يومان آخران وتنتهي الدورة الرابعة والستون لمهرجان «كان»... ولأن
المهرجان وصل الى أيامه الأخيرة، كان لا بد لجردة الحساب أن توضع. ولئن
كانت الدورة بدأت قوية، فإن هذه القوة سرعان ما تباطأت، ليحل محلها نوع من
جمود لا يقطعه بين الحين والآخر سوى فيلم من هنا أو فيلم من هناك... تثير
إعجاباً عاماً، إنما من دون أن تشكل جميعاًً مفاجأة ضخمة من النوع الذي كان
كثر يتوقعونه. ومع هذا، يمكن منذ الآن القول ان ثمة نحو نصف دزينة، أو
أكثر، من أفلام أتت تحفاً، ستبقى خالدة في تاريخ الفن السابع.
لكن اللافت هو أن هذه المفاجآت الحقيقية أتت من حيث كان متوقعاً، في
معظم
الحالات، وأحياناً - بشكل أقل - من حيث لم يكن أحد يتوقع. حتى
وان كان لا بد من
الإشارة من جديد هنا الى انها أتت نادرةً
الأفلامُ التي حققت إجماعاً جماهيرياً
(كانيّاً طبعاً) ونقدياً... إذ حتى الأفلام الكبيرة الكبيرة
وجدت من يعترض عليها
ويعلن ان عرضها خيّب أمله. ونعرف ان هذا هو
مصير أفلام وإبداعات كبيرة حين تلتقي
بمنتظريها للمرة الأولى، فتدهش أو تصدم أو تخيب الآمال، لفترة على الأقل.
في رسائل سابقة، أشرنا كثيراً الى الأفلام التي - في رأينا - ستبقى.
ولا بد من
أن نضيف هنا أنه ليس من الضروري القول ان هذه الأفلام هي التي
- في حفل الختام
الأخير - ستنال حظوة لدى لجنة التحكيم.
وهذا الأمر بات في حكم المؤكد طوال تاريخ
المهرجان خلال سنواته الأخيرة على الأقل. ولعل هذا وصل الى ذروته خلال
الدورة
السابقة، حين - على رغم وجود أعمال كبيرة رائعة مثل «عام آخر» لمايك لي و «آلهة
وبشر» لكزافييه بوفوا - راحت السعفة ناحية
الفيلم التايلاندي «العم بومني...». مهما
يكن، تلكم هي قواعد اللعبة، لأن الجوائز لا توزع تبعاً لاستفتاء عام، ولا -
طبعاً -
تبعاً لآراء النقاد وأهل المهنة المتطلبين. الأفلام الفائزة تختارها لجنة
التحكيم
التي - في أحسن أحوالها - تمثل آراء حفنة من أهل السينما. ويقال عادة، في
عالم
المهرجانات، إنك بمجرد ان تختار لجنة التحكيم فأنت اخترت الأفلام الفائزة -
نوعيتها
على الأقل - سلفاً. من هنا، مع لجنة يرأسها ممثل كبير هو روبرت دينيرو، لا
يمكن
توقُّع أن تعطى السعفة لفيلم من طراز «شجرة الحياة»، أو آخر من طراز
«ميلانكوليا».
في المقابل، قد يفضل دينيرو ورفاقه إعطاء السعفة الى تحفة شديدة البراءة،
تتحدث
سينمائياً، وبشكل رائع، عن السينما نفسها. السينما الأميركية الصامتة.
ونتحدث هنا،
طبعاً، عن فيلم «الفنان».
فون تراير وإسرائيل
طبعاً، ليس هذا سوى تخمين في تخمين. ولن نعرف ما إذا كنا على خطأ أو
على صواب
إلا مساء الأحد المقبل. في انتظار ذلك، لا بد من أن نتساءل
هنا، ما دمنا ذكرنا
«ميلانكوليا»، عن حظوظ صاحبه لارس فون تراير في الفوز، ليس هذه
المرة انطلاقاً من
قيمة الفيلم ومكانته الكبرى، بل بشكل أكثر
تحديداً، وراهنية، بسبب الغضب في أوساط
النقاد والإعلام المؤيدين لإسرائيل، الذي
أثاره فون تراير، خلال المؤتمر الصحافي
الذي تلا عرض فيلمه. فالرجل، ذات لحظة في
المؤتمر، بدلاً من أن يُسأل عن فيلمه
ويناقَش من حوله، فوجئ ببعض الصحافة تسأله،
من دون مناسبة (فالفيلم لا يبرر على
الإطلاق مثل هذا السؤال... كما ليس في أحداث العالم ما يبرره حقاً) تسأله
عن نظرته
الى النازية وبالتالي الى المسألة اليهودية. ببساطة أجاب فون تراير أنه لا
يتصور
هتلر - طالما ان فيلم «ميلانكوليا» يتحدث عن نهاية العالم - سوى شخص بائس
مثير
للشفقة جالس ينتظر نهاية العالم، على الفور تطور الحديث، ليكون جواب المخرج
الدانماركي التالي أنه يتعاطف مع اليهود كلياً... غير ان تعاطفه هذا لا
يشمل
إسرائيل التي تفعل بالعرب والفلسطينيين ما تفعل. وكانت هذه الكلمات كافية
لتندلع
العاصفة، وينطلق من داخل القاعة الى «كان» فإلى الصحافة الخاضعة عادة
لسيطرة
المجموعات الموالية لإسرائيل، الى درجة ان صحيفة «ليبراسيون» حين تحدثت عن
الفيلم
في اليوم التالي، بدأت مقالها بأن فون تراير ألقى ما إن دخل في الحديث
الكثير من
العبارات النازية! وهنا لا بد من الإشارة الى ان عدد النجوم التي يمنحها
النقاد
العالميون لكل فيلم في المسابقة، تضاءلت... ووصل الأمر بأحد النقاد
الأستراليين الى
إعطاء «ميلانكوليا» صفراً...
