لا يتهاون «مهرجان
أبو ظبي السينمائي» في شؤون الفن السابع.
يُحاول مراراً أن يكون داعماً. أن يكون
منبراً للتواصل. أن يجعل الشاشة الكبيرة
مرايا لا تُعدّ ولا تُحصى، تعكس وقائع،
وتبتكر خيالاً، وتروي قصصاً، وتقول أشياء،
وتبوح بحميميات، وتُعبّر عن شقاء، وتحرّض
على تفكير، وتدفع إلى سجال. دأبه، منذ أعوام قليلة فائتة، أن يجعل دوراته
السنوية
حلقة متكاملة، تبدأ بعرض أفلام متنافسة على جوائز واهتمامات ونقاش، ولا
تنتهي عند
تمويل أو دعم مالي. يستمرّ المهرجان في جعل أيام دوراته السنوية نوعاً من
حكاية
مفتوحة على كل شيء: المُشاهدة. التمويل. النقاش. القراءة النقدية. التواصل
الإنتاجي. البحث عن الجديد، أو المختلف. استعادة قديم لتكريم أو لمتعة
المُشاهدة
مجدّداً.
خطوات سينمائية
عناوين كثيرة. المهرجان الإماراتي الثاني
بعد «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، وفقاً لزمن التأسيس، بات منافساً
حقيقياً، يثير
أسئلة، ويحثّ على تنافس طبيعيّ. الإمارات العربية المتّحدة تريد موقعاً
سينمائياً
جدّياً لها في منطــقة الخليج العربي. في العالم العربي أيضاً. الخطوة
الأولى:
مهرجان سينمائي في دبي. مساحات شاسعة لتصوير مشاريع سينمائية أجنبية. ثم
مهرجان ثان
في أبو ظـبي. هذا كلّه على المستوى الدولي. لا يُمكن تجاهل «مسـابقة أفلام
من
الإمارات»، التي تحتفل اليوم بالعيد العاشر لتأسيسها في «المجمّع الثقافي»
في أبو
ظبي، بفــضل جهد حقيقيّ بذله مسعود أمرالله آل علي. انضـمّت، منذ أعوام
قليلة، إلى «مهرجان
أبو ظبي السينمائي». الآن، تحاول استعادة تجربتها القديمة، على ضوء
مستجدّات معنوية ولوجستية ومالية. أي وفقاً لمتطلّبات العصر.
مسابقة خاصّة
بأفلام إماراتية وخليجية، ضمن مهرجان دولي.
دبي مختلفة. مهرجانها الدوليّ مستقلّ
بحدّ ذاته عن مهرجان آخر أطلقه مسعود أمر الله آل علي نفسه، الذي بات
مديراً فنياً
لمهرجان دبي: «مهرجان الخليج السينمائي»، الذي أسّسه آل علي وبات مديره
الفني
أيضاً. إمارة نفطية في دولة خليجية شكّلت حالة خاصّة بها، سينمائياً
وثقافياً.
