أجمع سينمائيون مشاركون وضيوف في الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي
السينمائي، على أن السينما العربية ستجد طريقها للحرية هي الأخرى، أسوة
بشعوب «الربيع العربي»، الذي لم ينته بعد، مؤكدين أن الشعوب التي استطاعت
أن تغير التاريخ لن يكون من السهل إعطاؤها فيلماً لا يتناسب وتحررها، الذي
بدأ ينمو في داخلها، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن التغيير في شكل السينما
ليس من الضرورة أن يكون آنياً، خصوصاً أن صناعة السينما مرتبطة بشركات
إنتاج تبحث عن ترويج الفيلم تجارياً، ولم تخرج بعد من هذا الإطار، مجمعين
على أن السينمائيين يجب أن يتحدوا لإسقاط الرقابة.
لنتريث
قال الناقد السينما المصري طارق الشناوي، الذي يعد أول من دعا إلى
مقاطعة مهرجان دمشق السينمائي، احتراماً لدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم
على الأراضي السورية من أجل الحرية: «لا نحلم كثيراً أن الدنيا ستتغير على
كل المستويات، لأن الأشخاص الذين كانوا ينافقون لمصلحة حسني مبارك اليوم،
ينافقون للمجلس العسكري»، مؤكداً «النفاق قائم، لكن الشيء الذي بتنا نعتمد
عليه أن الجمهور هو الذي بدأ يتغير، فهو بشكل أو بآخر سيراهن على النوع
عندما يشتري التذكرة ويقتل النوع عندما يقرر عدم الشراء»، مضيفاً: «الرهان
على الجمهور تراكمي، لن يحدث اللحظة، وعلينا أن ننتظر»، مستشهداً بأن فيلم
«شارع الهرم» لقي إقبالاً جماهيرياً واسعاً في مصر، شأنه شأن كل الأفلام
السابقة التي كانت تنتج في ظل النظام، للاتجاه والمنتج والمجموعة نفسها،
وعندما يكون المنتج هو المسيطر بماله وبطريقته لن يختلف الأمر حتى لو كان
المخرج جديداً وكل الممثلين بارعين، ولفت الشناوي أن «الأمل في التراكم،
والشكل الإنتاجي سيتغير، وسيفتح الباب أمام الإنتاجات المحدودة، فالمزاج
تغير وكل شيء سيتغير، الأغاني التي كان يغنيها شباب الثورة تعد أغاني قديمة
تدل على ذائقة كانت مدفونة وحان لها أن تشدو، لكن علينا بالتريث».
مرحلة طرية
الناقد العراقي فيصل عبدالله، أكد أنه من غير الممكن لأي عمل إبداعي
أن يلم بتفاصيل صغيرة في هذه الثورات، «خصوصاً أن الثورات مازالت في مرحلة
الولادة الأولى، (مرحلة طرية)، مرحلة فيها التباسات، مرحلة تتداخل»، وقال:
«من غير الممكن لأي مبدع أن يلم بهذه التفاصيل، وبالتالي من غير الممكن أن
نقول إن هناك ردة فعل سريعة على ما جرى في الشارع العربي، سواء في تونس أو
مصر أو سورية أو العراق، وغيرها من البلدان العربية التي تعاني طواغيتها».
