طيور الظلام حطت أخيراً على "بيروت بالليل" الذي كان مقرراً عرضه
محلياً في التاسع عشر من الشهر المقبل. قامعو الفيلم اختلط عليهم الواقع
والمتخيل، فأرادوا تجنب حرب أهلية جديدة والمحافظة على الاستقرار الأمني من
خلال الحلّ الأسهل: المنع. الأغرب ان الفيلم شق طريقه براحة واطمئنان الى
مهرجان دبي السينمائي في دورته الثامنة، حيث كان لنا هذا اللقاء مع عربيد.
·
في أكثر من لقاء لي معكِ، كنتِ
تقولين إنك لا تأبهين اذا عُرضت أفلامك أم لا في لبنان والعالم العربي.
اليوم، أراكِ متحمسة لشنّ حربٍ ضد جهاز الرقابة اللبنانية لتعود عن
قرارها...
- موقفي هذا كان ربما في شأن "رجل ضائع"! آنذاك، كنتُ على يقين من أن
ما يتضمنه الفيلم من مشاهد يتجاوز قدرة المشاهد العربي على التحمل. أنا
ابنة هذا المجتمع وأعرفه جيداً. لنأخذ أمي مثالاً: عندما شاهدت "رجل ضائع"،
راحت تبكي وصارت ترشقني بالأسئلة: لماذا هذا الفيلم؟ هل أساء أحدٌ اليك؟
ألديك مشكلة مع زوجك؟... أنا، كنتُ أريد فيلماً عن التشرد وليس فيلماً
بورنوغرافياً. في فرنسا، مرّ الفيلم في الصالات وكانت مشاهدته متاحة حتى
لمن دون العاشرة من العمر. علماً ان منتج الفيلم، مارين كارميتس، كان تمنى
لو صُنّف فقط لمن بلغوا السنّ القانونية. لكن، عندما عرضناه على الرقابة في
لبنان، لم يستوعب القائمون عليها مشاهد الجنس، فطالبوا بحذف البعض منها،
الأمر الذي رفضته جملة وتفصيلاً.
·
كنتِ تحضّرين فيلماً آخر، وفجأة
قررتِ إنجاز "بيروت بالليل". ماذا حصل؟
- هذا فيلم تلفزيوني أنجزته ليُعرَض على "آرتي". كنتُ أريد فيلماً
جماهيرياً. "رجل ضائع" كان أصعب بالمعنى التجاري: سيرة شخص مصاب بالتوحد،
يهرب من مجتمع ويضيع، ثم يتعرف إلى شخص آخر ضائع مثله. هؤلاء ناس لا يمثلون
المجتمع. انهم هامش المجتمع. والنساء اللواتي يلتقين في الليل يشبهن الرجال
في هذا الشيء. انا اعتبر نفسي مهمشة. هكذا أرى نفسي من الداخل. مذ كنتُ في
الخامسة، لم اكن اشعر انني بنت والدي وبيئتي قطّ. لهذا السبب انجزت "معارك
حب"، ولهذا السبب اصنع أفلامي. لستُ سينمائية لأضطهد العالم وأقول "تباً
لكم"، بل لأبحث عن ذاتي، وأعتقد أن هناك كثراً مثلي. في لبنان، نقول دائماً
"نحن"، فيما الأنا غائبة...
·
... حتى في الأفلام اللبنانية
التي ظهرت أخيراً، لا تُعطى الكلمة للفرد بل للجماعة التي ينتمي اليها،
وهذا أمر مستهجن حقاً...
- في احد العروض التمهيدية لـ"معارك حب" في نانت الفرنسية، ما ان
انتهى الفيلم حتى وقف لبناني وراح يحتجّ على الفيلم، وقال للحضور: "هذا
الفيلم لا يمثلنا كلبنانيين. العائلات اللبنانية ليست هكذا. عائلاتنا لا
تتعارك. عندنا في لبنان لا يقبّلون بعضهم البعض في السيارات. عندنا في
لبنان لا يقف الناس على الشرفة بالملابس الداخلية"... وكرّت سبحة من
الـ"عندنا في لبنان". التهمة جاهزة: تشويه صورة لبنان. لم أجد ما أقوله سوى
أن هذه أشياء عشتها ولي الحقّ في ان أنقلها. ثم لنفترض انها غير موجودة.
فأنا كسينمائية لي الحقّ في أن أؤلف ما أريد. أفلامي تمثل بالكاد نفسي.
انها لقوة عظيمة أن تمثّل نفسك وتجسد أفكارك في أعمال سينمائية. لا اصنع
افلام بروباغاندا كي ألمّع صورة العائلة اللبنانية. النحو الذي يتعاملون
فيه مع السينمائي يشبه حكاية من تعرّض للإغتصاب لكن طلبوا منه أن يلزم
الصمت.
