اعتاد الجمهور على إطلالة الفنانة يسرا بعمل درامي في شهر رمضان
المبارك، وأيضا على القضايا المختلفة التي تناقشها في أعمالها، ففي الأعوام
الماضية قدمت قضايا الاغتصاب وسرقة الأعضاء وبيع أطفال الشوارع، وهذا العام
تقدم مهنة الطب الشرعي من خلال دور الدكتورة فاطمة في مسلسل «بالشمع
الأحمر»، معتبرة أن الموضوع جديد على المشاهد العربي، ومؤكدة خلال حوارها
مع «الشرق الأوسط» أن هذا العمل أتعبها بسبب المصطلحات العلمية وعمق مهنة
الطب الشرعي. المزيد عن المسلسل وفكرته وصعوباته في نص الحوار..
·
ألم تخشي دخول عالم الطب الشرعي
في مسلسل «بالشمع الأحمر» وهو عالم شائك بعض الشيء؟
- عندما عُرض عليّ السيناريو من مريم ناعوم والتي طلبت منها اختيار
مسلسل لشهر رمضان قدمت لي أربعة موضوعات مختلفة، كان من ضمنها الطب الشرعي
وبدأنا الحديث عن هذا العالم المختلف والغامض، فالدراما لم تتطرق لهذا
المجال ونعتاد فقط على الأعمال التي تتضمن الجرائم والقتل، وهذه لم تكن
المرة الأولى التي أكسر فيها تلك الحدود لأني من قبل كسرت تابوه الطب
النفسي وخضت في هذا المجال من الطب لأول مرة وكذلك موضوع التحرش وسرقة
أعضاء الأطفال، وأنا سعيدة بهذا السبق في العديد من الأعمال التي استطعت
خلالها أن ألقي الضوء على هذه القضايا بشكل يليق بها.
·
قدمت أكثر من مرة دور الطبيبة..
فلماذا الإصرار على هذه المهنة؟
- كان نفسي أكون دكتورة، ولذلك أحاول أن أعوض رغبتي في كوني دكتورة
ولكني أخاف بشدة ولو كنت دكتورة كان من المستحيل أن أدخل غرفة العمليات،
وعلى الرغم من تجسيدي لأكثر من دور عن مهنة الطب ولكنها مختلفة تماما ولا
تشترك إلا في المهنة ولكن الشكل والمضمون والمحتوى مختلف تماما، فقدمت
الطبيبة النفسية وطبيبة الجامعة والطبيبة الشرعية، ولكن الشخصيات مختلفة
تماما ولا علاقة بينها.
·
هل توقعت نجاح مسلسل «بالشمع
الأحمر»؟
- أنا لا أتوقع النجاح ولكني أقدم كل ما في وسعي كي أصل إلى النجاح،
وهذا إحساس كل فريق العمل في المسلسل، فنحن نقدم موضوعا جديدا وصعبا جدا
خاصة على المجتمعات العربية وبالتالي كان من الصعب توقع النتيجة ولكني
أراها حتى الآن رائعة، حتى النقد الذي كُتب عن المسلسل بنّاء وموضوعي، وأنا
أعذرهم لأن الموضوع جديد على العالم العربي.
·
هل يناقش مسلسل «بالشمع الأحمر»
مهنة الطب الشرعي فقط؟
- لا.. المحور الرئيسي للمسلسل هو الطب الشرعي ومناقشة العديد من
الجرائم الحقيقية من واقع الوثائق الخاصة بمصلحة الطب الشرعي في مصر، ومن
خلال هذه الجرائم نخرج منها إلى المحاور الاجتماعية المختلفة وعن أسباب
الجرائم ولا نناقش فقط الطريقة أو حتى أسلوب كشفها، وخلال الأحداث هناك
جريمة قتل غير واقعية ولكنها لتطابق السياق الدرامي نناقش من خلالها
الجوانب الشخصية لأبطال المسلسل.
