ما الذي سيجمع بين أصغر فرهادي، وفيم فاندرز؟ قد تكون الإجابة إنها
السينما، لكن كما سيتبدى في ما يلي فإن فيلميهما موجودان في «أبوظبي
السينمائي»، وكلاهما عُرضا للمرة الأولى في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين
السينمائي، وهما الآن في عرضهما الأول في العالم العربي، والسؤال الذي
بدأنا به على علاقة بكون فيلم فرهادي يشكل استكمالاً لصنيعه الدرامي
المميز، وتقديمه قصصاً لها أن تختزل واقعاً وشرائح اجتماعية تتمازج جميعاً
في سياق تلك القصص، بينما يمضي فاندرز خلف الرقص في أعتى تجلياته وهو يوثق
لأسطورة الرقص «بينا باوش»، واجداً في النهاية مع التقنية ثلاثية الأبعاد
خلاصه من بحثه المضني على مدى سنوات طويلة عن أدوات تعبيرية لها أن تنقل ما
كانت عليه رقصات بينا.
عُرف فرهادي مع فيلمه «عن إيلي» 2009 ونيله عليه جائزة الإخراج في
البرليناله، وليس جديده «انفصال نادر وسيمين» إلا استكمالاً لما بدأه في
ذلك الفيلم من خلال نبش المجتمع الإيراني، وإضاءة التناقضات التي تعيشها
الشخصيات في تكثيف له أن يحمل سمة اقتطاع ملامح رئيسة من الحياة الإيرانية
المعاصرة في سياق درامي تصاعدي على الدوام.
إن كان فرهادي قد وجد متكأ له من خلال قصة اختفاء امرأة في رحلة
لمجموعة من الأصدقاء إلى بحر قزوين في «عن ايلي» فعلينا مع جديده أن نضع
العنوان نصب أعيننا أي «انفصال نادر وسيمين»، بمعنى أن هذا الانفصال لن
يكون نهاية علاقة زوجية فقط، بل سيكون نقطة انطلاق نحو أزمات شخصية متعلقة
بالثقة والعادات والفوارق الاجتماعية، والصراعات الفكرية وغير ذلك، مما
يستحضره هذا الفيلم الذي نال الجائزة الكبرى في برلين ،2011 وجائزة التمثيل
الرجالية والنسائية أيضاً لكل من بيمان موعدي الذي جسد شخصية نادر وليلى
حاتمي التي لعبت (سيمين).
سيكون اختفاء إيلي لغزاً لكن بالمضي مع هذا اللغز نحو كل من يحيط به،
فهي المرأة العزباء الوحيدة بين مجموعة من العائلات، في مقابل شاب له أن
يكون في بحث عن زوجة، اختفاؤها سيعري الجميع، سيضيء الكذب بوصفه ملحاً
يومياً في حياتنا، وأقول حياتنا لأن المقاربة تطال المجتمعات العربية أيضاً
التي تتشابه وتتقاطع تماماً مع ما يحمله الفيلم، وصولاً إلى الإزدواجية
ووضع الأحكام المسبقة على المحك.
فعل التعرية السابق بخص الطبقة الوسطى الإيرانية، بينما في «انفصال
نادر وسيمين» سيكون الصراع بين طبقتين وسطى ودنيا، قيم الأولى في مواجهة
الثانية، وكلاهما لا يمكن ادانتهما، إنهما ورثة تلك القيم مهما بدا الصراع
على أشده معها.
تصعيد الأحداث في فيلم «انفصال نادر وسيمين» يمضي في توالد مدهش، كل
شيء يبدأ مع هذا الانفصال وعلى الفيلم أن يتتبع ما سيصل إليه حتى النهاية،
واستجماع كل ما سيحيط بهذا الانفصال، الذي له أن يبدو عادياً ونحن نرى
(سيمين ونادر) أمام القاضي الشرعي من دون أن نرى القاضي، بل تكون زاوية
الكاميرا هي زاوية رؤية القاضي، لكن وبعد هذا الانفصال الذي لا يبدو
نهائياً سنكتشف بأن (نادر) سيكون وحيداً في رعاية والده المصاب بالزهايمر،
وسيلجأ إلى خادمة ستنقل الفيلم إلى مستوى آخر من الصراع الدرامي، حيث
الاتصال هنا سيكون بين ما يجسده (نادر) بوصفه من الطبقة الوسطى مع أفكاره
الليبرالية وإصراره أن يبقى في طهران، بينما (سيمين) تتطلع إلى مغادرتها،
والخادمة المنتمية لطبقة فقيرة، ستكون بحاجة إلى فتوى تحصل عليها بواسطة
الهاتف لتقوم بمساعدة والد نادر الذي يكون قد بال على نفسه.
