الحقائق لا تظهر دفعة واحدة، وربما لا تظهر أبدا!
لكن عندما تنكشف الحقيقة تكتشف أن لها وجوها كثيرة، وإنه ربما ينتهي
العمر قبل أن نلم بها.. هذا هو الشعور الذي سيصل إليك عندما تنتهي من قراءة
كتاب «صفحات مجهولة» الذي كتبه الرئيس الراحل أنور السادات -بعد ثورة يوليو
مباشرة - فالكتاب يعد وثيقة تاريخية، وشاهدا علي علاقة رجال الثورة
بالإخوان ودليل علي أن السياسة تجمع كل المتناقضات وأن صديق الأمس عدو
اليوم، فالسادات يتحدث عن حسن البنا كما نتحدث عن أولياء الله الصالحين
ويصفه ببشاشة الوجه ورقة الحديث والتواضع الشديد!
قبل أن في حق السادات وتتهمه بأنه كتب هذا الكلام «من دماغه» دون علم
الزعيم جمال عبد الناصر لابد أن تعرف أن عبد الناصر كتب مقدمة الكتاب
بنفسه! بل إنه أثني علي الكتاب واعتبره نموذجًا لما يجب أن تكون عليه
الكتب، ووصف مؤلفه بالعبقرية والشجاعة لكن تغيرت الأحوال سريعا وبعد عام
واحد من كتابته تم منعه من التداول ليظل مجرد صفحات مجهولة، شاء القدر أن
تخرج للنور لتصبح معلومة وتشهد بأن حسن البنا كان بطلا من أبطال حرب فلسطين
وأن عبد الناصر كان يقوم بتدريب شباب الإخوان و السادات كان حلقة الوصل بين
الاثنين، بل إنه دليل علي دور الشهيد حسن البنا في ثورة يوليو وأن عددًا
كبيرًا من الضباط الأحرار كان عضوا بالجماعة التي صارت «المحظورة»!
روعة هذا الكتاب أنه لا يكشف فقط عن علاقة الإخوان المسلمين بالثورة
ورجالها لكنه يكشف عن حلقة جديدة في تاريخ مصر فقد بدأ بمقدمة للزعيم «جمال
عبد الناصر» يقول فيها: فرغت من تصفح كتاب القائمقام أنور السادات وساءلت
نفسي عما دفعني لهذا الإعجاب به فجاءني الرد المنطقي فورًا، أنه مضمونه
المتحلي بسلامة الأسلوب وقوة التعبير وطابع البساطة في سرد الحوادث وعرض
المواقف في الوقت الذي أري فيه المؤلف قد تجنب الحديث عن نفسه فنجده لم
يعمد لكتابة قصة حياته ولم يقم بتحقيقات صحفية كبري، بل قدم سلسلة رائعة
متصلة من المشاهدات التي مرت تحت بصره وسمعه، فجاء كتابه مجموعة لصور حية
جمعتها ريشة رسام ماهر وصورتها في صورة واحدة أبرزت من مجموعها حقائق
وأسانيد تتيح لنا دراسة أحوال مصر المعاصرة عن كثب.
ويضيف: إن شخصية أنور السادات جديرة بالاحترام خليقة بالإعجاب خليقة
بالإطراء فعبقريته العسكرية الممتازة وشجاعته ورباطة جأشه وإخلاصه وتفانيه
في خدمة المثل العليا إلي جانب إرادته وتنزهه عن الغرض ورقة عواطفه وميله
الغريزي للعدالة والإنصاف، كل هذه الصفات جعلته أهلا للقيام بدور مهم في
التمهيد لثورة 23 يوليو والسير بها قدما في سبيل النجاح.
لقد حلل المؤلف في كتابه الشخصيات والأحداث تحليلاً دقيقًا مما جعل
الكتاب مرجعًا يعتد به حاولت جاهدا أن أوضح مضمونه وأن ألخص فصوله المتعددة
فلم أجد خيرًا من الجملة القصيرة المختصرة «إنه ولا شك لمن خلاصة البواعث
الخفية والأسباب السيكولوجية لثورتنا السلمية».
ويختم المقدمة بقوله: شكرا للمؤلف فقد أتاح لنا أن نري في الحاضر
المزدهر الخصيب ما يبشر بالمستقبل الباسم الزاهر.