مهما يكن، لا بد من أن نشير الى انه من الصعب تصور أن يبدل هذا
«الحادث» في
توزيع الجوائز، اللهم إلا إذا استفزت ردود الفعل عليه فناناً
منصفاً، مثل روبرت
دينيرو، وجعلته يقرر الاستفزاز على طريقته.
لكن هذا كله في عالم الغيب. وفي انتظار
ذلك لا يبقى سوى عدد قليل من الأفلام التي يمكن التحدث عنها، بعد أن عرض
صباح أمس
فيلم «الجلد الذي أسكنه» لبيدرو ألمودوفار. هذا الفيلم الذي يتحدث عن طبيب
ينتقم
لاغتصاب ابنته من الشاب الذي اغتصبها، بتحويله بعد القبض عليه الى امرأة
حسناء،
سرعان ما تصبح حبيبته، قبل أن تقتله في النهاية، لم يشكل مفاجأة فنية...
ولم يثر
انقساماً جدياً من حوله. بشبه إجماع أتى التعبير عن خيبة الأمل تجاهه...
وربما لأن
حكاية الفيلم معروفة سلفاً، فهي مأخوذة عن رواية صدرت قبل سنوات - على غير
عادة
ألمودوفار الذي اعتاد أن يصنع أفلامه الكبرى عن سيناريوهات يكتبها بنفسه.
لكن هذا
لن ينسينا أن ألمودوفار، عرف كيف يدمج في الفيلم عدداً من «تيماته»
الأثيرة، لكن
هذا الدمج لم يستطع انقاذ موضوع غير مقنع ويتسم ببعض البلادة، رغم اننا
أمام حبكة
بوليسية!
نصيب للواقع وللسياسة
من ناحية مبدئية، لا يستحق هذا الفيلم السعفة على رغم ما تردد مسبقاً
من ان
ألمودوفار سيفوز بها هذه المرة بعدما فاتته مرات ومرات عن
أفلامه العظيمة. ولكن
هنا، حتى وان كانت ثمة رغبة خفية في ارضاء
هذا المخرج الإسباني الكبير، وفي تفادي
اعطاء السعفة للأفلام الكبيرة التي يقول
البعض إنها - أصلاً - أكبر من الجوائز، من
المؤكد ان ألمودوفار سيجد في مواجهته على الأقل فيلمين واقعيين، وبعض
الشرائط
السياسية وعملاً إنسانياً. والطريف هنا ان كل هذه الأفلام التي نتحدث عنها،
أفلام
فرنسية بشكل أو بآخر. وفرنسية من النوع الذي يعطى الجوائز عادة، ربما
لفرنسيته،
وربما لقِيَم فيه تلتقي مع تطلعات الجمهور العريض. ونبدأ هنا بفيلم الأخوين
داردين «الصبي
على الدراجة» الذي ظل المفضل لدى النقاد حتى عرض «الهافر» للفنلندي آكي
كورزماكي. وهنا علينا ألاّ تفوتنا فنلندية هذا المخرج، ذلك ان فيلمه
وعنوانه «الهافر»
فيلم فرنسي خالص. ربما أراد منه أن يكون، بالنسبة اليه، ما كانه فيلم «كازابلانكا»
في الأربعينات. ولو من طريق المشهد الأخير الذي تبدأ فيه صداقة بين
مفتش الشرطة وبطل الفيلم (كاتب بوهيمي تحول الى ماسح أحذية)، بعدما تعاونا
- ضمنياً -
على تهريب فتى أسود الى لندن رغماً عن مطاردة الشرطة له. من ناحية جمالية،
يبدو «الهافر»
واحداً من أجمل أفلام المهرجان بصورته الحية وألوانه الرائعة. أما من
ناحية موضوعه، فيكاد يبدو وكأن مؤسسة خيرية ذات قلب طيب هي التي أنتجته.
