لافتة ومثيرة بنشاطها وحيويتها الدائمة، إنها امرأة وفنانة من الزمن
الجميل، لا نعرف إذا كانت استمدت القوة من اسمها أم أن اسمها استمد منها
قوتها، إنها المسرحية والتلفزيونية والسينمائية اللبنانية نضال الأشقر،
نضالها في ثباتها، في ظل زمن اختلفت فيه مفاهيم الفن، كان لها شراكات فنية
مع عدد من الفنانيين العرب والبنانيين، وأسست مسرح “المدينة” الذي تقول
عنه: “إنه صرح لابد أن يظل حاضرا”، خلال حضورها مؤخراً مهرجان أبوظبي
السينمائي وكان معها هذا الحوار .
·
كيف وجدت مهرجان أبوظبي
السينمائي؟
- مجيئي إلى أبوظبي نابع من رغبتي الشديدة لأن هذا
المعلم الثقافي العربي، كما يعد المهرجان فرصة لمشاهدة الأفلام والفنانين
وصناع الأفلام والناس، كما أننا في “مسرح المدينة” في بيروت، نسعى دائما
إلى دعوة الموهوبين في العالم العربي سواء مخرجين أم ممثلين أم مسرحيين
وهذا يجعل وجودي ذا مغزى في هذا المكان، خاصة أنني منذ ما يقارب سبع سنوات
لم ازر أبوظبي، ما جعلني اتشوق إلى تلبية الدعوة، إلا أنني أتردد على دولة
الامارات بشكل مستمر، فقد أحييت أمسيات شعرية في دبي وكان لي حضور مسرحي في
الشارقة .
·
ما سر الاهتمامات المتنوعة لديك
بين المسرح والتلفزيون والسينما؟
- اعتقد أن الأمر هو اهتمام ثقافي، أحب الكتاب
وأستمتع بالقراءة ومشاهدة الأفلام وبمسرحي أسست المسرح في بيروت وأمثل
وأخرج مسرحيات، وهذا عمل أقوم به على عاتقي، خاصة أننا لا نملك الدعم
المادي من الدولة اللبنانية، واعتقد أن هذا عبء في ظل عدم وجود الدعم، فعلى
عاتقي حمل مسؤولية هذا الصرح المسرحي الذي أود له الاستمرارية .
·
حفاظك على هذا الصرح المسرحي
الذي قمت بتأسيسه إلى أين يأخذك؟
- اعتقد أن المسرح هو لا يزال الفن الوحيد الذي
يقدر أن يجعل المتلقي يرى الفنان لحماً ودماً، فيطرح عليه موضوعات شيقة
وطبعا أتحدث هنا عن المسرح الجيد، فرغم كل الأجهزة التقنية والوسائل
الجماهيرية التي جعلت الناس تتلقى المضامين في بيوتها، يظل للمسرح سحره
ورونقه وما يعطيه لا يمكن أن تضاهيه فيه أي وسيلة، وهذا ما يجعل المتلقي
يذهب إلى المسرح ليرى الفنان، وأشبه المسرح الحديث بالرغيف الساخن الذي
يلتهمه الفرد وقت نضوجه، فالنص والإخراج والتمثيل والموسيقا والمكان
والموضوعات المتنوعة كلها في المسرح، فالمسرح هو محطة انطلاق الفنان
الحقيقي، كما أنه يمنح الفنان لمس وقع كل ما يقدمه من تفاعل الجمهور لحظة
بلحظة، وهذا ما يميزه عن وسائل الاتصال الأخرى .
·
هل هذا هو سر انطلاق الفنانين من
المسرح؟
- المسرح بالنسبة إلى الفنان هو المدرسة وجعبة
المعرفة التي يحملها أينما ذهب .
·
لماذا نشهد ضعفا في الحركة
المسرحية في الوطن العربي عموما؟
- لأن المسرح على الشكل الأوروبي الذي عمره مئات
السنوات في العالم، بدأ متأخرا لدينا في ما يقارب أواخر القرن التاسع عشر،
وفي لبنان بدأ بدخول مارون النقاش اليه، بينما كان لدينا وجه آخر للمسرح،
كالحكواتي والقراقوز وسرد القصة وتلاوة الشعر، فكل ما يقدم على المنصة هو
مسرح، وليس بالضرورة أن يكون على طريقة المسرح الأوروبي، ولكن لا يمكننا أن
ننكر أن المسرح الأوروبي أصبح مدرسة شعبية، تستعمل تعبويا وبالطريقة
المبتذلة والتجارية، لكن المسرح هو كل ما ذكرنا سويا، فهو تجارة وصناعة
وثقافة، وهذه الخلطة اذا نجحت فهي تثمر نجاحاً مبهراً .
