شهد أول من أمس في «كان» الاحتفاء بالشعوب التي واجهت في الشهور
الأخيرة متغيّرات كونية وعميقة، وقد بدأ النهار يابانياً وانتهى كذلك،
ومرّت في منتصفه مشاهد الثورتين التونسية والمصرية، ففيما عرض برنامج
المسابقة الرسمية الشريطين اليابانيين الوحيدين في دورة هذا العام «هانيزو
نو تسوكي» للمبدعة ناومي كاواسي، و«موت مقاتل الساموراي» للمخرج المتميّز
تاكاشي مييكي، فقد عرض البرنامج الخاص الفيلم الوثائقي «لا خوف بعد اليوم»
للمخرج التونسي مراد بن الشيخ وفيلم «18 يوما» الذي أنجزه عشرة مخرجين
مصريين، وهم يسري نصر الله ومروان حامد وأحمد عبدالله ومريم أبو عوف وأحمد
علاء ومحمّد علي وخالد مرعي وكاملة أبو ذكري وشريف عرفة وشريف البنداري.
وتناولت الأعمال العشرة لحظات من أحداث ميدان التحرير وما تمخّض عن
تلك الأحداث من مُتغيّرات ستترك آثاراً عميقة، ليس في المجتمع المصري
لوحده، بل في العالم العربي وربما في منطقة الشرق بأسرها.
ما بعد التسونامي
اقتصر الحضور الياباني في هذه الدورة من المهرجان على فيلمي كاواسي
ومييكي، وحضرا لأن الفيلمين كانا جاهزين قُبيل الهزة الأرضية التي ضربت
اليابان وصاحبتها التسونامي التي أتت على نهاية مدن بأكملها وقتلت الآلاف،
ولم يأت غياب الأفلام الأخرى عن المهرجان نتيجة ضعف أو انكسار أمام الحزن،
بل بسبب أنها لم تكتمل بسبب انشغال اليابانيين بعمليات الإنقاذ والبدء
بمرحلة إعادة الاعمار، وهو ما نال إعجاب العالم بأسره وقدّم أمثولة على
قدرة هذا الشعب في مواجهة الملمّات وعدم الخضوع أو الانقياد للحزن لوحده،
بل التفكير في الغد، وبأن «غداً يوم آخر» ينبغي للناس على قيد الحياة أن
يعيشوه بكل اكتمال.
ومن بين الأعمال التي كان يُفترض وجودها في المهرجان عمل للمخرج
الياباني المشهور تاكيشي كيتانو، والذي ربما سيكون جاهزاً لمهرجان فينيسيا
المقبل في نهايات أغسطس المقبل.
ولم يفتقد التمثيل الياباني الحالي من خلال كاواسي ومييكي أياً من
مفردات الجودة أو إثارة الانتباه، ولابد أن أحدهما سيصعد على منصة الجوائز
يوم الأحد المقبل ليحمل بين يديه احدى الجوائز الكبرى في المهرجان، وبرأيي
فإن شريط «موت مقاتل الساموراي» يمتلك كل مواصفات الفوز بجائزة لجنة
التحكيم الخاصة، لتميّزه، ليس في تقنيات الأبعاد الثلاثة، التي زادت من
جمال الصورة وعمق تأثيرها على المشاهد، بل للقدرة العالية في شد المشاهد
إلى الحكاية التي يرويها الشريط، وإلى المقدرة العالية في إدارة الممثلين،
بالذات في المشاهد الفردية وفي الفضاءات الضيّقة.
مجتمع الساموراي
يستعير مييكي أحد الأعمال الكلاسيكية في السينما اليابانية «هاراكيري»
الذي أنجزه المخرج ماساكي كوباياشي في عام 1962 ويعيد تفصيله اليوم دون أن
يُخرجه من سياقه الزمني شبه الغابر، إذ تجري الأحداث في بدايات القرن
السابع عشر، وفيما كان شريط كوباياشي يروي قصة محاولة شاب للانتماء إلى
مجتمع الساموراي المغلق عبر عرض استعاده على الانتحار بالهاراكيري، فإن
تاكاشي مييكي يمنح القصة بعداً إنسانياً أعمق، محوّلاً ذلك العرض للموت
بالهاراكيري إلى صورة عالية للتضحية الإنسانية والإيثار الأبوي من أجل بلوغ
هدف إنقاذ الوليد الصغير.