·
لماذا لم تكن هذه الجريمة حقيقية
مثل باقي الجرائم؟
- استعنا بالدكتور السباعي كبير الأطباء الشرعيين في مصلحة الطب
الشرعي المصرية ليساعدنا في الحبكة الدرامية كي يشترك فيها جميع أبطال
المسلسل، فكان يجب هنا أن تكون الجريمة خيالية وذلك لإظهار العلاقة بين
الأبطال وعلاقة الجريمة بالمسلسل لأننا أردنا أن نقدم مسلسلا دراميا لا أن
نقدم توثيقا للجرائم التي حدثت بالفعل.
·
ولكن هل كان موضوع جرائم القتل
مناسبا لشهر رمضان؟
- بعد انفتاح القنوات الفضائية والتلفزيون المصري أصبح رمضان مرتبطا
أكثر بالدراما بكل أنواعها ولا يقتصر الأمر على الدراما الاجتماعية، وعلى
الرغم من كثرة الجرائم التي ناقشناها فلم نر صورة الدم بشكل مباشر ولكن
الإضاءة هي التي لعبت الدور، فالحقيقة صادمة بشكل أكبر بكثير من الصورة
التي قدمناها، بالإضافة إلى أننا صممنا مشرحة ديكور لمراعاة المشاعر
الإنسانية وخاصة خلال شهر رمضان، وأهم ما كنا نراعيه هي حرمة الميت.
·
وما هي أبعاد شخصية الدكتورة
فاطمة؟
- الشخصية متعبة جدا فحتى اختيار «اللوك» كان صعبا للغاية فهي امرأة
مطلقة وكان يجب مراعاة ذلك منذ البداية وكذلك طريقة تعاملها مع ابنها ومع
زملائها في العمل، كما تعلمت الكثير من المصطلحات العلمية في مدة قصيرة جدا
وكان يجب الإلمام بالكثير من الموضوعات التي يتعلمها الأطباء في سنوات
طويلة، وطريقة اللبس والشكل والحركة والنظرة لمسرح الجريمة وهي من أهم
عوامل الطب الشرعي، وقصة الحب بينها وبين زميلها في العمل وإحساسها أن هذا
الأمر خطأ ولا يجوز مما كان يشكل عبئا نفسيا على الدكتورة فاطمة.
·
لماذا علاقة الدكتورة فاطمة
بابنها متوترة طوال الوقت؟
- هي علاقة طبيعية خاصة بين الأم المطلقة وشاب الجامعة، وهناك فجوة
بينهما نتيجة غياب الأب ورغبتها في إبعاده عنه، ولكنها تحبه كأي أم، وأعتقد
أن علاقتهما طبيعية جدا.
* ولكن التدخل بشكل كبير في الجرائم كان بشكل مبالغ فيه؟
- هذا ما يحدث بالفعل وهذا على لسان الأطباء الشرعيين وهم أفضل
الأطباء الشرعيين على مستوى العالم العربي بل يحدث أكثر من ذلك، ففي بعض
الحالات يتم استدعاء الطبيب الشرعي لحضور التحقيق مع المتهم، وهذه هي
الحقيقة ولا نجرؤ أن نحرف فيها، وأرى أننا قدمنا الطب الشرعي بطريقة السهل
الممتنع.
·
لكن البعض انتقد بطء أحداث
المسلسل؟
- الأحداث ليست بطيئة وهناك جريمة كل يومين وكل جريمة تصلح أن تكون
فيلما سينمائيا، فهناك عشرات الجرائم في المسلسل، وفي الحلقات القادمة سوف
تكون هناك سرعة أكثر في الأحداث لأنها الذروة في جريمة القتل الرئيسية،
وهذا بعكس مسلسل «أهل كايرو» الذي يدور حول جريمة واحدة في ثلاثين حلقة
وبالمناسبة أنا أعجبت جدا بهذا العمل.