قبلها، أرادت دبي اللحاق بالعصر. أطلقت مهرجاناً سينمائياً دولياً، ألحقته
بمهرجان
سينمائي آخر، معنيّ بصناعة الصورة البصرية في دول مجلس التعاون الخليجي. ثم
ظهرت
الدوحة، عاصمة قطر. أي عاصمة دولة خليجية امتلكت أموالاً طائلة سهّلت لها
التعاون
مع خبراء واختصاصيين في شؤون ثقافية وفنية وإعلامية وفكرية متفرّقة. جعلتها
المحطّة
التلفزيونية الفضائية «الجزيرة» معروفة في أصقاع الدنيا. المحطة نفسها
ساهمت، مطلع
القرن الحالي، بإعلان مهرجان سينمائي أراده مؤسّسه الليبي محمد مخلوف ترجمة
حسّية
لصناعة الفيلم العربي المستقلّ. أي لصناعة أفلام يُنجزها مخرجون عرب خارجون
على
النظم الإنتاجية المعتادة. هناك أسبابٌ كثيرة حالت دون استمرار «مهرجان
الشاشة
العربية المستقلّة». المحطّة التلفزيونية نفسها أطلقت مهرجاناً آخر باسمها،
معنيّ
بالفيلم الوثائقي. أسئلة عدّة طُرحت حوله وعليه. الآن، وصل مسؤولون في
الدوحة إلى
أحد المهرجانات الأميركية الوليدة حديثاً: «ترايبكا»، الذي أسّسه الممثل
والمنتج
الأميركي روبرت دي نيرو، مطلقاً إياه من نيويورك، غداة الاعتداء الإرهابي
على
الولايات المتّحدة الأميركية في الحادي عشر من أيلول 2001. أراد دي نيرو
دفع الناس
إلى استعادة ثقتهم بنيويورك. أراد من نيويورك أن تستعيد ثقتها بنفسها. أن
تخرج من
تحت الأنقاض. أن تنفض غبار الجريمة البشعة عنها. أن تقف على قدميها
مجدّداً، في
مواجهة العالم. مسوؤلون قطريون وقّعوا اتفاقاً مع روبرت دي نيرو، لتنظيم
مهرجان
سينمائي أُطلق عليه اسم «مهرجان الدوحة/ ترايبكا السينمائي»، الذي يُتوقّع
إقامة
دورته الثالثة بين الخامس والعشرين والتاسع والعشرين من تشرين الأول الجاري.
عناوين
هناك مهرجانات عابرة في مدن خليجية عدّة، لم تبلغ مرتبة
الشهرة الإعلامية (على الأقلّ) التي بلغتها مهرجانات دبي وأبو ظبي والدوحة/
ترايبكا. التي بلغها «مهرجان الخليج السينمائي» أيضاً، بصفته المتنفّس
«القومي»
لصناعة الصورة البصرية المتحرّكة في تلك المنطقة العربية. عشية بدء الدورة
الخامسة
لـ«مهرجان أبو ظبي السينمائي» مساء اليوم الخميس، تُطرح تساؤلات كهذه.
تُطرح هواجس
معنية بالفن السابع، وبفضاءاته الاجتماعية والثقافية والإنسانية. لا يعني
هذا أن
المهرجانات الخليجية هذه منتمية إلى «الفئة الأولى»، التي أدركتها مهرجانات
عريقة،
كـ«برلين» (ألمانيا) و«كانّ» (فرنسا) و«البندقية» (إيطاليا). أو المصنّفة
في فئات
أخرى لا تقلّ أهمية، كتلك المُقامة في مدن حملت اسمها أيضاً، كـ«تورنتو»
و«مونتريال» (كندا) و«لوكارنو» (سويسرا) وغيرها في اليابان والبرازيل
وإسبانيا
مثلاً. غير أن المهرجانات الخليجية تحاول أن تكون مكاناً للتواصل
الإبـداعي، على
المستوى العربي تحديداً، بعرض أفلام، وبتأمين صلات إنتاجية مع منتجين
قادمين إليها
من أصقاع الدنيا.
العناوين الأساسية الخاصّة بالدورة الخامسة هذه لـ«مهرجان أبو
ظبي السينمائي»، موزّعة على المسابقات الرسمية للأفلام الروائية الطويلة
والوثائقية، بالإضافة إلى «آفاق جديدة» وبرامج أخرى متنوّعة (باتت هناك
مسابقة
خاصّة بأفلام البيئة أيضاً). التكريم طال الروائي المصري نجيب محفوظ
والشاعر الهندي
رابندرانات طاغور. الافتتاح مرتكز على «السيّد لزهر» للكندي فيليب فالاردو:
عن
الهجرة والإقامة. عن التدريس والتربية. عن تفاصيل العيش في أحلام منقلبة
إلى أوهام.
هذا كلّه بدأ إثر الوفاة المفاجئة لمُدرِّسة صفوف ابتدائية. عندها، كلّفت
الإدارة
بشير لزهر (الممثل الجزائري فالاغ) القيام بمهمّتها، هو المقيم في بؤس شخصي
حاد.
