ» شاذ جنسيا لأنه يكمل بزواجه بها الشكل العام الذي يريد
الاحتفاظ به كوضع أدبي كونه رجل أعمال ثريا، أدى دوره زكي فطين عبد
الوهاب.. في نفس الوقت تتعدد علاقاتها وتقع في حب هاني سلامة، بينما هو يحب
كندة، في نفس اللحظة فإن أم هاني تختار له أن يتزوج بمذيعة التلفزيون الوجه
الجديد ياسمين الرئيس، وهي تحب هاني وتتعلق به ولكنه لا يشعر بحبها، بينما
يهيم بها حبا من طرف واحد مخرج برنامجها، إلا أن هاني سلامة يهرب منها في
يوم زفافه عليها، فهو لا يزال يبحث عن «المرأة الصحيحة»، التي لم يعثر
عليها سوى في كندة علوش، حبه المستحيل!! المخرج هادي الباجوري هو ابن شرعي
للفيديو كليب لأنه تخصص في إخراج أغاني الفيديو كليب والإعلانات، قدم فيلمه
كرؤية إخراجية وهو يحمل هذا الإحساس في إيقاع الصورة الذي يحمل قدرا من «الطزاجة»،
عابه الاستخدام الصارخ للموسيقى.. كانت كاميرا أحمد المرسي تقدم إحساسا
بالصورة.. الكاتب تامر حبيب أحيانا يلجأ إلى المونولوج الطويل الذي يقدم
مثلا التناقض بين الرجل والمرأة في الرؤية، الرجل الذي يعتقد أنه يقود
الحياة، وشبه ذلك بالعربة، فهو الذي يمسك بمقود السيارة - الدريكسيون -
بينما في الحقيقة هي التي تقوده، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو أن تسمح له
ببعض ضربات باستخدام آلة التنبيه لنستمع إلى صوت «بيب بيب» وكأنه طفل
يلعب.. المونولوج الدرامي طال أكثر مما ينبغي، وهو خطأ الكاتب!! حكاية أبو
كندة الذي أشهر إسلامه أخذت مساحة مبالغا فيها من المشاهد، وعلاقته بابنته
المسيحية ظلت بين الحين والآخر تؤرق الكاتب وتدفعه للتفسير والتبرير..
الفيلم حالة خاصة مغايرة لما تعودنا أن نراه في أفلام المنتج محمد السبكي،
الذي شاهدنا له مؤخرا مثلا فيلم «شارع الهرم»، وفي الكثير من أفلامه كثيرا
ما يقدم في نهايتها دروسا أخلاقية حتى تلك المليئة بالرقص والأغاني
الخليعة، فهو يحاكم أبطاله دراميا بناء على ذلك، وقد يدينهم أو يبرئهم.
هذه المرة مثلا، هاني سلامة ارتكب الكثير من المعاصي، وكذلك رانيا
يوسف وزوجها زكي فطين عبد الوهاب، ولم يوجه إليهم المخرج إدانة درامية..
كان بالفيلم حوار نستطيع أن نطلق عليه الحوار «الروِش» المرتبط في مصر
بمفردات كثيرة صار يستخدمها الشباب بكثرة في تعاملهم اليومي، وهناك ضرورة
بالطبع لكي يتم التعامل بها ما دام الفيلم يتناول مرحلة عمرية صارت هذه هي
مفرداتها، إلا أنه كان هناك قدر من الإسراف في استخدام عدد منها، خصوصا في
حوار بسمة.
في أداء الممثلين كانت رانيا يوسف هي الأكثر حضورا، تقدمت كثيرا في
العامين الأخيرين.. كندة بحاجة إلى تغيير الأدوار، وبالطبع فإن المخرجين
يتحملون تلك المسؤولية.. أعجبتني الوجه الجديد ياسمين الرئيس، فهي حالة
مختلفة.. لم تلون بسمة في أسلوب الأداء.. وأعجبتني التلقائية والعصرية في
أسلوب أداء عمرو يوسف.. «واحد صحيح» فكرة صحيحة لم تعثر بعدُ على فيلم
صحيح!!
الشرق الأوسط في
16/12/2011
وصية «أبو حسن»!
