فى مدينة المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة، ولد حسن عبدالرحمن البنا
فى ١٧ أكتوبر ١٩٠٦، لوالد كان يعمل ساعاتى، نشأ فى عائلة متدينة، فحفظ نصف
القرآن فى الصغر ثم أتمه فى الكبر. درس فى مدرسة الرشاد الدينية، ثم فى
المدرسة الإعدادية، ثم فى مدرسة المعلمين الأولية فى (دمنهور) وأنهى دراسته
فى دار العلوم عام ١٩٢٧.
تم تعيينه بعد ذلك معلما للغة العربية فى المدرسة الابتدائية الأميرية
فى الإسماعيلية، وهناك بدأ رحلة تأسيسه لجماعة الإخوان، وبقى فى هذه
الوظيفة إلى أن استقال منها عام ١٩٤٦، للتفرغ لجماعة الإخوان.
تأثر حسن البَنّا بعدد من الشيوخ والأساتذة، منهم والده الشيخ أحمد
والشيخ محمد زهران– صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التى التحق بها
حسن البَنّا لفترة وجيزة بالمحمودية– وكذلك الشيخ طنطاوى جوهرى صاحب تفسير
القرآن «الجواهر»، وترأس تحرير أول جريدة أصدرها الإخوان المسلمون سنة
١٩٣٣. عَمِلَ البَنّا بعد تخرجه فى دار العلوم سنة ١٩٢٧ مدرسًا بإحدى
المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية،
وفى السنة التالية ١٩٢٨ أسس جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه قبل أن
يؤسسها كان قد انخرط فى عدد من الجمعيات والجماعات الدينية فى بلدته
المحمودية مثل «جمعية الأخلاق الأدبية»، و«جمعية منع المحرمات» فى
المحمودية، و«الطريقة الحصافية» الصوفية، وقد أسس جماعة الإخوان فى مدينة
الإسماعيلية أثناء عمله هناك مدرسا فى مارس ١٩٢٨، ونمت الجماعة وتطورت
وانتشرت حتى أصبحت فى أواخر الأربعينيات أقوى قوة اجتماعية سياسية منظمة فى
مصر، كما أصبحت لها فروع فى كثير من البلدان العربية والإسلامية.
عمل البنا مندوباً لمجلة الفتح التى يصدرها محب الدين الخطيب. ثم أنشأ
مجلة (الإخوان المسلمون) اليومية، وكان يقوم بإعداد معظمها، ثم أسس مجلة
النذير وعهد بتحريرها لصالح عشماوى، كما ترأس تحرير مجلة (المنار) بعد وفاة
رئيس تحريرها الشيخ محمد رشيد رضا، واستأجر مجلات النضال والمباحث والتعارف
وغيرها.
قاد البَنّا جماعة الإخوان المسلمين على مدى عقدين من الزمان من ١٩٢٨
إلى ١٩٤٩ وخاض بها العديد من المعارك السياسية مع الأحزاب الأخرى، خاصة حزب
الوفد والحزب السعدى، ولكنه وجّه أغلب نشاط الجماعة إلى ميدان القضية
الوطنية المصرية التى احتدمت بعد الحرب العالمية الثانية، وقام الإخوان
بعقد المؤتمرات، وتسيير المظاهرات للمطالبة بحقوق البلاد، كما قاموا بسلسلة
من الاغتيالات السياسية للضباط الإنجليز، وجنود الاحتلال، خاصة فى منطقة
قناة السويس.
دعا البنا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذى صدر عن الأمم المتحدة سنة
١٩٤٧، ووجه نداءً إلى المسلمين كافة- وإلى الإخوان خاصة- لأداء فريضة
الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة، وقال: «إن
الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم فى سبيل بقاء كل شبر من فلسطين
إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها».
واتخذت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين قرارًا فى ٦ مايو سنة ١٩٤٨
ينص على إعلان الجهاد المقدس ضد اليهودية المعتدية، وأرسل البَنّا كتائب
المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين فى حرب سنة ١٩٤٨م، وكان ذلك من أسباب
إقدام الحكومة المصرية آنذاك على حل جماعة الإخوان فى ديسمبر سنة ١٩٤٨،
الأمر الذى أدى إلى وقوع الصدام بين الإخوان وحكومة النقراشى.
