في تعاونها الثاني مع رشا شربتجي، قرّرت الكاتبة السورية تقديم مسلسل
يتناول أحد أكبر التابوهات في المجتمع الشرقي. العمل الذي تلعب بطولته نخبة
من النجوم، لم يصطدم بالرقيب الرسمي... لكنّه قد يواجه رقابةً من نوع آخر!
بعدما أنجزت نصها الدرامي الأول «وشاء الهوى» (2006)، احتلّت الكاتبة
السورية يم مشهدي مكانة متقدمة بين كتّاب الدراما السوريين. ثم عزّزت
مكانتها بعد نصها الثاني «يوم ممطر آخر» (2008) الذي أخرجته رشا شربتجي. إذ
لقي المسلسل استحساناً لدى المشاهدين وحظيَ بنسبة متابعة جيّدة رغم عرضه
خارج الموسم الرمضاني.
أما الموسم الحالي، فسيكون فرصة لتعاون جديد بين شربتجي ومشهدي، بعدما
كتبت هذه الأخيرة نصاً بعنوان «تخت شرقي» يغوص في تفاصيل المجتمع المعاصر.
وقد انتهت شربتجي من تصوير نسبة كبيرة من مشاهده.
«يصعب سرد قصة العمل، لأنه يحكي تفاصيل الحياة اليومية والجزئيات
التراكمية التي تشكِّل حياتنا» تقول مشهدي لـ«الأخبار» وتضيف: «يروي
المسلسل قصة أربعة شباب تجمعهم صداقة قديمة منذ أيام الدراسة. وقد كبروا
وحافظوا على صداقتهم، فيجتمعون مساء كل خميس ليلعبوا الورق. ورغم الاختلاف
الظاهر بين الشخصيات، إلا أننا سنكتشف أنّهم متشابهون إلى حد كبير».
هكذا، ستكون انطلاقة المسلسل من خلال قصة الأصدقاء الأربعة مع محاولة
الكاتبة التركيز على العوالم الداخلية لشخصياتها والأفكار التي تجمع قسماً
كبيراً من الشعب السوري. إذ غالباً ما يكوّن السوريون صورتهم عن الشخص
الآخر من خلال المنطقة التي ولد فيها، أو الطائفة التي ينتمي إليها. وهو
الأمر الذي تنبّهت له مشهدي. تقول «لا يمكن تصنيف البشر كما نصنّف القطعان،
فنطلق أحكاماً مسبقة عليهم لمجرد معرفة انتماءاتهم أو بلدانهم».
كذلك، سيتناول العمل مسألة الاحتقار المتبادلة بين الشعوب العربية، من
التمييز الطائفي والوطني، والعنصرية التي يعانيها المجتمع الشرقي حتى تجاه
ذوي البشرات السوداء. وكل ذلك ينعكس على طبيعة العلاقة العربية ــــ
العربية، فيرفض الأهل مثلاً تزويج ابنتهم السورية من شاب فلسطيني، والعكس
صحيح...
عن الجنس المحرّم، والعذرية، والأفكار المسبقة... والعنصريّة
منذ أن اتفقت مشهدي مع رشا شربتجي على إنجاز نص «تخت شرقي»، قرّرت عدم
التدخل في أيّ تفصيل يخص العمل، على اعتبار أنّ مهمتها انتهت وبدأت مهمة
المخرجة. مع ذلك، لا تتردّد مشهدي في إعطاء رأيها للمخرجة حين يتعلّق الأمر
«بالبنية الأساسية للنص، وخصائص الشخصية المكتوبة كالعمر والمواصفات
الشكلية».
وإن كان طبيعياً أن يُطلب من المخرج إضافة بعض التفاصيل على النص
لأهداف تتعلق بالتسويق، فإنّ شربتجي طلبت من الكاتبة ثلاثة تعديلات تتعلّق
بنهاية المسلسل. ثمّ عدلت عن رأيها بعد نقاش مع مشهدي.
من جهة أخرى، تعترف الكاتبة السورية بأنّها تحاول تقديم أعمالها من
دون الاصطدام بالعقلية الرقابية في سوريا. إذ لا تزال هذه الأخيرة تفرض
محرّمات كثيرة لا يمكن الدراما ملامستها. كما تبتعد مشهدي عن الكتابة
للدراما التاريخية حتى لا تقدّم الشخصيات في هالة من القداسة. لذا، نراها
تقدّم عملها الثالث، وهو من النوع الاجتماعي المعاصر وتطرحه بالطريقة نفسها
التي كتبت بها عمليها السابقين.
