في مهرجان أبو ظبي السينمائي، في دورته الرابعة،
هذا العام، كان المشاهدون على موعد مع زوّادة مكثّفة، من أفلام فلسطينية،
وأفلام عن
القضية الفلسطينية، سواء أكانت من طراز تلك الأفلام التي تُعرض أول مرة،
كما في
فيلم «الدرس الأول» للفلسطينية عرين العمري، وفيلم «مملكة
النساء: عين الحلوة»
للفلسطينية داهنا أبو رحمة.. أو الأفلام التي تمَّت استعادة عروضها، بعد
سنوات
طويلة من إنتاجها!..
الهدية الأهم، والأعظم، التي قدَّمها المهرجان هي مجموعة
الأفلام التي حققها سينمائيون غربيون، عُرف الكثيرون منهم باهتمامهم
بالقضية
الفلسطينية، منذ سنوات. فعندما شاهدنا فيلم «وطن» للهولندي
جورج سلويزر، وفيلم «أطفال
الحجارة.. أطفال الجدار»، للألماني روبرت كريج، كنا ندرك أن لا سبيل لنا
إلا
الانحناء احتراماً لتجارب هذين المخرجين الكبيرين، والتي قدمت جوانب مدهشة
من
القضية الفلسطينية، فمن تراه ينسى ثلاثية سلويزر العظيمة: «أرض
الآباء»؟!.. أو
أفلام كريج «الحرية»، و«الانتفاضة»، وصولاً إلى فيلمه «جئت إلى فلسطين/
الطريق
الآخر»، الذي عرضه المهرجان ذاته قبل سنتين؟!..
كما كان المهرجان، أيضاً، فرصة
هامة لمشاهدة فيلم «دموع من غزة»، للنرويجية فيبكي لوكبيرغ،
و«ثمن السلام»،
للألماني هاري هينكل، دون أن ننسى أشياء من فيلم «كارلوس» للفرنسي، حيث
سيقوم
المغني اللبناني المعروف أحمد قعبور، بأداء دور القائد الفلسطيني وديع
حداد!..
فلسطين، في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كانت حاضرة بصور متعددة، وبلغات
أكثر تعدداً.. لن يتفق أحد معها كلها.. لكن ينبغي لنا كلنا، أن نراها!..
هنا وقفة،
مع أبرز الأفلام:
لا يقترب فيلم «ثمن السلام»، من القضية الفلسطينية، إلا بمقدار
ما تقترب اتفاقيات كامب ديفيد، والمفاوضات التي دارت قبيلها. وهي التي وإن
كانت
تتمحور حول سبل إنهاء الصراع المصري الإسرائيلي، إلا أن ما كان
لها أن تبتعد عن
الشأن الفلسطيني، خاصة وقد تسرَّب أن الرئيس المصري: محمد أنور السادات،
كان قد ضمّ
ملف مسألة إعطاء الفلسطينيين شكلاً من الحكم الذاتي. وهو ما ورد فيما بعد
ضمن أكوام
الأوراق التي انتهت إليها المفاوضات، ولكن ما كان لها أن تمضي نحو أي شيء،
خاصة مع
رفض الفلسطينيين، حينها، لاتفاقيات كامب ديفيد، جملة وتفصيلاً، وانضمام
منظمة
التحرير الفلسطينية لما عُرف يومها باسم «جبهة الصمود والتصدي».
«ثمن السلام»،
لا سينما فيه. بل محاولة عنيدة للكشف عن المزيد من الأسرار، أو
مما لم يُقل بعد،
بشأن ذاك التحوّل الكبير الذي أصاب الصراع العربي الإسرائيلي، بخروج مصر؛
كبرى
الدول العربية، وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، والانتقال إلى ما عرف بتطبيع
العلاقات، وإن بقيت على المستوى الرسمي الحكومي، ولم تنفذ إلى
المستوى الشعبي،
أبداً.
كثيرة هي التفاصيل التي يقدمها الفيلم. وكثيرة هي المشاهد التي تُرى
للمرة الأولى. كما أن الفيلم يعاود اللقاء مع الكثير من الديبلوماسيين، من
الأطراف
كافة، لاستعادة الكلام عما كان يدور قبل قرابة أربعين عاماً.
سنرى آثار الزمن
وتحولاتها على الوجوه. أولئك الذين كانوا شباباً وسيمين، أواخر السبعينيات،
غدوا
اليوم كهولاً متهدلي الملامح، يحاولون قول ما تبقى لديهم من ذاكرة.