الصراع صراعان هنا، إلى أن يقع الحادث الأكثر درامية في الفيلم
المتمثل بعودة (نادر) إلى البيت واكتشافه أن والده وحيد ومقيد بالسرير،
بينما الخادمة خارج البيت، وعليه يطردها وهي تسأله أن يعطيها المال فيتهمها
بأنها سارقة ومن ثم يدفعها خارج البيت، الأمر الذي يضعه أمام تهمة التسبب
بإجهاض جنينها.
هنا سينتقل الفيلم إلى مستويات وطبقات من المشكلات والمآزق، مع دخول
زوج الخادمة على خط الأحداث، وهو عاطل عن العمل بينما زوجته من تعمل لكن في
بيت فيه رجل مطلّق وهنا يحضر المحرّم، وصولاً إلى ملابسات الدعوة التي
تقيمها الخادمة وزوجها عليه لكونه تسبب في إجهاض الخادمة.
البنية الدرامية سابقة الذكر ستكون محكمة بشكل مدهش مع استيفاء كل
العناصر، الأحداث متتابعة بتوالدية استثنائية، وحين يكون الحوار حاضراً
فإنه درامي ومكثف، ولكل شخصية أن تقول لنا كل ما هي عليه بأفعالها وردود
أفعالها وكل شيء على المحك، ثم ماذا علي أن أقول، أليس في ذلك ما يدفعني
للقول إن الفيلم درس في الدراما واستثمارها، هذا حقيقي جداً.
وبما أن حديثي السابق درامي تماماً، فإن انقلاباً دراماتيكياً سيحدث
الآن بالانتقال إلى فيلم فيم فاندرز «بينا» المعروض ضمن برنامج «عروض
عالمية»، فنحن هنا لسنا في صدد «باريس/ تكساس» 1984 الذي نال عليه فاندرز
«سعفة كان الذهبية»، ولا بشيء شبيه بما قدمه في ثلاثية أفلام الطريق، ولا
حتى «أليس في المدن» وغيرها، وصولاً إلى آخر أفلامه «باليرمو شوتينغ»، قبل
«بينا» حيث ذاك المصور وهو يلتقط صوراً لملاك الموت.
في «بينا» نحن حيال شيء جديد تماماً، ليس الرقص وتوثيق مقطوعات ولوحات
بينا باوش فقط، بل توظيف الأبعاد الثلاثة في الاطباق على روح تعبيرية باوش
التي توفيت قبل مشاهدة هذا الفيلم، وهنا سيكون السعي لتوصيف الفيلم صعباً
للغاية، ولعل الأفضل الدعوة إلى حضورها لكل من يريد أن يحظى بفرصة التمتع
برحلة بصرية استثنائية حافلة بكل شيء، مع العلم بأن قرار فاندرز بأن يمضي
نحو الأبعاد الثلاثة جاءه حين مشاهدته فيلم عن فريق الروك
U2
عام 2007 وحينها فقط ايقن بأن هناك ما يمكن أن يصنعه في هذا الخصوص، وهـو
يتفق مع باوش على المقطوعات التي على فيلمه أن يحملها، وليأتي الفيلم
بمثابة تمازج فذ بين السينمائي والمسرحي، بين المواقع الداخلية الممسرحة
للتصوير، وتلك الخارجية منها، حاملاً «كافيه مولر» و«طقوس الربيع»، وغيرهما
من مسرحيات راقصة قدمتها باوش.
كل تلك العناصر ستجتمع في الفيلم لنكون حيال قطعة فنية منحازة للجمال،
وعناصره ستكون الرقصات والراقصين أنفسهم، ومن ثم إن فاندرز سيكون بمثابة
البعد الثالث للفيلم بناء على حديثه في أكثر من مناسبة من أن الأبعاد
الثلاثة جعلته يتقاسم الحيز الجمالي للرقص مع الراقصين، بعيداً أن يكون
مراقباً بل منغمساً تماماً بالرقصات والموسيقى والألوان المتناغمة
والمتصارعة أحياناً.