إدانة كبيرة
ولا يكتفي مييكي بعرض هذا النموذج فحسب، بل يُرسّخ مبدأ الحق، ليس من
خلال الانتقام، بل من خلال إحقاق الحق، فموت ابنته وصهره وحفيده كينغو لا
يمكن أن يمرّ دون أن يدفع المذنبون ثمن خطيئتهم، ويوسّع تاكاشي مييكي دائرة
الخطيئة لتضم أيضاً اللامبالاة أمام مأساة الآخرين، إذ يجعل شخصيته
الأساسية تصرخ بوجه قائد مجتمع الساموراي (ألم تسأل نفسك لماذا قرّر ذلك
الشاب المثول أمامك ليمنحك حياته؟ هل سألته عمّا يدفعه للقيام بتلك الخطوة
التي لا رجعة فيها؟). هذه الصرخة تُشبه إدانة كبيرة لكل أولئك الذين
يُشيحون بأبصارهم عمّا يُرتكب أمامهم من خطايا وجرائم، ويستعين تاكاشي
مييكي بقدرات المسرح الياباني في قصّ الأحداث، ويمنح بطولة الفيلم إلى نجم
المسرح الكابوكي إيبيتسو إيتشكاوا، ويقوم الفيلم على روايتين للموت نفسه،
ويبدو المخرج في البداية غير منحاز لطرف من الرواية، إلا أن خاتمة الأحداث
تُظهر بجلاء موقفه، بالذات من المنظومات القائمة والمرسخة إزاء الخوف الذي
تتسبب فيه، ويموت الساموراي الأب في النهاية، لكن دون انتحار أو هاراكيري،
ولا يموت إلا بعد أن يستعيد الصورة الجميلة التي أرادها لحفيده وابنته
وصهره الذي ربّاه على يديه.
كلوديا كاردينالي لـ(البيان) : تونس بيتي الأول
كان ـ «البيان»
كان حضور النجمة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي، التونسية
المولد، لمهرجان كان أول أمس وفي هذا اليوم بالذات «تحية للشعب التونسي»،
كما أكدت في حوار خاص لـ(البيان) وأضافت: (لهذا السبب افتتحت المهرجان
برفقة وزير الثقافة الفرنسي فيدريك ميتران، وفعلنا ذلك من أجل الدفاع عن
تونس التي أعتبرها بيتي الأول الذي عشت فيه سنين طويلة من طفولتي وشبابي).
أرادها وزير الثقافة الفرنسي فيديريك ميتران إلى جواره، محاطة
بالسينمائيين التونسيين، ليس لجمالها وروعة حضورها وتاريخها السينمائي
فحسب، بل لأصولها ومسقط رأسها، فكلوديا جوزفين روز، التي تحوّلت فيما بعد
إلى كلوديا كاردينالي واشتهرت بهذا الاسم، ولدت في تونس من عائلة صقليّة
(سكنت البلد العربي الشمال أفريقي منذ ثلاثة أجيال) كما تُصرّ النجمة
الإيطالية كاردينالي نفسها التأكيد على تونسيّتها، وتقول: (لهذا السبب
افتتحت المهرجان برفقة وزير الثقافة الفرنسي، وفعلنا ذلك من أجل الدفاع عن
تونس التي أعتبرها بيتي الأول الذي عشت فيه سنين طويلة من طفولتي وشبابي)،
وتُضيف كاردينالي (تونس بلدي، سيدي بوسعيد وقرطاج أجمل ما أحمل في ذاكرتي
من صور، وأعشق العودة إليهما واستعادة أيام طفولتي، وبشكل عام فإن شمال
أفريقيا، بالنسبة لي، وطن أنتمي إليه).