غير أن علاقته اليومية بالتلامذة، جعله يبني صداقات معهم، على الرغم من
الهوّة
الثقافية بين الطرفين، الظاهرة منذ الدرس الأول. أفلام أخرى متنوّعة، عربية
ودولية.
أفلام تتنافس بجدّية. ما قيل عن بعضها مثيرٌ للمُشاهدة. أسماء مخرجي بعضها
الآخر
محرّضة على معاينة جديد هؤلاء، علماً أن أفلاماً عدّة ستُعرض دولياً للمرّة
الأولى
في أبو ظبي ومهرجانها السينمائي، أو ستُعرض خليجياً للمرّة الأولى، أو
إماراتياً.
الذاهبون إلى العاصمة الإماراتية مدعوون إلى مُشاهدة كَمّ هائل من الأفلام.
مدعوون
إلى الاختيار أولاً، وإلى المُشاهدة ثانياً. المتابعة النقدية تأتي لاحقاً.
المهرجان مفتوح على احتمالات واختلافات. الأفلام أيضاً. التنويع سمة.
البرامج
المرافقة للمتن الرسميّ بمسابقاته مثيرة للمُشاهدة.
السفير اللبنانية في
13/10/2011
نصيب خاص للثورات العربية فى مهرجان أبوظبى
السينمائى.. وظهور (العميل المزدوج)
خالد محمود
اختار مهرجان أبوظبى السينمائى الفيلم الكندى «السيد لزهر» ليفتتح به
فعاليات دورته الخامسة، التى تبدأ مساء اليوم، الفيلم رشح لنيل لجائزة
أوسكار أحسن فيلم أجنبى لسنة 2012. وهو يصور هجرة معلم جزائرى يجسده الممثل
محمد فلاف، يدعى بشير لزهر إلى كندا للاشتغال فى مجال التعليم وتعويض معلمة
كندية أقدمت على الانتحار.
المهرجان يحتفى هذ العام بتكريم الروائى المصرى الراحل نجيب محفوظ،
بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده بعرض سلسلة من الأفلام المقتبسة من
أعماله الروائية. وسيتم عرض ثمانية منها، ستة مصرية واثنان أنتجا فى
المكسيك، وواحد من الفيلمين هو نسخة مكسيكية من الفيلم المصرى «بداية
ونهاية»، والمقاربة بين القاهرة ومكسيكو، وسيقدم كجزء من سينما العائلة يوم
السبت 15 أكتوبر المقبل. كما يكرم صاحب نوبل رابندرانات طاغور بأربعة من
أهم الأفلام التى تناولت الشاعر البنغالى العظيم.
وقال مدير المشاريع فى هيئة أبوظبى للثقافة والتراث المنظمة للمهرجان،
عيسى المزروعى المزروعى إن الدورة الجديدة ستشارك فيها أعمال للمخرج الروسى
أندريه زفياكنتسوف والمخرج الكندى ديفد كروننبيرج والإيطالى نانى موريتى
والأمريكيين ستيفن سودربيرج ومارتن سكورسيزى وجورج كلونى والإنجليزى مايكل
يونتربوتوم والألمانى فيم فيندرز وفيرنر هيرتسوغ، التى تقدم باكورة
أعمالها. كما سيقدم جيمس مارش صاحب الأوسكار عن فيلمه «رجل على الحبل»
وثائقيا جديدا بعنوان «أرتور ربشتاين»، ومن اليابان يحضر فيلم هيروكازو كور
إدا، ومن إيران أصغر فرهادى، ومن الصين تشين كياج.
إضافة لعروض ثانية أو ثالثة لعدد من أشهر المخرجين؛ كالإيرانية مرجان
ساترابى التى عرفت بفيلم «بيرسيبوليس» المأخوذ عن رواية مصورة، والتى ستقدم
فى هذا المهرجان فيلمها الجديد «دجاج بالبرقوق». للثورات العربية من
المهرجان نصيب، حيث يقدم العرض الأول لفيلم (التحرير 2011 ــ الطيب والشرس
والسياسى) للمخرجين تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامة، كما يعرض (فيلم 18
يوم) الذى حققه عشرة مخرجين عن الثورة فى مصر.