طارق الشناوي
أكثر مخرج ألتقيه خارج مصر فى المهرجانات هو محمد خان، دائما ما نشاهد
أفلامه، ممثلة للسينما المصرية أو مشاركا فى لجان تحكيم أو ندوات.. أنسى
تماما حكاية أنه حتى الآن لم يحصل على الجنسية المصرية، هذه حكاية خيبانة
لا تجهد نفسك كثيرا فى محاولة تفسيرها، فلا أحد يصدق أن «خان» من الناحية
الرسمية ليس مصريا!
السينما هى حياته وليست فقط عشقه، ولا أتصوره سوى أنه وجه آخر للشريط
السينمائى.. كان «خان» ضيفا على مهرجان «دبى» وتحدث فى ندوة عن السينما بعد
الثورة لم يكن مطمئنا إلى حالة الصناعة السينمائية، رغم أننى على العكس أرى
أن القادم فى مصر لصالح السينما.. سوف تخلق الثورة حالة إبداعية قادمة
بمعادلات مختلفة سيشارك فيها «خان» وحتى يحين موعد اللقاء فإنك إذا لم تعثر
على «خان» خلف الكاميرا فسوف تجده فى دار العرض.
عشاق الفن السابع تستطيع أن تقرأ فى عيونهم هذا الشغف بمطاردة
الأفلام.. أكثر مخرج سينمائى أراه يحرص على تلك المطاردة هو «خان».. تنتابه
حالة من الشغف عندما يقرأ عن فيلم ويجد صعوبة فى الحصول على تذكرة على
الفور تنشط بداخلة كل أسلحة البقاء التى تدفع الإنسان إلى الحياة، والفيلم
بالنسبة إليه هو أوكسجين الحياة وترى الفرحة تطل من عينيه عندما يشعر بلذة
الانتصار بالحصول على تذكرة، وكثيرا ما أفاجئه بأن التذكرة أيضا لا تزال فى
جيبى!
الوصية التى طلبها من المقربين أنه عندما يصبح عاجزا عن الذهاب
للأفلام أن تذهب الأفلام إليه ويعرضوها أمامه. كل الأفلام التى شاهدها يريد
أن يحظى منها برؤية أخرى وأخيرة.
يحلم «خان» بإنجاز ثلاثة أفلام وليس من بين هذه الأفلام مشروعه الأثير
«نسمة فى مهب الريح» الذى كان يحلم به قبل 15 عاما وأصابه إحباط منه، حيث
تتابع على بطولته ليلى علوى ثم عبلة كامل، وبعد ذلك كان أحد مشروعات سعاد
حسنى، وهى فى سنوات الغربة فى لندن وقبل ثلاث سنوات تحمست غادة عادل
لبطولته وتحمس زوجها مجدى الهوارى لإنتاجه ثم فجأة فَتُر الحماس وتوقف
المشروع وماتت أيضا الفكرة التى كتب لها «خان» السيناريو كاملا وقرر بعدها
إغلاق ملف «نسمة» نهائيا.. ولدى «خان» سيناريو عنوانه «استانلى» مشروع
تناقلته أكثر من شركة إنتاج وتتابع على الترشح له محمود عبد العزيز وخالد
صالح، وثورة 25 يناير دفعته إلى وضع بذرة لفيلم جديد عن رجل تجاوز الستين،
مصرى قبطى عاش وهو طفل ثورة 52 ووصل فى كهولته إلى ثورة يناير ولديه مشروع
ثالث عنوانه «فتاة الأحلام» ومشروع رابع عنوانه «قصص الأستاذ إحسان» تنازل
عنه ورشح له المخرجة هالة جلال.. ولا أتصوره فقط يحلم بهذه الأفلام
الثلاثة، ولكنه بالتأكيد يرى السوق السينمائية الآن معاكسة تماما لأى طموح
فنى، ولهذا بين الحين والآخر يتذكر ساخرا مشروعا لإنشاء محل فول وطعمية
جمعه مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف عندما التقاه فى لندن واقترح أبو سيف
أن يفتتحا هذا المحل فى قلب عاصمة الضباب، ودفع أبو سيف شيكاً مقداره 5
آلاف جنيه إسترلينى ووضع «خان» مثلها واقترح أبو سيف أن يطلق على المحل اسم
الأسطى حسن أشهر أفلامه ووجد «خان» أن الاسم حميم بالنسبة إليه، لأنه فى
تلك السنوات نهاية السبعينيات كان قد أنجب أول أبنائه حسن.