أما السياسة المباشرة، التي سنعود للحديث عن حضورها في «كان»
تدريجياً، فمثَّلها
فيلمان، لم يقيّض لنا مشاهدتهما، لكننا
نكتفي بنقل الأصداء التي تركاها: أولهما «باتر»
لألان كافالييه يرشحه البعض للسعفة أو ما هو قريب منها. والثاني «الغزو» عن
وصول ساركوزي الى السلطة، يرشحه آخرون واحداً من أسوأ ما عُرض في هذه
الدورة. أما
ما تبقى أخيراً، فثلاثة أو أربعة أفلام قد تقلب المعادلات المتوقعة، وستكون
عودة
وربما عودات اليها. ومن أبرزها «كان يا ما كان في الأناضول» لنوري بلغي
جيلان... ثم «نبع
النساء» - الفيلم النخبة الى النساء العربيات - الذي حققه الروماني الفرنسي
رادو ميهايليانو. فهل يحمل هذان الفيلمان وغيرهما ما يمكن اعتباره مفاجأة
الأيام
الأخيرة؟
من «كان» ...
محمد
رسولوف يمكنه السفر فهل يحضر الى «كان»؟
>
عندما
أعلن الوفد المرافق للفيلم الإيراني «إلى اللقاء» قبل عرض هذا
الفيلم خلال الأيام الأولى للمهرجان، ان الاستخبارات الإيرانية استدعت مخرج
الفيلم
محمد رسولوف الموجود قيد الإقامة الجبرية في طهران، قبل ساعات من موعد عرض
الفيلم
في «كان»، جرى الاعتقاد بأن الاستدعاء كان لمحاسبة المخرج على فيلمه الذي
تبين بعد
عرضه انه واحد من أقسى الأفلام المناوئة لنظام الحرس الثوري.
وبدأ توقع الأسوأ في وقت كان يعلَن فيه عن عرض قريب لفيلم زميله في
الإقامة
الجبرية جعفر باناهي وعنوانه «هذا ليس فيلماً»، وتكريم صاحبه
عبر جائزة خاصة تقدمها
جمعية مخرجي السينما الفرنسيين. وإذ اشتد
القلق على مصير رسولوف، عادت أخبار طهران
لتؤكد ان الاستدعاء كان لسبب معاكس تماماً، حيث أعلنت هذه الأخبار ان
الاستخبارات
الإيرانية أبلغت المخرج الشاب انه قد رُفع عنه حظر السفر وإن في شكل موقت.
غير ان
هذا الإعلان لم يقترن بأي حديث عن توجه رسولوف بالفعل الى فرنسا خلال عقد
مهرجان «كان».
ولا عما اذا كان قد رفع الحظر ايضاً عن سفر باناهي نفسه الذي لا تفتأ
المهرجانات العالمية تكرّمه في غيابه منذ عام وأكثر، وتثير قضيته من دون ان
تحرّك
السلطات الإيرانية ساكناً.
يومان
في ميدان التحرير بدلاً من مهرجان القاهرة
>
تسود
فوضى في عالم السينما المصرية، وخصوصاً في عالم مهرجانات هذه
السينما، حيث لا يبدو واضحاً مصير اي مهرجان من تلك التي تقام سنوياً في
مصر. فحتى
إذا كان قد بات في حكم المؤكد تأجيل، أو حتى إلغاء مهرجان الفيلم القومي
الذي يُعقد
في الربيع - مع تأكد تخلي علي أبو شادي عن رئاسته - فإن مصير مهرجان
الاسكندرية
يبدو أكثر غموضاً.
أما في «كان» فلقد أُعلن عن عدم إقامة دورة هذا العام لمهرجان القاهرة
السينمائي
الدولي، مع ان ثمة من الوقت ما يكفي لعقده
إن كان ذلك مرغوباً. ولقد أعلنت امين
المهرجان السيدة سهير عبدالقادر، انه ستتم
الاستعاضة عن دورة هذا العام من المهرجان
القاهري، بيومين تقام بينهما عروض في ميدان التحرير، أمام حضور يتوقع ان
يكونوا
بعشرات الآلاف، مع الإعلان خلال المناسبة نفسها عن إعادة تنظيم المهرجان
وربما
تعيين رئيس جديد له، كي تستأنف إقامته بدءاً من العام المقبل في شكل يؤكد
حضوره
العالمي واستمراريته.