كما تشهد شاشة المهرجان فيلم ثلاثى الأبعاد لرائد الأفلام التسجيلية
فيرنر هيرتسوج يستكشف فيه رسوم كهف تعود إلى 32 ألف سنة، وآخر عن الراقصة
ومصممة الرقص الشهيرة بينا باوش من توقيع فيم فاندرز، ومن الهند فيلم «صبى
الماراثون» للمخرجة جيما آتوال، وللهولندى ليونارد ريتيل هيلمرتش «مكان بين
النجوم» عن عائلة إندونيسية تعيش على حافة الفقر، كما يقدم المخرج العراقى
محمد الدراجى «فى أحضان أمى».
وقال المدير التنفيذى للمهرجان بيتر سكارليت إن الدورة الجديدة ستشهد
عروضا لنحو مائتى فيلم من أكثر من أربعين دولة موزعة بين أفلام وثائقية
وروائية وأفلام قصيرة تتنافس أفلام المهرجان على جوائز تقدر قيمتها بمليون
دولارمن بينها ستة أفلام تعرض للمرة الأولى فى الشرق الأوسط وثمانية عروض
عالمية حصرية للمهرجان.
وفى مسابقة آفاق جديدة يقارب المهرجان أعمالا وثائقية وروائية أولى أو
ثانية لمخرجين من أنحاء العالم، ويضم 12 فيلما، منها فيلم «ظل البحر»
للمخرج الإماراتى نواف الجناحى فى عرضه العالمى الأول، والذى أنتجته شركة
إيمجنيشن. على جانب آخر قال الناقد السينمائى انتشال التميمى مدير اختيار
الافلام إن المهرجان يقدم عددا من الفعاليات الخاصة مع أبرز السينمائيين
والعاملين فى صناعة الأفلام، وكذلك الموسيقيون والنقاد. تتضمن حلقات دراسية
مع الخبراء مثل تود سولوندز، وعبدالرحمن سيساكو، والثنائى الموسيقى الفرنسى
«آير»، بالإضافة إلى جلسة نقاشية مع مايكل براندت وديريك هاس، كاتبى فيلم
«العميل المزدوج» الذى يقدم عرضه العالمى الأول فى المهرجان.
ومن جديد المهرجان لهذا العام فعالية خاصة ستكون خاصة بالنساء، ستعرض
الفيلم الروائى الطويل (يوميات فراشة) للمخرجة مارى هارين، والوثائقى
(فليحفظ الرب حذائى) للمخرجة جولى بيناسرا.
وقال على الجابرى مدير ومبرمج مسابقة أفلام من الإمارات إنه تم اختيار
46 فيلما إماراتيا للمسابقة من أصل 177 فيلما، وسيعرض 14 فيلما روائيا، و14
فيلما روائيا أنجزها طلبة، و9 أفلام وثائقية، و8 أفلام أنجزها طلبة.
ويشارك 31 فيلما من 23 بلدا فى مسابقة الأفلام الروائية والوثائقية
القصيرة، وتشهد المسابقة إطلاق جائزتين جديدتين مخصصتين لمنتجى الأفلام
القصيرة، وتعد سابقة بالنسبة لمهرجانات السينما العالمية.
الشروق المصرية في
13/10/2011
قراءة في أفلام مسابقة مهرجان أبو ظبي السينمائي
أمير العمري
تفتتح مساء اليوم الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي
السينمائي الدولي. ويعرض المهرجان من خلال برنامج حافل متعدد الأقسام على
مدى تسعة
أيام، عددا كبيرا من الأفلام الطويلة والقصيرة، الروائية
والوثائقية، وأفلام
الديجيتال.
ولعل ما شجع المهرجان على ذلك الانفتاح الكبير هذا العام وضم كل هذا
العدد من الأفلام، هو الإقبال الكبير الذي شهدته الدورتان السابقتان من
جانب جمهور
أبوظبي، سواء من الوافدين أو المقيمين، من شتى الجنسيات
والأعمار.
هذا المقال
سيركز أساسا، على أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة التي
تتنافس على
الجوائز الرئيسية للمهر جان المعروفة بقيمتها المادية الكبيرة التي لا
تضاهيها أي
جوائز أخرى في أي مهرجان في العالم.