·
لماذا اغتيال الحريري خلفية لقصة
حبّ؟ ماذا كانت تحمل بالنسبة اليك هذه القضية من احتمالات نصية تتيح
التفاعل بين الواقع والخيال؟
- لنعد قليلاً الى الخلف: قبل هذا الفيلم، حاولتُ انجاز فيلم فرنسي لا
علاقة له بلبنان لا من قريب ولا من بعيد. اقتباس لرواية أميركية. منتجي،
مارين كارميتس، رفض تمويله لأنه كان يريدني أن أنجز أفلاماً عن المنطقة
التي أنتمي اليها، وكان يقول ان هناك "سعبين ألف" مخرج فرنسي في امكانهم
انجاز أفلام كهذه. أما أنا فكنت أريد انجازه لأنني اعيش في فرنسا منذ أكثر
من عقدين، ولقد آن الآوان لأخرج فيلماً فرنسياً. كنتُ أريد فيلماً لا
يستطيع المُشاهد معرفة هوية مخرجه. اشتغلت على المشروع اربع سنوات، لكن لا
أحد موّله. في الوقت نفسه، كنتُ اعمل على "بيروت بالليل"، كي لا اجد نفسي
في الفراغ في حال لم يتحقق مشروع الفيلم الفرنسي (...).
الفكرة لي. كانت رغبتي أن ابني حبكة متخيلة على اطار حقيقي. بعدما
تابعتُ الأخبار المتعلقة بالقبض على جواسيس اسرائيل في لبنان وعملائها على
صفحات الجرائد، وجدتُ انها تصلح لفيلم. للمرة الأولى، كنا نرى هذا الموضوع
يتم تناوله على هذا النحو. بالنسبة إليّ، كانت هذه مادة دراماتيكية. ما
اردته هو استخدام المشهد اللبناني العام لحكاية من الخيال. لا يتعلق الأمر
بحبي للحريري أو بكرهي له. هناك تيار الآن: انظر الى الأفلام المغامراتية
التي تتخذ من الحرب في العراق خلفية لها. قبل فترة، اُنجز فيلم عن ساركوزي
ولا يزال الرئيس في الاليزيه. في منطقتنا، لا توجد أفلام بوليسية تجسسية
الا نادراً. من خلال خوض تجربة مماثلة، كنتُ اريد تجديد ذاتي وأن أضعها في
خطر.
·
ألم يكن لديكِ نية في الاستفزاز،
كعادتك؟
- صدِّقني، لستُ استفزازية. حتى جماعة "آرتي" لم يكونوا يتوقعون ان
يُمنع الفيلم لمضمونه السياسي. كانوا يعتقدون ان المشاهد الجريئة هي وحدها
التي يمكن أن تثير مشكلة. لم أكن اتوقع ان يكون الفيلم استفزازياً. ماذا
قلتُ؟ ان فلاناً يحاول ان يبيع معلومات عن اغتيال الحريري. لم ينتبهوا
مثلاً انني اقول انه قد يكون كاذباً كونه يفعل ذلك للحصول على تأشيرة
للذهاب الى أوروبا. في احد المشاهد يُقال عنه إنه سبق أن حاول بيع معلوماته
من كل السفارات الأوروبية في بيروت. تخيل أنني سُئلت: لماذا الشخصية هذه من
الطائفة الشيعية؟! في أفلامي أسميّ الأشياء بأسمائها. لا أحبّ ليلى وسمير.
في لبنان لم نعرف سوى "هيدا مسلم" و"هيدا مسيحي". لا اطرحها من باب
الاستفزاز بل لأنها جزء من هذا الواقع.
·
ربما لستِ استفزازية لكنك حتماً
انتقامية. نظراً لطفولتك الصعبة، أرى ان من الطبيعي أن تقولي الآن: هاكم،
انظروا ما أنا قادرة عليه...
- ربما هذا هو سبب شخصيتي القاسية. تروفو قال: لو لم أعش الطفولة
السيئة التي عشتها، لما صنعتُ الأفلام التي صنعتها. لا أقارن نفسي
بفاسبيندر، لكن هذا الرجل اضطُهد لأنه كان ينجز أفلاماً اعتُبرت انذاك
معادية للمجتمع الألماني. والآن ترى كل تراث ألمانيا مجسداً في افلامه. أحب
لبنان كثيراً برغم أنني لا أقول عبارات من نوع "لبنان في دمي"، الخ. أعيش
في فرنسا منذ 23 سنة ولا أزال انجز أفلاماً عن لبنان. هذا انفصام. تعلمتُ
شيئاً من الفرنسيين هو الآتي: كلما انتقدتَ المجتمع الذي تعيش فيه، ارتفع
المجتمع وانتَ ارتفعت معه.