الصندوق
القطري يدعم 25 فيلماً و «ذهب» آنو «الأسود»
>
في
العام الفائت وخلال الدورة السابقة لمهرجان «كان» جرى الإعلان عن بدء
نشاطات ما سمّي بمؤسسة الدوحة للفيلم، مع وعود بإنفاق ملايين الدولارات
لدعم
السينما العالمية. وخلال دورة هذا العام قدّمت المؤسسة جردة حساب عامها
الأول، وهي
جردة رقمية تتحدث، مثلاً، عن دعم المؤسسة لـ 25 مخرجاً عربياً لإنتاج أو
استكمال او
تحضير افلامهم.
اما التفاصيل فجاءت على النحو التالي، ودائماً بحسب بيانات المؤسسة
(الصندوق)
وتصريحات مسؤوليها ولا سيما منهم مديرة المؤسسة أماندا بالمر:
هبة إجمالية لدعم
المخرجين قيمتها مليون دولار اميركي - خمسة
أفلام باتت الآن في الطور الأخير من
الإنجاز- 12 فيلماً في طور الإنتاج والتصوير - 8 أفلام في مرحلة التطوير
الأولي،
ومن بين هذه الأفلام 13 فيلماً روائياً طويلاً، و7 أفلام وثائقية و5 أفلام
قصيرة.
اما عن جنسيات هذه الأفلام فعشرة منها لبنانية و4 مصرية.
وأعلنت المؤسسة انها في دورتها المقبلة التي ستُعقد بين الأول من
حزيران (يونيو)
والخامس عشر من تموز (يوليو) ستعلن نتائج الدعم للمرحلة
المقبلة. بقي أن نشير هنا
الى ان المؤسسة نفسها ساهمت بنسبة لا بأس
بها في إنتاج فيلم نادين لبكي «...وهلق
لوين» (راجع عنه في مكان آخر من هذه
الصفحة). أما المشروع الأضخم على الإطلاق فكان
الدعم الذي قُدّم الى فيلم «الذهب الأسود»
الضخم الذي ينجزه، حالياً، الفرنسي جان
-
جاك آنو، والذي صُوّرت اجزاء اساسية منه في قطر بعدما اضطر
الفريق العامل فيه الى
مبارحة تونس حيث بدأ التصوير، بسبب
أحداثها، ما جعل الفيلم ينال - جزئياً - الجنسية
القطرية، حتى وإن كان أصلاً من إنتاج التونسي طارق بن عمار.
أدب
بول بولز على الشاشة مرة ثانية
>
يعرف
هواة السينما طبعاً واحداً من أجمل افلام الإيطالي برناردو برتولوتشي «السماء
الواقية» الذي عُرف ايضاً بـ «شاي في الصحراء»، وكان مأخوذاً عن واحدة من
أشهر روايات بول بولز، الكاتب والموسيقي الأميركي الذي عاش في طنجة
المغربية.
وأحداث الفيلم تدور في المغرب، من طنجة الى الجنوب الصحراوي. اليوم أُعلن
في «كان»
أن تجربة جديدة تقع في السياق نفسه، ستجرى في المغرب إنما خلال العام
المقبل.
هذه المرة لن يكون الفيلم من إخراج برتولوتشي، بل من إخراج بيتر ويبر
(صاحب
«الفتاة ذات الحلق اللؤلؤي»). اما القاسم المشترك فهو بول باولز،
الذي سيحقق ويبر
فيلمه انطلاقاً من رواية له، قد لا تكون في
شهرة «السماء الواقية» لكنها تعتبر أقوى
كثيراً منها، وهي «بيت العنكبوت». الفيلم الذي يكتب السيناريو له، حالياً،
يتحدث عن
فترة صعبة من تاريخ المغرب في خمسينات القرن العشرين، ويبدو الى حد ما في
نفس عوالم «معركة
الجزائر». ومن المقرر ان يزور المخرج ومنتجه (تيموثي باريل) مدينة فاس وما
حولها خلال المرحلة المقبلة لتحديد أماكن التصوير.
أفغانستان
في كان وما بعد كان
>
في
الوقت الذي تشهد إحدى صالات سوق الفيلم في «كان» عرض فيلم كويتي للمخرج
وليد العوضي، بعنوان «تورا بورا»، يتحدث عن رحلة تقوم بها عائلة افغانية
وسط آلام
الحرب في منطقة تورا بورا التي اشتهرت قبل سنوات جراء المعارك التي خاضتها
القوات
الأميركية فيها ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة، صار في حكم المؤكد ان
كاترين بيغلو (التي
سبق ان اهتمت بالحرب العراقية، من وجهة نظر الجنود الأميركيين في فيلمها ذي
الأوسكارات «خزانة الأسى» - صورته في الأردن)، ستبدأ فوراً تصوير فيلمها
الجديد،
الذي كانت قد كتبت السيناريو له قبل سنوات من مقتل أسامة بن لادن، لتروي
فيه كما
يقول الذين اطلعوا على السيناريو في مراحل كتابته الأولى، حكاية وهمية عن
تمكّن
فرقة كوماندوس تابعة للبحرية الأميركية من القبض على بن لادن والتخلص منه.
