من ناحية مبدئية، ظل كل ما في فيلم «منتصف الليل في باريس»، مجهولاً
تماماً لأي
كان، حتى مساء أول من أمس الأربعاء، حين بدأ عرض الفيلم في
افتتاح مهرجان «كان»
السينمائي. هذه المرة أيضاً، إذاً، أصرّ وودي آلن على أن يبقى
الغموض قائماً من حول
فيلمه الجديد، حتى اللحظات الأخيرة.
أراد أن يشاهد الناس جميعاً الفيلم
في وقت واحد. ومن هنا إذ بدأ عرض الفيلم في
الصالات الفرنسية يوم الأربعاء نفسه،
أصرّ وودي على أن يكون موعد الثامنة مساء هو الوقت المحدد لبدء العرض الأول
في
الصالات، كما في المهرجان. نعم كانت ثمة أمور كثيرة متداولة حول الفيلم:
أسماء
نجومه، حضور كارلا بروني - ساركوزي السيدة الفرنسية الأولى فيه، وإن في دور
قصير...
وكون أحداثه تدور في باريس. ومن حول عائلة أميركية. ولكن أي باريس؟ باريس
الحاضر
كما قال كثر وهم واثقون مما يقولون، أو باريس الماضي - العشرينات
والثلاثينات - كما
قال آخرون، وبدوا بدورهم واثقين تماماً مما يقولون؟
لعبة المدن
حين
كان وودي ألن يُسأل عن هذا طمعاً في زوال
الحيرة، كان يكتفي بالابتسام قائلاً: «سوف
ترون. ربما كنتم جميعاً على صواب وربما كنتم جميعاً على خطأ». وطبعاً، لا
بد من
الإشارة هنا الى أنه كان ثمة، من بين الصحافيين والنقاد، مَن شاهد الفيلم،
وأحياناً
في رفقة صاحبه. غير أن هؤلاء القلة من سعيدي الحظ، كانوا قبل موافقة وودي
على
مشاهدتهم الفيلم - على الأقل كي يتمكنوا من إجراء حوارات ضرورية «ترويجية»
معه في
شأنه - كانوا يقسمون أمام المعلم وبصدق أنهم لن يكشفوا شيئاً قبل لحظة بدء
العرض.
وهم فعلوا ذلك حقاً. ولعل هذا ما ضاعف من حسّ الترقب، لا سيما في فرنسا حيث
كان
الجمهور الفرنسي العريض يريد أن يعرف على الأقل: أولاً، كيف مثلت سيدتهم
الأولى تحت
إدارة المخرج الأميركي الكبير، وثانياً، كيف صوّر هذا الفنان عاصمتهم.
وأخيراً، إذ
عرض الفيلم، انكشفت الأمور كلها. أسفرت عن خيبة بالنسبة الى الأمر الأول،
وعن فرحة
غامرة بالنسبة الى الأمر الثاني. بكلمات أخرى، خيّب حضور كارلا الآمال، حتى
وإن كان
وودي سيقول إنها بدت له ممثلة كبيرة على رغم قصر دورها (واعداً، بين الجدية
والمزاح
بأن يجرب حظه مع زوجها السيد الرئيس في المرة المقبلة)... ذلك أنها تمر في
الفيلم
عبوراً في دور دليل في متحف ومترجمة تتبادل مع بطل الفيلم أوين ويلسون بعض
العبارات
لا أكثر. لكن الفيلم أتى عكس ذلك: أحيا آمالاً في أن وودي آلن المقترب من
عامه
الثمانين لا يزال فناناً كبيراً، ولا تزال مخيلته تشتغل بقوة. وكذلك لم
يبدوا
مخطئين لا أولئك الذين توقعوا أن يكون الفيلم عن باريس الحاضر ولا الآخرون
الذين
تحدثوا عن باريس العشرينات والثلاثينات. ذلك أن «منتصف الليل في باريس»
يدور في
الحقبتين معاً... وفي شكل يصعب على كثر غير وودي آلن امتلاك مخيلة كافية
لتحقيقه.
مستحيل...