·
ما رأيك في مسرح الثورات
العربية؟
- كل ما عبرت عنه الشعوب من غناء وتمثيل واستعراض
خلال الثورات هو مسرح، فالحاجة أم الاختراع، والشعوب اخترعت فن الردات
والأغنيات الحية والشعر الشعبي، وأجملها ما شاهدته في مصر، حيث كانت روح
النكتة طاغية على الثورة، وهذا أمر رائع لا أعتقد أنه حصل في التاريخ، ولم
يتصور احد أن ينهض المصريون وقفة واحدة فلم تشبه وقفتهم أي شيء في العالم
ولا في تاريخهم، كما لا يمكن نكران فنون اخرى نبعت من الثورات كفنون الرسم
والابتهالات والفكاهة، حيث منحت تلك الثورات الشعب القدرة للتعبير عما
بداخله من خلال تلك الفنون، فيصنعون من الضعف قوة، أما في لبنان فالوضع
مختلف أيام الحرب الأهلية لأن الشعب لم يكن في ظل الحرب قادراً على أن يقوم
بما قامت به الثورات العربية اليوم لأنها حرب أهلية، لكن الجميل أنه اليوم
وبعد اكثر من عشرين عاما بدأت ردود الفعل تظهر لدى الشباب اللبناني الذي
كان حين الحرب في سن الطفولة، فبدأوا يعبرون عن ذواتهم شعرا وكتابة وأدباً
ومسرحاً وموسيقا .
·
المتعارف بين الناس أن هناك حرية
اعلام في لبنان، فكيف تنظرين للأمر؟
- هذه نظرة خاطئة بشدة، فالدولة اللبنانية ارتكبت
أكبر خطا بسماحها لهذا العدد من القنوات الموجودة في لبنان، ففي اكثر الدول
تحضرا وانفتاحا وحريةً لا نجد اعلاما كإعلام لبنان، فهذا الكم من القنوات
عمل على تشتيت الناس، فلا يوجد قناة برغم كل هذا الكم من القنوات تقدم
معلومات واخباراً مسؤولة، ورغم ذلك لا توجد لدينا حرية تعبير، والدليل على
ذلك أنه لا يوجد لدينا مسرحية نود تقديمها على المسرح لا تخضع للرقابة،
بينما عشرات القنوات لا أحد يراقبها في لبنان، ويقدمون على شاشاتها مادة من
التعصب وبعض المواد لا تخلو من الابتذال، بينما ينتقدون المسرح لأنه يقدم
صورة اخرى عن واقع آخر، فمن الواقع نبتكر واقعاً فنياً ثقافياً يعبر عن
الواقع بطريقة اخرى، فالمسرح يحمل التغريب، وأعود وأقول إنه من المضر جدا
أن يكون للبنان كل هذا العدد من القنوات، فلا يوجد قناة واحدة للشعب، تأخذ
الخبر من مصدره، فكل قناة تشوه الخبر وتنقله بحسب رؤيتها .
·
تحدثت عن الرقابة في المسرح، فهل
تشكل هذه الرقابة تحديا لديكم؟
- بالتأكيد، لأنهم يضطرونا لأن نتحايل عليها، ولكن
المثير أن هذه الرقابة تابعة للأمن العام في الدولة، بينما الامن يقول إنه
ليس المسؤول عن أي منع إنما رئيس هذه الطائفة أو تلك، فهؤلاء هم الذين
يديرون ذائقة الناس .
·
لماذا في رأيك هناك رقابة مسرح
ولا رقابة اعلامية تلفزيونية؟
- لأننا في المسرح برغم أن مشاهديه لايصلون إلى
عدد مشاهدي التلفزيون، هم يخشون المسرح لأنه يقدم صورة واقع بطريقة فنية
مبتكرة وجميلة، فلا يجوز أن يكون الأمن العام هو المراقب، ولا يجوز من
الأساس أن تكون هناك رقابة، لأننا لو وددنا في يوم أن ننهض فعلا بعالمنا
العربي فيجب أن تكون لدينا حرية حقيقية وليس فوضى .