ويبدأ الكتاب بالسؤال الأهم والأخطر، وهو: ما قصة الثورة مع الإخوان
المسلمين؟
ويجيب السادات قائلا: سؤال واحد يعود بالذاكرة إلي اثني عشر عاما قبل
ظهور الثورة إلي عام 1940 عندما بدأت قصتنا مع الإخوان وهذه القصة لا
يعرفها المصريون ولا يعرفها العدد الأكبر من رجال قيادة الإخوان وكل ما
يعرفه المصريون هو ما ذاع من إشاعات بعد ذلك بأيام.
القصة بدأت ليلة الاحتفال بمولد الرسول - صلي الله عليه وسلم - من عام
1940، كنت آنذاك ضابطا برتبة ملازم في هذا السلاح، ومولد الرسول في مصر
موسم من مواسمها يعرف الأطفال فيه عرائس الحلوي وتعرف فيها البيوت والمجالس
النيابية ودوائر السياسة وقصور الأغنياء الحلوي الحمصية والسمسمية وعلي هذا
الوجه مرت بمصر هذه الليلة كما مرت بها دائما ولكنها لم تمر بي كذلك فقد
كنت من حيث لا أدري ليلة البدء لأحداث كثيرة متتابعة سمع المصريون أطرافا
منها بعضها خافت كالهمس وبعضها مدو.. كالقنابل والمتفجرات!
كنا جلوسا في إحدي غرف السلاح نتناول العشاء ونتكلم وكان جنود هذا
السلاح وأغلبهم بطبيعة عملهم في سلاح الإشارة فنيين متطوعين قد اعتادوا مني
كثيرا أن أحاضرهم واعتادوا مني دائما أن أتناول طعامي معهم وأثناء
استراحتنا وطعامنا دخل علينا جندي من جنود السلاح الفنيين وقدم إلينا صديقا
له يلتحف بعباءة حمراء لا تكاد تظهر منه شيئا كثيرا، لم أعرف عن الضيف شيئا
إلا بشاشة وجهه ورقة في حديثه وتواضعا في مظهره.
ولكني عرفت بعد ذلك عنه شيئا كثيرًا!
كان في سمات هذا الرجل كثيرًا مما يتسم به رجال الدين: عباءة لحيته
وتناوله شيئا من الدين بالحديث، فليس حديثه وعظ المتدينين، ليس الكلام
المرتب والعبارات المنمقة ولا الحشو الكثير ولا الاستشهاد المطروق ولا
التزمت في الفكرة ولا ادعاء العمق ولا ضحالة الهدف ولا إحالة إلي التواريخ
والسير والأخبار.
كان حديثه شيئا جديدا، كان حديث رجل يدخل إلي موضوعه من زوايا بسيطة
ويتجه إلي هدفه من طريق واضح ويصل إليه بسهولة أخاذة، وكان هذا الرجل هو
المرحوم الشيخ حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين، وانتحي الرجل بي ناحية
وتجاذب معي حديثا قصيرا أنهاه بدعوتي إلي زيارته في دار جمعية الإخوان
المسلمين قبل حديث الثلاثاء.
وذهبت يوم الثلاثاء، ولم أكد أضع قدمي في مدخل الدار حتي شعرت بكثير
من الرهبة، وجلست مع الرجل وتحدثنا كثيرًا لكنه لم يخرج عن دائرة الدين
أبدا رغم كل المحاولات التي بذلتها معه فقد فشلت، ورغم كل ما تطرق إليه
الحديث عن شئون الجيش فقد ظل الرجل ملتزما ناحية الدين، وتركته وتكررت
زياراتي بعد ذلك كثيرا وبدأنا نتحدث في الشئون العامة وبدأت أوقن أن الرجل
يطوي صدره علي مشاريع كبيرة لا يريد الإفصاح عنها كما أيقن الرجل أني لا
أنتوي الانضمام إلي جمعيته ولم يعرض علي الانضمام إلي جمعيته.
ويستكمل السادات في سرد الأحداث قائلا: في يوم تقابلت معه وكنت ثائرا
تملأني المرارة والألم، فقد صدرت الأوامر في ذلك اليوم بإعطاء الفريق عزيز
المصري إجازة إجبارية من رئاسة أركان حرب الجيش وكان معلوما لنا أن وراء
هذه الفعلة أيدي الإنجليز، وكنت أتمني أن أقابله، وطال الحديث - مع البنا -
في تلك الليلة عن عزيز المصري إلي أن قدم إلي المرحوم حسن البنا وريقة
فعرفت أن المقابلة قد أذنت علي الانتهاء، فأخذت الوريقة أقرؤها بشغف شديد
بينما قال لي حسن البنا والابتسامة علي شفتيه: وأقطع تذكرة عند الدخول كما
يفعل الداخلون!