تضم المسابقة 15 فيلما، بينها أربعة أفلام
عربية أو من إخراج مخرجين ينتمون للثقافة العربية، حتى لو كانت
تلك الأفلام من
الإنتاج الأجنبي، الفرنسي تحديدا.
الملاحظ أن هناك فيلمين منها حصلا على دعم
مالي من مؤسسة "سند" التابعة لبرنامج مؤسسة أبوظبي للتراث
والثقافة (التي تنظم
المهرجان) وهو دور أرى أنه من أهم الأدوار التي يقوم بها مهرجانا أبو ظبي
ودبي في
دعم الانتاج الجديد من الأفلام العربية التي تتناول القضايا العربية، بدلا
من الجري
وراء المشاركة في انتاج أفلام أمريكية وكأننا نحل أزمة الانتاج
السينمائي الأمريكي،
خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في تمويل أفلام تجارية الطابع، من أفلام
التسلية
الأمريكية الشائعة، إلا لو كان الهدف من التمويل العربي (الخليجي) هو
المشاركة في
الأرباح المتوقعة، أي بغرض الاستثمار التجاري في صناعة
السينما، وهذا موضوع آخر
لا علاقة له بالهدف الثقافي ولا يفيد المحيط العربي في شيء.
الأفلام العربية
الأفلام
العربية الأربعة المشاركة في المسابقة هي 3 أفلام من المغرب، وفيلم واحد من
تونس.
وهو ما يعكس خللا واضحا لا شك فيه.
أولا عدد أربعة أفلام من العالم العربي ليس
كافيا، وكان يجب زيادة عدد أفلام المسابقة الى 20 أو 22 فيلما
وضم مزيد من الأفلام
العربية التي تعكس التنوع السينمائي في المنطقة خصوصا مع غياب تمثيل
السينما
المصرية أكبر السينمات العربية وأقدمها وأكثرها تنوعا، خاصة والأفلام
الجديدة
الجيدة موجودة ومتوفرة ولم يسبق لها المشاركة في مسابقات أخرى
في المهرجانات
الاقليمية. كما أن هناك ثلاثة أفلام جديدة من سورية كان من المقرر عرضها في
مهرجان
دمشق الذي ألغيت دورته هذا العام بسبب الأحداث الجارية في سورية، وكان يمكن
ضم فيلم
واحد منها على الأقل الى المسابقة.
بهذا الاختيار أصبح المغرب العربي ممثلا في
المسابقة بأربعة أفلام، منها 3 أفلام تمثل بلدا واحدا هو
المغرب في حين يغيب تماما
المشرق العربي!
ولاشك أن
أسماء المخرجين تلعب دورا مباشرا في الاختيار بغض النظر عن مستوى الأفلام
نفسها،
ومن الممكن بالطبع أن تكون أفلاما جيدة جدا من وجهة نظر من اختارها.
الأفلام
الأربعة هي "ديما براندو" للمخرج رضا الباهي من تونس، أما من المغرب فهناك
"على
الحافة" للمخرجة ليلى كيلاني، و"رجال أحرار" للمخرج اسماعيل فروخي، و"موت
للبيع"
لفوزي بن سعيدي.
شاهدنا في مهرجان كان فيلم ليلى كيلاني "على الحافة"، وهو أحد
الفيلمين اللذين حصلا على دعم من "سند". وينتمي الفيلم الى أسلوب الواقعية
المباشرة
التي تقترب من التسجيلية، مع التصوير في المواقع الحقيقية والاعتماد على
ممثلين
غير محترفين والاستخدام الحر للكاميرا المحمولة.