بالنسبة الى المشاهد الجنسية، لم انجزها بهدف الاستفزاز. أولاً، أنا
أحب تصويرها. أجد فيها نعمة. اذهب الى المتحف وأشاهد اللوحات التي فيها
العري واراها ممتلئة بالنعمة. ما يهمّني هو الجماليات. ثم أنا مؤمنة بأن
علينا أن ننجز أفلاماً حرة. نحن احرار. اعتاد الناس على الأفلام الأميركية
التي تكون عادة على قدر من الطهرانية وتتعامل مع العري بنفاق.
·
صديق لي أبدى ملاحظة حول بعض
الرعونة في تلك المشاهد، لا سيما في الكيفية التي يمسك فيها المحامي زهى...
- يجب أن تعلم أنني واجهتُ مشكلة كبيرة مع شارل برلينغ. فهو أذلّني
وأهانني. انجزتُ 11 فيلماً ولم أهن كما أهنت وأنا أنجز هذا الفيلم. كان
الذل يرافقني طوال النهار. كنتُ أذهب الى التصوير وأنا أبكي. أمضيتُ عام
2011 وأنا ابكي. هذه المعركة ضد الرقابة الآن، هي التي جعلتني أقوى. أصبتُ
بانهيار عصبي واحباط. شارل برلينغ ممثل مريض. أولاً، لم يكن يريد أن يمثل.
لم يقل لي هذا أثناء الكاستينغ. قبض مرتّبه ثم عرفنا انه لا يريد التمثيل،
أو على الأقل لا يريد التمثيل على النحو الذي أريده. منذ اليوم الأول، صار
يقول عني إنني مخرجة رثة والى ما هنالك من كلام مهين. أفهمته انه اذا توجه
بكلام مسيء الى أصغر فرد في الفريق، فسأوقف التصوير فوراً.
هذه ليست المرة الاولى، فهو سبق أن عذّب مخرجين آخرين ايضاً. اعتقد ان
ثمة عنصرية في الموضوع: حين كنا في فرنسا، تكلمتُ معه عن قصة الحبّ التي
ستربطه بزهى، وشرحتُ له أنها ستكون قصة حبّ جارفة وعميقة مع رجل من الممكن
أن يكون جاسوساً. قلتُ له: "عليك ان تضع في رأسك أنك جاسوس حتى لو لم تكن
كذلك. ويجب أن تعيش حالة صراع مع نفسك، لأنك لا تريد الوقوع في الحبّ، لكن
الحبّ أقوى منك".
حين وصل الى لبنان، بدا مرتاحاً لكل شيء في المرحلة الأولى، ثم عندما
تعرف إلى دارين [حمزة] صار يقول انه من غير الممكن ان يُغرم بها. قال: هي
عربية وأنا فرنسي، وماذا لو ضايقها هذا الفيلم؟ فقلنا له انها ممثلة وتقوم
بمهنتها، لكن عبثاً، فكلّ ما كان يحاول فعله هو أن يحميها. بدلاً من أن يقع
في غرامها، راح يحاول حمايتها مني، كأنني هنا لألحق الضرر بها. أما المشاهد
الساخنة، فحاولنا المستحيل كي يقبل أن يمثّلها، برغم انها كانت في النصّ.
صار يخاف وبدأ يعطي الانطباع بأنه يجب علينا عدم انجاز الفيلم (ضحك). أعتقد
أن ما أخافه أيضاً هو ما قدمه فادي أبي سمرا من تمثيل رائع؛ هو الذي كان
يعتقد اننا سنصفق له بعد كل مشهد.
·
هناك الكثير من الذكورية في
أفلامك؟ نكاد لا نصدّق أنها من توقيع مخرجة.
- عندما تشاهد "انجازٌ جيد" لا تصدّق ان هناك سيدة خلف الكاميرا اسمها
كلير دوني. فيلم تخرجه امرأة، ماذا يعني؟ فيلم طبخ مثلاً؟ في السينما، يجب
عدم تمييز المرأة عن الرجل. ما أقوله، نوع من نسوية أيضاً. لا أفهم مثلاً
حين تقول مخرجة كنادين لبكي انها استعانت بغريزة الأمومة لإنجاز فيلمها.
هذه الغريزة ليست موجودة، انها مجرد دعاية. ربما تقولها باقتناع وصدق، لكن
هذا الكلام "أنتي فيمينيست". الفنّ ليس له جنس. لكن، يبدو ان هذه الأفلام
التي تُشعر المشاهد بأن الشخص الذي يقف خلف الكاميرا يمكنه أن يكون رجلاً
مثلما يمكن أن تكون أمرأة، تخيف الرجال عندنا!