وفى مساء الأربعاء ٨ ديسمبر ١٩٤٨ أعلن رئيس الوزراء المصرى محمود فهمى
النقراشى حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها.
وفى ١٢ فبراير ١٩٤٩ أطلق النار على حسن البنا أمام جمعية الشبان المسلمين،
فنقل إلى مستشفى قصر العينى، حيث فارق الحياة.
ويقول الإخوان المسلمون إنه ترك ينزف دون علاج حتى الموت، ولا تُعرف
لحسن البَنّا كتب أو مؤلفات خاصة سوى عدد من الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة
طبعات بعنوان «رسائل الإمام الشهيد حسن البنا»، وتعتبر مرجعًا أساسيًّا
للتعرف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة، وله مذكرات مطبوعة عدة
طبعات أيضًا بعنوان «مذكرات الدعوة والداعية»، ولكنها لا تغطّى كل مراحل
حياته وتتوقف عند سنة ١٩٤٢.
الإخوان والعنف .. محطة تاريخية فى مسيرة الإخوان يروى
تفاصيلها أحد أعضاء التنظيم السرى
كتب
ماهر حسن
كان الدكتور عبدالعزيز كامل، عضو النظام الخاص «التنظيم السرى»
بالإخوان المسلمين ووزير الأوقاف الأسبق، طبع مذكراته، وتضمنت المذكرات
تفاصيل دقيقة حول مقتل القاضى الخازندار، وتفاصيل الخلاف بين عبدالرحمن
السندى زعيم «التنظيم السرى» مع حسن البنا مرشد الجماعة الأول، خلال جلسة
عاصفة، عقدت فى اليوم التالى لواقعة الاغتيال، وبدأ فيها البنا متوتراً
للغاية حتى إنه صلى العشاء ثلاث ركعات، وأشار فيها كامل إلى عدم إيمان حسن
البنا بمبدأ الشورى.
تحدث كامل عن وجود علاقات بين الجماعة الإسلامية التى كان يرأسها أبو
الأعلى المودودى فى باكستان والإخوان، وأن المودودى سعى إلى ضرورة التنسيق
بينه وبين الإخوان فى طرق العمل. كما تحدث عن «صدمة سيد قطب من ضحالة فكر
قيادات الجماعة»، وكان الدكتور عبدالعزيز كامل قد أوصى بنشر مذكراته بعد أن
ظلت حبيسة الأدراج أكثر من خمس عشرة سنة،
وقال إنه تعرف على فكر الإخوان عندما التقى بصديق له يدعى محمد
عبدالحميد فى آداب القاهرة عام ١٩٣٦، وقرأ له تلخيصاً لدعوة الإخوان
المسلمين على أحد دواليب الكلية، ثم تلقى منه دعوة للحضور بالمركز العام
للإخوان المسلمين فى ١٣ شارع الناصرية بالسيدة زينب للاستماع إلى حديث حسن
البنا الأسبوعى يوم الثلاثاء. يومها ركز البنا فى حديثه على الإيمان
والعبادة ثم انتقل إلى فريضة الجهاد.
وانتقل كامل فى مذكراته إلى أحداث صباح يوم ٢٢ مارس ١٩٤٨ عندما تم
اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله فى حلوان، وهو متوجه إلى عمله،
على أيدى شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، وأرجع كامل
الحادث إلى مواقف الخازندار المتعسفة فى قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب
الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين فى الإسكندرية بالأشغال الشاقة
المؤبدة فى ٢٢ نوفمبر ١٩٤٧، وقد استدعى البنا للتحقيق فى مقتل الخازندار
وتم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة.
وسرد كامل ما دار فى الجلسة الخاصة التى عقدتها الجماعة برئاسة البنا
وحضور أعضاء النظام الخاص حول مقتل الخازندار، حيث بدا المرشد متوتراً على
حد قوله وعصبياً وبجواره عبدالرحمن السندى، رئيس النظام الخاص، الذى كان لا
يقل توتراً وتحفزاً عن البنا.