وفى زيارة للمونتيرة نادية شكرى التقتْه فى لندن ووجدت على مكتبه
قصاصات لمشروع أول أفلامه «ضربة شمس» وغيرت تماما البوصلة لديه فأغلق دكان
الأسطى حسن، وبدأ فى تنفيذ ضربته السينمائية الأولى «شمس».
لا أتصور «خان» معتزلا السينما، ولكن الحقيقة أنه صار بعيدا عنها خلال
السنوات الأخيرة ولن يستمر الأمر طويلا لأن المذاق الفنى الذى قدمه «خان»
لا أعتقد أنه من الممكن أن يصبح بعيدا عن الناس!
لم يغادر «خان» موقعه سيظل يبدع ويلهث حتى آخر نفس وراء الأفلام ولن
تأتى له سيظل «أبو حسن» يطاردها!
التحرير المصرية في
16/12/2011
محمد خان فى مهرجان دبى:
لست متفائلا بمستقبل السينما المصرية
رسالة مهرجان دبى
أحمد الجزار
أكد المخرج محمد خان خلال ندوة عقدها على هامش مهرجان دبى السينمائى
عدم تفاؤله بالنتائج التى وصلت إليها صناعة السينما فى مصر، موضحا أن السوق
التى اعتاد عليها هو وأبناء جيله تغيرت ولا يستطيع معها إنتاج أفلامه، مما
اضطره إلى البحث عن ممول لأفلامه خارج مصر.
وأشار إلى أن جيله حاول نقل السينما إلى فضاء آخر ولكن المنتجين وصفوا
هذه الأفلام بأنها سبب انصراف الجمهور عن صالات العرض وصنفوها على أنها
سينما نخبوية وليست جماهيرية رغم أنها تمثل ٥% فقط من حجم الإنتاج وقتها.
وقال «خان» إن التغيير الذى عاشته السينما المصرية على يد جيله من
المخرجين لم يكن ليتحقق لولا حالات الشراكة وانعدام الأنانية والفردية عند
هذا الجيل، واعتبر خان أن الميزة التى تميز بها جيله عن غيره من
السينمائيين أنهم لم يكونوا حزبيين أو مستسلمين لأى فكرة سياسية، حيث كانوا
عشاقا للسينما التى كانت تعيد النظر بالواقع والحياة وهموم الناس والتحولات
المصيرية فى مسيرتهم.
فى سياق متصل شهد المهرجان عرض الفيلم المصرى «أحد سكان المدينة»
الذى ينافس على جوائز مسابقة المهر العربى للأفلام القصيرة وهو إخراج أدهم
الشريف، أحد طلاب معهد السينما، ونجح الفيلم الذى يستعرض قصة كلب فى
القاهرة، أن يلفت الأنظار إليه بسبب اللغة السينمائية التى يقدمها، فأحد
سكان المدينة «الكلب» يرى أن الحرية أهم ما تميز حياته، فهو يفعل ما يشاء
فى الوقت الذى يريده بعيدا عن قواعد البشر.
كما عرض فيلم «وفى الليل يرقصن» وهو أحد الأفلام الكندية التى عرضت
ضمن برنامج ليال عربية وقد سبق عرض الفيلم فى أسبوع المخرجين بمهرجان كان
السينمائى فى دورته الأخيرة وقد شارك فى إخراج الفيلم المخرجان إيزابيل
لافين وستيفان تيبلو، وفى هذا الفيلم يتعرض المخرجان لكواليس حياة الراقصات
المصريات والبطلة هى «رضا إبراهيم» التى ورثت الرقص عن أجدادها ولديها ثلاث
بنات يحترفن الرقص، ويستعرض الفيلم حياة كل واحدة منهن.