على خلاف ذلك
تماماً، يعود المخرج الشهير روبرت كريج مرة أخرى إلى فلسطين. تحديداً إلى
بيت لحم.
هنا كان المخرج قبل ثلاث وعشرين سنة. كان
ذلك أيام الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث
انتهت مواكبته للانتفاضة حينها، إلى تحقيق فيلمه الوثائقي
الأشهر «الانتفاضة.. على
الطريق إلى فلسطين».
وعلينا أن ننتبه هنا إلى أن المخرج الألماني روبرت كريج
مهتم بالقضية الفلسطينية قبل ذلك بكثير، إذ أنه في العام 1982 حقق فيلمه
الوثائقي
«الحرية،
كيف أعني ذلك؟»، وهو الفيلم الذي يتناول «الحياة اليومية، والمقاومة، في
مخيمي اللاجئين الفلسطينيين: الرشيدية، وبرج البراجنة، في لبنان، قبل
الاجتياح
الإسرائيلي»، معلناً حينها عن صديق سينمائي هام للقضية الفلسطينية، ومتضامن
معها
عبر كاميراه، ورؤاه، ومواقفه.
فيلمه التالي « الانتفاضة.. على الطريق إلى
فلسطين»، تحقق عام 1989، ومعظم أحداثه جرى تصويرها في منطقة
بيت لحم، التي سيعود
إليها الآن. هناك في قرية «بيت ساحور»، وحيث غالبية السكان من المسيحيين،
لن نجد
الانتفاضة أقل خفوتاً، ولا الناس أكثر انفضاضاً عن فعالياتها، أو عن الحلم
ببناء
دولة فلسطينية، تحقق أشياء من أحلامهم، وتنهي الاحتلال التي
انتفضوا ضده. يومها
التقط صورة لمجموعة فتيان، هي سبب عودته اليوم!..
تقوم فكرة الفيلم الجديد «أطفال الحجارة..
أطفال الجدار» على فكرة العودة إلى الماضي من خلال البحث عن الفتيان الذين
ظهروا في
الصورة عام 1989، واكتشاف ماذا فعلت بهم الأيام بعد قرابة ربع قرن؟.. كأنما
هي
محاولة لامتحان الحلم الفلسطيني ذاته، ما تحقق منه، وما انكسر.
وعلى الرغم من أن
الفكرة بحد ذاتها ليست جديدة في عالم الأفلام الوثائقية، إلا أن المخرج
امتلك قدراً
من النباهة بحيث لم يضيع كثيراً من الوقت في البحث عنهم بل ابتدأ من تلك
اللحظة
التي جمعهم، وذهب بهم إلى المكان ذاته، وأعاد التقاط صورة
جديدة، في محاكاة للصورة
القديمة، مع الفتيان أنفسهم، وقد أضحوا رجالاً.
سيمضي الفيلم في محاولة إعادة
التعرف على مصير هؤلاء الفتيان، الذين كانوا عماد الانتفاضة
الكبرى، وليكتشف إلى أي
درجة تحقق شيء من الأحلام التي كانت تداعبهم، أو تراود مخيلاتهم، وهم فتيان
أغرار؟!..
لعل العنوان وحده يمكن أن يكون فاضحاً للجواب. «أطفال الحجارة.. أطفال
الجدار» تلخيص عمر كامل لأشخاص شبوا في إطار الانتفاضة حالمين بدولة
فلسطينية،
فانتهوا معزولين مسجونين خلف جدار الفصل العنصري، الذي طوّح بهم بعيداً عن
أمكنتهم
الأليفة، وعن مرامي أحلامهم.
ولن يبتعد المخرج جورج سلويزر عن طراز هذه
الاستعادة، في فيلمه «وطن». إنه، كما كتبنا هنا قبل وقت قصير،
يعود إلى الأسرتين
الفلسطينيتين اللتين كان قد أنجز معهما أفلامه الوثائقية الثلاثة، السابقة،
ما بين
العامين 1974 – 1982، ومن ثم ليحقق الآن فيلماً رابعاًَ يرصد التحولات
الأخيرة
لهؤلاء الفلسطينيين الذين انعقدت بينه وبينهم علاقات إنسانية،
تجاوزت حدود المهني
لتدخل في حيز الشخصي، وليفصح المخرج عن الكثير من مواقفه المؤيدة للقضية
الفلسطينية، والرافضة للاحتلال الإسرائيلي.