وأضاف: «هذه العملية تحتاج إلى فترة طويلة حتى تكون الاستجابة لهذا
الحدث الكبير الذي هز مجتمعاتنا، وهي معظمها مجتمعات تقليدية قائمة على
الثبات، وعلى نوع من التابوهات، وبالتالي من غير الممكن أن تستجيب السينما
بشكل سريع لهذه الاحداث»، مستشهداً بالتجربة الاوروبية والأميركية «يجب أن
نأخذ في الحسبان تجربة الحركة الثورية التي حدثت في أوربا عام ،1968 التي
احتاجت لسنوات من يمثلها ومن يعبر عنها سواء في السينما أو الأدب و بقية
الحقول العامة»، فحرب فيتنام التي هزت الضمير العالمي، حسب تعبيره، بقي
منتجها الإبداعي متخلفاً، لأسباب سياسية، وحتى السينما الاميركية لم تنتج
أفلاماً تحكي حرب فيتنام لفترة طويلة، والى حد اللحظة مازالت تعد من
التابوهات، مقارنة بالأفلام التي تناولت الغزو الاميركي للعراق»، معللاً
السبب الى تعدد وسائل الاعلام وسهولتها والتكنولوجيا «وبالتالي توفر
المعلومة فكانت الاستجابة بهذا الشكل اوذاك تحيط بالمشهد»، مؤكدا «بتقديري
الشخصي السينما العربية مازالت مترددة للامساك بكل تفاصيل الحدث الذي صار
بالشارع العربي، وحاجز الخوف يحتاج الى فترة تأهيل والتأهيل يحتاج الى
زمن».
مخيلة حرة
المخرج الأردني محمود المساد، الذي يشارك العام عضو لجنة تحكيم في
«جوري» المتخصصة في الأفلام التسجيلية، قال «لا شك في أن الثورة العربية
ستكون محفزة لمخيلة السينمائي العربي وحتى الأجنبي»، موضحاً «حيث يبحث صناع
السينما دائماً عن قصة تضيف الى مسيرتهم البقاء»، واضاف صاحب أفلام «الشاطر
حسن»، «اعادة خلق»، «هذه صورتي وانا ميت»، أن «السينمائي العربي مثله مثل
اي شخص في هذا الوطن الكبير، كان ينتظر الفرصة وقد جاءت»، مؤكداً أن
«الجرأة في المشهد ستظهر كما النص كما الإخراج كما الشكل العام».
بدوره، قال المخرج الإماراتي نواف الجناحي، الذي يشارك في فيلمه
الروائي الطويل الثاني «ظل البحر»، الذي صوره كاملا في امارة رأس الخيمة
«هناك معاناة شعب وانتصارات وحكايات لم نلمسها بعد، وحقائق مازلنا ننتظر ان
تخرج للنور، وأكاذيب يجب أن تدحض، وغيرها من المشاعر المتناقضة التي لا
يستطيع الا السينمائي ان يشكل منها صورة»، وأضاف «ربيع الثورات العربية لم
ينتهِ بعد، ومن المبكر جدا أن نتحدث عن سينما، من البديهي أن تشهد تحولاً
كبيراً في المنطقة العربية»، مستشهدا بأنه «لسنوات ليست بعيدة ثابر
المخرجون على صناعة أفلام تحكي الرئيس السابق جمال عبدالناصر، لأن فترته
شهدت التغيير، وستظل السينما تستشهد بالثورات العربية الى أجل غير مسمى،
خصوصاً أن الفيلم يصنع ليخلد».
طاووس
قال الفنان السوري فارس حلو: «نحن الآن في عصر السينما الحلم»، موضحاً
«هذا لا يلغي السينما السابقة لكنه يلغي كل الأفلام التي قامت على تمجيد
الطغاة»، وقال «أنا اليوم فناناً أمشي كالطاووس، كمن يعرف ماذا سيقدم غدا
من حكايات».
الفنانة ليلى علوي التي تشارك ضمن لجنة التحكيم في فئة الأفلام
الطويلة ترى أن «كل شيء سيتغير لأن الوعي تغير»، مؤكدة أن «السينما لعبت
دوراً تاريخياً في كل حقبة عايشتها، والسينمائي يحتاج دائما الى موضوعات
جديدة يسلط الضوء عليها»، مضيفة «نحن على دراية كاملة بأن التغيير سيحدث
لكن بصورة حضارية تتناسب مع الوعي الجديد».