المصري اليوم في
15/12/2011
قصيدة حب من الإمارات الى غزة في حفلة
الختام
دبي - فيكي حبيب
أكثر من نصف مليون دولار وزعها مهرجان دبي على الفائزين في دورته
الثامنة بعد
أسبوع من العروض السينمائية، استقطبت خلاله المدينة الإماراتية نجوماً من
حول
العالم، وضيوفاً من عشاق الفن السابع. اما التتويج، فكان من نصيب الفيلم
الفلسطيني
«حبيبي
راسك خربان» للمخرجة الاميركية من اصل لبناني سوزان يوسف التي جالت بفيلمها
هذا في مهرجانات فينيسيا وتورونتو وبوسان، قبل ان تصل الى مهرجان دبي الذي
راهن
عليها قبل سنة حين منحها دعمه من خلال برنامج «إنجاز» الخاص
بتقديم الدعم للمشاريع
قيد الإنجاز. ولعل أهمية الفيلم القصوى تكمن في كونه اول فيلم روائي طويل،
صوّر في
غزة منذ 15 سنة. كما انه لم يستق من حبر الحرب الأحمر حبكته، كــما تكمن
العادة في
الأفلام الآتية من فلسطين، إنما استعار حبر الشعر لينســج خيوط
قصة حب مستحيلة.
وعلى رغم ان بطلينا ينتميان الى الزمن الحاضر الا انهما يحملان الكثير
من ملامح
بطلي اشهر قصة حب في التراث العربي: قيس وليلى. أولاً، لناحية تشابه
الأسماء، كما
لناحية المصير الواحد ووله قيس بالشعر وإعلان حبه لليلى من دون خجل بنقش
أشعاره على
جدران المدينة. وككل قصص الحب الكبرى، يصطدم الحلم بالواقع، إذ تحول
التقاليد
والفوارق الاجتماعية بين ابن المخيم الفلسطيني المفلس وابنة
المدينة ميسورة الحال
دون زواجهما، لتكون نهاية «مجنون ليلى» المعاصر مأسوية.
لكنّ هذه الحبكة، وعلى رغم ما تحمله من جماليات رومانسية، لم تخل من
هنات العمل
الأول، خصوصاً لناحية «سذاجة» ما في السيناريو. وهنا يطل المشهد الذي يجمع
العاشقين
في احد مراكز التفتيش الاسرائيلية حين يقرران الهروب معاً بجوازات سفر
مزورة، سرعان
ما يكتشفها العدو، حتى يبدأ اغراءاته بإقناعهما بالتجسس لمصلحته في مقابل
ان يوفّر
لهما طريق الخروج. لكنّ ليلى تختار حب الوطن على حب قيس، وتصمد
امام كل الإغراءات
والضربات قبل ان نراها فجأة في سيارة اجرة برفقة حبيبها، تعود أدراجها الى
المنزل.
ولم يكتف فيلم «حبيبي راسك خربان» بجائزة أفضل فيلم، إنما فاز ايضاً
بأفضل
مونتاج وافضل ممــثلة (ميساء عبدالهادي). وعن الفئة ذاتها (جوائز مسابقة
«المـــهر
العـــربي للأفلام الروائية الطويلة») فاز الفيلم الأردني «الجمعة الأخيرة»
ليحي
العبدالله بثلاث جوائز أيضاً، هي جـــائزة لجــنة التحكيم الخاصة، وأفضل
موسيقى
للأخوة جبران، وأفضل تمثيل (علي سليمان). فيما نال المخرج
المغربي حكيم بلعباس
جائزتي افضل سيناريو وتصوير عن فيلم «شي غادي وشي جاي».
نبش في الذاكرة
ولم يكن مفاجئاً فوز المخرج اللبناني نديم مشلاوي بالجائزة الكبرى في
مسابقة «المهر
العربي للأفلام الوثائقية»، خصوصاً ان فيلمه ينهل بعمق من ذاكرة الحرب
اللبنانية انطلاقاً من رؤية ثلاث شخصيات عاصرت تلك الحقبة كل
على طريقته، هي الزميل
حازم صاغية والمهندس المعماري برنار خوري والطبيب النفسي شوقي عازوري. ومن
مهن
هؤلاء الثلاثة، وتأثير الحرب على كل واحد منهم، كل في مجاله، حاول المخرج
تجميع قطع
«بازل» puzzle
ذاكرة الحرب واحدة واحدة ليرسم صورة وطن حاول ان يختزله بمنطقة
الكرنتينا وتحولاتها، من المستشفى الفرنسية، الى المسلخ
فالمدبغ، مروراً بإيواء
الغرباء والمهمشين، ليختتم شريطه بلقطة بديعة لغرفة مهجورة إلا من نور شمس
يدخل من
نافذة صغيرة، إيذاناً بأمل كبير بمستقبل ما.