وفى هذه الجلسة قال المرشد: إن كل ما صدر منى تعليقاً على أحكام
الخازندار فى قضايا الإخوان هو «لو ربنا يخلصنا منه» أو «لو نخلص منه» أو
«لو حد يخلصنا منه»، بما يعنى أن كلماتى لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى
حد الأمر، ولم أكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبدالرحمن السندى هذه الأمنية
على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ.
ورصدت المذكرات احتدام الخلاف بين البنا والسندى أمام قادة النظام
الخاص، وهو ما ظهر حين قال كامل للبنا: أريد أن أسألك بعض الأسئلة وتكون
الإجابة بنعم أو لا.. فأذن له البنا.. فسأله:
كامل: هل أصدرت أمراً صريحاً لعبدالرحمن السندى باغتيال الخازندار،
وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟ فأجاب البنا: لا. فقال
كامل: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسؤولية هذا العمل أمام الله؟ فأجاب
البنا: نعم. فوجه كامل أسئلته إلى السندى بعد استئذان البنا سائلاً: ممن
تلقيت الأمر بهذا؟ السندى: من الأستاذ حسن البنا. كامل: هل تحمل دم
الخازندار على رأسك يوم القيامة؟ السندى: لا!! كامل: إذن من يتحمل مسؤولية
الشباب الذين دفعتم بهم إلى مقتل الخازندار؟ السندى: عندما يقول الأستاذ
إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته فى الخلاص منه أمر. كامل: مثل هذه
الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة.
وسأل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هى عليه أم تحتاج منك صورة
جديدة للقيادة وتحديد المسؤوليات؟ فرد البنا: بل لابد من تحديد المسؤوليات.
واستقر الرأى على تكوين لجنة تضم كبار المسؤولين عن النظام الخاص، بحيث لا
ينفرد السندى برأى أو تصرف، وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا
نفسه، وفق ميزان دينى، وهو الدور الذى قام به الشيخ سيد سابق، وأوضح كامل
أن سابق أصبح ميزاناً لكبح حركة الآلة العنيفة داخل الإخوان.
وأشار كامل إلى أن عام ١٩٤٨، ومطالع عام ١٩٤٩، كان أكثر الأعوام دموية
عند الإخوان، ولهذا فتحت لهم المعتقلات وأعدت قوائم بالآلاف كانت تحت يد
رجال الثورة حين أرادوا توجيه ضربتهم للإخوان سنة ١٩٥٤ وما بعدها.
وعرج كامل على فكر الإمام البنا مؤكداً أن البنا لم يؤمن بمبدأ
الشورى، وأن الشورى عنده غير ملزمة للإمام، وإنما هى معلمه فقط، وقد كتب
البنا هذا الرأى ودافع عنه ولم يتحول عنه، بل سرى هذا الفكر إلى من حوله فى
أواخر الثلاثينيات، وهى السنوات الأولى لكامل فى الإخوان، حيث كان يسمع
كثيراً كلمة «بالأمر» رغم أنها كلمة عسكرية، ولهذا لا يجد عضو الإخوان من
يناقشه إذا كلفه رئيسه المباشر بأى أوامر بل ينبغى أن يكون هذا محل تسليم،
وهى نقطة الخطورة التى أصابت جسم الإخوان بالخطر من وجهة نظر كامل، حيث أسس
البنا النظام الخاص على السمع والطاعة والكتمان وهو ما سهل خروج النظام عن
أهدافه.
وبالنسبة للنظام الخاص يقول الدكتور عبدالعزيز كامل: كان عبدالرحمن
السندى المسؤول رقم «١» فيه، والترشيح لعضوية النظام يخضع لسلسلة من
الاختبارات تتركز على قدرة المرشح على السمع والطاعة، فإذا اجتاز تلك
الاختبارات تحددت له ليلة البيعة داخل شقة لأحد قادة التنظيم فى حى السيدة
عائشة قرب جبل المقطم ويبيت عنده المرشحون يتعبدون طوال الليل ثم يؤمرون
واحداً بعد الآخر بالدخول إلى غرفة مظلمة، لا يرى فيها أحد، ويجلس على
الأرض بعد خطوات محددة، ويمد يده إلى حيث يوجد مصحف ومسدس وتمتد يد ممثل
المرشد ليبايعه على السمع والطاعة والكتمان دون أن يرى وجهه.