فيلم «بينا» دعوة جمالية للتمتع بما لا نحظى بمشاهدته في دور عرضنا
المحلية، وخروجاً عن أفلام ثلاثية الأبعاد نشاهدها كل أسبوع ولا نعرف لم هي
ثلاثية الأبعاد أساساً.
الإمارات اليوم في
17/10/2011
فرهادي يفوز بجائزة «مخرج الشرق الأوسط»
أبوظبي ــ الإمارات اليوم
أعلن مهرجان أبوظبي السينمائي فوز المخرج الإيراني أصغر فرهادي،
بجائزة «مخرج الشرق الأوسط» لهذا العام.
وقال المهرجان في بيان صحافي، أمس، إنه سيسلم الجائزة لفرهادي يوم
الخميس المقبل، ليكون المخرج الرابع الذي يحوز هذه «الجائزة التقديرية في
المهرجان».
ولفرهادي (39 عاماً) أفلام منها: «الرقص على الغبار» عام ،2003 و«عن
ايلي» عام ،2009 ونال جائزة «الدب الفضي» لأفضل مخرج في مهرجان برلين، و
«انفصال نادر وسيمين»، الذي يشارك في مسابقة مهرجان أبوظبي هذا العام،
ويعرض مساء الخميس المقبل، وسيمثل إيران عام 2012 في جائزة الأوسكار
للأفلام الناطقة باللغة الأجنبية. وقال البيان إن «انفصال نادر وسيمين» عرض
للمرة الأولى في مهرجان برلين وحقق «نجاحاً تاريخياً، إذ نال جائزة أفضل
فيلم، وحظي بطله وبطلته بجائزة التمثيل، وهو إنجاز لم يحققه أي فيلم إيراني
من قبل في مهرجان غربي».
وتدور قصة الفيلم حول صراع عائلة علمانية من الطبقة الوسطى مع عائلة
فقيرة متدينة في ملاحقة لأسئلة متعلقة بالعدالة والحقيقة والشرف. ويسلط
الضوء على تعقيدات وتناقضات المجتمع الإيراني المعاصر.
الإمارات اليوم في
17/10/2011
ندوة «أبعد من هوليوود وبوليوود»:
السينما المستقلة في خطر
إيناس محيسن - أبوظبي
دعا موزّعو أفلام وممثلو شركات عالميـة عاملة في مجال العرض
السينمائي، إلى تضافر الجهود للعمل، من أجل دعم السينما المستقلة في منطقة
الشرق الأوسط، والعمل على التوسع في عرض هذه النوعية من الأفلام، عبر نوافذ
مختلفة تخاطب مختلف فئات المجتمع. مؤكدين أنها في خطر وهناك كثيراً من
الصعوبات والعقبات التي تقف أمام هذا النوع من الأفلام، وهو ما يتطلب وضع
حلول غير تقليدية.
وشدد رئيس «باشا بيكتشرز»، فردريك سيشلر، على أهمية فتح نوافذ متعددة
لدعم وتشجيع صناعة الأفلام المستقلة في المنطقة. معتبراً أن مهرجانات
السينما التي انطلقت في السنوات الأخيرة في دبي وأبوظبي ثم الدوحة، كان لها
دور كبير في لفت انتباه العالم إلى حركة طموحة لصناعة الأفلام، كما منحت
هذه المهرجانات فرصة جيدة للمنتجين من الغرب للاطلاع في أيام معدودة على
أفضل ما تم إنتاجه من أفلام في المنطقة، خصوصاً أن هناك اهتماماً من الغرب
بهذه السينما الجديدة، لما تحمله من اختلاف عن السينما العالمية التي باتت
معروفة للجميع.