* في مشاهد كثيرة شاهدنا الدكتورة فاطمة تتناول الطعام داخل المشرحة
فما هي الرسالة من ذلك؟
- في أول زيارة لي لمصلحة الطب الشرعي كان أول سؤال وجهته للأطباء
هناك كيف تعيشون حياتكم، فأجابوني أنهم يعيشون حياة طبيعية جدا، لذلك كانت
الرسالة التي حاولت أن أقدمها أن هؤلاء طبيعيون ويعيشون حياتهم مثلنا لأنهم
يبحثون عن العدالة فضميرهم مرتاح وهم أصحاب رسالة مهمة في المجتمع،
وبالمناسبة أنا عندما سألت «عشماوي» المعروف في مصر أنه الموكل بإعدام
المجرمين كيف تنام فأجابني «أول مرة قمت فيها بتنفيذ حكم إعدام لم أستطع أن
أنام ولكن بعد ذلك اقتنعت أني لا أتجني على أحد إنما أنا أنفذ القانون».
·
كانت هناك بعض المشاهد داخل
المشرحة فماذا كان رد فعلك وقت التصوير؟
- الأمر صعب جدا، ولكن لم أستطع الدخول للمشرحة الحقيقية ولكننا صورنا
في مكاتب المشرحة ولكني لن أنسى أنه خلال فترة التصوير كان هناك الكثير من
الصراخ من أهل الضحايا وكان هناك أيضا الزغاريد التي تخرج من المعامل وكانت
حالة من التناقض الغريبة بالإضافة إلى مجموعة الأطباء الشرعيين الذين
أعانوني كثيرا وعلى رأسهم الدكتور السباعي والذي تدخل كثيرا لتصحيح
تصرفاتنا وكان يحاول أن يوجهنا وساعدني أيضا بصندوق العهدة الخاص به.
·
ولكن قيل إن مجموعة من الأطباء
الشرعيين أقاموا دعوى قضائية ضد العمل مطالبين بوقف عرضه؟
- هذا لم يحدث ولم تقم أي دعوى قضائية، فقد كانوا خير عون لنا وكان
العمل تحت أعينهم فكيف يقيمون دعوى قضائية، وكانوا يتدخلون في بعض المشاهد
وكنا نرجع لهم لمساعدتنا في تصوير الجرائم بالشكل الصحيح.
·
وماذا عن الدعوى المقامة من أهل
أحد ضحايا جريمة قتل والتي تم تصويرها خلال المسلسل؟
- كل الجرائم التي تم تصويرها تم البت فيها قضائيا ولا توجد أي قضية
تناولناها لم تنته في ساحات المحاكم وأعتقد أنه من حقنا تناولها، خاصة أننا
لم نذكر أسماء حقيقية ولم نشوه الصورة وأيضا تم تخفيفها دراميا حتى تناسب
العرض التلفزيوني.
·
هل تعاطفتِ مع بعض الجرائم التي
تم تقديمها وخاصة الحقيقية منها؟
- كل الجرائم تعاطفت فيها مع الضحية جدا ونحن لم نقدم التفاصيل بشكل
كامل لأنها تفاصيل «بشعة» لم نستطع تقديمها، والمسلسل تعرض لجرائم كل
الطبقات الغنية والفقيرة.
·
قيل إن يسرا تقدم فقط الشخصية
المثالية أو المغلوبة على أمرها.. ما ردك؟
- شخصية الدكتورة فاطمة ليست مثالية فهي غيورة جدا ولا تسكت عن حقها
ووراءها خبايا سوف تظهر في الحلقات القادمة، وأعمالي كلها مرتبطة
بالسيناريو والشخصية التي أقدمها إحدى الأدوات ولا يمكن أن أرفض سيناريو
لأن الشخصية طيبة، كما أن الدكتورة فاطمة كان يجب أن تكون مطلقة حتى تظهر
الفجوة بينها وبين ابنها ليظهر رد فعل معتز طبيعيا وخاصة مع محاولاتها
المستمرة لإبعاده عن أبيه.