·
دوما ما تتحدثين عن أن ما ينقص
العالم العربي هو الثقافة، لماذا؟
- لأنني أرى أنه لدينا كم محدد من مناهل الثقافة
مفروض علينا أن ننهل منه، فلا يوجد حرية في العالم العربي، ونريد في الوقت
ذاته أن نحرر ذواتنا وعلى الدول أن تحرر ذواتها، ليستطيع الشعب أن يعبر عن
نفسه، ولا أجد أن هناك من يقدر أن يعطينا شيئاً فنحن من يجب أن يفعل، ونحن
بدورنا نواظب على مسؤولياتنا كأفراد، ولا أزال اتمنى أن أرى دولة عربية
واحدة تأخذ الثقافة أولوية لبناء الإنسان، فأغلب ما يقدم اليوم من تلفزيون
ومسرح وسينما هو في الحقيقة لإخفاء واقعنا الحقيقي .
·
وكيف تنظرين إلى السينما
اللبنانية حاليا؟
- هناك نهضة مهمة جدا في السينما اللبنانية، وهذه
السينما نهضت بجهود شباب موهوبين جدا، قادرين على خلق فنون الأفلام القصيرة
والطويلة الروائية والوثائقية .
·
لماذا لا نشهد هذه النهضة في
الاعمال التلفزيونية اللبنانية؟
- قد يكون السبب لأن المسلسلات السورية سبقت
اللبنانية والمصرية، فأثبتت براعتها سواء كانت تاريخية أم درامية، ولا شك
في أن هناك مسلسلات سورية فشلت، لكن الأغلبية هي مسلسلات ناجحة، فقد
اكتشفوا أنه كلما أتقنوا العمل كلما اشترته دول اكثر، لكن في لبنان أعتقد
أن فكرة التاجر هي المستحوذة، اما المسلسلات المصرية فقد شعرت بالتحدي
وبدأت تستعيد قوتها، ولذلك نشهد في لبنان نهضة مسرحية لأن القائمين على
المسرح أشخاص كونوا مسرحا خاص، والسينما ايضا أقامت بسواعد فردية لشباب
موهوب، أما التلفزيون فيحكمه تاجر .
·
وعلى ماذا تعكفين حاليا؟
- أقوم على فكرة عمل عبارة عن مشهدية احتفالية
مسرحية كبيرة، فكرتي واخراجي ونسقها وجمعها الشاعر والاديب والاعلامي عيسى
مخلوف، مرتكزة على نصوص قديمة بمرتبة رسالة حضارية موجهة للعالم، أحاول من
خلالها أن أقدم التاريخ والحداثة وهي عبارة عن مسرح احتفالي لا أود الخوض
في تفاصيله الان، وسأبدأ العمل عليها العمل عليها العام 2012 وتعرض في 2013
كما اسعى في الفترة الحالية لأعقد شراكات مع شركاء من العالم العربي، الهدف
منهم اكمال مسيرتنا المسرحية مع بعضنا بعضاً .
الخليج الإماراتية في
29/10/2011
فيلم"المزاج".. والموسيقى التي وحدت بين البشر
أمير
العمري
من أجمل الأفلام الوثائقية التي عرضت
في الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي الذي اختتم
مؤخرا فيلم "المزاج"
El Gusto
للمخرجة الجزائرية صافيناز بوصبايا من الانتاج المشترك بين الجزائر
وايرلندا
والامارات.
هذا الفيلم البديع يبدأ من حي القصبة الشهير في العاصمة الجزائرية،
الذي شهد مولد وترعرع فن الغناء الشعبي الذي يسمى في الجزائر بـ"الشعبي"،
حتى عند
الحديث عن تلك الموسيقى المميزة التي تجمع بين التراث الأندلسي والتراتيل
الدينية
الاسلامية والغناء البربري والعربي.. وهو الفن الغنائي الذي
ولد على يدي مؤسسه
ورائده الحاج محمد العنقا.
مخرجة الفيلم تقوم بزيارة الى حي القصبة في عام 2003
لشراء مرآة من أحد المحلات، وهناك تكتشف أن صاحب المحل كان أحد أعضاء فرقة
الحاج
العنقا ولايزال يحتفظ بالكثير من الذكريات التي ترتبط بهذا اللون من الغناء
الذي
يدور حول التغني بحب الوطن وحب الناس والخير والجمال وكل القيم
النبيلة، كما يتغنى
بالشجاعة والاقدام والرجولة.