اللافت ان الطريقة التي تقضي بها البحرية الأميركية على الزعيم
الإرهابي في
الفيلم، تشبه الى حد بعيد الطريقة التي تمت بها للتخلص منه على
يد كوماندوس مشابه،
في الواقع الذي بتنا نعرفه، وأقام الدنيا
ولم يقعدها خلال الأسابيع الأخيرة. ومع
هذا قررت بيغلو إحداث بعض التعديلات في
السيناريو، «ليس - كما تقول - لتقريبه مما
حدث فعلاً، بل للابتعاد به عما حدث بعض الشيء... كي يبدو فيلماً خيالياً،
لا عملاً
توثيقياً».
الحياة اللندنية في
20/05/2011
«هلق
لوين؟»
مؤامرة نسائية تعيد الحرب
اللبنانية الى الواجهة
عندما حقق فيلم نادين لبكي الروائي الطويل الأول «كاراميل» النجاح
النقدي والجماهيري بدءاً من عرضه الأول في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» في
«كان» قبل سنوات، كان واضحاً أن الفيلم يستحق هذا النجاح، وأن لبكي الآتية
من عالم الفيلم الإعلاني والكليب، فتحت أمام السينما اللبنانية أبواباً
واسعة، مبتكرة ليس فقط سينما جديدة، بل أيضاً طريقة طازجة في مقاربة
الموضوع السينمائي. من هنا بدأ التوقع يشتد حين أعلنت عن فيلمها الثاني
«... وهلق لوين؟»، انطلاقاً من فكرة تقول إن السينمائي الحقيقي لا يُعرف
حقاً إلا بعد فيلمه الثاني.
هذا الفيلم صار اليوم حقيقة واقعة... وهو الفيلم العربي الوحيد الذي
يتبارى الآن
في تظاهرة «نظرة ما...». وهو منذ عرضه الأول حقق نجاحاً
وإقبالاً لا بأس بهما.
ولكنه إذا كان ثبّت مكانة مخرجته - وهي صاحبة دور أول فيه كما
الحال في «كاراميل»
-
كسينمائية متألقة وممثلة لامعة، فإن الفيلم في شكل عام لا يبدو
متفوقاً على سابقه،
بل ثمة في بعض جوانبه تراجع أكيد، ليس في
لغة لبكي السينمائية، بل تحديداً في
السيناريو، وربما بشكل أوضح في حبكة الفيلم
ورسالته... وربما لأنه أصلاً تنطح كي
تكون له رسالة.
رسالة
قد يبدو هذا الحكم هنا مصادرة على النظرة الى الفيلم، ولكنه يبدو
ضرورياً منذ
البداية لمجرد أن الفيلم نفسه، أعلن منذ بدايته أنه فيلم
رسالة، وليس فقط في
التسريبات الصحافية عنه، وفي الأحاديث
المتعلقة به، بل كذلك في مفتتح الفيلم، الذي
على جماله وتعبيريته، ستقود خطى الفيلم كله في موضوعه الذي يصعب القبول به،
أو
التعاطف معه، بشكل كلي. كذلك لا بد من الإشارة منذ الآن الى أن إخراج نادين
لبكي
المتمكن والناضج، بدا وكأنه يصرف طاقته طوال الفيلم والعمل عليه لـ»إنقاذ»
السيناريو. وهنا للمقارنة لا بد من الإشارة الى أنه، فيما كان يبدو «كاراميل»
فيلم
سيناريو محكم بالدرجة الأولى، يبدو «... هلق لوين؟» فيلم إخراج ولغة بصرية
وأداء
جماعي، أكثر مما هو أي شيء آخر.
غير أن الضعيف في الأمر حقاً هو أن نادين لبكي، سخرت الفيلم كله لخدمة
رسالة،
تجمع بين الخطأ السياسي واللامعقول السلوكي وسذاجة الحلول
المقترحة في النهاية
لـ... الحرب اللبنانية.