ويصور الفيلم حياة مجموعة من
الفتيات الضائعات اللاتي يجدن صعوبة بالغة في الحصول على عمل،
ويلجأن للاحتيال
والسرقة في مدينة طنجة في شمال المغرب. ولا توجد بالفيلم حبكة بالمعنى
الدرامي
التقليدي. ورغم قوة الموضوع إلا أن الفيلم يميل للاعتماد بشكل أساسي، على
الحوارات
الطويلة المرهقة التي ارتجل جزء كبير منها، والتي تقتضي من المشاهد أن يبذل
جهدا
كبيرا لمتابعتها وأرى أنه كان يمكن الاستغناء عن أكثر من نصفها
دون أن يؤثر هذا على
الفيلم بل ربما كان سيتيح الفرصة لإدخال مساحات بصرية للتنف تغيب تماما عن
هذا
العمل المرهق للعين والأذن.
لكن هدف المخرجة هو بطبيعة الحال، الإيحاء بذلك الجو
الكابوسي الذي تعيش فيه الفتيات المراهقات، لذ لك فقد ركزت أكثر على
اللقطات
القريبة والمتوسطة، كما جنح الفيلم نحو الاستطراد والدوران حول
الفكرة الواحدة،
وافتقد ذلك الحس الشاعري الرقيق الذي كان يغلف فيلما يدور أيضا حول الموضوع
نفسه
وإن باستخدام ممثلين من الشباب الذكور بدلا من الفتيات، وهو فيلم
"كازانيجرا".
رجال أحرار
لم أشاهد الأفلام
الثلاثة الأخرى ولكن فيلم اسماعيل فروخي "رجال أحرار"
Les Hommes Libre
نشر عنه
عند عرضه في مهرجان تورنتو (ومن المقرر أن يشارك في الكثير من
المهرجانات بسبب
موضوعه) أنه يروي قصة "يونس".. وهو مهاجر جزائري مسلم شاب (طاهر رحيم بطل
فيلم "نبي")
يقيم في مقاطعة فيشي بفرنسا في زمن الاحتلال الألماني النازي للبلاد، ويعمل
في تجارة السوق السوداء. تقبض عليه رجال الشرطة ويطلبون منه التجسس على
أفراد من
العرب المسلمين يترددون على مسجد، تعتقد الشرطة النازية أنه
يخفي يهودا بداخله
لحمايتهم من الشحن الى معسكرات الاعتقال النازية. وتدريجيا يكبر وعي يونس،
خاصة بعد
أن يعقد صداقة مع مغني يهودي، فيقرر التطوع للمشاركة في المقاومة الفرنسية
ضد
الألمان.
وتذكر المعلومات المتوفرة أن الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، وأن اسماعيل
فروخي استعان بالمؤرخ اليهودي الفرنسي بنيامين ستورا
Stroa
الذي كان يعيش في
الجزائر حتى الاستقلال في 1962، وهو متخصص في التاريخ الجزائري. وقد عمل
مستشارا
تاريخيا لأحداث الفيلم.
الموضوع جذاب، ولكن يبقى أن نرى كيف تعامل معه فروخي
وبأي أسلوب، وهل نجح في الوصول بفكرته الإنسانية الى الجمهور في الغرب الذي
صنع
الفيلم لأجله أساسا.
فروخي هو بالطبع المخرج المغربي الذي أخرج الفيلم الفني
الكبير "الرحلة الكبرى" (2004). وقد كتب سيناريو الفيلم الجديد بالاشتراك
مع الكاتب
الفرنسي آلان ميشيل بلون. والفيلم من الإنتاج الفرنسي بالكامل فقد اشتركت
في انتاجه 3
شركات فرنسية هي بيراميد، وفرانس 3 سينما،
وسولير، وإن صورت الكثير من مناظره في
المغرب.
وإضافة الى فيلم ليلى كيلاني حصل فيلم فوزي بن سعيدي "موت للبيع" أيضا
على منحة من مؤسسة سند، وهو من الانتاج المشترك بين المغرب وفرنسا وبلجيكا (والإمارات). وصور في مدينة تطوان في شمال
المغرب، ويروي قصة مجموعة من الشباب
يحاولون سرقة محل للمجوهرات لكنهم يختلقفون فيما بينهم.