ودعا سيشلر إلى حث القنوات الفضائية على التوسع في شراء الأفلام
المستقلة لعرضها على شاشاتها، موضحاً أن «المنتج في الغرب يحصل على ما
يراوح بين 50 و60٪ من ما أنفقه على الفيلم من بيع حقوق عرضه لمحطات
التلفزيون، و10٪ فقط يستردها من عائدات العرض في دور السينما، بينما يحصل
على ما يقرب من 20٪من الترفيه العائلي، وهي سوق مفقودة في منطقة الشرق
الأوسط، ويجب العمل على إيجادها والتوسع فيها». كما أشار خلال الجلسة
الحوارية التي عقدت، صباح أمس، في فندق «فيرمونت باب البحر» ضمن فعاليات
الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، تحت عنوان «أبعد من
هوليوود وبوليوود: مستقبل السينما المستقلة في المنطقة»، الدور الكبير الذي
تلعبه أسواق العرض الداخلية في أوروبا لدعم الأفلام المستقلة. لافتاً إلى
أنه لا يمكن تطبيق القواعد والقوانين نفسها التي تحكم السوق في الغرب على
منطقة الشرق الأوسط، فلكل منطقة خصوصيتها.
مبادرة رائدة
وصف سيشلر «صندوق سند»، الذي أطلقته ابوظبي لدعم مشروعات الأفلام بـ«المبادرة
الرائدة»، لما لها من تأثير كبير في دعم صناعة الأفلام، والكشف عن مواهب
شابة وإخراجها إلى النور. كما أشاد بالقرار الذي اتخذته المملكة المغربية
بشراء الأفلام نظير مقابل مالي مرتفع، لعرضها على شاشات التلفزيون.
من جانبه أشار المدير العام لشركة «الكويت الوطنية للسينما»، هشام
الغانم، إلى أن التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة حالياً أثرت بشكل
كبير في توزيع الأفلام في الفترة الحالية، ولدعم سوق السينما اتخذنا قراراً
بشراء الأفلام المصرية، وهي التي تمثل معظم الإنتاج العربي من الأفلام، كما
نسعى إلى عرض هذه الأفلام حتى تصل إلى الجمهور، حتى وإن لم تحقق عائداً
مالياً.
وذكر الغانم أن هناك محاولات لصناعة أفلام في دول أخرى، مثل لبنان
«بعد أن قدمت نادين لبكي فيلماً متميزاً كان مفاجأة سارة للجميع هو «كاراميل»،
وحالياً تقدم فيلمها الجديد «هلق لوين»، الذي شارك في مهرجانات عالمية وحصل
على جوائز. وأيضا في الكويت تم إنتاج فيلم كوميدي في 2009 لاقى نجاحاً
كبيراً، شجعنا للإقدام على تجربة إنتاج أفلام كوميدية أخرى، إذ تم إنتاج
فيلم آخر في عام 2010».
وسلّط الغانم الضوء على تجربة جديدة تم إطلاقها في الكويت منذ عام،
وهي إقامة نادي للأفلام يقدم عروضاً أسبوعية بواقع فيلمين في الأسبوع، وهو
يهدف إلى تعريف الجمهور بالإنتاج السينمائي الجيد، واختيار وخلق ثقافة
سينمائية لدى الجمهور، حيث لا يتعلق الأمر بتحقيق ربح مالي، ولكن بتوصيل
رسالة اجتماعية تثقيفية.
قرصنة
من جانبها، تحدثت المديرة التنفيذية في «فارز فيلم»، ماهي جولتشن
ديبالا، عن السينما المستقلة في الهند، موضحة أن «السينما البوليوودية
الشهيرة ذات الطابع الاستعراضي مازالت هي المسيطرة على الذوق العام لدي
جمهور السينما في الهند، إضافة إلى تعرض الأفلام التي يتم طرحها في السوق
إلى القرصنة، إذ تأتي على أقراص مدمجة ليشتريها الناس ويشاهدونها في المنزل
بدلاً من الذهاب إلى السينما، وهو عائق مهم يقف في طريق صناعة الأفلام». من
جانبه، اعتبر رئيس «فورتيسيمو فيلمز»، مايكل وورنر، أن من أهم التحديات
التي تقف أمام توزيع الأفلام العربية في الخارج، هي النظرة السلبية النمطية
التي تكونت لدى العالم الغربي حول المنطقة العربية والشرق الأوسط، مؤكداً
على ضرورة تطويـر البنيـة التحتيـة لصناعـة السينما في العالم العربي، حتى
نتمكن من تقديم أفلام قادرة على المنافسة، لافتاً إلى أن «هناك نقصاً
كبيراً في عـدد صالات العرض في المنطقة».