مرجل الشارع العربي لايزال يغلي
كتب الناقد السينمائي العراقي عدنان حسين أحمد، في أحد المواقع
الإلكترونية، أن «التغييرات الجذرية التي يشهدها العالم العربي لا بد أن
تنعكس سلباً أو إيجاباً على صناعة السينما العربية التي كانت أسيرةً
للأنظمة القمعية العربية التي تهاوى أعتى رموزها حتى الآن، فيما ينتظر طغاة
آخرون مصائرهم، طالما أن مرجل الشارع العربي لايزال يغلي وسيحرق في أتونه
كل هؤلاء المتجبرين الذين تلاعبوا بمقدرات الشعوب العربية الممتدة من
المحيط إلى الخليج العربي»، ويقول «لقد حطّم الشعب العربي في تونس ومصر
وليبيا حتى الآن جدار الخوف، فيما يواصل أقرانهم في اليمن وسورية والعراق
تحطيم هذا الجدار المرعب الذي سنتلمس نتائجه في القريب العاجل في بعض
الأفلام الوثائقية التي ترصد على وجه السرعة هذه المتغيرات العظيمة التي لم
نألفها من قبل. كما يمكن أن نتلمس بعض ملامح هذا التغيير في أفلام روائية
آمل ألا يهيمن عليها طابع العجالة والسرعة لمجرد خوض هذه التجربة اللافتة
للانتباه».
الإمارات اليوم في
16/10/2011
يشارك في المهرجان بـ «التحرير 2011» و«أسماء»
محمد حفظي: الثورة لن تقضـي على الأفلام التجارية
إيناس محيسن - أبوظبي
قال المنتج والمؤلف المصري محمد حفظي إن الأفلام التجارية في السينما
المصرية لن تختفي بعد قيام الثورة المصرية، وستظل هذه الأفلام بنفس قوتها
وحضورها، متوقعاً ان يواصل تيار الأفلام المستقلة، في المقابل، حضوره
ونجاحاته التي بدأ يحققها في السنوات الأخيرة، بفضل الدفعة القوية التي حصل
عليها بفضل مخرجين وصناع أفلام ونجوم يؤمنون به، رغم إمكاناتها المادية
المحدودة. معتبراً انه من الطبيعي ان يوجد تيارا السينما المستقلة
والتجارية معاً في الوقت نفسه لتحقيق التوازن وارضاء كل الأذواق.
وعبر حفظي الذي يشارك في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته
الخامسة بفيلمين هما «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» و«أسماء»، في
تصريحات لـ«الإمارات اليوم» عن سعادته بالمشاركة في المهرجان، وبتمثيل مصر
في أكثر من مهرجان، حيث سبق وعرض فيلم «التحرير 2011: الطيب والشرس
والسياسي»، في مهرجان البندقية السينمائي. موضحا ان مهرجانات فنية مثل
مهرجان أبوظبي الدولي ومهرجان دبي الدولي باتت تسهم إسهاماً واضحا في دعم
واضح للسينما وصناعة الأفلام في المنطقة، متمنياً ان تحذو مهرجانات السينما
الأخرى حذوهما.
استغلال الثورة
لم يستبعد المنتج المصري ظهور موجة، في الفترة المقبلة، من الأفلام
التي تتناول ثورة 25 يناير في مصر، وان تسعى بعض هذه الأفلام إلى استغلال
الثورة لتحقيق مكاسب لا تستحقها، لكنه أكد ان مثل هذه الأفلام لا يمكن ان
تحقق انتشارا كبيرا إذا لم تتمتع بمستوى جيد، سواء من حيث المضمون أو
المستوى الفني، يسمح لها بالمنافسة والعرض في المهرجانات العربية والدولية،
«فالمهرجانات الكبرى لا تقبل سوى افلام ذات مستوى متميز، وبالتالي لن يكون
للأفلام الضعيفة أي مجال للوجود أو المنافسة». واعتبر حفظي انه من الصعب
التنبؤ بمدى النجاح والمكاسب التي يمكن ان تحققها أفلام تتناول الثورة
وأحداثها في حالة عرضها تجارياً. موضحاً ان هناك عوامل عديدة تتحكم في مدى
نجاح الفيلم واقبال الجمهور عليه، مثل النجوم المشاركين في العمل، وما
يحمله من فكر ومضمون، وجودة العمل وكيفية تناوله الثورة. وأضاف «في النهاية
من الصعب التنبؤ بشكل قاطع بنوعية الافلام التي يمكن ان تنجح أو تلك التي
ستفشل، واذا كان هذا الأمر ممكنا لأصبح منتجو الافلام من أصحاب المليارات.