بعد دقائق من الصور الملونة الرائعة لباريس على
صخب موسيقى الجاز يعزفها سيدني بينيت ووقع أغنية «إن رأيت أمي» العابقة
بالحزن،
نجدنا في باريس اليوم وفي زيارتها، بين آخرين الخطيبان الأميركيان جيل
وإينيز. ثمة
قرار بأن يعيشا ويعملا هنا. غير أن الفتاة لا تحبذ هذا القرار كثيراً، فهي
متمسكة
بأميركا التي صنعت ثروة والديها الغنيين، وتنتمي الى مجموعات «التي بارتي»
(حفل
الشاي) اليمينية. أما جيل فإنه مؤلف مسلسلات تلفزيونية، لكنه مثل أبناء ما
كان يسمى
بالجيل الضائع (كتّاب أميركا بين الحربين العالميتين من الذين خاضوا
التجربة
الباريسية في ذلك الحين)، يحلم بأن يكتب رواية وبأن يعيش التجربة التي -
طبعاً -
باتت مستحيلة. ولكن هل ثمة ما هو حقاً مستحيل في السينما، وفي سينما وودي
آلن
بالتحديد؟ لأن المستحيل مستحيل تحت يدي صاحب «آني هال» و «زيليغ»
و«مانهاتن» و «ضربة
المباراة»، ها هو هذا الفنان يشغّل مخيلته وأفكاره، واضعاً إياها في خدمة
أناه الآخر (ذلك أن جيل في الفيلم يكاد يكون، فكرياً وأحلاماً، نسخة من
وودي آلن).
وهكذا، إذ يكتشف جيل بعد وصوله الى باريس، ان الحياة فيها قد تكون جميلة
رائعة،
ولكن ليس له أن يتوقع استعادة ما يعرفه أو يتذكره عن باريس أرنست همنغواي
وبيكاسو
والزوجين فيتزجيرالد، يجد نفسه - كالمسحور - عند منعطف طريق أمام سيارة
قديمة ما أن
يصعد الى مقعدها حتى تقوده، ليس في رحلة في المكان، بل في رحلة في الزمان:
عند
نهاية الرحلة المفاجئة يجد صاحبنا نفسه في باريس القديمة، باريس الحي
اللاتيني
ومونبارناس ومونمارتر. باريس بيكاسو والفن التكعيبي، في صحبة لويس بونويل
وبيكاسو،
وفي حضرة أوثانه، من همنغواي الى جرترود شتاين، مروراً بسكوت فيتزجيرالد
وزيلدا (زوجة
هذا الأخير)...
حكاية ملصق
لا يقدم لنا وودي آلن هذه النقلة
بوصفها حلماً، ولا بوصفها أمنية مصوّرة تدور في ذهن صاحبها، بل إنه يقدمها
إلينا
كحقيقة واقعة، وهو يدرك كل الإدراك أن بصرية السينما تكاد تكون الفن الوحيد
الذي
يمكن أن يوصل الى قناعة من هذا النوع. وهكذا، نجدنا مع الفيلم ننتقل من
باريس الى
أخرى وكأننا نفتح لنقرأ صفحات صاخبة من كتاب أرنست همنغواي «باريس... عرس
دائم».
وهنا، في هذه المشاهد كل ما هو باريسي يشكل جزءاً أساسياً وحنوناً من
الذاكرة
الرومانسية، موجود، يتوالى أمام أعيننا بالفعل. الرسم واللوحات، الموسيقى
والأغاني
والرقص المجنون، والتأرجح بين الذهنية الأميركية والذهنية الفرنسية المسماة
ذهنية
العصر الذهبي. هنا يختلط كل شيء بكل شيء ويبدو سحر باريس في أروع تجلياته،
ما يجيب
عن سؤال حائر كان شغل منذ أسابيع أذهان الذين شاهدوا ملصق الفيلم حيث يتمشى
ويلسون
عند ضفة نهر السين ووراءه «باريسان» اختلطا ببعضهما بعضاً، إحداهما في صورة
واقعية
والثانية في رسم تعبيري، وتظلل الاثنين معاً، سماء رائعة النجوم والألوان
مأخوذة من
لوحة شهيرة لفان غوغ. وفي يقيننا أن هذا الملصق - على ضوء مشاهدة الفيلم -،
يأخذ كل
معناه. ولكن بعد كل شيء، هل كان يمكن كل هذه النقلة وكل هذه الرومانسية أن
تكونا
مقنعتين من دون قصة حب؟
حسناً، قصة الحب موجودة بدورها، بل تشكل أساس
الفيلم. لكنها ليست تلك التي بين جيل وخطيبته الأميركية، بل الأخرى، التي
تدور في «باريس
القديمة» بين جيل وأدريانا، الحسناء الفرنسية التي يتعرف إليها في صالون
جرترود شتاين. وسرعان ما يصبح هذا الحب مع أدريانا (ماريون كوتيار) حب حياة
جيل،
غير أنه - وكما يمكن أن نتوقع - لن يكون حباً ذا نهاية حسنة. لأن الواقع
سرعان ما
سيعيد جيل إليه، تماماً كما يحدث في فيلم «بريغادون» الكوميدي الغنائي
القديم، الذي
يبدو أنه كان «طيفاً» يحلق
في فضاء فكر وودي آلن حين كان يكتب «منتصف
الليل في باريس».