على طريقة مسرح الأخوين رحباني، تدور أحداث الفيلم في ضيعة لبنانية
وهمية ورمزية
بالتالي. أي ضيعة معزولة عن العالم الخارجي، جغرافياً وحدثياً
ولكن أيضاً في شكل
طوعي. وهذا البعد الأخير تؤمنه نساء الضيعة
التي إذ ترمّلن وثكلن وعانين من الحرب
التي يشنها الرجال على الرجال في انقسام طائفي معين يكاد الفيلم يعزو إليه
الحرب
وويلاتها، من دون أن يتبنى واقع ارتباط هذه الحرب بالبيئات الخارجية وأحداث
السياسة
العالمية أو الإقليمية. إن الحرب هنا تندلع بسبب حماقة الرجال... وتدفع
النساء
ثمنها... وهذا على الأقل ما يقوله لنا المشهد الأول في الفيلم وهو مشهد
جميل
تركيبياً وإخراجياً وحتى دلالياً أيضاً إذا شئنا. هذا المشهد الذي يصور
توجه النساء
تحت وقع موسيقى مميزة، الى المقبرة المشتركة بين الطائفتين إنما المقسومة
الى
ضفتين، حدد إيقاع الفيلم ورسالته، بحيث لم يبق لبقية الفيلم إلا التأكيد
على هذا.
غير أن جمال المشهد سرعان ما يتضاءل أمام «أحداث» الفيلم التالية التي
يرسمها
سيناريو لا يغيب عنه الاستسهال بحيث يبدو أحياناً مجرد محاكاة لعالم
الرحابنة، من
دون غياب أجواء تذكر بسينما كوستوريتسا، أو سينما الريف الإيطالي أو
البلقاني، إنما
ناقصة الديناميكية الخفيفة التي تملأ هذه السينما الأخيرة. هنا بدلاً من
براءة عالم
الضيعة الرحبانية، يرتسم مباشرة الوعظ التلفزيوني والحوارات المتفاوتة
القوة،
وبدلاً من ديناميكية السينما البلقانية تطفو بعض بلادة التلفزة اللبنانية.
إخراج
نادين لبكي بدا هنا ضحية لهذا الضعف أو لفقدان الحكاية صدقيتها. إذ كيف لنا
أن نصدق -
وحكاية انطيغون التي تبدو مستعدة لدفع عمرها ثمناً لدفن أخيها ماثلة دائماً
في
الذهن البشري - أن أماً ترمي جثمان ابنها في البئر وتكاد تقتل ابنها الثاني
حفاظاً
على السلم الأهلي، أو أن المجيء بخمس من فتيات الليل الأوكرانيات كافٍ
لتهدئة
الرجال، أو أن عاشقة ولهة في الفيلم لدهان من غير دينها تنقلب فجأة عليه
لأنها
اشتبهت أنه يريد المشاركة في حرب طائفية... الخ.
حروب لبنان المضجرة
هنا قد يقول الفيلم إن هذا عالم
فانتازي ليس مرسوماً كي يتم التعامل معه على
محمل الجدية... لكن الفانتازيا لا يمكن أن
تكون نصف فانتازيا، ولا يمكن أن تتحول
الى كيتش لبناني من النوع المعهود الذي
يراد منه أن يبني السلم الأهلي... بالتكاذب
المشترك. طبعاً لا يمكن أن ننكر هنا لحظات جميلة - إبداعية - في الفيلم،
مثل مشهد
تحضير الطعام الملغوم على وقع أغنية جماعية جميلة... ولكن هل حقاً يمكن
لمؤامرة
نسائية تريد إنقاذ الوطن من حرب ذكوره السخيفة، أن تقلب المسلمات مسيحيات
بين ليلة
وضحاها، والمسيحيات مسلمات، كي لا يقتل ابن الطائفة امه أو أخته أو زوجته
التي صارت
من الطائفة الأخرى؟
كل هذا كان يمكن تفاديه لو أن السيناريو كتب حقاً على قياس لغة نادين
لبكي
الإخراجية... تماماً كما كان يمكن تفادي المشهد الساذج الذي
تتوجه فيه الأم الثكلى
الى السيدة العذراء لائمة إياها لأنها
تسببت في مقتل الابن والصراع بشكل عام. أترى
أفلا تعرف هذه الأم - والسيناريو - بالتالي أن السيدة العذراء هي أشهر أم
فقدت
ولدها في تاريخ البشرية؟
غير أن كل ما تقوله هنا، لن يمنع الفيلم من تحقيق نجاح تجاري في نهاية
الأمر...
وعلى الأقل للتعويض على لامبالاة الصحافة الأجنبية بالفيلم حين
عرض... ولسان حالها
يقول: «أو لا يحق لنا أن نسأم من سينما
حروبكم، إذا كانت هذه هي أسبابها
حقاً؟».