·
في النهاية، هذا فيلم عن الخوف،
أليس كذلك؟
- نحن في لبنان تأقلمنا مع الموت. شاهدناه بأم عيوننا، حدّ انه بتنا
نحبّ الخطر. في طفولتي، عندما كنتُ صغيرة، كان والدي يحمل معه مسدساً. كان
ينام والمسدس تحت الفراش. عند النوم، كنتُ أقفل باب الغرفة، خشية أن يستيقظ
في الليل ويقتلنا جميعاً. هذا الخوف لا يزال يرافقني كنوع من بارانويا،
وعندما آتي الى لبنان أخاف الجميع تقريباً.
ككل مسيحي يعيش في لبنان، لم يكن والدي يحبّ المسلمين كثيراً. في
منطقتنا [قرنة شهوان]، لم نكن نرى مسلمين. كنتُ في الثامنة عشرة عندما
رأيتُ أول مسلم في حياتي. كنتُ أقف في وسط الصالون وأصرخ في وجه والدي
"تحيا فلسطين"، فكان يطاردني الى غرفتي ليضربني. قمة السخرية، اني في عام
2000، اتُهمت بأنني أحبّ اسرائيل فقط لأن فيلمي "ردم" شارك في مهرجان سينما
المرأة في فرنسا وكان في المهرجان فيلم اسرائيلي. عندما يكون المجتمع
مقفلاً على هذا النحو، ترى ان الحقد على الآخر... "مش ظابط".
This smell of sex
"أحبّ أن أخبر قصص الخاسرين"، تقول عربيد مؤكدة أن كلّ عملها عن
الحصار الذي يقع الانسان ضحيته. "تشعر في وقت معيّن أنك محاصر. هناك فكرة
الضيق في العالم العربي. وفي الوقت نفسه، لا يتخلى عنك الناس بل يبقون الى
جانبك إذا مرضت أو دخلت المستشفى. لا أقول إن الغرب أفضل، لكن التضييق
يجعلك تهرب من مجتمعك".
متمردة عربيد على الاعراف الاجتماعية، وأفلامها تشبهها. درست الادب
الفرنسي في جامعة السوربون، ثم الصحافة. بدأت العمل في الصحف الفرنسية،
مستكتبة في "ليبيراسيون" و"لو كورييه انترناسيونال" وجرائد اخرى. حين بلغت
الـ26، كتبت، مصادفة، سيناريو لفيلم قصير، وارسلته الى المعهد الفرنسي
للسينما، فاختير النص المعنون "ردم" من بين نصوص اخرى، فأخرجته فيلماً، وهو
يروي قصة فتاة تبحث عن صورة بيتها في وادي بو جميل. عرّفها هذا الفيلم الى
النقّاد وأدخلها المهرجانات واشتراه التلفزيون الفرنسي.
عام 1999، انجزت فيلماً عن احتفال عام 2000 في فرنسا، وهو من النوع
الروائي صوّرته باللغة الفرنسية مع ممثلين فرنسيين، فدار على المهرجانات
ونال الجوائز. في ذلك الوقت، أكبّت على تنفيذ فيلم وثائقي، "وحدي مع
الحرب"، الذي صوّرته في لبنان، وكان له تأثير كبير في وجدانها. بعدئذ رغبت
في انجاز "رود موفي" اسمه "حدود"، فأخذت كاميراتها وجالت حول فلسطين، من
دون ان تدخلها. لها أيضاً فيلم متوسط الطول، 46 دقيقة، اسمه "غريبة"، تدور
حوادثه على امرأة مسنة لا تعرف هل يجب ان تموت في فرنسا حيث تعيش ام في
بلادها الأم. "حوار صالونات" تضمّن نظرتها الى الجنس الانثوي الذي في
محيطها. نالت عن هذا الفيلم الجائزة الكبرى في مهرجان لوكارنو، في قسم
الفيديو.
في "معارك حب" صوّرت حرباً من دون صورة، وكان لها فيه مواقف فنية
متعددة، اولها ان يبقى النزاع المسلّح خارج الاطار. يتبيّن من المعالجة
السردية التي يحظى بها الفيلم، انها غير مهتمة بالحدث بمقدار ما هي مهتمة
بردّ الفعل على هذا الحدث. ثم، في امتداد منطقي لمجموعة اعمال وثائقية
وروائية، قصيرة وطويلة، أنجزت عربيد، "رجل ضائع"، الذي اختير لعرضه في
الدورة الستين لـ"مهرجان كانّ" ضمن "اسبوعا المخرجين"، التظاهرة الموازية
للنشاط الرسمي التي كانت أطلقت شريط عربيد السابق. دراما انسانية تحمل
نضجاً فكرياً قلّ نظيره في سينما هذه المنطقة، وتفصح عن نفسها بنفسها. معظم
أفلام عربيد عانت مشكلات مع الرقابة اللبنانية ولم تعرض في الدول العربية.