واضح أن وودي
آلن نجح في امتحانه الباريسي، كما نجح في
امتحان «كان». وقدم هنا فيلماً سيحكي عنه
الناس طويلاً... وعلى الأقل لأنه فيلم لم يكشف فيه آلن فقط عن نشاطه الفكري
والإبداعي والخيالي - كعادته في معظم سينماه على أية حال - بل لأنه، أكثر
من هذا،
فيلم كشف فيه من جديد قوة السينما وسحرها وقدرتها الفائقة على خلق عوالم
موازية،
سرعان ما تصبح هي هي العوالم الأكثر جمالاً، أي الأكثر حقيقية. وبعد هذا،
وطالما أن
وودي آلن أصر، كدأبه، على تقديم فيلمه خارج التباري في «كان»، هل سيعبأ أحد
يا ترى
بعدد النجوم التي سيمنحها هذا الناقد أو ذاك، هذه المطبوعة أو تلك،
لفيلمه؟
الأفلام «الفضائحية» تكتسب في «كان»
احتراماً متجدداً
على رغم ان الزمن كان تالياً مباشرة لأحداث العام 1968 وولادة ما سمي
يومها
«المجتمع السموح»، فإن فيلمين ظهرا تباعاً لكل من ستانلي كوبريك
وبرناردو
برتولوتشي، كان من حظهما ان يثيرا الغضب
الرقابي وحتى الاجتماعي، الى درجة ان كلاً
منهما اعتبر يومها فضيحة الفضائح، وتسبب لمخرجه من ان يصنّف في خانة
السينمائيين
الملعونين. الفيلمان هما «البرتقال الآلي» لكوبريك و «آخر تانغو في باريس»
لبرتولوتشي. الأول سُحب من العرض في لندن بعد ايام من بدء عرضه قبل ان
يُمنع في
بلدان عدة، والثاني مُنع اصلاً في بلدان اكثر عدداً.
اليوم، بعد أربعين عاماً، أو نحو ذلك، صار الفيلمان كلاسيكيين ويحظيان
باحترام
ما بعده احترام... ومخرجاهما يُنظر إليهما
على انهما اثنان من كبار سينمائيي تاريخ
الفن السابع، في الوقت الذي مرّ أكثر من عقد على رحيل كوبريك، ويبارح
برتولوتشي
عامه السبعين. وها هو مهرجان «كان» كتتويج لقسط الاحترام الكبير الذي يجابه
به هذان
المخرجان، يكرمهما في شكل أو آخر في دورته الجديدة. برتولوتشي كرّم شخصياً،
في
الافتتاح، كما أشرنا بإسهاب قبل فترة على هذه الصفحات، ثم عبر عرض نسخة
مرممة
لفيلمه «الممتثل» عن رواية ألبرتو مورافيا. وكوبريك، لمناسبة ما يُعتبر في
العالم
الآن «عام ستانلي كوبريك» وتحديداً عبر عرض خاص يوم الجمعة المقبل لـ
«البرتقال
الآلي» في حضور بطله مالكولم ماكدويل، وفي التزامن مع عرض فيلم حققه الناقد
الفرنسي
أنطوان دي غوديمار، عن الفيلم وظروف تصويره ومسار لعنته ثم حضوره الآن في
كلاسيكيات
سينما العالم.