ويذكر كامل تجربته حين دخل كى يبايع المرشد ولم يكن الصوت غريبا عليه
فقال: ما هذا يا عشماوى وهل من الإسلام أن أضع يدى فى يد من لا أعرف؟ ثم
إننى أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم ما هذه الأساليب التى أدخلتموها على
عملنا ولا أساس لها من ديننا؟ فأجاب صالح عشماوى وكان عضوا فى مكتب الإرشاد
ورئيس تحرير مجلة الإخوان: هذا نظامنا.
ورصد كامل صدام الإخوان مع ثورة يوليو بعد سعى الإخوان لإصدار مجلة
جديدة بجانب مجلة «الدعوة» ومحاولة سيد قطب وحسن الهضيبى احتواء الأزمة،
وصل فى هذا الوقت «ظفر الأنصارى» إلى القاهرة وهو أحد المقربين من
«أبوالأعلى المودودى» أمير الجماعة الإسلامية فى شبه القارة الهندية، وأخبر
كامل بأن لديه رسالة من المودودى إلى حسن الهضيبى مرشد الإخوان الأسبق،
وبالفعل التقيا به، ودارت رسالة المودودى حول حتمية عدم صدام الإخوان
بالثورة.
إلا أن موجة الاعتقالات بدأت مع مطلع عام ١٩٥٤ بالهضيبى وعبدالقادر
عودة وعبدالحكيم عابدين وحسن عشماوى، ومنير دله، وصلاح شادى، بالإضافة إلى
عبدالعزيز كامل الذى لفت انتباهه عدم وجود قادة النظام الخاص فى المعتقل
معهم.
وأوضح كامل أن الاعتقالات الأولى فى ١٩٥٤ قسمت الإخوان إلى شريحتين،
الأولى تعاونت مع الثورة والأخرى زج بها فى المعتقلات، وهى تمثل الأغلبية
الصامتة من أعضاء الجماعة، بالإضافة إلى القيادة العامة للجماعة.
وأشار كامل إلى أن تجربة المعتقل مع الإخوان كانت قد كشفت لسيد قطب
ضحالة فكر قيادات الإخوان وهو ما كان يسر له به حين يلتقيه فى السجن.
أما عن محطة حرب فلسطين عام ١٩٤٨ فقد كانت بداية النهاية لحياة حسن
البنا فقد شهدت هذه الحرب صداما بين البنا ومحمود فهمى النقراشى ففى ١١
مايو ١٩٤٨ وافق البرلمان على دخول الجيش المصرى حرب فلسطين، وإعلان الأحكام
العرفية ووافق النقراشى على هذا، وخاصة بعد سقوط حيفا فى أيدى اليهود فى ٢٣
أبريل ١٩٤٨، وعقد مؤتمر عسكرى فى الأردن وبعد ثلاثة أيام تحركت القوات
العربية باتجاه فلسطين،
وفى ١٥ مايو احتلت القوات المصرية غزة وواصلت زحفها حتى بئر سبع
والمجدل وتجاوز الجيش الأردنى القدس زاحفا إلى تل أبيب، ثم فوجئت القوات
المصرية بانسحاب القوات الأردنية من اللد والرملة فاستولى عليهم اليهود
وأصبح الجيش المصرى وحده فى المعركة، أما الإخوان فى هذه الحرب فكان لهم
شأن آخر فقد شارك شباب التنظيم السرى فى حرب فلسطين كمتطوعين وهو الاتجاه
الأصلى لدى النقراشى،
وقد أبلى أولئك المتطوعون بلاء حسنا واستشهد عدد منهم غير أن الإخوان
فوجئوا باللواء فؤاد صادق، قائد القوات المصرية، يقوم باعتقال جميع متطوعى
الإخوان، ووضعهم فى معسكر رفح، ثم قام بترحيلهم إلى المعتقلات فى مصر، وفى
الثامن من ديسمبر ١٩٤٨ أصدر النقراشى باشا قراراً بحل جماعة الإخوان، ووفق
ما ورد فى أكثر من مصدر فإن الجهاز السرى للجماعة أصدر فتوى بأن النقراشى
عدو الإسلام وتعين إهدار دمه،
وفى الثامن والعشرين من ديسمبر ١٩٤٨ كان النقراشى باشا رئيس وزراء مصر
ووزير الداخلية يخرج من سيارته متجهاً إلى المصعد فى وزارة الداخلية ليذهب
إلى مكتبه فتقدم نحوه شاب اسمه عبدالحميد أحمد حسن يرتدى زى ضابط برتبة