عام 2008، أخرجت مسودة سينمائية (26 دقيقة) اسمه "رائحة الجنس"، تصوّر فيه
اعترافات اصدقائها الجنسية.
النهار اللبنانية في
15/12/2011
"بيروت بالليل": لقاءٌ مع الخوف يخيف أعداء الخيال!
هوفيك حبشيان – دبي
"بيروت بالليل" هو قبل كل شيء آخر قصة غرام بين فتاة تغنّي في احدى
الحانات الليلية (دارين حمزة) ومحامٍ فرنسي (شارل برلينغ) يصل الى لبنان في
ظروف عصيبة، أي بعد فترة قصيرة من اغتيال رفيق الحريري. لكن الفيلم عند
الجيل الجديد من "نقاد السينما" في أروقة الرقابة، قد يكون أبعد من ذلك.
ستكون هناك لعبة غواية لن تفضي الى مكان معين، ذلك ان الخوف سيقول
كلمته في العلاقة بين وافد ومواطنة. وخصوصاً ان المدينة التي تعيش على فوهة
بركان قابل للانفجار في كل لحظة ولأتفه سبب، لا تستوعب العشق ولا تتسامح
معه، وهي لا تزال على حيرة من أمرها بين حرب وسلم. لم تحسم خيارها: حبّ أم
كراهية؟
بيروت مدينة فيها من الضوضاء الكثير، لكن دانيال عربيد تفضلها هادئة.
تُدخلنا في زقاق حيث احد الفنادق ثم تُخرجنا الى الواجهة البحرية، من دون
أن تكون، ولو للحظة واحدة، أكزوتيكية وسياحية في التقاطها نبض الشارع
البيروتي. هي تريد لبيروت ان تكون ليلة حالكة فوق رؤوس قاطنيها، لكن معظم
الاحداث تدور في النهار وليس في الليل. ما تصوّره عربيد هو الخوف، خوف أن
نلتقي بغريب، كل شيء فيه بات مشبوهاً. خوف أن نعيش بعضنا مع البعض، خوف أن
نقول للآخر حاجتنا اليه. الخوف، بكل بساطة.
تتورط زهى اذاً في علاقة مع هذا المحامي الآتي لمهمة غامضة تجعله
ينتقل بين الشام وبيروت، وسط أجواء المخابرات والمخبرين والفساد السياسي
والديبلوماسية المتملقة. هو الرجل الأوروبي الذي يسقط في واحة حرية متجسدة
في امرأة شرقية متحررة، أما هي فتجد فيه الرجل غير المستبد، المختلف عن
زوجها (رودني حداد) الذي انفصلت عنه. تعجبه فيها صراحتها، وتحب فيه غموضه،
فتتبلور العلاقة، لكن الظرف يقطف المزيد من الضحايا. انه زمن العصابات
المتناحرة على مدينة لا نرى منها الا الخوف والشبهات. الفيلم يقتصد كثيراً
في الشرح، ويراكم غموضاً فوق غموض، الى ان يتأزم وضع المحامي ويصبح دوره
على المحك، جراء مغامرته على أرض محفوفة بالأخطار. بحنكتها السينمائية
الدائمة، تبرر عربيد ما لا يجد عادة طريقاً الى التبرير، من خلال مواجهة
الصرامة الفرنسية بالارتجال اللبناني. والارتجال هو الذي سيمضي بنا الى
الهاوية.
مع "بيروت بالليل" تنتقل دانيال عربيد الى نوع سينمائي لا ينسجم،
للأسف، مع ثقافة منطقتنا. فقصة الفيلم من نسج الخيال (هذا الخيال الذي له
الكثير من الأعداء) لكن في الحين نفسه تأخذ من جريمة اغتيال رفيق الحريري
خلفية لها. سمة من سمات السينما، الدمج بين الواقع والمتخيل، وخلق تفاعل
بينهما. النماذج في هذا المجال لا تعدّ ولا تحصى. لكن احوال العالم العربي
غير متسامحة مع هذا النوع من الاقتباسات الحرة، والنقّاد دائماً ما يقعون
في تأويلات من وحي علاقتهم المتأزمة بما يعرفونه عن الواقع، وتضمر أحياناً
تحاملاً وإسقاطاً.