وبصرف النظر عن الرقابة واللعنة، لا بد من الإشارة هنا الى ان
«البرتقال الآلي»
(1971)
فيلم كبير، ومؤسس ورؤيوي، كما هي حال دزينة
الأفلام التي حققها صاحبه
(الأميركي الذي نفى نفسه الى بريطانيا، تحديداً بالترابط مع
فضيحة أخرى، رافقت
إنتاجه وأخراجه فيلم «لوليتا» عن رواية
فلاديمير نابوكوف) ستانلي كوبريك. ولئن كان
هذا الأخير - كعادته - اقتبس الفيلم عن عمل ادبي (هو الرواية بالاسم نفسه
للكاتب
الإنكليزي انطوني بارغس، فإنه سرعان ما حوّل الرواية الى عمل شديد الخصوصية
نظر فيه
الى المستقبل، وإلى مسائل ظلت دائماً تشغل باله وبال سينماه، مثل السلطة
والعنف
والجنون والتدجين والمستقبل وثورة الشبيبة، وحيوانية الكائن البشري خارج
حضور العقل
وما إلى ذلك. بهذا، إذاً، ضم كوبريك نص بارغس الى متنه الفكري الخاص، فكانت
النتيجة
فيلماً رائعاً، عنيفاً، قوياً، عميقاً، وتطهيرياً، بمعنى ان الفيلم نفسه
اشتغل على
مشاهديه في بعد أرسطي ينتمي الى الفعل التطهيري، على العكس تماماً مما
اشتغلت به
السلطات في الفيلم، حين أرادت ان تشفي بطله أليكس دولارج، من عنفه بعد ان
ضجر
المجتمع من ممارساته ورفاقه في مستقبل لندني غير بعيد. فمحور حبكة الفيلم
يدور حول
عصابة من الشبان تزرع عنفاً وفساداً في البيوت كما في الشارع، حتى اللحظة
التي
تتمكن فيها السلطة - بفضل رفاق أليكس وقد صاروا من أفرادها - من القبض
عليه، لتجري
سلسلة من التجارب السيكولوجية والآلية التي تقهر ملكة العنف لديه وتحوّله
كائناً
مسالماً خنوعاً...
كانت الفضيحة في شأن هذا الفيلم يومها عنفه والجنس الذي يملأه، ناهيك
بإدانته
العنيفة للوسائل الإعلامية والممارسات السلطوية واستخدام علم
النفس في تدجين
الأفراد... ونعرف طبعاً ان هذا كله لا يزال
حاضراً بل يزداد فعالية، لكن الجديد هو
ان الإعلام والفنون - والسينما بوجه خاص - تحررت من ضغط الرقابات في
مجتمعات تبدو -
ظاهرياً - اكثر تسامحاً، وهذا ما يجعل العنف والجنس الماثلين في «البرتقالي
الآلي»،
أقل فضائحية، هذا إن لم نقل أكثر قدرة على إفهام رسالة الفيلم الإنسانية
الرؤيوية
من ذي قبل. وما عرض الفيلم في «كان» اليوم وسط هذه الهالة التكريمية، سوى
إشارة الى
هذا التطور الكبير في الذهنيات كما في فهم لعبة الفن، ودور الفن في التحرر،
أياً
يكن الثمن.
من «كان»
...
نشاط في أبو ظبي في زوايا المهرجان
إذا كانت دورة هذا العام لمهرجان «كان»، تشهد عدداً قليلاً جداً من
العروض
العربية، خارج إطار التحيتين اللتين سبق ان تحدثنا عنهما (لمصر
وتونس) لمناسبة
انتصار ثورة الشباب في كل منهما، فإن
المهرجان، في حد ذاته، لن يخلو من عروض عربية
متنوعة، وذلك إما في سوق الفيلم، حيث يمكن كل منتج - أو مخرج - أن يعرض
فيلماً له،
كي يجد موزعين يشترونه، وإما في التظاهرات الصغيرة والثانوية، وأبرزها،
بالنسبة الى
السينمائيين الشبان، «زاوية الأفلام القصيرة»، حيث يمكن السينمائي أن يعرض
أي فيلم
يشاء امام متفرج أو اثنين أو أكثر.
وهذا العام تشهد زاوية «الأفلام القصيرة» عروض عدد لا بأس به من
الأفلام الآتية
من أبو ظبي، حيث سبق أن أعلنت هيئة
سينمائية في هذا البلد عن تخصيص صالة صغيرة في «الزاوية»
لعرض هذه الأفلام. وأبو ظبي، ايضاً تنشط من جديد هذا العام في جناح خاص
بها في القرية العالمية، حيث تتيح مكاناً واسعاً للقاء بين السينمائيين
والموزعين
والنقاد. وقد دعا الجناح الظبياني، السينمائيين العرب الى لقاء خاص بعد ظهر
اليوم،
الجمعة، في الجناح للتباحث في ما بينهم حول الشؤون السينمائية، كما للحديث
حول
الدورة المقبلة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الذي يُعقد في الخريف المقبل.