آمال وترقب
ومثل كثير من الإيطاليين عاشت كلوديا كاردينالي أيضاً ثورة تونس وطرد
بن علي من السلطة بترقّب كبير وآمال كثيرة، فتلك البلاد قريبة من إيطاليا،
لكن كلوديا كاردينالي تعيش الأحداث باعتبارها تقع داخل منزلها وتضيف: (لقد
عشت ثورة الياسمين بخوف وترّقب وفرح أيضاً، لكن ما يُثير قلقي أن غالبية
الشبيبة تفكّر بالرحيل، أو أنهم رحلوا عن البلاد، فبدلاً من البقاء هناك
وصل الكثير منهم إلى صقليّة، وآمل أن تقوم هناك حكومة تقود البلاد نحو
التنمية، لأن عكس ذلك سيكون رحيل الجميع من البلاد والرحيل من تونس ناتج عن
غياب فرص العمل).
وفي خاتمة اللقاء السريع جدا لم تودّعنا كلوديا كاردينالي بالإيطالية
بل كرّرت بابتسامة عريضة وجميلة «بسلامة، بسلامة».
جائزة أخرى
كلوديا كاردينالي حضرت المهرجان أيضاً لاستلام «جائزة الحياة الفنية»
التي منحها إليها مهرجان «صقلية ميامي بيتش فيستفال» في الولايات المتحدة
والذي تزامن مع تقديم فيلم «الأب» من إخراج زوجها باسكوالي سكويتّيري الذي
تؤدي فيه كلوديا كاردينالي البطولة إلى جانب النجم الإيطالي فرانكو نيرو،
وكعادتها ورغم سني العمر، فكلوديا كاردينال جميلة ورائعة، وتزيد روعتها
كلّما اقتربت منها وحادثتها، فهي لم تزل بعد بنضارة جمال الشخصيات التي
أدتها، والتي تباين كثير منها مع طبيعتها الطيّبة.
سحر الجمال
كان المخرج الكبير لوكينو فيسكونتي، الذي أدارها في فيلمي «روكّو
وإخوته» و«الفهد» إلى جانب بيرت لانكاستر وآلن ديلون، يصف جمالها بكونه
"جمالاً وحشياً، وهي متمرّدة كما القطّة لا تترك المجال لأحد ليروّضها"
وكان يُضيف "لها سحر الجمال النقي ووجه طفلة رُكّب على جسد امرأة بالغة،
جسد وافر وكريم التكوينات، وحضور قوي لكينونتها في فضاء اللقطة، وفي ذات
الوقت في غيابها وبعدها" وكان فيديريكو فيلليني الكير يصفها بكونها «صورة
لجمال غابر القدم».
كتاب جديد
كان تقديم فيلم «الأب» مناسبة للتعريف بكتاب جديد صدر عن حياة كلوديا
كاردينالي وهو من تأليف الباحثة الإيطالية سيمونا بريفيتي وصدر عن دار نشر
«آيبوس»، وتقول الكاتبة في مؤلفها (من منّا لا يتذكّر دخول «أنجيليكا» ـ
كلوديا كاردينالي ـ إلى المشهد في فيلم «الفهد» للوكينو فيسكونتي؟، إنها
أكدت بجدارة أن الممثل الكبير يخلق فضاءه بنفسه، يحدد ملامحه ويملئه».
تكريم مشوار بول بلموندو ومنحه السعفة الذهبية
كان - البيان
أقام مهرجان كان السينمائي الدولي أول أمس حفلا خاصا لتكريم النجم
الفرنسي العالمي جون بول بلموندو ومنحه السعفة الذهبية تكريما لمشواره
السينمائي، وأعرب بولموندو عن تأثره الشديد بالجائزة.
أقيم حفل التكريم بقصر المهرجان وحضره رفقاء النجم الفرنسي في أعماله
مثل ألان روشفورد وشارل جيرارد وجي بيدوس وكلود ليلوش المخرج الفرنسي
المعروف مع النجمة الشهيرة كلوديا كاردينالي وبعض نجوم الجيل الجديد الذين
شاركوا أو أخرجوا أفلام بولموندو الحديثة، مثل ألبير دوبونتل وسامي نصري
وريتشارد أنكونينا والمخرجين أكزافييه بوفوا وميشيل هزانافيزياس. وأشار
النجم جون ريشفور إلى أن بلموندو يمثل ظاهرة سينمائية بحضوره الطاغي
وكاريزما فنية وشخصية خاصة، أما البير دوبونتل فقد اعتبره برج إيفل وقوس
النصر معا بل وكنزا قوميا.