·
وما هو شعورك بالعودة للعمل مع
المخرج د. سمير سيف؟
- أنا سعيدة جدا وهو يبذل مجهودا خرافيا في ظل التصوير في أكثر من 200
لوكيشن تصوير، وفريق العمل ككل في منتهى الروعة بداية من الدكتور طارق
التلمساني مدير التصوير وجميع الممثلين الذين تعاونت معهم.
·
كيف كان التعاون مع فريق مكون من
أربعة كتاب لكتابة العمل لأول مرة؟
- أنا لم أشعر أنهم أربعة على الإطلاق وكان هناك ترابط رائع بينهم
وقراراتهم كانت واحدة ولم نشعر إطلاقا باختلاف بينهم، بداية من مريم ناعوم
ونادين شمس ومحمد فريد ونجلاء الحديني وأتمنى أن يستثمروا هذا النجاح في
أعمال قادمة.
·
ماذا عن برنامج «العربي» الذي
قمت بتقديمه على شاشة الفضائية المصرية؟
- قمت بالتسجيل مع 400 شخصية عامة في ثلاثين حلقة وأنا استمتعت جدا
بهذه التجربة، وأنا لست مقدمة برامج ولكني محاورة أحاول تجميع المعلومات
وتوثيقها عن الضيوف العرب، وقد تعلمت الكثير من البرنامج، حيث حولني
البرنامج إلى جهاز كمبيوتر محمل بالمعلومات سواء في السياسة والطب وجميع
المجالات، وأتذكر موقفا مع الدكتور بطرس غالي، والذي كان يوقع أوراقا للأمم
المتحدة وأنا التي قدمت له الورق وهو رجل موسوعة لديه وجهة نظر في الحياة
وهو ثروة كبيرة، وأيضا الدكتور مجدي يعقوب والإعلامي يسري فوده، وأنا أعتبر
أن البرنامج حولني إلى إنسانة مختلفة.
·
برأيك.. هل ظلم البرنامج في وقت
عرضه؟
- بالفعل، حيث عرض أثناء كأس العالم مع اختلاف توقيت عرضه في الفضائية
الأولى والثانية المصرية ولكن هناك عرض ثان للبرنامج وأتمنى أن ينال حظه من
النجاح، كما أن «تلفزيون أبوظبي» اشترى البرنامج حصريا.
·
وماذا عن آخر تطورات الخلاف مع
الزعيم عادل إمام؟
- لم يكن هناك خلاف من الأصل، فعندما زارنا في لوكيشن «بالشمع الأحمر»
ليبارك لنا على تصوير المسلسل أطلقوا شائعة أنه جاء للمصالحة، ولكننا
اعتدنا أنه مع كل تصوير عمل لي أو له نقوم بتبادل الزيارات وكذلك كان يزور
ابنه أثناء تصويره للعمل، وهو بالمناسبة متألق في دور معتز ابني في
المسلسل.
·
هل تابعتِ مسلسلات شهر رمضان؟
- للأسف لم يكن هناك وقت حتى لمشاهدة مسلسلي بسبب تصوير المشاهد
المتبقية في شهر رمضان، فقط شاهدت بعض الحلقات من مسلسل «زهرة وأزواجها
الخمسة» وأعتقد أنه مختلف، وفي العرض الثاني سوف أحرص على مشاهدة «الجماعة»
و«أهل كايرو».
الشرق الأوسط في
10/09/2010
الورثة غاضبون.. ومسلسلات السيرة الذاتية مستمرة
الاتفاق على الجزء الثاني من «الجماعة»
طارق الشناوي
كما كان متوقعا لم تستطع كل الدعاوى القضائية التي أقامها «محمد سيف
الإسلام» إيقاف عرض مسلسل «الجماعة» الذي يتناول في جانب منه حياة والده
«حسن البنا» مرشد الإخوان ومؤسس الجماعة الأول. القضية التي شهدتها المحاكم
من أجل إيقاف عرض المسلسل تأجلت إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، أي
أنها تتيح لصناع المسلسل عرضه مرة أخرى قبل أن يقول القضاء كلمته النهائية.