شيء من الإنصاف لحسين كمال ويحيى حقي
>
خصص المهرجان لفتة لواحد من الأفلام العربية الكلاسيكية التي
تعرضت الى ظلم
قاس طوال تاريخها. وهو «البوسطجي» للراحل حسين كمال، ضمن
تظاهرة «كان كلاسيك» التي
تعرض عادة أفلاماً عالمية كلاسيكية جرى
ترميمها من جانب مؤسسات عالمية.
لسنا ندري، هنا، ما إذا كانت النسخة التي تُعرض في التظاهرة مرممة،
لكن الذي
نعرفه هو ان هذا الفيلم الذي حقق في سنوات الستين، نُسي الى حد
كبير طوال العقود
اللاحقة، حتى وإن كان قد عُرض في مناسبات
وندوات، ولا سيما خلال ندوة أُقيمت قبل
أعوام في القاهرة تحية ليحيى حقي، ذلك ان «البوسطجي»
مأخوذ عن قصة طويلة للكاتب
الكبير الراحل. وكانت مناسبة عرضه القاهرية
فرصة لإعادة اكتشافه، خصوصاً ان باحثة
جامعية مصرية قدمت عنه في ذلك الحين دراسة تعتبر استثنائية في مجال
المقارنة بين
الرواية والفيلم المأخوذ عنها. والذي نأمله اليوم هو ان يكون العرض «الكانيّ»
لـ «البوسطجي»
مناسبة لعودة الاهتمام بمخرجه حسين كمال ومؤلفه يحيى حقي.
الدورة الأكثر نسائية
>
من ضمن المساوئ التي لا تعد ولا تحصى والتي «ميّزت» الدورة
السابقة
للمهرجان غياب المتباريات النساء عن المسابقة الرسمية بوصفهن
مخرجات... كما ان حضور
هؤلاء السينمائيات في التظاهرات الأخرى من
«نظرة ما...» الى «نصف شهر المخرجين»،
كان نادراً، وأقل من المعتاد بكثير. هذه
المرة، في الدورة الجديدة، تبدو الأمور
أكثر عدلاً بكثير، حتى وإن كنت ستجد
سينمائيات كثيرات يقلن ان هذا ليس كافياً.
مهما يكن، نذكر هنا ان في المسابقة الرسمية وحدها أربع مخرجات، من
فرنسا (مايوين
في فيلمها «بوليس») واسكتلندا (لين رامزي في فيلمها «نحتاج الى
الحديث عن كيفن»)
واليابان (نعومي كاوازي في «هانيزو نوتسوكي») وأخيراً
الاسترالية جوليا لي في
فيلمها الأول - والذي يتحدث عنه كثر منذ
الآن - «جمال نائم». فإذا أضفنا الى هذا،
اسمين على الأقل هما جودي فوستر، في فيلمها الجديد المعروض خارج المسابقة،
واللبنانية نادين لبكي (في جديدها المعروض في تظاهرة «نظرة ما...»)، إضافة
الى
المغربية ليلى كيلاني، سنجدنا ربما أمام واحدة من أكثر الدورات «نسائية» في
تاريخ
المهرجان، ما يعطي انطباعاً بأن يكون غريباً ان تخلو حفلة الختام من جائزة
أو أكثر
لفيلم حققته امرأة!
تظاهرة للسينما إذ تكرّم نفسها
>
من المعروف ان عروض تظاهرة «كان كلاسيك» تعتبر نوعاً من تحية
السينما
لتاريخها... وإلى هذا ها هي الدورة الجديدة تحتفل بالسينما في
شكل أكثر مباشرة،
وذلك من خلال تظاهرة خاصة تحمل عنوان
«أعمال وثائقية عن السينما». ويفهم من هذا
العنوان ان عروضه إنما تتعلق بأعمال حققت قديماً أو حديثاً - وحديثاً في
شكل أغلب -
من حول سينمائيين متنوعين، بحيث يصحب عرض كل عمل من هذه الأعمال تكريم فنان
أو
استعادة ذكراه. وفي بعض الحالات يمكن القول ان بعض هذه الأعمال ينتج بدعم
أو حتى
بتمويل من «كان» نفسه، إنما من دون الإعلان عن ذلك.