وخرجت من دار الإخوان المسلمين واتجهت في اليوم التالي إلي العنوان
الذي كتبه حسن البنا ونظرت إلي فوق، فقرأت اللافتة الموضوعة علي عيادة
الطبيب «الدكتور إبراهيم حسن» وصعدت السلم بخطي ثابتة ثم تذكرت أنني مريض!
أو لابد أن أكون مريضا فربما كان البيت مراقبا بل المؤكد أنه مراقب إذا
كانت المخابرات البريطانية قد علمت بوجود عزيز المصري بداخله! ولأول مرة
قمت بمشهد تمثيلي صغير باعتباري مريضًا ودخلت لمقابلة عزيز المصري الرجل
الذي آمنت بوطنيته وكنت أريد أن أكسب ثقته وعرفته بنفسي وتحدثنا طويلا.
وفي اليوم التالي التقيت المرحوم حسن البنا وسألني عن أثر زيارتي
وأثرها علي نفسي وكأنه كان يعلم ما دار فيها.. ولاحظت أنه يريد أن يزداد
علما بالمجموعة التي شعر أنني واحد من أفرادها.
فقد سألني حينئذ: هل لديك زملاء في الجيش يشتركون معك في هدف معين؟..
ولم أخف عنه الحقيقة، ولكني لم أبح بأسماء إخواني، وبدأ المرحوم حسن البنا
يتحدث عن تشكيلات الإخوان المسلمين وأهدافه منها وكان واضحا في حديثه أنه
كان يريد أن يعرض علي الانضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين أنا والضباط في
تشكيلنا حتي تتوحد جهودنا العسكرية والشعبية في هذه المعركة وكنت مستعدًا
للإجابة علي هذا الطلب إذا وجهه إلي بطريق مباشرة فما أكتفي بالتلميح أوضحت
له من جانبي أنه ليس من وسائلنا أبدا أن ندخل كجماعة ولا أفراد في أي تشكيل
خارج نطاق الجيش فقال وعلي وجهه ابتسامه تغطي تفكيرًا عميقًا: من الخير لنا
أن نتشاور وأن نتكلم معا في أي شيء كما أننا علي استعداد لكي نعاونكم عندما
تطلبون منا ذلك.
وعرفت أن حسن البنا وحده يعد العدة لحركة الإخوان ويرسم سياستها ثم
يحتفظ بها لنفسه حتي أنه كان يجمع السلاح ويشتريه ويجزئه وقد أدركت هذا في
يوم من الأيام كنت جالسا معه عندما جاء إلينا الجندي المتطوع يحمل في يديه
صندوقين مغلقين ورآني الجندي جالسا، فأجفل، ولكن حسن البنا قال له افتح
الصناديق ولا تخف ونظر الجندي إلي بابتسامة الأخ في الجهاد ثم فتح صندوقيه
وكل ما فيهما عينات من أنواع المسدسات وتأكدت في ذلك اليوم أنه يشتري
السلاح ويخفيه حتي عن كبار الأخوان.. ففرحت في نفسي وقلت سيأتي اليوم الذي
نضرب فيه ضربتنا كرجال عسكريين وسيكون أهم ما نستعين به أن نجد قوة شعبية
تقف في الصف الثاني مسلحة مدربة ( (سبحان مغير الأحوال قد أصبحت هذه القوة
وهي غير مسلحة محظورة وخطرا علي النظام).
كنت حلقة الاتصال الوحيدة بين تشكيل الضباط وبين الإخوان المسلمين،
وكان اتصالي بحسن البنا فلم تكن لي صلة عملية بغيره وقلت له احرص علي أن
يظل ما بيننا سرًا خافيًا علي الجميع حتي علي كبار الإخوان أنفسهم، فعندما
بدأت الاتصال بالمرحوم حسن البنا للقيام بالعمل الفعلي ذهبت إليه في دار
الإخوان وطلبت مقابلته لأمر مهم وكان الأستاذ السكري وكيل الإخوان موجودا
معه، فإذا به يشير إلي أن أدخل إلي غرفة في مدخل الدار وأغلق البنا غرفته
وأوصد الشبابيك ثم مال علي برأسه لكي يسمع ما أردت أن أنهيه معه، وفي تلك
الليلة بسطت للمرحوم البنا كل التفاصيل وتوسعت معه في شرح دقائق الخطة
العسكرية لموضوعة وأفهمته حقيقة الدور الذي نريد أن يقوم به الإخوان به
وحدود هذا الدور.