وعلى رغم ان هذا الشريط استند في جزء كبير منه الى الشهادات الا انه
لم يقع في
فخ الريبورتاجات التلفزيونية او صف الكلام الذي يشبه بعضه بعضاً، إذ نجح
مشلاوي في
استنطاق شخصيات فيلمه واستدراجهم الى المكان الذي يريد، مقدماً الجديد
والمفيد.
وكان لـ «الفيديو آرت» دور كبير في منح الفيلم هوية خاصة مفعمة بشاعرية
فلسفية
تأملية، تُنبئ بولادة مخرج موهوب. اما جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن الفئة
ذاتها،
فذهبت الى المخرج العراقي أكرم حيدو عن فيلم «حلبجة - الأطفال
المفقودون». ونالت
الجزائرية-الفرنسية ياسمينا عدي الجائزة الثانية عن فيلم «هنا نغرق
الجزائريين - 17
أكتوبر 1961»، فيما نال التونسي مراد بن الشيخ شهادة تقدير عن «لا خوف بعد
اليوم»
الذي يروي فصولاً من ثورة الياسمين بعيون شخصيات كانت ناشطة فيها.
الخاسر الأكبر
وخلافاً للأفلام الروائية العربية التي أتت دون المستوى هذا العام،
بما لا يسجل
اي خاسر، فإن مسابقة الأفلام الوثائقية، تضمنت أفلاماً مميزة، الى درجة ان
عدم فوز
بعضها لا يُمكن ان يمر مرور الكرام. ولعل الخاسر الأكبر هنا، هو الفيلم
المصري
الدنماركي «نصف ثورة» الذي يُمكن اعتباره احد اهم الأفلام
المصرية التي حققت عن «ثورة
يناير». وعلى رغم انه لم يلفت نظر محكّمي مهرجان دبي، الا ان مكافأته أتت
سريعاً، باختياره في المسابقة الدولية لمهرجان «ساندنس». وهناك ايضاً فيلم
هادي
زكاك «مارسيدس» الذي لفت الأنظار ونال «جائزة النقاد
الدوليين»، والفيلم الأردني
«عمّو
نشأت»، وسواهما من الأفلام الوثائقية التي نالت استحسان جمهور دبي، ما دفع
كثراً الى السؤال عن سبب هذه الهوة بين مستوى الأفلام الروائية العربية
ومستوى
الأفلام الوثائقية. وإذا كان احد النقاد اعتبر ان الواقع
العربي أقوى من اي خيال،
ما يجعل السينمائيين
العرب أكثر تعبيراً في الوثائقي منهم في الروائي، فإن آخرين
يرون ان الأفلام الروائية المميزة لم تغب هذا العام، لكنّ
«دبي» عجز في الوصول
اليها.
وفي مقابل هذا الخلل في البرنامج، نجح «دبي» في استقطاب افلام مميزة
في مسابقة «المهر
الآسيوي الأفريقي للأفلام الروائية الطويلة»، مثل «حدث ذات مرة في الأناضول»
للمخرج التركي نوري بلجي جيلان الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بينما
ذهبت
جائزة أفضل فيلم لـ «تاتسومي» من إخراج إريك كوو من سنغافورة. وفي مسابقة
المهر
الإماراتي، فازت نجوم الغانم بالجائزة الأولى عن فيلم «امل»،
فيما ذهبت جائزة لجنة
التحكيم الخاصة الى «أطفال» لمحمد فكر، وحصد الجائزة الثانية «آخر ديسمبر»
لحمد
الحمّادي، كما نال «لندن بعيون امرأة محجّبة» لمريم السركال، شهادة تقدير.
وبعيداً من الجوائز وأخبار المسابقة، استطاع مهرجان دبي في دورته
الثامنة ان
يشكل منصة حقيقية لصناع السينما العربية للمضي قدماً في مشاريعهم من خلال
«ملتقى
دبي السينمائي» الذي يتيح المجال امام المخرجين العرب لعرض مشاريعهم على
منتجين من
حول العالم، ما من شأنه ان يخلق دينامية سينمائية متواصلة.
الحياة اللندنية في
16/12/2011 |