علماً أن مبادرة من هذا النوع، كان اتخذها رئيس المهرجان جيل جاكوب
قبل سنوات
حين طلب من أكثر من ثلاثين مخرجاً عالمياً، من الذين اعتادوا
عرض أفلامهم في دورات
«كان» أن يحقق كل واحد منهم فيلماً في دقيقة أو أكثر، حول
علاقته بالسينما أو رؤيته
لها ولتاريخها.
هذه المرة تتألف عروض هذه «التظاهرة» من الأفلام الآتية: «كوروساوا...
الطريق»
لكاثرين كادو، و «النظرة...» لأنجيليكا ماكاروني، و «عالم
كورمان: مآثر متمرد
هوليوودي» لآلكس ستابلتون، و «مسار بلموندو»
لفنسان بيرو، وأخيراً «كان يا ما
كان... البرتقال الآلي» لأنطوان دي غوديمار... وهو الفيلم الذي يرافق تكريم
ستانلي
كوبريك من خلال عرض نسخة مرممة من تحفته «البرتقال الآلي». (راجع مكاناً
آخر في هذه
الصفحة).
سينما الغد العربية في «لونوفيل أوبسرفاتور»
>
مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور»، نشرت في عددها الموزّع بدءاً من
أمس، ولمناسبة
المهرجان، وفي شكل أكثر تخصيصاً، لمناسبة الاحتفال بما بدئ
يُطلق عليه اسم «الربيع
العربي»، تحقيقاً خاصاً حول ما تصفه المجلة
بأنه «سينما عند فجر نهضة جديدة»، وذلك
تحت عنوان «السينما العربية تقوم بثورتها».
وتقدم المجلة للتحقيق/ الملف كما يأتي: «لقد صوروا سقوط نظامي بن علي
ومبارك، في
تونس كما في مصر، نزل المتظاهرون الى الشارع وهم يحملون
الكاميرات. والصور التي
التقطوها غذّت شاشات الـ «فايسبوك». وهي -
هذه الصور - من المؤكد انها ستصنع سينما
الغد،
بينما ثمة آخرون يجهزون أنفسهم ليصوروا مواضيع لطالما كانت محظورة. إذاً،
بعد
سنوات من الرقابة، ها هي المخيلة العربية تمسك السلطة».
الحياة اللندنية في
13/05/2011
فيلم افتتاح مهرجان «كان» السينمائي الدولي
وودي آلان يحتفي بالعاصمة الفرنسية وسيدة الإليزيه على
الهامش
عبدالستار ناجي
مدهش هو وودي آلان.. ورائع .. يأخذنا الى عوالم السينما الخصبة الزخم
الفني والابداع والثقافة عبر حكاية قد تبدو مجرد هامش وذريعة لما يريد
الوصول اليه حيث الاحتفاء بتلك المدينة الساحرة والثرية بالتاريخ الانساني
والابداعي الخصب .
فيلم «منتصف الليل في باريس» لم يتم اختياره لافتتاح مهرجان «كان»
السينمائي من اجل تلك المشاركة الهامشية لسيدة الاليزيه الاولى «كارلا
بروني ساركوزى» بل لما هو ابعد حيث اسم وودي آلان والقيمة الفنية التي
يمثلها هذا المخرج المشاكس الذي انفلت بعيداً عن هوليوود ليشكل عوالمه
وقيمته واسمه في نيويورك ومن هناك راح يدهش العالم بنزقه السينمائي الشذي
بالفن والحرفة والابداع.
وهو هنا يجول بنا في باريس بعد ان توقف من ذي قبل في العديد من المدن
الاوروبية ومنها برشلونة ولندن .
مبدع يرى المدن بشكل مختلف يذهب الى عوالمها وتاريخها وشخوصها
وحكاياتها واسرارها وهذا ما يجعل المشاهد وكأنه يذهب الى كتاب مفتوح عامر
بالفكر والفن والتاريخ والدهشة. فما حكاية «منتصف الليل في باريس» انها
حكاية كاتب روائي وخطيبته يقوم بمهمه عمل برفقة والدي زوجة المستقبل هو
يهيم عشقا بباريس وتاريخها وكل التفاصيل الدقيقة لتلك المدينة الحلم . وهى
مشغولة بشراء احتياجات بيت العمر مع اسرتها البرجوازية. علما بأن الاحداث
تجري هذه الايام . وخلال تجوالهم يلتقيان بصديق قديم لزوجته منذ ايام
الجامعة جاء مع زوجته الى باريس وهو مدعٍ للثقافة الفرنسية .
