تقوم العلاقة بين المشاهد العربي ونتاجات الدراما العربية على الكثير
من الأحكام المسبقة، بعضها يغذّيها صناع هذه الدراما وبعضها الآخر يفرضه
واقع سياسي واجتماعي ضحل. يكفي انتشار خبر عن مسلسل لممثلة مثل يسرا حتى
تجتاح خيال المتفرّج صور لما سيكون العمل عليه، نسبةً الى أعمالها السابقة.
وإذا تسرّب عن العمل ما يدخل في جوهر الحكاية، غدت الصورة أقرب الى
الإكتمال. وذلك ليس سوى دلالة بسيطة على واقع درامي متكرر ومتشابه، غير
معني بالتجديد أو بإحداث صدمة إيجابية إن لجهة الشكل او الاسلوب أو بناء
الشخصيات او الصورة التي يظهر النجم/النجمة من خلالها. وإذا حدث ان هذا
العمل الدرامي على علاقة بتاريخ قريب او بعيد، دخلت على الخط جهات عليا
تفرض وتحذّر وتنهي وتنظّر. وما يتقاعس المشاهد العربي التقليدي عن شجبه
بحجة الأخلاق او التقاليد الإجتماعية، تسارع أجهزة الرقابات والدول الى
ملاحقته بحجة الاساءة الى التاريخ وتشويه الحقائق. وفي هذا المجال، تتعرض
المسلسلات التاريخية وأعمال السيرة للرصد والنقد وحتى الملاحقة القضائية
والمطالبة بمنعها أكثر من غيرها. تكمن المشكلة الجوهرية في ان صناع هذه
الأعمال ينطلقون أصلاً من محاذير ذاتية، يفرض بعضها المناخ السياسي
والاجتماعي العام الذي يقنّن حرية الفرد عموماً والفنانين خصوصاً في اجتراح
رؤى شخصية. ويلعب الجمهور العريض من جهة ثانية دوراً كبيراً لجهة تطلّع
المنتجين الى إرضائه وسط الكم الهائل من الأعمال التلفزيونية المرهون عرضه
بشهر واحد خلال السنة هو شهر رمضان. من هنا تنبري هذه الأعمال الى مهمة
أساسية هي إرضاء هذا الجمهور وجذبه بأي طريقة لمنعه من استخدام سلاحه
الأوحد الفتّك: الريموت كونترول او آلة التحكم عن بعد.
وسط السباق المحموم بين المسلسلات المزمع عرضها في رمضان المقبل على
مسافة أقل من شهر من الآن، بدأ الحديث على خمسة أعمال تاريخية، تنتظر
نصيبها من الحكم الجماهيري والسياسي على مقارباتها حقبات تاريخية وسياسية
وتقديمها لمحات عن حياة زعماء وشخصيات تاريخية.
هذه الأعمال، المصنّفة، تلطيفاً أو تضخيماً، في خانة "المثيرة للجدل"
هي:"الجماعة"، "سقوط الخلافة"، "شيخ العرب همام"، "رجل لهذا الزمان"، "عابد
كرمان" و"نازلي ملكة في المنفى". تعرَّضت هذه الأعمال بالفعل إلى الكثير من
الإنتقادات والهجوم حتَّى قبل الإنتهاء من تصويرها، وأقيمت العديد من
الدعاوى القضائيَّة لوقف التَّصوير، وعدم عرضها على شاشات التليفزيونات،
بدعوى تشويهها الرموز التَّاريخيَّة. هنا إيجاز لما نشره موقع "إيلاف"
الإلكتروني من معلومات حول هذه المسلسلات ومشكلاتها قبل عرضها.
"الجماعة"
يعتبر مسلسل "الجماعة" أكثر الأعمال الدراميَّة التَّاريخيَّة اثارة
للجدل، نظرًا إلى أنَّه يروى حياة الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان
المسلمين، بين العام 1928 تاريخ تأسيسه الجماعة و1948 عام تعرضه للإغتيال.