احيانا الجمهور يكون له خيارات غير متوقعة تتجاوز أي توقعات، ولكن بشكل عام
أتمنى ان يكون النجاح من نصيب الأفلام الجيدة».
«أسماء»
حول فيلمه «أسماء» الذي ينافس ضمن مسابقة «آفاق جديدة»، ويشهد مهرجان
أبوظبي السينمائي الدولي العرض العالمي الأول له، أشار المنتج محمد حفظي
إلى ان الفيلم الذي يروي معاناة امرأة مصابة بالإيدز من نبذ المجتمع لها،
لا يرتبط فقط بمعاناة مرضى الايدز بشكل خاص، «لكنه عمل انساني يتعرض
لمعاناة كل من يتعرض للاضطهاد في المجتمع الذي يعيش فيه، مثل النساء أو
مرضى الإيدز أو غير ذلك من فئات. كما يتعرض للحظة التي يقرر فيها هذا
الانسان المضطهد مواجهة المجتمع»، لافتا إلى ان موضوع الفيلم لا يرتبط
بالمجتمع المصري فقط، ولكن يمكن ان يعبر عن العديد من المجتمعات.
وأوضح حفظي ان انجاز فيلم «أسماء» تأخر لمدة عامين، حيث احتاج الى وقت
طويل للتحضير وكتابة السيناريو، بالإضافة إلى عدم توافر تمويل كافٍ ليخرج
الفيلم بمستوى جيد، نظرا لصعوبة موضوعه وعدم طرحه من قبل في أعمال
سينمائية. مشيرا إلى ان مساهمة شركة «نيو سينشري» في انتاج الفيلم، ساعد
على توفير كل الإمكانات الانتاجية والمادية ليخرج بصورة مرضية ومشرفة.
عمل ثلاثي
عن فيلم «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» الذي ينافس في مهرجان
أبوظبي السينمائي الدولي ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية؛ أشار حفظي إلى ان
فكرة الفيلم بدأت في الاسبوع الثاني من ثورة 25 يناير، ونبعت من رغبته
ورغبة العاملين في الفيلم في عمل شيء يعبر عن ما يحدث. مشيراً إلى ان فريق
الفيلم كان يسعى لتقديم عمل لا يعتمد على التسجيل فقط، ولكن يمس المشاعر
ويخاطب وجدان المشاهد أيضا، «بينما تمثلت الصعوبة الحقيقية في أن يخرج
الفيلم متماسك البنية ولا يشعر المتفرج انه يشاهد عملاً مفككاً، نظرا لأن
الفيلم يتكون من ثلاثة أجزاء، كل جزء منها قام بإخراجه مخرج من المخرجين
تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامة». وفي رده على سؤال في النقاش الذي اقيم
عقب عرض الفيلم مساء أول من أمس، عن عدم التطرق إلى دور قرينة الرئيس
السابق محمد حسني مبارك بين أحداث الفيلم؛ قال إن الحديث عن هذا الموضوع قد
يحتاج فيلماً كاملا، مثل تقديم فيلم عن «ليدي ماكبث».
تفاعل
شهد عرض فيلم «التحرير2011: الطيب والشرس والسياسي» تفاعلاً واضحاً من
الجمهور الذي حضر في قاعة العرض، والذي جمع جنسيات مختلفة، حيث صفق الجمهور
أكثر من مرة خلال العرض. بينما أثار الجزء الأخير من الفيلم الذي قدمه
المخرج عمرو سلامة بطريقة كاريكاتيرية تحت عنوان «كيف تصنع ديكتاتوراً» ضحك
الجمهور وتعليقاته الطريفة.