من هناك تبدأ علاقه تعترف بها لاحقا الزوجة لانها تخرج الى احدى
المراقص برفقة الصديق القديم في حين يظل الكاتب الاميركي هائما في تلك
العوالم الساحرة.
وذات ليلة واثناء خروج الكاتب في جولة في شوارع باريس يجد نفسه في احد
الازقة وحيدا ومع الاعلان عن منتصف الليل يشاهد سيارة قديمة تمر من حيث يقف
يطلب منه ركابها ان يرافقهم في سهرتهم حيث يجد نفسه بين مطرب مشهور من زمن
العشرينيات في باريس وصديقته واللذين يرحبان به الى حيث سهرة في احد
الاندية وهناك يلتقي مع ارنست همنغواي والذي كان يعيش في تلك الفترة
الزمنية من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في باريس. ويتحدث معه عن
روايتيه المرتقبة ويدله على عدد اخر من الاسماء التي كانت تطرز وتشكل صورة
المشهد الثقافي في باريس والعالم .
وتمضي الرحلة الى تلك البيوتات والاندية الثقافية والصالونات الفكرية.
وحينما يخرج يجد نفسه في باريس اليوم حيث الحقيقة، والمواجهة مع النزعات
المادية لزوجة المستقبل وامها ووالدها.
ويحكي لزوجته حكاية الامس، وتذهب معه الى حيث المكان الذي جاءت اليه
السيارة القديمة، ولكنها لا تنتظر منتصف الليل في باريس وتمضي الى حيث صديق
الامس في حين تصل السيارة البيجو القديمة التي تستقلها كالعادة الى تلك
الوجوه الادبية فيتحدث الى همنغواي وسلفادور دالى ومع بابلو بيكاسو يلتقي
مع احدى العارضات الجميلات «ادريانا» التي كانت احدى عشيقات بيكاسو التي
تعجب به ويظل يحرص على التواصل معها في ليل باريس الممطر مع اخذ آراء
المفكرين في كتابه وروايته الجديدة .
ويظل الواقع يأخذك كلما اشرقت الشمس وجاء النهار حيث يواصل جولته
وصديقها وزوجته في المعارض والمتاحف ودائما من يتحدث هو صديق زوجته وفي كل
مرة يصحح له الكثير من الاخطاء التاريخية حيث كشف الاداء.
وخلال الجولات يلتقي الجميع مع احدى الموافقات التي تقود السواح
للتعريف بالتحف والتماثيل والمتاحف تجسد الشخصية «كارلا بروني ساركوزى» وهي
تظهر في مشهدين فقط سرعان ما يضيعان وسط تلك المشهديات السينمائية الخلابة
والتي تزيدنا سحرا بجمال باريس وايضا الرحلة الى الماضي وتلك الشخوص التي
طرزت ذاكرتنا بكل المجد الروائي والشعري والتشكيلي والغنائي والموسيقي.
مشهد بعد آخر يجد «جيل» الكاتب نفسه مشدودا الى باريس في النهار يشتري
الكتب ويتحدث الى شابة في احد المحال لبيع التحف والانتيكات القديمة وفي
الليل يذهب الى المكان ذاته حيث تأخذه السيارة ذاتها الى ذلك الزمن الجميل
الذي لطالما حلم ان يعود اليه وان يعيش به.
وخلال حديثه الى همنغواي يلقط جملة على العلاقة بين الرجل والمرأة
وحينما يحدث زوجة المستقبل عنها وعن علاقتها بالصديق القديم تكذب في
البداية ولكن حينما يلح عليها تعترف بانها اقامت علاقة على مدى اليومين
الماضيين مع ذلك الصديق القديم بحجة انه مشغول عنها.. ويأتي الانفصال .
ولكن الكاتب يذهب الى احد المخازن ليشتري كتابا كانت قد كتبته «ادريانا»
تعترف به بعلاقاتها مع بيكاسو وغيره ولكنها تعترف بانها لم تحب اي منهم سوى
الكاتب الاميركي «جيل» الذي التقت به ثم غاب عنها لانه ينتمي الى زمن آخر..
وهنا مساحة من الخلط بين الازمان والحكايات. وحينما يقرر الكاتب «جيل»
العودة الى الزمن الحقيقي يلتقي في تلك الليلة الممطرة مع الصبية التي تعمل
في محل بيع الانتيكات حيث يتطور الحوار الى مساحة من الاعجاب والتفاعل في
الافكار والنهاية.