وعرض المهرجان بمناسبة التكريم فيلما تسجيليا عن مشوار بلموندو
السينمائي أخرجه فانسان بيرو وجيف دومينيتش، وقد نشأت فكرة هذا الفيلم
صدفةً حيث رافق جيف دومينيتش أصدقاءه هواة جمع توقيعات المشاهير إلى مهرجان
مونتي كارلو، وكان جيف مدير مطعم والتقى بشخص غيّر مسار حياته وهو المخرج
جورج لوتنر، وسرعان ما تعارف الرجلان ونشأت صداقة بينهما وذات يوم عزمه
لوتنر على غداء في بيته ثم التقى جيف بجون بول بيلموندو الذي طالما كان
مثالا وقدوة له، وما لبث أن أصبح الرجلان صديقين وأقنع دومينيتش بلموندو
بأن يقبل مشروعه المتمثل في إخراج فيلم وثائقي عن مساره الفني، وقبل
بلموندو للمرة الأولى مشروعا من هذا القبيل لأنه شعر بصدق دومينيتش.
أخرج جيف فيلم بلموندو مع فانسان بيرو وهو مذيع قناة
RTL الفرنسية، وهو أيضا مؤلف أفلام وثائقية وكتب عن
السينما، ويحتوي الفيلم على مشوار بلموندو الفني في مقتطفات من أفلامه
وشهادات ممثلين من جيله ومن ممثلي اليوم ويروي جون دو جاردان هذه القصة،
ويذكر أن 6 أفلام للنجم الفرنسي شاركت في المسابقة الرسمية لمهرجان كان منذ
عام 1960 وحتى 1974.
رأي
أمير كوستاريكا: ميلودراما الأفلام تعكس مأساوية الواقع
أكد المخرج الصربى أمير كوستاريكا، رئيس لجنة تحكيم مسابقة «نظرة ما»
بمهرجان «كان» السينمائي، أن هناك تحسناً ملحوظاً في مستوى الأفلام
المشاركة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، وأضاف قائلاً: إذا كانت
السينما مرآة للواقع، فإن مهرجان «كان» يعد مرآة للسينما العالمية، وأعتقد
أن معظم الأفلام المعروضة هذا العام جيدة، ثم أردف قائلاً: ألاحظ التواجد
القوى للميلودراما في أفلام هذا العام، ربما تكون لذلك دلالة على واقع
مأساوي تعيشه بعض البلدان، بسبب صعوبات الحياة أو انتشار الأمراض، أو
التوترات السياسية، لكن المهم أن يتغلب الإنسان على كل هذا.
تعاطف
مخرج دنماركي يصدم المهرجان بتصريحات عن «هتلر»
أثار المخرج الدنماركي لارس فان ترايير جدلا في مهرجان كان بعدما أعرب
عن تعاطفه مع «هتلر» وانتقد الدولة الإسرائيلية، وقال المخرج 55 عاما في
مؤتمر صحافي للاحتفال بالعرض الأول لأحدث أفلامه «ميلانشوليا ـ كآبة» (إنني
أفهم هتلر، وأعتقد أنه فعل بعض الأشياء السيئة، لكنني أستطيع أن أتخيله
يجلس في مخبأه)، وقال ترايير (إنني أفهم الرجل ـ في إشارة للزعيم النازي ـ
فهو لا يمكن وصفه بالرجل الصالح ولكنني أتعاطف معه)، وأشار المخرج الذي
عانى من فترات اكتئاب، إنه ليس لديه مشكلة مع المجتمع اليهودي ولكنه ليس
سعيدا بإسرائيل، ووصف الدولة اليهودية بأنها (مصدر قلق).
البيان الإماراتية في
20/05/2011 |