من هذا المدخل تسعى مخرجة الفيلم نحو رحلة شاقة
لاعادة اكتشاف هذا الفن الذي تعيش في داخل وينتقل اليها الولع
به، عن السعي للوصول
الى أعضاء الفرقة ومنشدي الغناء الشعبي الذين تفرقت بهم السبل بين الجزائر
وفرنسا،
ولم يجتعوا معا منذ 50 عاما، أي منذ استقلال البلاد.
هذه الرحلة التي تسعى
خلالها المخرجة إلى لم شمل أعضاء الفرقة الأسطورية، تأخذنا إلى رحلة أكثر
عمقا، إلى
الجزائر كما كانت بالأمس، قبل الاستقلال، وبعده مباشرة، وما شهدته من
متغيرات عميقة
تركت ندوبها على ذاكرة أجيال من الجزائريين الذين كانوا يعيشون معا في وئام
وسلام
وحب يجمعهم ذلك العشق للغناء الشعبي، أو ذلك الفن الرفيع الذي
يقوم على "المزاج"
الرائق.
هذا ليس فيلما بسيطا من الأفلام ذات المستوى الأحادي، يهدف فقط الى
تقديم هذا اللون الغنائي الذي يستمد خصوصيته من خصوصية المكان الذي نشأ فيه
أي من
حي القصبة في الجزائر، ذلك الحي الذي كانت تعيش فيه الأغلبية
من السكان العرب في
زمن الاستعمار الفرنسي، بينما كان محظورا دخول الحي الفرنسي الذي يتمتع بكل
الخدمات
على الجزائريين. وبعد الاستقلال فقدت القصبة الكثير من رونقها وسحرها كما
نرى من
خلال الفيلم.
تاريخ فن الغناء الشعبي يتدفق من خلال الذكريات الحميمية التي
نستمع اليها على لسان الشخصيات التي تلتقي بها المخرجة عبر بحثها عن أفراد
الفرقة.
لكننا نتابع من خلال الصور واللقطات الذكية كل ما يتعلق بالقصبة بل
وبالجزائر
العاصمة أيضا: ساحاتها الشهيرة، وحوانيتها، أزقة القصبة الضيقة ومنعرجاتها
المرتفعة
فوق الجبال، فتحات النوافذ، الحفر المنتشرة في الطرقات، البيوت
المتلاصقة، الدكاكين
الصغيرة.
إنه فيلم "نوستالجي" بلاشك، يبرز فيه الماضي بقوة على حساب الحاضر.
ففي
ذلك الماضي، كما نستمع ونرى من خلال بعض الوثائق المصورة، كانت الموسيقى
توحد بين
افراد الفرقة من عشاق الشعبي، من المسلمين واليهود الجزائريين.
الكاميرا
تتسلل وتمضي في حركة لا تتوقف طوال الفيلم، تنتقل من الساحات الى المنازل
الى
المباني التاريخية، الى الأماكن القديمة لبيوت لم تعد قائمة، الى حيث كان
يوجد
المعبد اليهودي (الذي يطلق عليه الجميع في أحاديثهم في الفيلم
"جامع اليهود") ..
الى لقطات الأرشيف بالأبيض والأسود، التي تعيد رواية قصة الجزائر الحديثة:
كيف بدأ
النضال المسلح بقيادة جبهة التحرير، وكيف أعلنت الجبهة منع تناول الخمور
واغلاق
الحانات وبيوت الدعارة وحظر تناول المخدرات.. وكيف انعكست
أعمال العنف على نشاط
الفرقة، وكيف كان طبيعيا أن يتعاون أفراد الفرقة مع الجبهة ويلتزموا
يتعليماتها
بعدم الغناء للفرنسيين والكف عن الغناء في الأعراس، بل وكيف نقل محمد
العنقا الثورة
الى أغانيه وألحانه من "الشعبي" بحيث أصبحت هناك كلمات
"شيفرية" تستخدم بشكل رمزي
يعرفه الجزائريون في الاشارة الى الثورة التي يتم تمجيدها في
تلك الأغاني.
من
الخمسينيات الى الستينيات وإلى اعمال التفجيرات التي كانت تشنها الجبهة ضد
تجمعات
الفرنسيين في الجزائر العاصمة، وما نتج عن هذا من تعقب بعض أفراد الفرقة بل
واصابة
بعضهم اصابات بالغة أيضا لاتزال آثارها قائمة حتى يومنا هذا.