وصمت طويلا وهو يستمع لي وعندما تكلم أجهش بالبكاء!
كنت أنا كالمسحور، قال كلامًا كثيرًا، كلاما مثيرا امتزج بالإيمان
الشديد وكان واضحا جدا من كلامه أنه يؤثر مصلحة البلاد ولكني عندما خرجت
سألت نفسي: هل وعد الرجل بشيء؟
هل احتضن الرجل خطتنا.
هل هو سيقوم بتنفيذ نصيب الإخوان منها؟
وحرت في الإجابة علي كل سؤال، فالواقع أن الرجل تكلم كثيرا وأثر في
نفسي كثيرا وبكي من أجل مصر كثيرا ولكنه لم يعد بشيء ولا احتضن خطتنا، ولا
أفهمني أنه مقبل علي تنفيذ نصيب الإخوان من الخطة، لكن تأثيره الشديد علي
أبعد عن ذهني كل شك بل إنه أقنعني بأنه أعد جماعته للكفاح وأن لديه قوة
كبيرة ولكني لم أعرف شيئا عنها وكان هذا آخر اتصال لي بحسن البنا قبل
اعتقالي.. ولكن اتصالات جديدة بدأت عقب ذلك.
وينتقل السادات إلي حلقة أخري في علاقة بحسن البنا بقوله: عاودت
الاتصال بالبنا وأنا هارب من المعتقل وتبسط معي بصورة لم تسبق له من قبل،
فرغم كل الصلات التي قامت بيني وبينه كنت أشعر دائما أنه يقول شيئا ويخفي
في نفسه أشياء ولكنه في تلك المرة تبسط كثير وشرح كثيرا وأفاض كثيرا ثم
كلفني بأمر!
شرح لي حسن البنا متاعبه التي تأتيه من ناحيتين:
ناحية الملك.. وناحية الأجانب
وأراد أن أكون وسيطا له لكي يقابل الملك عن طريق صديقي يوسف رشاد
وبالفعل حاولت لكني لم أستطع، وللتاريخ أذكر أن الملك في يوم من الأيام قد
دعا إليه يوسف رشاد وطلب منه أن يتصل بحسن البنا وأن يستمع إلي ما كان يريد
البنا أن يقوله للملك، والتقي يوسف رشاد بحسن البنا وتحدث معه ثلاث ساعات
وقال لي يوسف إنه خرج من هذه المقابلة مقتنعًا تمامًا بخصوص نية حسن البنا
نحو الملك وذهب للملك فنقل له كل شيء وإذ به يفاجأ بالملك يقول له: حسن
البنا ضحك عليك!، وحاول يوسف رشاد أن يدافع عن نفسه ويقنع الملك أنه ليس
الساذج الذي يضحك عليه الناس ولكن الملك ضحك ضحكته المشهورة وأعاد جملته:
حسن البنا ضحك عليك.
ويروي السادات دور حسن البنا وجماعة الإخوان في حرب فلسطين قائلا:
أقبل عام 1948 وأقبلت معه أحداث فلسطين وفي الأيام الأولي لم يكن قد تقرر
أن يخوض الجيش المعركة، ولكن الحكومة كانت في موقف لا تستطيع معه منع
الجماعات الثائرة من الشباب من خوض هذه الحرب كمتطوعين، وكانت أكثر
الجماعات تحمسا للتطوع والقتال هي جماعة الإخوان المسلمين، بدأت في هذه
الفترة صلات جديدة مع الإخوان صلات بين ضباط المجموعة - التي أنتمي إليها-
وبين قيادة الجماعة، فقد عقدت اجتماعات في بيت المرحوم حسن البنا ضمت جمال
عبد الناصر ( كان الرئيس عبد الناصر يذهب للبنا في بيته ليضع معه الخطة)
وكمال الدين حسين ضابط المدفعية وبعض الضباط المنتمين للإخوان (!!)، وفي
الوقت نفسه نشأت صلات بين المجموعة وبين الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين
وبين الجامعة العربية، وكان هدف المجموعة من هذه الصلات جميعا هو تكوين
تنظيمات وتشكيلات مسلحة وتدريبهم وإعدادها إعدادا كاملا بكل ما تحتاج إليه
من خبرة ومن سلاح قبل التطوع لخوض غمار المعركة المقدسة وكان الإخوان
يقولون إنهم مستعدون إلي أقصي الحدود أنهم لا ينقصهم شيء سوي السماح لهم
بالسفر علي ميدان المعركة، وكان مفتي فلسطين والجامعة العربية بجانبه
يكونان تشكيلات من المتطوعين وقد أعلنت الجامعة أنها علي استعداد لتسليحهم
والإنفاق عليهم ( ودارت الأيام وأصبحت الجامعة العربية بلا دور بعد أن كانت
تلعب دور البطولة أيام الملك)، وبقي دور الضباط.. فقد كان الضباط لا
يستطيعون الاشتراك في الحرب إلا إذا أعلنت الحرب من الدولة إعلانًا رسميًا
واشترك الجيش فيها ولم يكن تقرر بعد إعلان الحرب ولذلك فكر الضباط الخروج
من الجيش والاشتراك في الحرب كمتطوعين.