صناع المسلسل الكاتب «وحيد حامد» والمخرج «محمد ياسين» لن يكتفيا
بالجزء الأول، بل تعاقدا مع الأبطال على تقديم جزء ثان ليعرض في شهر رمضان
القادم، ومن المنتظر أن يبدأ التصوير مبكرا في شهر أكتوبر (تشرين الأول)
حتى لا تضيق المساحة الزمنية أمام المخرج مثلما حدث في الجزء الأول فيضطر
لحذف بعض مشاهد ليلحق بموعد العرض. سوف يبدأ التصوير وأمام الجميع متسع من
الوقت، ولن يكتفي «وحيد حامد» بجزء ثان، فهناك أيضا كما أكد الكاتب جزء
ثالث في الطريق!! استند ابن «حسن البنا» في دعواه التي شهدتها المحكمة إلى
وقائع يراها هو متجاوزة للحقيقة، منها تقبيل أعضاء الجماعة يد أبيه، وقدم
مستندات تؤكد أن والده كان يرفض تماما تلك الممارسات سواء كانت معه أم مع
الآخرين، فهو يعتبرها تحمل تجاوزا دينيا واجتماعيا.. كما أن مشهد استعطاف
«حسن البنا» لرئيس الديوان الملكي لكي يوقف قرار حل جماعة الإخوان كان أيضا
مبالغا فيه في تقديم شخصية «البنا» كانتهازي مستعد أن يغير جلده في كل
لحظة.
انقسم الشارع في مصر والعالم العربي حول المسلسل، وبالتأكيد كل
المؤشرات تؤكد على أن هناك مكاسب حققتها جماعة الإخوان المسلمين، وهي تشكل
نقاطا إيجابية لصالح الجماعة لم تكن أبدا في ذهن الدولة عندما سمحت بتقديم
هذا المسلسل، وعلى الرغم من أنه إنتاج خاص لشركة «الباتروس»، فإن الجميع
يعلم أن الدولة اعتبرته مسلسلها الأهم وهكذا أفردت له مساحة متميزة على
شاشتها، وتم شراء حق العرض بأرقام تتجاوز سقف الأجور المتعارف عليه، حيث
وصل المقابل إلى 4 ملايين دولار.
كما أن اشتراك أكثر من نجم كضيف شرف مثل «منة شلبي»، «كريم عبد
العزيز»، «أحمد حلمي»، بالإضافة إلى المساعدة التي قدمها عدد من المخرجين
لمخرج المسلسل «محمد ياسين» من أجل إنجاز المسلسل في توقيت العرض الرمضاني،
كل هذه مؤشرات ودلائل تؤكد على أن الدولة لم تكن أبدا بعيدة عن هذا المسلسل
وموقفها المعارض للجماعة يستتبع في الوقت نفسه الترحيب بإنتاج المسلسل رغم
غضب الإخوان ضد الكثير من أحداث المسلسل وإعلانهم عن تقديم مسلسل آخر
لتقديم الوجه الآخر لحسن البنا.
النقطة الإيجابية التي استفادت منها «الجماعة» هي أن الناس لأول مرة
تعرفوا على فكر «حسن البنا»، حتى لو شاب ذلك الفكر كما قدمته المعالجة
التلفزيونية قدر من التشويش، ولأن لدى الناس إحساسا مسبقا بأن الدولة من
المؤكد تكره الإخوان ولهذا سوف تشوه توجهاتهم وأفكارهم فإن هذا أدى إلى أن
هناك قدرا من التعاطف أعلن عن نفسه. كما أن «وحيد حامد» لم يستطع أن يغفل
بعض الجوانب الإيجابية في شخصية «البنا» حتى لا يتهم بتشويهها كاملا فكان
يقدم في الشخصية جانبا إيجابيا يعقبه جانب سلبي، وأدى هذا رغما عن وجهة
النظر الرسمية إلى حدوث قدر من التعاطف مع «حسن البنا» باعتباره رجلا كان
يرفع راية الإسلام في العالم كله.