بشكل مختلف تماماً تذهب المخرجة
النرويجية فيبكي لوكبيرغ من خلال فيلمها «دموع غزة». إنه فيلم
راهن، يتعامل مع
أحداث ما تزال حارة، ودماء ما تزال نازفة. تحرص المخرجة عبر فيلمها هذا على
تقديم
صورة واقعية تماماً، وصادقة تماماً، عما جرى خلال العدوان الإسرائيلي
الهمجي على
قطاع غزة، العام الماضي. ذلك العدوان الذي قام على العديد من
المجازر المتنقلة في
شتى أنحاء قطاع غزة، دامغاً نفسه بصفة جرائم الحرب التي ينبغي أن تطال قادة
العدو
الإسرائيلي الذين اتخذوا قرار هذا العدوان، وخططوا له، وقادوه، ونفذوه.
البشاعة
التي تظهرها الصور في الفيلم لا تشكل إلا جزءاً يسيراً مما جرى على أرض
الواقع. ومع
ذلك فثمة الكثير من المشاهدين ممن رأوا أن الفيلم جاء قاسياً، صادماً،
مؤلماً،
مفجعاً.. وربما لم ينتبه الكثيرون إلى أن الواقع في غزة أشد
مرارة، وأكثر قسوة، حتى
مما ظهر في هذا الفيلم، الذي يمكن أن نقول إنه يشكل رسالة إدانة واضحة
وصريحة وقوية
لإسرائيل، خاصة وأنه يأتي على أيد أوروبية غربية، وليس فلسطينية أو عربية.
أما
بصدد المشاركة الفلسطينية، فقد تمثّلت أولاً بالفيلم الوثائقي «مملكة
النساء: عين
الحلوة» للمخرجة الفلسطينية الشابة دانا أبو رحمة. وهو محاولة جيدة في
استعادة
ذاكرة العام 1982، وما تلاه من تداعيات، على إثر الاجتياح الإسرائيلي
للبنان،
وصولاً إلى حصار بيروت. يومها كانت القوات الصهيونية تضع
مخيمات اللاجئين
الفلسطينيين على رأس جدول أهدافها. وإذ تمكنت الهمجية الإسرائيلية من تدمير
غالبية
المخيمات، وتحويلها إلى ركام، واعتقال الشباب والرجال، فإن النساء
الفلسطينيات هن
من تولين الأمور، حتى خلقن ما تسميه المخرجة «مملكة النساء».
وجاء فيلم «الدرس الأول»، تجربة أولى للممثلة عرين
عمري، بوقوفها وراء الكاميرا كما أمامها، فصنعت هذا الفيلم المنسوج بحبّ
شديد
للقدس، ولكل ما فيها.. ومرثية تنشد التعلق بأهداب المكان، الذي
طوّحها الاحتلال عنه
بعيداً، لتعود مرة أخرى للوقوف في مواجهة الإسرائيلي، لدى تلقيها الدرس
الأول في
اللغة الفرنسية. هناك حيث يريد الإسرائيلي مدعوماً بخريطة القهر، محو اسم
فلسطين،
وعاصمتها القدس، وإحلال إسرائيل، وجيروزليم، وتل أبيب، بدلاً
عنها.
حضور هام
للقضية الفلسطينية، هيأ له مهرجان أبو ظبي السينمائي، في دورته الرابعة،
عبر
مبرمجيه العربيين: (العراقي انتشال التميمي، والفلسطينية رشا السلطي). ولو
لم يكن
لدى هذا المهرجان من حسنات، سوى هذا لكفاه.. ولو لم يفعل التميمي والسلطي
سوى
استحضار هذه الحزمة من الأفلام، لكفاهما مجداً.
الجزيرة الوثائقية في
04/11/2010
أبرزها "وطن" و"أطفال الحجارة – أطفال الجدار"
مآسي الفلسطينيين في أفلام أوروبية استضافها "أبوظبي
السينمائي"
دبي - أحمد الشريف
لم يعد الاهتمام بالقضية الفلسطينية قاصراً على السينمائيين العرب، بل
امتد إلى صناع السينما الغربية، في هولندا وألمانيا والنرويج وفرنسا
وإيطاليا.
وقدم مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الأخيرة، التي اختتمت
قبل أيام، لجمهوره، مجموعة من الأفلام الروائية الأوروبية التي تجسد على
الشاشة الواقع القاسي للشعب الفلسطيني، وتبرز آلام الأطفال في غزة وهم
يهربون من أمطار القصف الإسرائيلي.