وبدأت الطلبات تنهال علي قيادة الجيش بالاستقالة، وكانت الحكومة
مترددة في دخول الحرب مما أوجد الضباط في حالة من الغضب وزاد من حدة السخط
في قلوبهم ولكن ضغط الحوادث كان قاسيًا وخطيرًا، وفكرت الحكومة في أن ترسل
جماعة من ضباط سلاح المهندسين إلي فلسطين ليقوموا ببعض الأعمال
الاستكشافية، وفوجئ ضباط بإشارات تأتيهم لمقابلة الفريق عثمان المهدي -
رئيس هيئة أركان حرب الجيش -، ولبي الضباط الإشارة وفي مكتب رئيس الأركان
وجدوا البطل أحمد عبد العزيز، وجلس مع المتطوعين وقال لهم «إنكم لا تذهبون
لقتال عدو فحسب ولكنكم ذاهبون لتكتبوا التاريخ، وفرغ أحمد عبد العزيز من
خطابه، إذ بالجمع يري حسن البنا ومعه الشيخ فرغلي قادمين لوداع المسافرين
وخطب حسن البنا وخطب الشيخ فرغلي واشتد الحماس وبلغ أوجه، وكان المتطوعون
خليطًا من شباب الإخوان المسلمين ومن آخرين.
ويروي السادات أغرب قصة في كتابه وهي حكاية القبض علي جمال عبد الناصر
بتهمة أنه من أعضاء جماعة إخوان بقوله: بعد انتهاء حرب فلسطين عادت القوات
المصرية وقررت المجموعة العمل فورا فقد كانت هذه هي اللحظة المناسبة لتكون
نقطة البدء في العمل السري الكامل الذي يؤدي إلي تغيير الأوضاع في البلاد،
وبينما كانت المجموعة تفكر في عمل قاعدة ارتكاز لبدء العمل فوجئت المجموعة
بزيارة غير مرغوب فيها من الفريق عثمان المهدي رئيس الأركان لمنزل جمال عبد
الناصر، ولم يكن الفريق عثمان المهدي وحده في هذه الزيارة، فقد كان معه عدد
من ضباط البوليس الحربي، ولم يكن هدف الزيارة هدفا عاديا وإنما كان الهدف
هو القبض علي جمال عبد الناصر وتفتيش بيته،وقام رجال البوليس الحربي
بالتفتيش فلم يجدوا في البيت سوي بضع طلقات فقد كان جمال عبد الناصر حريصا
دائما(!!)
أما جمال فقد اصطحبه عثمان المهدي إلي «دولة» إبراهيم عبد الهادي باشا
- رئيس مجلس الوزراء والحاكم العسكري العام -، وهناك في مكتب رئيس الوزراء
جرت مناقشة طويلة بين جمال وعبد الهادي.. فقد وجه عبد الهادي لجمال تهمة
التعاون مع الإخوان المسلمين مستدلاً علي ذلك بأنه - أي جمال - قد قام
بتدريب بعض شبان الإخوان علي السلاح أثناء الحرب وبعد قيامها، أما جمال..
جمال الثائر الذي كان عائدا من الفالوجا فلم يكن لديه من الصبر ما يمكنه من
عدم الاحتدام في المناقشة مع الحاكم العسكري العام، ولعلها كانت مفيدة فقد
تريث إبراهيم عبدالهادي في إصدار الأمر باعتقاله، وأرسل رسله يأتونه بأخبار
جمال ثم تم الإفراج عنه فورا لأنه أدرك أن لهذا الضابط شخصية معينة بين
ضباط الجيش وأن له كيانا خاصا في صفوفهم فخشي أن يعتقله فتكون القشة التي
تقصم ظهره وظهر العهد من بعده.
الدستور المصرية في
01/09/2010 |