أما فيلم "ديما براندو"
(أي
"دائما براندو" باللهجة التونسية، ففيه يعود المخرج الكبير رضا الباهي،
الذي
لعب دورا بارزا في مسيرة الفيلم التونسي منذ السبعينيات، الى السينما
بمشروعه
الطموح الذي كان قد بدأه منذ سنوات على أن يشارك في بطولته
النجم الأمريكي الراحل
مارلون براندو، لكن براندو رحل عن الحياة قبل أن يتمكن من الظهور في الفيلم.
ويستخدم الباهي المواد الوثائقية التي
صورها خلال لقاءاته مع براندو في فيلمه لكنه
يعيد بناء الأحداث بحيث يحوله الى فيلم روائي يدور حول العلاقة
بين الغرب والشرق،
على نحو يذكرنا بالتيمة الأثيرة لدى الباهي منذ "العتبات الممنوعة" (1973)
فيلمه
الأول، ثم فيلمه الثاني "شمس الضباع"(1976).
وقد عرضت الأفلام الثلاثة (فيلما
المغرب والفيلم التونسي) في مهرجان تورنتو الشهر الماضي.
وبالتالي لن يكون عرضها في
أبو ظبي العرض العالمي الأول كما كان يأمل المهرجان.
من فينيسيا
إذا تجاوزنا
الأفلام العربية في المسابقة، سنجد أن هناك أربعة أفلام من تلك التي عرضت
داخل
وخارج المسابقة في مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير، هي "منهج خطر"
و"الحصان
الأسود" و"دجاج بالخوخ" و"يوميات فراشة".
أهم هذه الأفلام جميعها وأكثرها قربا
من السينما الفنية، سينما الشعر والسحر والجمال والتأمل
الفلسفي هو فيلم "دجاج
بالخوخ" Chicken with Plums
للمخرجة الايرانية الأصل.. الفرنسية الجنسية ماريان
ساترابي وزميلها المخرج فنسنت بارونو. والفيلم تحفة حقيقية في
رأي كاتب هذه السطور.
وقد يكون هو الفيلم الأجمل في المسابقة كلها.
يليه مباشرة فيلم "منهج خطر"
لديفيد كروننبرج الذي يصور العلاقة العاطفية الحميمة المعقدة بين يونج
(تلميذ عالم
النفس الشهير فرويد) وسابينا شبيلرين (كيرا نايتلي) المريضة التي تشهد
ولادة علم
النفس الحديث، والتي يتولى علاجها يونج ثم تتعقد علاقتهما،
ويتدخل فيها فرويد إلى
أن تتجه ماريا لدراسة علم النفس وتصبح هي نفسها فيما بعد طبيبة نفسية. فيلم
بديع
بتكويناته وأدائه التمثيلي الرائع بين الثلاثي الذي يقوم بالأدوار الرئيسية
وفي
المقدمة مايكل فاسبندر في دور يونج.
أما "يوميات فراشة" فهو فيلم من أفلام الرعب
الحديثة، مصنوع بدقة ويعتمد على سيناريو ملييء بالتفاصيل التي تعتمد على
التحليل
النفسي للشخصية الرئيسية، وهي تعاني من هواجس خاصة تجعلها
تتشكك في امتلاك زميلة لا
في السكن الجامعي قوة سحرية وأنها توظفها من أجل تدميرها، وهي الحالة
المعروفة في
علم النفس بـ"البارانويا". والفيلم بديع بالفعل، ويتميز بالأداء الرائع
لمجموعة
الممثلات الشابات، وكذلك بالاخراج المتقن والتصوير الذي يضفي طابعا سحريا
على
الصورة. وهو من تأليف واخراج المخرجة الكندية ماري هارون.
الحصان الأسود
وقد
تعجبت كثيرا من اختيار ادارة مهرجان أبو ظبي للفيلم الأمريكي "الحصان
الأسود" (العنوان
حرفيا "الحصان الداكن" Dark Horse)..
لأن أساس الكوميديا فيه يمكن في
السخرية من شخصية شاب عربي (خليجي تحديدا) هو الذي يحمله
الفيلم مسؤولية تدهور
الحالة النفسية لبطل الفيلم البدين الذي يتصف بالبراءة الشديدة مثل الأطفال
وهو
يسعى للتحقق ولو من خلال التشبث بالحلم الكاذب.. حلم الحب والارتباط بامرأة
يتضح
أنها سبق أن تزوجت من ذلك الشاب الخليجي (ويدعى محمود) وكيف
أنه مخادع وزنديق
وكاذب، يتلاعب ببطلنا ويكاد يؤدي به للجنون.