الجانب الإيجابي الآخر الذي لم ينتبه إليه الإعلام الرسمي هو أن جماعة
الإخوان كان التلفزيون والصحف القومية يصفانها بالمحظورة، لكن لم يعد هذا
التعبير جائزا الآن، فكيف تعتبر محظورة والتلفزيون لا يكف عن وصفها
بالجماعة؟! أهم ما طرحه هذا العمل بعيدا عن أفكار مسلسل «الجماعة» هو إلى
أي مدى يملك الورثة أوراقا مؤثرة في مصير الدراما خاصة أنه كما رأينا لم
يتم إيقاف أي عمل فني أثناء عرضه.. إلا أن السؤال هو: هل الورثة هم فقط
أصحاب الرأي الوحيد والصائب عن وريثهم؟
لو تتبعنا الأعمال الدرامية سينمائيا وتلفزيونيا سوف نكتشف أن الورثة
لم يرضوا طوال التاريخ عما يقدم من أعمال فنية إلا فيما ندر.. مثلا فيلم
«السادات» لاقى ترحيبا من أسرة الرئيس «السادات» لأن السيدة «جيهان
السادات» كانت تتابع كل التفاصيل، بل كانت هي أحد المصادر الرئيسية في
صناعة السيناريو، وسمحت لفريق العمل بالتصوير في الأماكن نفسها التي شهدت
الأحداث في بيتها. أيضا فيلم «ناصر 56» وافقت عليه أسرة الرئيس «جمال عبد
الناصر»، لكن الغضب هو دائما صاحب الصوت الأعلى، حتى في مسلسل «الملكة
نازلي» ظهر حفيد لأحمد حسنين باشا الذي أدى دوره «كمال أبو رية» وكان زوجا
للملكة «نازلي» قبل أن يرتبط بقصة حب طويلة مع «نازلي» أغضبت الملك.
قال حفيد «أحمد حسنين باشا» مدافعا عن جدته «لطفية» التي تركها «أحمد
حسنين باشا» للزواج من «نازلي» إن جده كان يحب جدته أكثر، مصححا اسمها
الحقيقي «لطفية» وليس «لطيفة» كما ذكر في المسلسل. المؤكد بالطبع أن
المعلومة الثانية صحيحة تماما، ولكن اختلط الأمر على الكاتبة «راوية راشد»
لأن اسم «لطفية» غير شائع.. أما مسألة أنه أحب جدته أكثر فهذا كما هو واضح
نوع من الدفاع عن جدته التي أهانتها بالتأكيد «نازلي» عندما طلقها «أحمد
حسنين باشا» بسببها!! أعادنا هذا الغضب المعلن من الورثة إلى ما سبق تكراره
تقريبا في كل رمضان، حيث إننا نعيش المشكلة نفسها، ففي العام الماضي مثلا
كان التلفزيون يقدم حياة اثنين من المشاهير «ليلى مراد» و«إسماعيل ياسين»،
وشارك في كتابة مسلسل «إسماعيل ياسين» ابنه الراحل «ياسين إسماعيل ياسين»،
واشترك في كتابته أيضا «أحمد الإبياري» ابن «أبو السعود الإبياري» صديق
«إسماعيل ياسين».