ولعل الفيلم الألماني "أطفال الحجارة – أطفال الجدار" هو أكثر الأفلام
الأوروبية التي طرحت الواقع الفلسطيني الأليم، ولاقت إشادة كبرى من جمهور
المهرجان والنقاد المشاركين فيه.
ويتناول المخرج الألماني روبرت كريغ، حياة خمسة أطفال فلسطينيين
التقطت لهم صورة في عام 1989، في بيت لحم، وهم من الجيل الذي أطلق عليه جيل
"أطفال الحجارة".
ومن هذه الصورة ينطلق الفيلم ليرصد "التحولات التي طرأت على سكان بيت
لحم، ومالحق بالشعب الفلسطيني المحتل طوال تلك السنوات".
العيش في سجن كبير
ويرصد الفيلم الألماني المآسي التي خلفها الجدار العازل، ويختصرها أحد
أبطال الفيلم بقوله "انتقلنا مع هذا الجدار من العيش في المعتقلات الصغيرة،
كما كان الحال في الانتفاضة الأولى، إلى العيش في سجن كبير".
ويتمكن مخرج الفيلم من العثور على الأطفال الخمسة الذين ظهروا في
الصورة القديمة، وقد صاروا شبابا، وكونوا أسراً، ويعيشون في ظل جدار العزل
ظروفاً اقتصادية صعبة في الوقت الذي تتزايد فيه المستوطنات حول بيت لحم
قاضمة ما تبقى من أراضي المدينة وأشجارها وحياة سكانها.
ومخرج الفيلم الألماني روبرت كريغ يحمل شهادة علم الاجتماع والصحافة
وعلم الأجناس البشرية، وترأس في التسعينات جهوداً رامية إلى تطوير محطة بث
إذاعي فلسطينية في القدس ورام الله.
ومن فرنسا وإيطاليا يأتي الفيلم المشترك "ميرال" الذي يتناول حياة
أربع نساء يعشن تحت الاحتلال الإسرائيلي، بحسب تعريف دليل مهرجان أبوظبي
السينمائي.
الفيلم هو أحدث أعمال المخرج الأمريكي جوليان شنابل، واقتبسه عن رواية
للصحافية الفلسطينية رولا جبريل، ويتناول أيضا قصة 55 طفلا فلسطينيا يتيما،
كانوا نواة لإنشاء مؤسسة لرعاية الطفل الفلسطيني، وقصة فتاة فلسطينية تتولى
تدريس الأطفال في مخيم اللاجئين، وتتحول إلى محاربة من أجل مستقبل شعبها.
الوطن الفلسطيني المنتظر
وعلى شاشة "أبوظبي السينمائي" عرض المخرج الهولندي جورج سلاوزر فيلمه
"وطن"، الذي يتناول حياة فلسطينيين في المخيمات الفلسطينية ببيروت.
ويسلط الضوء على عائلتين لاجئتين أقام المخرج علاقة إنسانية مع
أفرادهما استمرت لسنوات طويلة، حتى بات أشبه بابن لهاتين الأسرتين.
ويرصد الفيلم الأم العائلتين، بعد ان فقدتا الأمل في العودة، ويركز
على بعض أفرادهما ممن استشهدوا، وآخرين هجروا للإقامة في دول غربية، لكنه
ينتهي إلى أن "أبناء فلسطين لم يفارقهم حلم الوطن المنتظر".
والمثير أن مخرج الفيلم الذي قارب التسعين عاما من العمر، ويسير على
عكازين، حرص على الحضور من هولندا الى أبوظبي ليعرض فيلمه على الجمهور
العربي الذي رحب به بحرارة، خاصة عندما فاز بجائزة أفضل فيلم عن العالم
العربي.
وقالت لجنة التحكيم إن فيلم "وطن" قدم "رحلة للكاميرا في الذاكرة منذ
36 عاماً نحو الحاضر لترسم بورتريهاً تراجيدياً للشتات الفلسطيني".
ويأتي الفيلم الفرنسي الألماني "يد الهية" الذي يتناول مشقات ومحن
الشعب الفلسطيني في الناصرة والضفة الغربية والقدس، وحسب وصف دليل
المهرجان، فإن الفيلم "يعرف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بأشد
التعابير وضوحا، وقسوة".
يشار إلى أن "أبوظبي السينمائي" خصص في دروته الثانية عام 2008،
برنامجا لذكرى مرور "60 عاما على تقسيم فلسطين"، عرض من خلاله 16 ساعة من
الأفلام غير عربية التي تتناول القضية الفلسطينية.
موقع "العربية" في
04/11/2010 |