الإمارات اليوم في
17/10/2011
عن فيلمي محمد العسلي وفوزي بن سعيدي
« أيادٍ خشنة » و« موت للبيع » في العوالم السفلية
زياد عبدالله - أبوظبي
لا يمكن للأيدي الناعمة أن تبقى كذلك؛ عليها أن تصير خشنة لتعبر إلى
الضفة الأخرى من العالم، وإن كان هناك «حلاق بغداد» و«حلاق سيبيريا» فهناك
أيضاً «حلاق الدار البيضاء» الذي نقع عليه في جديد المخرج المغربي محمد
العسلي «أيادٍ خشنة»، المشارك في مسابقة «آفاق جديدة»، بعد سبع سنوات على
فيلمه الشهير «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء»، الذي كان مفاجأة
السينما العربية حينها، لمخرج يحقق هكذا فيلم بديع في أولى تجاربه الروائية
الطويلة، ولنكون مع جديده حيال من يحلق ولا يحلّق، وتلك الأيادي الخشنة
التي تتعدى ما جاءت عليه بوصفها «فيزا» العبور للعاملات المغربيات إلى
إسبانيا.
مواصلاً نبش الواقع المغربي، يمضي العسلي مع الحلاق مصطفى «محمد
بسطاوي» في تقديم ما له أن يكون أحوال الإنسان المغربي والعربي عموماً في
التأقلم مع الظروف التي أصبحت بمثابة أعراف في الحياة اليومية، وهنا يصحو
مفهوم تحصيل لقمة العيش بالتناغم مع كل الأدوات المتاحة والتي تشكل في
النهاية حالة تواطؤ عام مع فساد له أن يطال كل شيء، وليبقى السؤال كيف قدم
العسلي كل ذلك؟ للإجابة عن ذلك ليس عليكم سوى تتبع الحلاق مصطفى الذي يحلق
لعلية القوم «وزراء وقضاة ومسؤولين كبار»، ونحن نقع عليه يمضي بسيارته
الصغيرة برفقة مساعده وعازف قانون كهل، وما إن يصلوا وجهتهم حتى يبدأ مصطفى
الحلاقة للوزير السابق المقعد، بينما مساعده يقلم أظافره وكل ذلك برفقة
تقاسيم على القانون، بحيث تمضي قصة الشعر بالتناغم مع التقاسيم، ولكن حين
ينتهي من ذلك فإن عمله مع زوجة الوزير سيكون مفتاح حياته، حيث إن الخدمات
التي تقدمها إليه ستكون في الحقيقة مصدر رزقه الرئيس.
الصراع الأساسي في الفيلم سيأتي من جهة جارته «هدى الريحاني» التي
تسعى للحاق بخطيبها في اسبانيا، وبالتالي تلجأ إلى مصطفى ليستصدر لها شهادة
زواج وشهادة ولادة لولدين، مزيفتين، إضافة إلى شرط آخر عليها القيام به
بنفسها، يتمثل بأن تكون يديها خشنتين وهي ليست إلا معلمة في مدرسة بروضة
أطفال، كون هذا الشرط قادماً من مسعى اسبانيا استقدام العمالة الموسمية
التي تعمل في الزراعة، الأمر الذي لا تنجح فيه كون يديها ستثيران شكوك
اللجنة التي تقبل منح التأشيرات، إذ إن يديها تكونان بين الرقة والخشونة،
وكل ما صنعته هو استخدام بعض المستحضرات التي تقشر راحة يديها، وعليه فإن
اللجنة ستطلب منها أن ترى قدميها فتبدوان بمنتهى الرقة، وبالتالي يرفض
طلبها.