كتب المسلسل وحيد حامد وأخرجه محمد ياسين. وكان الهجوم الأول الذي تعرض له
صادراً عن أعضاء وقيادات الجماعة، منذ الإعلان عن نية كاتبه العمل عليه في
أوائل العام 2008. اشتد الهجوم مع بداية التَّصوير قبل نحو الشهرين، وبلغ
ذروته قبل نحو أسبوعين عندما أعلن نجل حسن البنا، المحامي سيف الإسلام حسن
البنا، مقاضاة الكاتب ومنتج المسلسل، مشترطاً وقف التَّصوير والزامهما
باطلاع الأسرة على السيناريو. وقال البنا إنَّ ما يدفعه إلى إقامة الدعوى
القضائيَّة هو إصرار الكاتب والشركة المنتجة على عدم عرض السيناريو عليهم،
أو الكشف عن المصادر الَّتي اعتمد عليها الكاتب. من جانبه قال الكاتب وحيد
حامد، بحسب ما أورد موقع "إيلاف"، إنه لن يلتفت إلى اعتراضات الإخوان،
مشيرًا إلى أنَّه اعتمد في كتابة العمل على مصادر وصفها بـ"الموثوقة". ونفى
ما يقال حول أنَّ الهدف من المسلسل تشوية صورة الجماعة قبل الانتخابات
البرلمانيَّة المقبلة، وأوضح أنَّه كاتب حر، وليس موظفًا في الحكومة حتَّى
يأتمر بأوامرها. يلعب بطولة "الجماعة" الممثل الأردني إياد نصار، ويشاركه
البطولة الممثلون: عزت العلايلي، عبد العزيز مخيون، يسرا اللوزي، سوسن بدر،
حسن الرداد، صلاح عبد الله، يوسف شعبان.
سقوط الخلافة
حتَّى وقت قريب، لم يثر مسلسل "سقوط الخلافة" مشكلات تُذكر، إلى أن
وقعت حادثة اعتداء إسرائيل على "أسطول الحريَّة" لكسر الحصار المفروض على
قطاع غزة، وقتلها ناشطين سياسيين أتراك من بين آخرين. تزامناً، ارتفعت
الأصوات مهاجمةً المسلسل، ومتهمةً إياه بالترويج لما يسميه البعض بـ "المد
التركي الجديد في المنطقة العربيَّة"، من خلال الدعوة إلى احياء الخلافة
العثمانيَّة، وبتمجيد السلطان عبد الحميد الذي تسبب في ضياع فلسطين من أيدي
العرب، بحسب المعترضين. ويرد مؤلف المسلسل، يسري الجندي، بالقول إنه كتب
المسلسل منذ أربع سنوات أي قبل ظهور ما يسمى بالمد التركي كما يزعم البعض،
وأضاف أنَّ "سقوط الخلافة"، يأتي ضمن مشروع خاص به يؤرخ دراميًّا الفترات
الَّتي وصفها بـ"الضبابيَّة" في تاريخ المنطقة العربيَّة، مشيرًا إلى أنَّه
بدأ هذا المشروع بمسلسل "جمهوريَّة زفتي"، "عبد الله النديم"، "جحا
المصري"، و"السيرة الهلاليَّة"، في محاولة منه لربط الماضي بالحاضر. يذكر
أنَّ "سقوط الخلافة" يتناول فترة حكم السلطان عبد الحميد للدولة
العثمانيَّة الَّتي شهدت العديد من الانشقاقات والمؤامرات الَّتي حاكتها
الدول الغربيَّة ضده لإضعاف الدولة وتمزيقها، وانتهت بانهيار الخلافة
الإسلاميَّة تمامًا. يجسِّد دور البطولة الممثل السوري عباس النوري، وتنضم
إليه مجموعة من الممثلين العرب منهم: جهاد سعد وأسعد فضَّة من سوريا، عبد
الرحمن أبو زهرة وسميحة أيوب وعايدة عبد العزيز وعمر الحريري وعبد العزيز
مخيون من مصر، نادية عودة من الأردن، ميساء مغربي من المغرب، أحمد الجسمي
من الإمارات وناصر عبد الرضا من قطر. أما الإخراج فقام به السوري باسل
الخطيب.