النهار اللبنانية في
15/12/2011
حكايات من جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي
السينما اللبنانية هي الخاسر الأكبر في جوائز هذه الدورة
دبي: محمد رُضا
تمازح البعض في الأيام القليلة الماضية بإطلاق تسمية «مهرجان الفيلم
اللبناني» على الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي على أساس وجود عدد فاق
الخمسة عشر فيلما وثائقيا وروائيا وقصيرا من إنتاج وإخراج لبناني. لكن مهما
يكن من أمر، فإن السينما اللبنانية هي الخاسر الأكبر في جوائز هذه الدورة
من هذا المهرجان. فقد أعلنت الجوائز في حفلة ذات إيقاع سريع وتنظيم قليل
الأخطاء إلى حد مدهش. إيقاع مرّ بساعة وربع الساعة دون أن يتوقّف التصفيق.
في نهايته لا فيلم دانييل عربيد «بيروت بالليل» ولا فيلم يوسف جو
بوعبد «تنّورة ماكسي» ولا فيلم دانيال جوزف «تاكسي البلد» ولا «الحوض
الخامس» لسيمون الهبر ولا «يامو» فاز بأي ذكر. الفيلم الوحيد الذي خرج
بجائزة هو «القطاع صفر» لنديم مشلاوي الذي يستعيد تاريخ الحرب الأهلية من
خلال ما حل بمنطقة الكرنتينا في مطلع تلك الحرب وهو أول فيلم لمخرج عمل في
مجال التوليف الصوتي والإنتاجات الموسيقية من قبل.
كما نال «مارسيدس» اللبناني الوثائقي أيضا جائزة اتحاد النقاد
الدوليين بجائزة أفضل فيلم روائي وهو سعي متوسّط القيمة لمخرجه هادي زكّاك.
إنه كما لو كان هذا الاندفاع نحو الذهب تمخّض عن الحفر بعيدا عن
الأهداف المناطة. وبينما كان «يامو» يستحق شيئا أكثر قيمة من التجاهل
الشامل، إلا أن الأفلام التي فازت كانت بالفعل أفضل من تلك التي لم تفز،
وفي مقدّمتها فيلم «الجمعة الأخيرة» ليحيى العبدالله: دراما آسرة وذات نفحة
جديدة إنسانية حول علاقة ابن بأبيه والحاضر بالماضي نالت جائزة لجنة
التحكيم الخاصّة بالإضافة إلى جائزتين إضافيّتين: أفضل موسيقى (للأخوين
جبران) وأفضل ممثل (علي سليمان).
أما الفيلم العربي الذي حصد جائزة أفضل فيلم فهو «حبيبي راسك خربان»
لسوزان يوسف، وهو حصل أيضا على جائزة أفضل مونتاج للمخرجة سوزان يوسف ومان
كيت لام، وجائزة أخرى من اتحاد النقاد الدوليين بينما نالت الممثلة
الرئيسية ميساء عبد الهادي جائزة أفضل ممثلة.
قيس وليلى
* «حبيبي راسك خربان» هو من إنتاج أميركي- هولندي مشترك، وأحد الأفلام
التي حازت على دعم من مؤسسة إنجاز التي أنشأها المهرجان لكي يساعد في تمويل
مشاريع جيّدة. كذلك هو الفيلم الأول للمخرجة سوزان يوسف.
إنه عن قيس وليلى آخرين. قيس (قيس ناشف الذي تعرّفنا عليه في فيلم
هاني أبو أسعد «الجنة الآن») واقع في حب ليلى (ميساء عبد الهادي) منذ أن
تعرّف عليها في الجامعة، وهي تبادله الحب. المعضلة التقليدية هي أن والدها،
الذي يثق بها يتمنّى تزويجها إلى طبيب فلسطيني عائد من أميركا وهي ترفضه.
حين يغطّي قيس جدران المدينة بأشعاره يفرض الأب عليها إقامة جبرية في الوقت
الذي يهرب فيه قيس من القطاع حتى لا يُصاب بمكروه على يدي شقيقها. ليلى تجد
طريقة للحاق به مستفيدة من ثقة أبيها فيها، وتجد أن قيس عقد العزم على
مغادرة فلسطين، ويتقدّمان إلى السلطات الإسرائيلية بطلب الهجرة الذي يقول
قيس إنه حصل عليه من السفارة الهولندية. حين تطلب السلطات من قيس معلومات
عن عناصر غزّة المسلّحة يبدي استعداده للتعاون فكل شيء يهون في سبيل الهرب
من البلاد مع حبيبته، لكن ليلى تحذّره وترفض أن يستجيب لرغبة السلطة
الإسرائيلية، مما يدفع أحدهم إلى ضربها. وبالتالي تعذّر حصولهما على السماح
بالسفر.