وودي آلان يحتفي بباريس والجاز وصناع التاريخ من المبدعين والكبار..
وقبل كل ذلك يحول السينما الى قراءة تاريخية يأخذنا الى التاريخ يحدثنا عن
الكبار ويدعونا الى ان نفتح ملفات كل منهم وان نعيد اكتشاف بيكاسو ومانيه
ولويس بونويل وجان كوكتو وهمنغواي وغيرهم.. فيلم يجعل الاشياء كلها مسخّرة
لخدمة الفكرة والموضوع.. هو لا يحدثنا عن ذلك الكاتب وخطيبته الساذجة بل
يجعلنا ننتقل من كرسي المشاهد الى حيث التاريخ والزمن والابدع كل في مكانه
وتاريخه ومحيطه.. فما احوجنا هنا الى ان نعود الى ازمان مبدعينا حيث نجيب
محفوظ وتوفيق الحكيم وصوت ام كلثوم وموسيقى عبدالوهاب او حتى صوت عوض
الدوخي وقصائد السياب ومحمد الفايز وابداعات هذا وذاك حتى لا ننعزل عن
الماضي ويسيطر علينا الادعاء والتفاهة. وكعاته يكتب وودي آلان ما يريد وهو
ما درج عليه عبر تاريخه السينمائي معه في الفيلم بدور الكاتب «أوين ويلسون»
وفي دور ادريانا «ماريون كوتيارد» وعدد آخر من النجوم ومنهم كاتي بتس
وادريان برودي وايضا سيدة الاليزيه الاولى «كارلا بروني ساركوزي» بدور
المرافقة السياحية التي قدمت دوراً اقل من هامشي.. سرعان ما يُنسى امام
حرفية وودي آلان والاداء الساحر لماريون كوتيارد وايضا باريس الساحرة
الجميلة الخالدة. فيلم يختصر كل شيء عن دور السينمائي حينما يحتفي بمدينة .
حيث الاستدعاء للتاريخ والابداع عبر ذاكرة كتبت بعمق وتحليل وتفرد ابداعي
لهذا تم اختيار الفيلم ليفتتح مهرجان «كان» السينمائي الدولي.. حيث الابداع
السينمائي مشرع على مصراعيه.
وجهة نظر
ثورة
عبدالستار ناجي
قبيل لحظات من بداية العرض الصحافي لفيلم الافتتاح منتصف الليل في
باريس «في قاعة كلود ديبوسي» في قصر المهرجان. ذهبت لتحية مدير المهرجان
تيري فريمو وحينما شكرته على الدعم الكبير الذي يقدمه هذا العام للسينما
العربية واختياره لمصر وتونس كضيفتي شرف المهرجان هذا العام.
هنا جاء رد ذلك السينمائي والمبدع :
> شكرا لثورتكم.. شكرا للحياة الجديدة لشعوبكم وللمنطقة العربية...
انتم دائما هنا «واشار الى قلبه» والآن انتم في القلب والعقل وثورتكم تؤكد
بان الشعوب قادرة على التغيير.
وأترك تيري فريمو الذي ازدحم من حوله الاصدقاء والزملاء الصحافيين
وقبل ان اغادره سألته مستأذنا ان يسمح لي بان اكتب ما قال فقال :
> أتمنى ان نرى الآن السينما العربية بشكلها الحقيقي وأبوابنا مفتوحة
كما هي قلوبنا وعقولنا.
هكذا هو أكبر القيادات السينمائية في مهرجان كان السينمائي. والذي
انضم الى كان منذ اعوام قليلة وسبقه «جيل جاكوب» والذي لا يزال يعمل ولكن
يتيح الطريق لجيل الشباب حيث كان لا يشيخ ولا يكبر.
وهكذا هي المهرجانات السينمائية الكبرى التي لا تتردد بالاحتفاء
بالابداع العربي وايضا بالثورات الحقيقية والتغيير.
اما اولئك الذين يعلقون فشلهم وخيباتهم وعجزهم وتفهماتهم بالادعاء
بعنصرية المهرجان فهؤلاء نسيهم الزمن وظل المكان الحقيقي للمبدعين الذين
لاتزال بصماتهم تطرز ذاكرتنا.. وتاريخنا ومن هؤلاء الكبار نشير الى الراحل
يوسف شاهين الذي لايزال حاضرا في كان حتى رغم رحيله بسنوات لان البصمة لا
تغيب.
وعلى المحبة نلتقي
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
13/05/2011 |