كامل العدد
شهدت عروض مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي التي أقيمت طوال أول من أمس
في سينما فوكس بالمارينا حضوراً جماهيريا كثيفا، خصوصاً الأفلام التي عرضت
في الأوقات المسائية. ومن بينها فيلم «التحرير2011: الطيب والشرس
والسياسي»، الذي نفدت تذاكره قبل موعد العرض بما يزيد على الثلاث ساعات،
بينما اصطف عدد كبير من الجمهور في طابور طويل في انتظار توافر مقاعد
إضافية، وهو ما تكرر أيضا مع الفيلم المغربي «موت للبيع» الذي حملت قاعة
العرض المخصصة له لافتة كامل العدد.
الإمارات اليوم في
16/10/2011
من أفلام مسابقة «الوثائقي»
«التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي».. عنوان
كبير لفيلم صغير
زياد عبدالله - أبوظبي
ضربة ثلاثية، لابد لأحد أن يقوم بها ومن ثم يصبح الحديث لابد من ثلاثة
أن يقوموا بها ونحن نتحدث عن فيلم «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي»،
إخراج تامر عزت وآيتين أمين وعمرو سلامة الذي عرض ضمن أفلام مسابقة الأفلام
الوثائقية في الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، وانتقل عالمياً
من مهرجان البندقية إلى تورونتو وصولاً إلى أبوظبي، ومعها مهرجانات كثيرة
ستستقبله بذراعين مفتوحتين طالما أنه يتحدث عن الثورة المصرية ويوثق لها،
وعلى شيء يجعله موضع ترحيب أولي مادام يتناول هذا الشأن الذي لا حد لفضول
المشاهدين حول العالم للتعرف اليه ومعاينة ما الذي حدث في مصر.
أرضية تلقي الفيلم معدة مسبقاً، والتفاعل والتعاطف أمران مصادق عليهما
سلفاً، لكن هذا التوصيف يستحضر معه أيضاً أن الحدث طازج وحيوي وماثل بيننا
ونحن نتتبع معطيات جديدة على الأرض، كما حجم المتابعة للثورة المصرية على
نشرات الأخبار وكل ما كتب أو صور وقيل عنها سيكون مماثلاً تماماً لحجم
الفضول سابق الذكر، وهناك مئات آلاف المواد المصورة عنها، ويكفي أن نستعيد
كيف للهاتف المحمول بكاميرته ألا يفارق يد المتظاهر، ونحن في عصر لكل إنسان
أن يصنع فيلمه عن ما يراه، والعين ترى والكاميرا أيضاً، وهنا كما في كل
ثورات «الربيع العربي» تمسي الكاميرا مترافقة مع الفعل، المتظاهر يتظاهر
ويصور، وإيغالاً أكثر في حضور الكاميرا في كل الثورات الحالية فإننا كنا
ومازلنا نرى من يموت وحوله هواتف تصوره.
السؤال الذي يستدعيه ما تقدم، ما الذي سيقوله لنا فيلم عن حدث موثق
وحي إلى هذا الحد؟ مضيفاً على الصفات، مفصلية هذا الحدث في تاريخ مصر
والعالم العربي ما لم نقل العالم أجمع، وهنا الأمر لا علاقة له بتضخيم حجم
التوقع، بقدر ما يرتبط ذلك بالسؤال سابق الذكر.
الثورة بحاجة إلى فن ثوري أيضاً، إلى ما يوازي في الحد الأدنى هول
وروعة ما حدث، وإن كان لنا أن نصف الأفلام الثلاثة التي اجتمعت في فيلم
واحد حمل عنوان «الطيب والشرس والسياسي» فلنا أن نقول إنه عنوان كبير لفيلم
صغير، وبكلمات أخرى تجميع لمادة وثائقية نعرفها جيداً ومعها شهادات من
شاركوا في الثورة أو نماذج منها، لها أن تكون لها الأسبقية فقط، لكن لا
تعولوا على بناء توثيقي خارج ذلك.