المشهد ما قبل الأخير كان عليه أن يكون الأخير: قيس يصعد هضبة من
الأشلاء المدمّرة وصبي يحذّره بأن رصاص العدو قتل صحافيا إيطاليا أول ما
وصل إلى قمّة الهضبة، لكن قيس لا يُبالي. لا يريد الحياة وليس لديه وجهة
أخرى إذا ما بقي حيّا. لكن المخرجة تضيف مشهدين لاحقين يستطردان ولا
يُضيفان.
كما يبدي هذا التلخيص، فإن الحكاية بسيطة يراد لها دمج حكاية قيس
وليلى المعهودة في الأدب العربي، مع قيس وليلى شغل هذه الأيام. لا شيء يمنع
هذه المحاكاة، والمخرجة التي تسبر قصّة الحب بمعالجة هادئة أكثر من اللازم،
حسنا تفعل حين تقطع السرد المتوقّع بإشاراتها الاجتماعية والسياسية، رابطة
قصّة الحب بالمواقف المعارضة؛ فلسطينية وإسرائيلية. هناك ذكر للحواجز
العسكرية الإسرائيلية التي ينتظر عندها الفلسطينيون بالساعات، ومشهد قتل
صديق لشقيق ليلى برصاصة قنّاص من المستوطنين. وأخيرا الاعتداء على ليلى من
قبل محققي الجيش الإسرائيلي مما يكمل صورة الوضع القائم ويرفع من حدّة وقعه
على المشاهد.
لكن في المقابل، يكشف الفيلم عن قصور في استخدام الأدوات التي تريد
منها تأييد عاشقيها. هناك مشاهد في الجانب الفلسطيني لا تخدم المطلوب،
فالخلوة البريئة بين قيس وليلى على شاطئ البحر من الطبيعي أن يتخللها قيام
فلسطينيين بقطعها كونها تلافي التقاليد. ليست المعارضة هنا في أن المخرجة
تنتقد مثل هذا التدخل، لكنها في أنها تعارض ما لن تجد الكثير من المعارضين
له أساسا. إلى ذلك، يبدو قيس سبب البلاء على أكثر من نحو. فهو يدرك ما
يجرّه على عائلة ليلى من إهانة بنشر قصّة حبّه أشعارا على الجدران، ويبدو
ساذجا إذا ما اعتقد أن والدها سيرضى به بلا عمل وبشعره الكث وهيئته الكاشفة
عن فقره المدقع، كما هو ساذج في أكثر من مفارقة أخرى مثل تعريضها أكثر من
مرّة للضرب. سذاجته تستدعي سذاجتها؛ هي التي ليس لديها سبب فعلي يدعوها
لمثل هذا التعنّت في حبّها طالما أن المخرجة لم تقدّم مزاياه ولماذا اختار
قلب ليلى قيس دون سواه. لكن المخرجة ذهبت وراء قصد آخر: تلك الأشعار أريد
لها أن تعكس حالة رومانسية غريبة خصوصا لدى الجمهور الغربي.
لكن الفيلم يبقى طموحا أكثر بكثير من قدرته الإنتاجية. بل إن بعض
قرارات الكتابة لا بد ارتبطت بالميزانية الضحلة التي تتبدّى على الشاشة
خصوصا لناحية الشخصيات غير المتكاملة. ما يبرز رغم كل شيء هو ذلك الحس
الشعري الذي تحاوله المخرجة رغم حدود خبرتها وضعف اختياراتها من المشاهد.
بلا إثارة
* وإذ خرج لبنان الأكثر حضورا بجائزة رئيسية واحدة، فإن أكثر الرهانات
تضررا هو ذاك الذي تمحور حول فيلم «بيروت في الليل»، ثالث أفلام المخرجة
دانييل عربيد الروائية الطويلة وأكثرها تقصيرا في خدمة المطلوب.
إنه نوع من الأعمال الذي كلّما شاهدت شيئا منه تتساءل: أهذا كل شيء؟.
في النهاية حين يختتم بصورة إحدى الشخصيات مقتولة ينتفض السؤال مجددا: أهذا
كل شيء؟
حسب وصف المخرجة فإن «بيروت بالليل» فيلم جاسوسي وهي قالت: «هذا
الفيلم هو فيلم من نوع (Genre)
الجديد على السينما العربية»، ليس أنها حذفت تاريخا حافلا للسينمات المصرية
واللبنانية والسورية وقدر من السينمات الأخرى، بل يتبدّى سريعا أن ما يؤسس
لفيلم «نوع» غير موجود. فيلم «النوع» ليس مجرّد قرار بتقديم فيلم «تشويقي»
أو «تجسسي» أو «بوليسي» بل إيجاد العناصر الصحيحة كتابة وتصويرا.