ملازم أول، ولم ينتبه الحرس لوجود هذا الضابط الدخيل بينهم الذى صوب مسدسه
تجاه النقراشى وأطلق عليه الرصاص فسقط النقراشى صريعاً من فوره وقبض على
القاتل، وتبين أنه من جماعة الإخوان،
وبعد وقوع الحادث بادر الإمام حسن البنا بإعداد بيان يبرئ ساحة
الجماعة من هذه الجريمة تحت عنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» لينشره فى
الأهرام ويستنكر الحادث، وعلى أثر اغتيال النقراشى جاء إبراهيم عبدالهادى
باشا على رأس الوزارة وإليه نسب تدبير حادث اغتيال الإمام البنا.
ليلة مصرع حسن البنا
كتب
ماهر حسن
بعد أن علم البنا بنية النقراشى حل الجماعة حاول مقابلة الملك، لكنه
لم ينجح، فبعث إليه برسالة عن طريق مدير الأمن العام أحمد مرتضى المراغى،
الذى حاول تدبير لقاء بين النقراشى والبنا، لكن البنا رفض ولاحقا قال
النقراشى لـ«المراغى» هل تريد أن تقر الإرهاب وتعترف بشرعية الإخوان؟
وهل تسمح لهذه الجماعة بالتمادى؟ لماذا قابلته أصلا؟ ولما عدل البنا
عن قراره وأراد لقاء النقراشى وذهب إليه رفض النقراشى مقابلته وبدأت حملة
الاعتقالات، خاصة بعد الهزيمة فىحرب فلسطين، وصدر قرار بحل الجماعة نشر فى
الصحف، وبدأ استهداف القيادات الإخوانية،
واستثمرت الحكومة أعمال الشغب التى وقعت فى نوفمبر ١٩٤٨، ولاحقت
الإخوان وأسرع أعضاء الجماعة وأشقاء البنا عبدالرحمن وعبدالباسط ومحمد إلى
دار المركز العام للجماعة فى الحلمية الجديدة فوجدوا البنا ومعه صفوة من
قيادات الإخوان، ولم تمض سوى دقائق حتى داهمت السيارات المصفحة المكان
واقتحمته،
وقال ضابط الحملة للبنا عندى أوامر بالقبض على كل الموجودين إلا أنت
وأنا عبدالمأمور وأرجو تسهيل مهمتى، فحاول البنا الصعود إلى إحدى سيارات
الشرطة، ولكن الجنود والضابط منعوه، وقالوا إنهم ليس لديهم أوامر باعتقاله
فقال البنا لماذا تأخذون هؤلاء بجريرتى، إذا كان الإخوان عصابة إجرامية
فأنا رئيسها وأنا الأولى بالاعتقال، وركب معهم وفى المحافظة رفضوا القبض
عليه وأخلوا سبيله واستمرت حملة الاعتقالات وبقى حسن البنا طليقا ينتظره
مصير مختلف،
ثم وقع اغتيال النقراشى فى ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨ على يد الشاب الإخوانى
عبدالمجيد أحمد حسن وكتب البنا بيانه الشهير «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»
ثم تم التخطيط لتصفية البنا جسديا ولم يعد له حارس سوى شقيقه ضابط الشرطة
(عبدالباسط) وقد تم القبض عليه وبقى البنا وحيدا، فكتب إلى محافظ القاهرة
فؤاد شيرين يقول إنه مهدد بالقتل وطلب توفير حراسة، على نفقته، كما تمت
مصادرة السيارة الخاصة لسكرتير عام الجماعة، وقطعت خطوط التليفون عنه،
وتم تضييق الخناق عليه، وتعاظم نفوذ الحكمدار محمود عبدالمجيد المعروف
بعنفه وندب معه اليوزباشى عبده أرمانيوس والبكباشى أمين حلمى والرائد حسين
كامل والمخبر الأومباشى أحمد حسين جاد والمخبر حسين محمدين رضوان والجاويش
محمد سعيد إسماعيل، وتكررت محاولات اغتيال البنا وتم منعه من السفر وصار
مبنى الشبان المسلمين هو المكان الوحيد الذى يتردد عليه، وأحس البنا بأن
الموت يتعقبه، وفى هذا المبنى كان يلتقى الهضيبى، الذى اختير مرشدا
للجماعة.