تنتقل صافيناز
بوصبايا أيضا الى فرنسا، والى باريس، تتسلل داخل المعبد اليهودي، تلتقي
بأعضاء
الفرقة من اليهود الجزائريين هنا وهنا، يروون لها كيف وحدت الموسيقى بينهم
وبين
اخوانهم المسلمين، وكيف كان الجميع يشعرون بالألفة في "الوطن" قبل أن تبدأ
عمليات
التهجير القسري أو الهجرة الاختيارية بعد أن تغيرت الأمور والأحوال، ونشأ
مجتمع
جديد بعد الاستقلال.
فيلم "المزاج" ليس فيلما عن الانتصار والاستقلال فقط بل هو
أيضا عما فقدته الجزائر بعد الاستقلال، عن التشتت الذي نتج، عن خروج الكثير
ممن
يحبون الجزائر، والذين لعبوا دورا بارزا في اقتصادها ونموها من
قبل، وكان يمكن
استيعابهم والاستفادة من تلك التعددية الثقافية في بناء الجزائر الحديثة.
إنه
فيلم عن روح الموسيقى التي توحد القلوب والعقول في حب الوطن، والتي لا تزال
تعيش في
ذاكرة الجميع من أبناء ذلك الجيل الذي تجاوز السبعين والثمانين من عمره.
ولا
يتوقف الفيلم عند تلك الأحاديث الممتدة في الزمان والمكان (هناك شخصية
مصطفى تهمي
أحد أعضاء الفرقة الذي يجوب بسيارته شوارع العاصمة يروي كيف التحق هو وباقي
اعضاء
الفرقة بمعهد الموسيقى (الكونسرفاتوار) الى جانب ذكريات أخرة
عديدة عن رفاقه وعن
ماضي العاصمة)..
المخرجة تسعى
الى جمع أفراد الفرقة وتنجح في النهاية في تنظيم حفل موسيقي كبير يشاركون
فيه جميعا
مع مجموعة من الشباب الذين ورثوا حب هذا الفن الشعبي الجميل.
افراد الفرقة من
الكهول الجزائريين يأتون من الجزائر عبر البحر الى مارسيليا، وهناك يكون في
استقبالهم أصدقاؤهم الذين لم يلتقوا بهم منذ خروجهم قبل خمسين عاما، حيث
يلتئم شمل
الجميع، ثم يستعيدون تألقهم في العزف والغناء في ذلك الحفل الكبير في
مارسيليا الذي
يؤمه آلاف الجزائريين في المهجر، يرقصون ويتمايلون على أنغام الشعبي.
إن من يعرف
هذا اللون من الموسيقى الجزائرية الخاصة سيسعده كثيرا أن يستمع الى مجموعة
من أجمل
ما في تراث "الشعبي" من أغاني الشيخ العنقا، ومن لا يعرفه سيكتشف كيف أن
هذه
الموسيقى هي عن حق "موسيقى الروح".. روح القصبة، عاصمة الشعب التي كانت
وأظن أنها
لاتزال، تلهم أجيالا من الشعراء والفنانين في الجزائر رغم كل شيء.
إن فيلم "المزاج" El Gusto
الذي يقع في 88 دقيقة، عمل كبير، يمزج بين الحركة والموسيقى،
وبين الغناء والذكريات، بين الماضي والحاضر، وبين زمن الأبيض
والأسود وعصر الألوان،
رسالته الحب والتفاهم بين البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية
والعرقية،
فالرسالة التي تصل الينا من هذا الفيلم البديع، هي رسالة حب وتفاهم. نعم
هناك
الكثير من الحنين إلى الماضي، ولكن الماضي هنا ليس مقصودا
لذاته بل لقيمه
وايجابياته التي ذهبت مع كل ما هب على الجزائر من رياح خلال الخمسين عاما
الأخيرة.
هل هناك أي
نوع من الحنين الى زمن الاستعمار يكمن بين طيات هذا الفيلم؟ أستطيع الاجابة
بكل
وضوح بالقول إن مخرجة الفيلم التي تتمتع بنضج سياسي واضح، لم تقع في هذا
المطب بل
استطاعت أن تجعل فيلمها متوازنا من حيث رؤيته، كما هو متوازن
في بنائه الفني، وأن
تربط بين مفاصله وأجزائه الموسيقى والأغاني.
إنه الشعر الكامن تحت جلد الصور
واللقطات، هو ما يرتفع بالفيلم الى مستوى الأعمال الإنسانية
الكبيرة. إنه باختصار "متعة
خالصة" للعين وللأذن.
الجزيرة الوثائقية في
27/10/2011 |