أما عن تمسّكها بهذ النوع من الدراما، فأجابت: «أستطيع أن أوضح
الأسباب التي تقف خلف الإشكاليات التي أطرحها... أما في أنواع درامية أخرى،
فيصعب تقديم الأسباب وتفسيرها».
إذاً «تخت شرقي» هو عنوان العمل الذي يبدو أنّه سيضيف للمسلسل عنصر
جاذبية. المعنى الأول يرتبط بالموسيقى، فيما يوحي المعنى الثاني بالسرير،
وبالتالي الجنس في المجتمع الشرقي. وتشرح الكاتبة أنّ استفتاءً أجرته مجلة
ألمانية يثبت أن الدول العربية هي المنطقة الأكثر بحثاً عن كلمة
sex، على محرك «غوغل».
وتقول مشهدي إنها تسعى إلى «الغوص في جزئيات المجتمع الصغيرة تيمناً
بالسينما الفرنسية التي لا تعتمد الآكشن، إلا أنها تحتفظ بجاذبيتها وتتفوق
أحياناً كثيرة على الآكشن».
ورغم أن النص لم يواجه مشكلات مع الرقيب، إلا أنّه قد يواجه الرقيب
الاجتماعي، بما أنه يلعب على أكثر المواضيع حساسيةً وهو الجنس. كما يتطرق
إلى علاقة الأنثى بجسدها والعذرية. إذ تعلن إحدى شخصيات المسلسل أنها ليست
عذراء قبل أن تتزوج، وتدافع عن حقها بالتصرّف بجسدها. لكن كاتبة النص لا
تتوقع حصول هذا الصدام مع المجتمع «ما دام لا يمكن الحكم على مزاج الجمهور
الذي يحبّ ويتابع غالباً أعمالاً رديئة كالمسلسلات التركية المدبلجة، ثم
يعزف عن متابعة بعض الأعمال الهامة».
هكذا سيكون المشاهد على موعد مع «تخت شرقي» في رمضان على شاشة «أبو
ظبي»، ومحطات أخرى. والعمل هو باكورة إنتاج شركة «كلاكيت للإنتاج الفني».
وتشارك فيه نخبة من النجوم، هم: قصي خولي، ومكسيم خليل، ومحمد حداقي، ومعن
عبد الحق، وأمل عرفة، وسلافة معمار، وسمر سامي، وسلوم حداد، وفارس الحلو.
على أن تكون البطولة جماعية وليست حكراً على شخصية واحدة.
على نار حامية
بعد انتهائها من نص «تخت شرقي»، باشرت يم مشهدي كتابة نص جديد يكتمل
إنجازه بعد سنتين، بما أنها تنجز عملاً تلفزيونياً واحداً كل سنتين.
وستستمر مشهدي في التركيز على تفاصيل الحياة اليومية لمجتمعنا المعاصر. على
أن يكون عملها المقبل الذي ترفض الكشف عن أي تفاصيل عنه، خطوة جديدة تضاف
إلى أعمالها السابقة. من جانب آخر، شارفت رشا شربتجي على الانتهاء من تصوير
مشاهد «تخت شرقي». وستبدأ قريباً إنجاز المسلسل الذي يروي سيرة الشاعر
الراحل محمود درويش الذي ينتجه ويجسّد بطولته فراس إبراهيم.
الأخبار اللبنانية في
22/07/2010
الخـريطـة الدراميـة السـوريـة فـي رمضـان ومـزج الفـن
بالتسويـق
ماهر منصور/ دمشق
من يرسم المشهد الدرامي السوري كل عام؟ ولماذا تتجه دوماً أصابع
الاتهام إلى شركات الإنتاج بوصفها المسؤولة عن خلل الخارطة الدرامية
النهائية في كل موسم، على اعتبار أن حسابات «البزنس» في عرفها أهم من
حسابات الفن؟ أسئلة حملتها «السفير» إلى قيّمين على شركتي إنتاج لتوضيح
الصورة الحقيقية لدور شركات الإنتاج في رسم الخارطة الرمضانية، وعادت
بالآتي:
يرى مدير شركة «سورية الدولية للإنتاج الفني» فراس دباس أن الخارطة
الدرامية النهائية لكل موسم تقوم على معادلة فكرية وفنية وتسويقية معاً،
وأن عوامل عدّة تتحكم برسم المشهد الدرامي السوري، تحددها الجهة المنتجة.
غير أن ذلك لا يتمّ بمعزل عن «المزاج» الشعبي العام للجمهور، كما يضيف.
وإذ تنطلق مسألة اختيار الأعمال الدرامية من النصوص تلجأ الشركة
لاختيارها إلى دراسة «جدواها الاقتصادية» لإنتاج المادة الفنية ثم ارتباطها
بتحقيق النجاح المنتظر و«هذه النقطة لا تخلو من المغامرة في بعض الأحيان»
بحسب دباس.