في ما تقدم الملامح العامة لما يحمله فيلم «أيادٍ خشنة»، والتي ستجعل
من مصطفى صلة الوصل بين بشر محاصرين بتحصيل لقمة العيش وأولئك الذين يتيحون
لهم كل شيء مقابل المال، أي المسؤولين الحكوميين الذين يفترض أن يقوموا
بخدمتهم، ولعل شخصية مصطفى ستكون مربط خيل الفيلم، كونه حاملاً لكل
التناقضات التي عليه أن يتحلى بها ليواصل العيش، وبالتالي مواصلة كل من
حوله عيشهم أيضاً، طالما أنه يجسر الهوة بين من يتولون شؤونهم ولا يصلون
إليهم إلا عبر وسيط؛ فمصطفى سيكون شهماً وطيباً ولكنه في النهاية يعتاش من
مشكلات الآخرين. وفي جانب موازٍ فإن كل ذلك نخرج به من خلال سياق القصة
التي يقدمها الفيلم التي يطغى عليها التدفق والانسجام، لا بل المرح
والجمال، الصفتان اللتان لا تجري مواراتهما حين يكون الحديث حاضراً عن
الحياة اليومية وسبل التأقلم معها، وصولاً إلى النهاية التي تنحاز إلى الحب
الذي ينشأ بين مصطفى وجارته التي لم تتمكن من الذهاب إلى إسبانيا، ولعل
ألوان الفيلم مغبرة بواقع تمضي في ثناياه قصته، ولكل خطيئته في هذا الفيلم
وصولاً إلى مساعد مصطفى الذي يعمل مخبراً وينفق كل أمواله على رهانات
الخيل، وهنا ومع العسلي لن يكون ذلك خطيئة حين تقع في سياق الحياة اليومية
وظروف ومعطيات منحتها صفات ومسميات تعيد تعريف الخطايا، لنكون حيال
جمالياتها المبتكرة تحت املاءات واقع لا يعرف الرحمة.
في سياق متصل ننتقل إلى فيلم فوزي بن سعيدي «موت للبيع» ضمن أفلام
المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، والذي يجد في تطوان مساحة
لتحركه، وعبر ثلاثة شبان ستكون المخدرات رابعهم، لا بل البطالة والضياع
والتمزق، وصولاً إلى ما يمليه ذلك للوقوع في الخيانة والكذب وغيرهما من
صفات تأتي من وطأة ما يتعرضون له، فهؤلاء الشبان لا يفعلون شيئاً سوى تزجية
الوقت، سينفصلون ويتصلون في النهاية على هدى ما يحيط بهم، وسيكون الخيط
الرئيس للسرد متمثلاً بعلاقة مالك «فهد بن شمسي» مع دنيا «إيمان المشرفي»،
حيث على علاقة الحب المأزومة بكل ما يحيط بها أن تنتصر بما في ذلك أن يتمكن
مالك من تخليص دنيا من عملها بنت ليل، فمالك سيكون مخبراً ومن ثم سارقاً
وغير ذلك مما يضعه على الدوام في مواجهة تحديات يومية يسعى لتجاوزها
بالتواطؤ مع كل من حوله، بما فيها التعامل مع الضابط الذي جسده فوزي بن
السعيدي بنفسه، حيث الفساد متصل بالسلطة التي لا تختلف كثيراً عن ما يسود
العوالم السفلية من قتل ومخدرات وغيرهما.
فيلم «موت للبيع» عرضة لغوايات كثيرة، ولعله يأتي على مستويات
متفاوتة، لها أن تكون مرتجلة في أحيان كثيرة، وفي البحث عن سياق متصل ستبدو
أمامنا انعطافات كثيرة، فبين التشويقي الذي يتصل بنهاية الفيلم حين يتفق
الشبان الثلاثة على سرقة مخزن مجوهرات، ستكون المساحات مفتوحة أمام تعريج
على بيع مالك - على سبيل المثال - الماركات المزيفة لمجموعة تبدو على شيء
من «الغاغستر» الذين لا يعرفون الرحمة، كما أن أخذ سفيان إلى الجماعات
الاسلامية المتطرفة سيكون طارئاً على السياق ومساحة للتندر علينا المصادقة
عليها دون الاتكاء على سياقات درامية، وصولاً إلى رقصه أمام النار عارياً،
ولنكون في النهاية أمام توليفة مختلطة ولا نقول مشوشة، قد ننحاز فيها إلى
تدوير الكاميرا في النهاية دون أن يدع بن سعيدي لمالك أن يقفز، ولا ننحاز
مثلاً إلى الهاتف النقّال الذي يتركه مالك في المصعد ليخدع رجال الشرطة.
الإمارات اليوم في
18/10/2011 |