وفتح البنا الباب للتفاهم مع رئيس الحكومة، لكنه لم يوفق وبعد تقديمه
تعهدات بأن يرشد الحكومة لأماكن الأسلحة ومحطة الإذاعة الإخوانية السرية
مقابل الإفراج عن المعتقلين من أفراد الجماعة وبوساطة من وزير الدولة محمد
زكى على باشا الذى اتصل برئيس الوزراء إبراهيم عبدالهادى، الذى أراد إثبات
حسن النية من قبل البنا بالإرشاد عن الأشخاص، الذين لديهم أسلحة وعن محطة
الإذاعة،
ووافق رئيس الوزراء على لقاء البنا فى١٤ فبراير وعاد محمد الناغى إلى
جمعية الشبان المسلمين ظهرا، وطلب من سكرتيرها محمد الليثى مقابلة البنا
الذى استجاب بعد تردد وطلب من صهره عبدالكريم منصور أن يصحبه ولاحظ منصور
وجود شخص على دراجة أمام البيت انطلق عندما لمحهما وآخرين يراقبونهما من
داخل تاكسى واستقل البنا وصهره سيارة تاكسى ولاحظ منصور أن ثمة سيارة
تتبعهما حتى باب جمعية الشبان المسلمين،
ووصل البنا وجلس مع محمد الناغى فى مكتبه بالدور الأول بالجمعية وعرض
الناغى شروط رئيس الوزراء علىالشيخ البنا، الذى أبدى عجزه عن تحقيق
المطلوب، وهو مكتوف الأيدى ومحاصر ومعظم قيادات الجماعة فى السجون فاتصل
الناغى بزكى على باشا يبلغه شرط البنا بالإفراج عن الإخوان المعتقلين،
للحصول منهم على المعلومات المطلوبة، فلم يجد الوزير فىالمنزل فصلى الليثى
والبنا المغرب والعشاء وطال الانتظار وانصرف الناغى بعد فشله فى الوصول إلى
الوزير واستعد البنا للانصراف على وعد باللقاء فى اليوم التالى للقيام
بمحاولة جديدة.
وعلى الجانب الآخر كان يتم إعداد العدة لتصفية البنا، وفى مساء السبت
١٢ فبراير طلب العقيد محمود عبدالمجيد من سائق سيارته محمد محفوظ أن يتجه
إلى شارع عبدالخالق ثروت، وأن ينتظر بسيارته عند نادى نقابة الصحفيين قرب
جمعية الشبان المسلمين، ويجعل مقدمة السيارة فى اتجاه عبدالخالق ثروت، قال
له إذا حضر اثنان يرتديان الملابس البلدية وركبا السيارة أحضرهما إلى فى
فندق إيدن، وكان البنا داخل الجمعية وطلب صهر البنا من ساعى الجمعية إحضار
تاكسى ونزلا وودعهما الليثى حتى الباب ودق جرس الهاتف فى مكتب الليثى،
ولاحظ صهر البنا (منصور) أن شارع نازلى (رمسيس) هادئ جدا وأنواره خافتة
فسأل البنا (الساعة كام؟) ورد البنا: الثامنة فقال منصور: مستحيل إحنا فى
آخر الليل.