ويستطرد «هكذا تبدو عدد من المشاريع الدرامية لشركة «سورية الدولية»
كمغامرات فنية محسوبة فقد سبق وخاضت الشركة تجربة إنتاج «التغريبة
الفلسطينية» العمل الأهم في الدراما التي تناولت القضية الفلسطينية، كما
أسست لسلسلة «بقعة ضوء» الشهيرة» ..أما نظرية الإنتاج التي يعتقد بها منتج
«ثلاثية الأندلس» و«صلاح الدين» و«الزير سالم» ..فهي تقول «بأن البذخ في
الإنتاج لا بدّ وأن ينعكس على العمل الفني».
ويخلص بالقول أن المسألة هي «مسألة خيارات ابتداءً من النصوص وانتهاء
بكل تفصيل فني يشرف عليه المنتج».
إلى هذا يلفت دباس أن دور المنتج - المنفذ « يقتصر على إنتاج العمل
ضمن شروط معينة اقتصادية وفي بعض الأحيان فنية أيضاً، لتتحول الصعوبة إلى
كيفية الحفاظ على مستوى العمل الذي لا يقبل المعنيون التنازل عنه. أما
الأمور التسويقية فيتم الاتفاق عليها من قبل الطرفين ونختص كمنتجين منفذين
بالخيارات التي تتعلق بالأمور الفنية».
في الحديث عمن يرسم المشهد الدرامي السوري، يرى مدير شركة «عاج
للإنتاج الفني» هاني العشي أن «الخريطة الدرامية تكون مرسومة سلفاً..والخط
الدرامي يرتبط بحالة العرض والطلب». وانطلاقاً من تجربته الشخصية يحدد منتج
«زمن العار» و«باب الحارة» في أجزائه الأولى الأهم، مستويات للعلاقة بين
معادلة السوق، عرضاً وطلباً، مع ما ينتج درامياً: «في البداية تهتم
بالجماهيرية لكنك فيما بعد تبحث عن العمق في هذه المهنة، فهي ليست فقط
للتسلية».
يستذكر العشي بدايات تجربته الإنتاجية، مشيراً «حين قدمنا مسلسل
«الخوالي» عام 2000 كان بالنسبة لي شيئاً مميزاً كمشاهد قادم من أميركا ولا
أشاهد التلفزيون كثيراً. وعلمت أن هناك شيئاً يجذب الناس، فقررت أن أقدم
مسلسل «ليالي الصالحية» الذي لاقى جماهيرية كبيرة..وكانت شراكتي مع بسام
الملا. وقد عملنا معاً على مسلسل «باب الحارة» إلى أن وصلت إلى مرحلة وجدت
فيها أن هذا الموضوع استهلك. فقد كنت من «ليالي الصالحية» إلى «باب الحارة»
أدرس السوق والناس...ووجدت أنه علي أن أبحث عن شيء آخر».
الانتقال من الاهتمام الجماهيري أولاً إلى الاهتمام الجماهيري مع عمق
ما يقدم.. يبدو هو مسافة الانتقال إلى مرحلة النضج الإنتاجي، بالنسبة للعشي
الذي يخوض اليوم تجربة إنتاج أعمال لها بُعد إنساني، وقد بدأ منذ موسم 2010
بإعادة إحياء أعمال قديمة خالدة في تاريخ الدراما السورية ابتداء من مسلسل
«أسعد الوراق» الذي سنشاهده في رمضان المقبل. إذ يلفت المنتج إلى حلمه
بإعادة إحياء هذه الأعمال برؤية جديدة، إخراجية وبصرية، تحاكي العقل. «لأنك
ترى في منتصف السبعينيات (زمن إنتاج هذه الأعمال) نوعاً من السذاجة في طرح
الموضوع، لكنها كانت تحاكي عقول الناس في تلك الفترة».
إلى هذا يفند العشي أولويات المحطات العربية الحكومية والخاصة، لا
سيما لجهة علاقتها مع المنتج الدرامي المحلي أو العربي والمنظومة الإعلانية
وحسابات الربح والخسارة، ليخلص إلى أنه لا يمكن الحديث عن رسم خارطة أو
مشهد عام للأعمال الدرامية، «وإنما هناك أجندات فردية وشراكات معينة تلتئم
مع بعضها فتتشكل الخارطة».
ويلفت المنتج إلى أن من أسباب العشوائية في تشكيل الخارطة الدرامية
دخلاء على إنتاج الأعمال».
السفير اللبنانية في
21/07/2010 |