وهكذا لم نسمع أي اعتراض خاصة أن «ياسين» الابن الوحيد لإسماعيل ياسين
كان قد رحل قبل عرض المسلسل بأكثر من عام. بينما ورثة «ليلى مراد» أقاموا
دعوى قضائية ظلت تتردد طوال أحداث المسلسل، مؤكدين أن هذه ليست «ليلى
مراد»، وليس هذا هو جدهم «زكي مراد»، وهددوا هم أيضا بتقديم مسلسل يتناول
حياة «ليلى مراد»، إلا أن ما حدث هو أننا لم نر شيئا، والدعوى القضائية
انتهت إلى لا شيء، وأغلب الظن أن مشروع المسلسل كان مجرد تهديد لصناع مسلسل
«ليلى مراد».
في رمضان الذي وافق عام 2008 كان الأمر أشد ضراوة بل ودموية، حيث إن
ورثة «أسمهان» و«فريد الأطرش» في جبل «الدروز» بسورية هددوا بإراقة الدماء،
ولم يكتفوا فقط بإقامة دعوى قضائية على صناع مسلسل «أسمهان»، فقد هددوا
بالقصاص من صناعه والتهمة الجاهزة دائما هي أنهم يشوهون وريثهم، وقالوا إن
كل ما ذكر من تفاصيل بالمسلسل عن سلوك «أسمهان» مأخوذ عن كتاب للكاتب
الصحافي «محمد التابعي» لا يستند للحقيقة في شيء.
إلا أن ما حدث هو أن كل شيء انتهى، ولا يوجد أي أثر يذكر لتلك القضايا
التي أقيمت في مصر وسورية ضد المسلسل، بل إن تهديداتهم المباشرة بالاغتيال
لكل من «سلاف فواخرجي» و«عابد الفهد» و«فراس إبراهيم» أبطال المسلسل انتهت
إلى مرحلة الصلح، وهو ما تكرر في رمضان أيضا في العام الذي قبله عندما تم
تقديم مسلسلي «حليم» و«السندريللا»، وشاهدنا غضبا ودعاوى قضائية ومطالبة
بتعويض مادي عن الحلقات، وبالفعل حصل الورثة على قرابة 200 ألف دولار من
صناع مسلسل «السندريللا»، ثم انقلبوا عليهم وتعددت المشكلات التي يثيرها
الورثة دائما ولم يسلم أي عمل فني منها حتى مسلسل «أم كلثوم» الذي عرض عام
2000 وحقق نجاحا جماهيريا ضخما ولا يزال، إلا أن ما حدث وقتها هو أن ورثة
«أم كلثوم» أيضا طالبوا التلفزيون المصري بعدم عرض الحلقات ومنع تصدير
المسلسل للعرض في أي دولة عربية.
حدث ذلك قبل بداية رمضان بأربع وعشرين ساعة، ولم يلتزم أحد بما أراده
الورثة، ولم تمض سوى عشرة أيام فقط حتى فوجئ الجميع بهذا النجاح الطاغي
الذي حققه المسلسل مع الناس في مصر والعالم العرب، وعلى الفور تحولت الدعوى
القضائية إلى حفل سحور يوجه إلى صناع المسلسل الكاتب «محفوظ عبد الرحمن»
والمخرجة «إنعام محمد علي» والأبطال «صابرين» و«أحمد بدير» و«كمال أبو رية»،
وبالطبع هذه النهاية السعيدة ليست متوقعة مع أغلب المسلسلات التي نراها
حاليا خاصة «الجماعة» الذي انتهى الجزء الأول منه بغضب عارم من الورثة
وأيضا من أعضاء «الجماعة» وعدد من المتعاطفين معهم.
أتصور أن كل ذلك لن يسفر عن شيء سوى ترقب للجزء الثاني الذي يبدأ عند
لحظة اغتيال «حسن البنا»، ويصل إلى ما يجري الآن، لتتجدد مرة أخرى في كل
رمضان قضايا الورثة في المحاكم وكأنها طقس رمضاني مثل صوت مدفع الإفطار
وطبلة المسحراتي!!
الشرق الأوسط في
10/09/2010 |