على صعيد المشاهد الجنسية التي أريد لها أن تكون مفتاحا لغزو الجيوب
فإن الفيلم لا يحتوي على حب بقدر ما هو مضاد للحب. هويّة العلاقة بين
الفتاة اللبنانية زهى (دارين حمزة) والمحامي المشتبه به ماثيو (شارل برلينغ)
مبرمجة لتؤدي وظيفة المشاهد العاطفية التي ربما هي جريئة، بل جريئة من دون
شك، لكنها عاجزة عن الإثارة والإفصاح عن كنه ذلك الحب العشوائي الذي وقع
حين تصادم الاثنين في معبر الحياة. هو في بيروت لسبب ينتهي الفيلم دون أن
يفصح عن حقيقته، وهي مغنية تتخلّى عن صديقها حين تتعرّف على الفرنسي ثم
تبكي رحيله وتضحك لعودته وفي الحالتين تشترك، رغم حبّها له، في الإيقاع به
في يدي جهاز ما من الأمن العام يريد التحقيق معه حول السبب الذي من أجله
يعيش في لبنان ولماذا يود البعض قتله. يتبيّن أن هذا البعض يهدده لأن شيعيا
لديه دليل على كيفية وقوع الانفجار الذي أودى بالمرحوم رفيق الحريري وكل ما
يطلبه هو فيزا لفرنسا قبل أن يقتله أولئك الذين يريدونه أن يصمت. لا نعرف
من هم لكننا نتكهّن أنهم قد يكونون رجال حزب الله. المشكلة ليست في أن
الفيلم لا يقول الأشياء صريحة، بل إن مواربته تتمخّض عن قدر أقل من المطلوب
لضمان أي عنصر تشويقي. وبما أن الفيلم لا يريد وضع أي نقطة فوق أي حرف، فإن
هذا الجهد بأسره يتبخّر سريعا.
أهم جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي العربية المهر العربي -
الأفلام الروائية
* جائزة أفضل فيلم «حبيبي رأسك خربان» المخرج: سوزان يوسف - فلسطين،
الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «الجمعة الأخيرة» المخرج: يحيي العبدالله
- الأردن، الإمارات العربية المتحدة
* أفضل ممثل«الجمعة الأخيرة» ممثل - ممثلة: علي سليمان - الأردن،
الإمارات العربية المتحدة
* أفضل ممثلة «حبيبي رأسك خربان» ممثل - ممثلة: ميساء عبد الهادي -
فلسطين، الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة
* أفضل سيناريو «شي غادي وشي جاي» كاتب سيناريو: حكيم بلعباس - المغرب
* أفضل مونتاج «حبيبي رأسك خربان» مونتير: سوزان يوسف - فلسطين،
الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة
* أفضل مونتاج «حبيبي رأسك خربان» مونتير: مان كيت لام - فلسطين،
الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة
* أفضل تصوير «شي غادي وشي جاي» مصور: رافاييل بوش - المغرب
* أفضل موسيقى «الجمعة الأخيرة» مؤلف موسيقي: الإخوة جبران - الأردن،
الإمارات العربية المتحدة المهر العربي - الأفلام الوثائقية
* الجائزة الأولى «القطاع صفر» المخرج: نديم مشلاوي - لبنان، الإمارات
العربية المتحدة
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «حلبجة - الأطفال المفقودون» المخرج:
أكرم حيدو - ألمانيا، العراق، سوريا
* الجائزة الثانية: «هنا نغرق الجزائريين- 17 أكتوبر 1961» المخرج:
ياسمينة عدي - فرنسا
* شهادة تقدير «لا خوف بعد اليوم» المخرج: - تونس المهر العربي -
الأفلام القصيرة
* الجائزة الأولى «الطريق إلى الجنة» المخرج: هدى - فرنسا
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «حرّاقة» المخرج: فريد بن تومي، فريد بن
تومي - فرنسا
* الجائزة الثانية «أرض الأبطال» المخرج: ساهم عمر خليفة - العراق
* شهادة تقدير «مكان يُعاد» المخرج: وجدي اليان - لبنان
* شهادة تقدير «زفير» المخرج: عمر الزهيري - مصر
المهر الإماراتي
* الجائزة الأولى «أمل» المخرج: نجوم الغانم - الإمارات العربية
المتحدة
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «أطفال» المخرج: محمد فكري - الإمارات
العربية المتحدة
* الجائزة الثانية «آخر ديسمبر» المخرج: حمد الحمادي - الإمارات
العربية المتحدة
* شهادة تقدير «لندن بعيون امرأة محجّبة» المخرج: مريم السركال، مريم
السركال - المملكة المتحدة
الشرق الأوسط في
15/12/2011 |