والفيلم من النوع الكوميدي الشائع،
الذي يعتمد على سيناريو مسرحي قائم أساسا على المفارقات التي
يتم التعبير عنا من
خلال الحوار.
وجدير بالذكر أن هذا الفيلم من إنتاج وتمثيل حفنة من السينمائيين
الأمريكيين اليهود مثل تود سولوندز المخرج، والممثلين جوستين بارتا وسالما
بلير
وزاكاري بوث. ويعتبر الفيلم على نحو ما، من الأفلام العنصرية
البغيضة التي تتجه
قصدا الى النيل من جنس آخر، هو هنا تحديدا، الجنس العربي.
ومن الأفلام
التي سبق أن عرضت بمهرجان تورنتو أيضا نجد فيلم "محظوظ"
Lucky
اخراج أفي لوترا، وهو
يصور كيف يغادر طفل من قبيلة الزولو في جنوب افريقيا قريته ليذهب الى
المدينة لكي
يبدأ حياة جديدة لكنه لا يجد أحدا يساعده بل يتجنبه الجميع، ويعاملونه
بازدراء، إلى
أن تقابله امرأة هندية عجوز تدعى بادما هي التي تتبناه وتصبح
بمثابة ام بالنسبة له.
وقد لقي هذا الفيلم اعجاب الكثير من النقاد الذين اشادوا بموضوعه المؤثر
الذي يقدم
صورة واقعية لواقع جنوب افريقيا حاليا بما في ذلك موضوع العنصرية التي
لاتزال قائمة
على نحو ما.
من إيران يعرض في مسابقة أبو ظبي فيلم المخرج أشقر فرهادي "انفصال" A Separation
الذي فاز بالدب الذهبي في مهرجان برلين وقد مضى على صنعه نحو العام
حاليا. ولا أعرف لماذا لم يجد المهرجان فيلما إيرانيا حديثا
لعرضه بالمسابقة
والأفلام الإيرانية كثيرة!
مأساة هندية
ولاشك أن حصول
المهرجان على الفيلم البريطاني الجديد تريشنا"
Trishna
لمايكل وينتربوتوم (الذي عرض
للمرة الأولى أيضا في تورنتو) هو أمر يحسب لصالح المهرجان،
فهذا الفيلم لم يعرض في
بلاده حتى الآن، وهو معد عن رواية توماس هاردي
Tess of the D'Urbervilles
وهو تحول
مشهود في عالم وينتربوتوم السينمائي الذي انشغل خلال السنوات
العشر الأخيرة
بالقضايا السياسية في عالمنا. وهو يعود هنا الى تلك التراجيديا التي سبق أن
تصدى
لها كمخرج في فيلم بديع أخرجه عام 1996 بعنوان "جود"
Jude (من أوائل الأفلام التي
ظهرت فيها كيت ونسليت) عن نفس رواية توماس هاردي، وكان يدور في الأجواء
الحقيقية
للرواية أي في الريف البريطاني في أوائل القرن العشرين. أما الفيلم الجديد
فتدور
أحداثه في الهند، وأساس المأساة فيه بالطبع هو أيضا ذلك الحب
الذي ينشأ في ظروف
تاريخية واجتماعية تنتهي به الى نهاية دامية.
يقوم بدوري البطولة فيه فريدا بنتو
(المليونير
الصعلوك، ميرال) وريز أحمد.
تبقى ثلاثة أفلام هي فيلم من اليابان
(أتمنى)،
وفيلم أمريكي "رامبارت" وفيلم مكسيكي اسباني مشترك بعنوان "أسباب القلب" (عرض
في تورنتو أيضا، وهو أهم الأفلام الثلاثة وربما يكون المفاجأة الحقيقية في
المسابقة.. من يدري!
الجزيرة الوثائقية في
13/10/2011 |