فمع «الطيب» لتامر عزت، يمضي الفيلم نحو ما حصل مع المتظاهرين منذ
اليوم الأول وعبر التنويع في شهادات من شاركوا في الثورة، سواء عبر فتاة
ارستقراطية وشاب إخواني، وصولاً إلى المصور الذي ترك منحته الدراسية في
السويد وعاد ليصور الثورة والطبيبة وهي تتحدث عن المشفى الميداني في ميدان
التحرير وتقسيمه إلى عيادات بما فيها عيادة للطب النفسي، وغير ذلك مما
يجمعون مع الطيب، والآلية المعتمدة شهادة لأحدهم متبعة بـ«انسرت»، على
إيقاع متواتر، لنا أن نقول عنه، إنه تكثيف لكل ما شاهدنا وسمعنا وقرأنا.
مع «الشرس» لآيتين أمين يمكن التوقف مع زاوية رؤية مغايرة تماماً،
ولابد هنا من القول إنه أفضل الأفلام الثلاثة ومن نواحٍ عدة، ليس إشكالية
ما يتناوله إلا واحدة منها، حيث الشهادات هنا هي لضباط الشرطة المصريين
الذين شاركوا في قمع الثورة، مشاعرهم، كيف واجهوا من أمامهم، كيف وصل إليهم
اليأس حين أصبحوا في مواجهة مئات الآلاف، وغير ذلك الكثير من التقاط
للكيفية التي واجهوا فيها جموع المتظاهرين والثوار وعلى شيء من تصاعدية لها
أن ترتبط بالحجم المتزايد يوماً بعد يوم للمتظاهرين، مع حضور وجهات نظرهم
في ما عاشوه، كأن يرى أحد الضباط أن الشباب الذين كانوا يصلون في مواجهة
عربات الأمن المركزي لم يكونوا متوضئين أو متوجهين نحو القبلة، وصولاً إلى
ضابط من أمن الدولة وله أن يتناول آليات عمل هذا الجهاز.
بالانتقال إلى «السياسي» لعمرو سلامة ثالث الأفلام وآخرها يدخل
الكوميدي طالما أن الحديث عن «السياسي» والمقصود به الرئيس المخلوع حسني
مبارك، وهنا تتوالى شهادات ممن كان على مقربة منه، وممن كانوا يتابعونه
بدأب مثلما هو الحال مع الكاتبين علاء الأسواني وبلال فضل، وصولاً إلى محمد
البرادعي وآخرين. وينقسم الفيلم إلى 10 فصول تتناول مبارك من شتى الجوانب،
بدءاً من توليه الحكم في مصر وكيف أصبح ديكتاتورا وصولاً إلى صبغة الشعر
وصوره وأسماء الأمكنة، وغير ذلك من ملامح السياسي الذي حكم مصر لـ30 عاماً.
قد يكون الفيلم وثيقة يجتمع فيها الكثير من المادة الوثائقية ومعها
الشهادات المهمة في هذا السياق، وهو جيد جداً لإحدى القنوات الإخبارية أو
تلك المهتمة المتخصصة بالوثائقي، لكن تبقى تلك الأسبقية موضع ترحيب دون شك
من أي مهرجان حول العالم، لكن يبقى البحث جارياً عن أفلام ثورية عن الثورة،
وتلمس ما يمكن للثورة أن تصنع بالفن أيضاً، بمعنى أن الحامل الفني للتغيير
عليه أن يتغير.
الإمارات اليوم في
16/10/2011
«التحرير
٢٠١١» يرصد آراء المواطن والضابط والسياسى فى
الثورة
أبوظبى
ــ أحمد الجزار
حظى الفيلم الوثائقى «التحرير ٢٠١١ الطيب والشرس والسياسى» - الذى عرض
أمس الأول فى مهرجان أبوظبى ضمن مسابقة آفاق جديدة - بإقبال جماهيرى كبير،
خاصة أن هذا العرض هو الأول له فى الشرق الأوسط بعد مشاركته فى مهرجانى
«فينسيا» و«تورنتو»، الغريب أن معظم تذاكر الفيلم نفدت مبكرا وفشل عدد كبير
من الإعلاميين فى متابعته، فيما حرص على حضور العرض بعض الفنانين ومنهم
خالد أبوالنجا وبشرى.