تركهما الليثى ودخل يرد على الهاتف، ولاحظ عبدالكريم منصور وجود ثلاثة
رجال يقفون على ناصية الشارع من بينهم شرطى يعرفه فقد فتشهما فى محكمة
الاستئناف من قبل، فى قضية حل جماعة الإخوان.
أصر البنا على أن يركب صهره التاكسى أولا ثم تبعه إلى داخله وأدار
السائق على محمد نفادى محرك السيارة، وقبل أن يحدد البنا وجهته تقدم رجل
يرتدى ملابس بلدية ويضع شالا حول عنقه «لثاما» لإخفاء شخصيته، وفتح الرجل
باب السيارة من الناحية التى يجلس فيها البنا، وأخذ يطلق عليه النار، ونام
المرشد فى أرضية السيارة،
وهو يخفى رأسه بيديه وفتح الرجل الباب مرة أخرى وأخذ يواصل إطلاق
النار، وفى نفس الوقت جاء رجل يرتدى جلبابا أبيض وبالطو وتلفيعة من ناحية
عبدالكريم منصور الذى حاول فتح باب السيارة فقاومه الرجل ليمنعه من الخروج
وهشم المخبر زجاج السيارة،
وأسرع الليثى على صوت الطلقات فخرج تاركا الهاتف، فلما رأى ما يجرى
صاح: إمسك إمسك فأطلق عليه أحد الرجلين الرصاص، فهرول إلى داخل الجمعية
وارتفع صوت رجل آخر: «حلق حوش» ورأى الليثى شخصا آخر يلاحق الجانى فظنه
يطارده، وكان السائق محمد محفوظ منتظرا بسيارته فى مكانه أمام نادى نقابة
الصحفيين فجاء أحمد حسين جاد وشخص آخر يدعى مصطفى فاستقلا السيارة التى
رآها الليثى تسرع بعيدا عن المنطقة،
وفى الوقت نفسه كان يجلس على المقهى المواجه للجمعية الجاويش محمد
سعيد إسماعيل والأومباشى حسين محمدين رضوان بملابسهما الرسمية ليتسلما
القاتلين إذا ما قبض عليهما الناس وعاد الليثى إلى الجمعية ليمسك بسماعة
التليفون التى تركها مرفوعة ليجد المتحدث المقدم محمد الجزار فقال لقد
أطلقوا النار علىالشيخ حسن.. فسأله الجزار: مات؟
وحين توقف الرصاص اندفع البنا خارج سيارته، وكأنه فى كامل عافيته،
وأخذ يتعقب الجناة، فلم يلحق بهما فعاد إلى الجمعية وهو يصيح: قتلت قتلت..
هاتوا الإسعاف وحاول الوصول إلى الهاتف عبثا فعاد إلى التاكسى وقاد السائق
السيارة إلى جمعية الإسعاف القريبة، وهناك قال البنا: «إلحقنى يا دكتور..
مفيش فايدة أنا ح أموت»
ورغم ذلك ظل متماسكا أمام الطبيب محمد طلعت الذى وجده فى حالة سيئة ثم
استقل الليثى سيارة الإسعاف وفيها البنا إلى مستشفى قصر العينى وهناك لم
يجدوا الطبيب المناوب فبحثوا عن الدكتور على السباعى فى بيته واستدعوه من
على أحد مقاهى مصر الجديدة وكان الشيخ فى حالة معنوية قوية وطلب إنقاذ صهره
أولا وتبين أن البنا أصيب بسبعة عيارات نارية وصهره أصيب باثنين فى تلك
الأثناء وصل إلى مقر الجمعية رجل يسأل أين ذهب الشيخ فقالوا له فى قصر
العينى فذهب إلى هناك على الفور،
وحاول دخول الغرفة فمنعه الأطباء وأبلغه الليثى برقم السيارة التى هرب
فيها الجناة فنظر له الرجل بسخرية، تركه دون أن يرد عليه ولم يكن هذا
الضابط سوى المقدم محمد وصفى قائد حرس الوزارات أحد أركان المؤامرة، وتوفى
البنا فى مستشفى قصر العينى.
المصري اليوم في
12/09/2010 |