الحياة اللندنية في
20/05/2011
«المومياء»:
فيلم لكلّ المهرجانات
إبراهيم العريس
إذا كان في مقدورنا ان نقول عن كل واحد من الأفلام التي نقدمها في هذه
السلسلة انه بقدر ما هو فيلم نال نجاحات تجارية معينة إضافة الى كونه نال
حظوة ما في مهرجان أو اثنين أو اكثر قليلاً، فإن فيلم المبدع المصري الكبير
الراحل شادي عبدالسلام يكاد يتفرد في السينما العربية جميعها بكونه فيلم
المهرجانات بامتياز. فهذا الفيلم الاستثنائي في المعاني كافة، لم يتوقف منذ
حقق وعرض للمرة الأولى عن التجوال في مهرجان عربي بعد الآخر، وهذا دأبه حتى
اليوم عقوداً بعد انجازه وسنوات طويلة بعد موت مخرجه. وحتى مهرجان «كان»
افرد قبل فترة وجيزة عرضاً صاخباً لنسخة رممت حديثاً منه. ومن هنا يجوز في
كل مرة جرى الحديث عن «المومياء»، العمل الذي نتحدث عنه هنا، ان نطرح
مجموعة من التساؤلات التي تبدو عبقة بحنين ما: ترى، لو عاش شادي عبدالسلام
أكثر مما عاش، ولو لم يرحل عن عالمنا في عام 1986 وهو بالكاد أنهى العام
السادس والخمسين من حياته، هل كان سيقيض له أن يحقق فيلماً روائياً طويلاً
ثانياً، هو الذي لم يحقق في حياته سوى فيلمه الطويل الأول «المومياء» فدخل
تاريخ السينما المصرية كواحد من أساطيرها، وتاريخ السينما العالمية كواحد
من كلاسيكياتها؟ ولو قيّض له أن يحقق فيلماً/ حلماً طويلاً ثانياً، هل كان
من شأن ذلك الفيلم أن يكون على الروعة التي كان عليها «المومياء»؟ وهل كان
قيّض للفيلم الجديد أن يحوز مكانة قريبة من المكانة التي حازها «المومياء»
الذي يعتبر في كل إحصاء واستفتاء يجريان حول الأفلام الأفضل في السينما
العربية، الفيلم الأفضل لا ينازعه في ذلك، أحياناً، سوى فيلم يوسف شاهين
«الأرض»؟
>
هذه الأسئلة تُطرح حين يعود الى الأذهان هذا الفيلم الذي حقق
لصاحبه شهرته
كواحد من أعظم السينمائيين العرب، مع انه لم يحقق غيره (إضافة
الى بضعة أفلام
قصيرة)، ومات من دون أن يتمكن من إنجاز
فيلم عن «أخناتون» كان يحلم به طويلاً، وحقق
من أجله الرسوم وتصميم الملابس والديكورات، وسعى طوال السنوات الأخيرة من
حياته الى
تدبير المال اللازم لإنجازه، لكنه لم يتمكن من ذلك أبداً.
>
الى حد ما قد يكون موضوع فيلم «المومياء» جديداً على السينما
العربية
والمصرية خصوصاً، حتى وإن كان قد سبقه الى ما يشبه موضوعه فيلم
متميز آخر، وفيلم
فريد آخر، هو «الجبل» للمصري خليل شوقي،
الذي اقتبس عن رواية معروفة للكاتب فتحي
غانم. فهما معاً يدوران حول حكاية الآثار الفرعونية التي تُنهب في مصر
المعاصرة.
ولكن فيما أتى فيلم «الجبل» فيلماً اجتماعياً - سياسياً، (استخدم حكاية
سرقة قبائل
الجبل للآثار، ومحاولة الدولة وضع حد لتلك السرقة عبر توطين أبناء القبائل
في مدن
تبنى من أجلهم، واستخدم ذلك ليقدم نظرة نقدية لممارسات حكم «الثورة من فوق»
والإجراءات الإدارية والبيروقراطية التي مهما كان شأن صوابها، تظل عاجزة عن
تحقيق
الغاية منها بسبب عدم أخذها في الحسبان الواقع الاجتماعي والحضاري)، يأتي
فيلم «المومياء»
أقل سياسيّة واجتماعية وأكثر ارتباطاً، من ناحية بالمعاناة الفردية
كمضمون، ومن ناحية ثانية، بالقيم الجمالية والحضارية كشكل.
>
ففي «المومياء» لم يكن هم شادي عبدالسلام أن يوجه أي انتقاد
لأية سلطة، بل
يبدو واضحاً، أن الموضوع نفسه، لم يكن ليشكل هماً حقيقياً
بالنسبة الى سينمائي يعطي
القيم الجمالية، المكانة الأولى في
اهتماماته. وفي مستوى من مستويات الفيلم يبدو
وكأن شادي عبدالسلام أراد لفيلمه أن يكون قصيدة بصرية لا أكثر، وأن الموضوع
لم يكن
أكثر من ذريعة للوصول الى ذلك.