يعد «التحرير ٢٠١١ الطيب والشرس والسياسى» أول الأفلام الوثائقية التى
تستعرض ثورة ٢٥ يناير، من وجهة نظر الشعب الذى يمثل الجزء الطيب فى الفيلم،
أخرجه تامر عزت، بينما الجزء الثانى وهو الشرس فيمثله رجال الشرطة وأخرجته
آيتن أمين، أما الجزء الأخير فعبر عن وجهة نظر السياسى وأخرجه عمرو سلامة،
وعبر الجزء الأول من الفيلم عن يوميات المواطن المصرى مع الثورة من خلال
سرد بعض الحكايات والتفاصيل التى عاشها بعض الأشخاص، سواء فى الميدان أو
المستشفى الميدانى مع عرض بسيط للأحداث خلال الـ١٨ يوماً، ونجح تامر عزت فى
اختيار أشخاصه والتعبير عن الحالة الحقيقية داخل الميدان، كما أنه كان
موفقاً إلى حد كبير فى اختيار لقطاته والفيديوهات التى صاحبت قصته، التى
جاء بعضها من خلال كاميرات الموبايل وحملت حالة من الشجن والفرحة فى آن
واحد مما دفع المشاهدين للتصفيق فى أكثر من مشهد.
فى الاتجاه نفسه، سار الجزء الخاص بالشرس الذى يتمثل فى وجهة نظر رجل
الشرطة للأحداث، وعبرت المخرجة آيتن أمين فى بداية فيلمها عن المعاناة التى
واجهتها مع بعض رجال الشرطة فى التصوير معهم من خلال بعض اللقطات، ونجحت
أيضا فى الاحتفاظ بالشكل الوثائقى للعمل ومزجت بين المشاهد المصورة
والمرسومة والصور الفوتوغرافية،
بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية والأغنيات، لتكمل إطار المشهد الذى
تقدمه، أما الجزء الخاص بالسياسى الذى قدمه المخرج عمرو سلامة فتضمن نغمة
مغايرة لنسيج الفيلم بالكامل، حيث فضل أن يعرض حكايته بشكل ساخر، لدرجة أنه
استعان ببعض اللقطات الساخرة فى إحدى المسرحيات وغلب على هذا الجزء الطابع
الدرامى أكثر من الوثائقى، حتى إنه قد يمثل عملاً بذاته وليس استكمالاً
شرعياً لجزءين آخرين، واستعرض عمرو حكايته من خلال ١٠ خطوات لصناعة
الديكتاتور، منها صبغة الشعر وانتشار صوره ووضع اسمه على كل الإنجازات،
بالإضافة إلى الكذب والأمن.
وعقب عرض الفيلم عقدت ندوة حضرها كل من المنتج محمد حفظى والمخرجين
عمرو سلامة وآيتن أمين، وقال «حفظى» إن فكرة الفيلم راودته مع بداية الثورة
للكشف عن الأسباب الحقيقية لما حدث، بينما أكد عمرو سلامة أنه اختار الإطار
السردى الكوميدى، نظرا للظروف الكئيبة التى تحيط بالمجتمع وعدم وضوح الرؤية
حتى الآن.
أما آيتن أمين فأكدت أنها تعرضت لصعوبات كبيرة فى إقناع بعض الضباط
بالتصوير معها، موضحة أنها اختارت الأشخاص الأربعة الذين تم عرض آرائهم من
عينة وصلت إلى ١٢ شخصا، كان معظمهم يرفضون التصوير رغم أنها بدأت العمل فى
شهر مارس الماضى وبعد انتهاء الثورة تماما.
المصري اليوم في
16/10/2011 |