شيخ العرب همام
ولم ينج مسلسل "شيخ العرب همام" من لعنة المسلسلات التَّاريخيَّة، حيث
أقام أحد أحفاد الأمير همام بن يوسف دعوى قضائيَّة مطالباً بوقف تصويره
وعرضه، بتهمة الإساءة إلى جدِّه وتصويره على أنَّه كان زير نساء. و همام بن
يوسف أحمد محمد همام هو مؤسس قبيلة الهوارة في صعيد مصر، عاش في الفترة
الممتدة بين 1709 و1769، وذلك خلال الحكم المملوكي لمصر. وكان يمتلك مساحات
شاسعة من الأراضي، ويتمتع بسطوة ونفوذ في بلده، وفي الوقت عينه يعطف على
المحتاجين ويدافع عن المظلومين. وعلى صعيد جماهيري، واجه المسلسل حملة،
قادتها مجموعات من خلال الـ "فايس بوك"، داعية إلى مقاطعته بسبب خلع بطلته
صابرين الحجاب في المشاهد الَّتي تجمعها بالبطل يحيى الفخراني في المنزل،
مستعيضة عنه بشعر مستعار.
عابد كرمان
"عابد كرمان" هو العنوان الجديد للمسلسل الذي اشتهر خلال فترة الكتابة
والإنجاز بعنوان "كنت صديقًا لديان"، المأخوذ عن رواية للكاتب ماهر
عبدالحميد. تدور أحداث المسلسل حول شخصيَّة الشاب الإسرائيلي عابد كرمان،
الذي تمكَّنت المخابرات المصريَّة من تجنيده، واستطاع التقرب من جيورا
زايد، نائب مدير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" في حيفا وتكوين
شبكة تجسس عربيَّة، وصلت إلى أعماق المجتمع الإسرائيلي، وتمكَّنت من الحصول
على خرائط خط بارليف. ويواجه المسلسل العديد من المشكلات بسبب تسليطه الضوء
على الصراع بين المخابرات المصريَّة والإسرائيليَّة. غير أنَّ مؤلفه، بشير
الديك، نفى ذلك وقال إنَّ كل ما أشيع بشأن توقف التصوير لأسباب سياسيَّة لا
أساس لها من الصحة، مشيرًا إلى أنَّ العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة،
الَّتي نشأت بعد توقيع إتفاقية السلام بين البلدين، لا تحرِّم التطرق إلى
البطولات الَّتي قام بها المصريون، خلال حروبهم مع إسرائيل. ويجسِّد دور
البطولة في المسلسل الممثل السوري تيم الحسن والمصريَّة ريم البارودي إلى
كل من: حسام شعبان، عبد الرحمن أبو زهرة، فادية عبد الغني وآخرين.
رجل لهذا الزمان
يروي مسلسل "رجل لهذا الزمان" سيرة عالم الفيزياء النوويَّة المصري
الدكتور مصطفى مشرفة، الذي اغتالته اسرائيل. ويتطرَّق إلى الأجواء
السياسيَّة الَّتي تزامنت مع الفترة الَّتي عاش فيه، منذ ولادته في
تموز/يوليو 1898 إلى 15 كانون الثاني/يناير 1950. ويتردد ان المسلسل تعرض
لهجوم شديد لأنَّه يبرىء إسرائيل من تهمة اغتياله. وأوضح المؤلف، محمد
السيِّد عيد، أنَّ الدكتور مشرفة مات في العام 1950 أي بعد قيام إسرائيل
بعامين، وكانت وقتها مشغولة بتأمين وجودها على الأرض وليس تتبع العلماء
العرب واغتيالهم. يلعب دور البطولة في "رجل لهذا الزمان" أحمد شاكر وهنا
شيحة ومنال سلامة. أما الإخراج فوقعته إنعام محمد علي.
ملكة في المنفى
يعتبر "ملكة فى المنفى" أقل المسلسلات التَّاريخيَّة إثارة للجدل
حتَّى الآن، حيث يروي حياة الملكة نازلي من خلال كتاب لمؤلفة المسلسل
الإعلاميَّة راوية راشد، منذ زواجها من الملك فؤاد وحتى وفاتها معدمة في
الولايات المتَّحدة الأميركيَّة. ويتعرَّض المسلسل إلى الصراعات داخل
البلاط الملكي، ويسرد الفترة الَّتي سبقت ثورة يوليو 1953 من تاريخ مصر.
وكان النّقد الأبرز الذي طاول العمل مشككاً باستحقاق شخصيَّة الملكة نازلي
لعمل يروي سيرتها ويعتبرها شخصية غير مؤثرة في تاريخ مصر. تلعب نادية
الجندي شخصية الملكة، ويشاركها البطولة محمود قابيل وليلى طاهر وكمال
أبورية وآخرون. المسلسل من إخراج محمد زهير رجب ووائل فهمي عبد الحميد.
المستقبل اللبنانية في
22/07/2010 |