>
الموضوع هنا، وكما في «الجبل»، موضوع أولئك الناس الذين،
يعيشون متكتلين
على بعضهم بعضاً، يتوارثون سر تلك المقابر
الفرعونية التي لا يعرف أحد مكانها، وهم
لا يتوقفون عن نهبها لبيع ما يستخرجونه من آثارها الى السماسرة والأجانب
وتجار
الآثار. وتدور أحداث «المومياء» أواخر القرن التاسع عشر، حين تبدأ السلطات
المركزية
في القاهرة بملاحظة امتلاء السوق - والسوق السوداء خصوصاً - بقطع أثرية
فرعونية
تباع في أشكال متزايدة. وفي الوقت نفسه يموت في الجبل شيخ قبيلة يسرّ قبل
موته الى
ولديه، وأحدهما سيكون الشخصية المحورية في الفيلم، (ونيس)، بالسر، على عادة
الكبار
حين يموتون ويريدون توريث المهنة الى ابنائهم، لكن ونيس وأخاه يختلفان عن
الباقين -
حتى من دون أن ندري كيف أو لماذا - وهما إذ يلاحظان ان في الأمر كله نهباً
لثروة
الوطن، وإذ يقتل عم الشابين شقيق ونيس، يقرر هذا الأخير أن الوقت قد حان
لكشف السر
أمام السلطات الحكومية وسلطات الآثار في القاهرة، فيفعل بعد أن يتعذب
ويحتار
طويلاً. وينتهي الفيلم على السلطات وقد فتحت المكان المخبوء، وراحت تنقل
الآثار الى
القاهرة لإيداعها المتحف، منقذة إياها من براثن القبائل والتجار والسماسرة،
والأجانب خصوصاً، هؤلاء الذين واصلوا نهب الآثار عشرات السنين مالئين بها
متاحف
العالم قبل أن يتنبه المصريون الى ذلك.
>
من حول هذه الحبكة التي تبدو هنا، حين تحكى، بسيطة، صاغ شادي
عبدالسلام
فيلماً، تعمّد أن يجعل من كل لقطة فيه لوحة فنية قائمة في
ذاتها. فالتشكيل، استعانة
بالوجوه السمر، المصرية الأصيلة (وفي
مقدمها وجه أحمد مرعي بطل الفيلم، وناديا
لطفي) وبالملابس والديكورات الخلابة، وصولاً الى استخدام غير معهود للفصحى
العربية
لغة حوار، وللاكسسوارات المختلفة لتزيين كل لقطة على حدة، هذا التشكيل حوّل
الفيلم
الى قصيدة شعرية نادرة، الى نموذج لم يتكرر في ما بعد. صحيح ان الفيلم حين
عرض، لم
يلق النجاح المنشود، بل أخفق حتى في عروضه التجارية، لكن ذلك الإخفاق لم
يمنعه من
أن يحظى بالمكانة الرفيعة التي صارت له في تاريخ السينما. وهو حين عرض في
الكثير من
العواصم الغربية لقي من الصدى والإعجاب ما لم يلقه أي فيلم عربي آخر، ولا
يزال حتى
اليوم حين يعرض في المهرجانات كما اشرنا، يقابل بإعجاب وترحيب كبيرين...
وتحديداً
ودائماً بسبب أبعاده الجمالية، التي حتى في اعتمادها على تراث الرسم
الفرعوني
والإسلامي - كما حرص شادي عبدالسلام أن يقول دائماً -، كشفت للعالم ان
العرب يمكن
أن يقدموا فنوناً بصرية متميزة.
>
ولم يكن هذا غريباً على شادي عبدالسلام الذي ارتبط طويلاً
بمنظّر العمارة
الشهير حسن فتحي، وكان هو نفسه، بعد دراسة
أولى في مسقط رأسه الاسكندرية، قد تخرج
في كلية الفنون الجميلة عام 1955، وطفق على
الفور يعمل مهندس ديكور ومصمماً للملابس
والأكسسوارات في عدد من الأفلام التي كان هذا التصميم أحد أعمدتها الرئيسة،
مثل «الناصر
صلاح الدين» ليوسف شاهين، كما عمل مساعد ديكور في القسم الذي صور في مصر من
فيلم «كليوباترا» لجوزف ل. مانكفيتش (من بطولة اليزابيث تايلور وريتشارد
بورتون)،
ومستشاراً فنياً لفيلم «الفرعون» لكافاليروفيتش، كما عمل مع روسليني وغيره
قبل أن
يقرر التحول الى الإخراج، فحقق اعتباراً من عام 1970 ثلاثة أفلام قصيرة
لفتت
الأنظار بلغتها الفنية الرائعة. وكان من الواضح أن عمله في تلك الأفلام
(وغلب عليها
الطابع الفرعوني) انما كان تمهيداً لاشتغاله عام 1975 على «المومياء» الذي
سيكون
فيلمه الأول، إذ انه سيرحل بعد ذلك بأكثر من عقد من دون أن يتمكن من تحقيق «أخناتون»
مشروعه الثاني.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
20/05/2011 |