عندما قرر الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أحد أعمدة الدراما المصرية
والعربية خوض المجال السينمائى، كتب بطعم مختلف ومتميز عن كل ما كتب، فكانت
كتاباته إضافة مهمة للسينما المصرية، التى تفتقر لكتاب بحجم عكاشة كما
ونوعا.
من أهم أعمال عكاشة السينمائية فيلم "كتيبة الإعدام" أول تجربة سينمائية له
بطولة نور الشريف "حسن عز الرجال" ومعالى زايد"نعيمة"، وإخراج عاطف الطيب،
حيث استطاع عكاشة من خلال هذا جذب اهتمام الجمهور والنقاد، ورغم أن القصة
لا يوجد بها جديد لأن قصة القتل والثأر أشبعتها الدراما المصرية، إلا أن
الفرق كان فى طريقة التناول، حيث استطاع عكاشة ببساطة شديدة تحويلها من قصة
تقليدية إلى قصة جديدة لها بعد سياسى، وتناقش قضية الشرف والدفاع عن الوطن،
فالقتيلان "الرجل وابنه" كانا من أبناء المقاومة الشعبية فى حرب أكتوبر،
وقتلهما موظف البنك المكلف بتوصيل ما يقارب المليون جنيه، هى مرتبات الجيش
الثالث، حتى يتسنى له سرقة المبلغ، وبالتالى يصبح من كبار رجال الأعمال،
وأراد عكاشة أن يوصل رسالة هامة من خلال الفيلم، وهى أن مرحلة الانفتاح
الاقتصادى خيانة لحرب أكتوبر، واستطاع أن يصنع الفيلم ملحمة تاريخية مهمة
وظل عالقا بأذهان الجمهور.
عكاشة قدم بعد ذلك فيلم "الهجامة" بطولة ليلى علوى وهشام سليم وحسن حسنى،
وهو يحمل رسالة أن الإنسان قد يضطر لدخول عالم الجريمة، حيث تدور أحداثه
حول فتاة تدعى "نوسة" يتم خطبتها على ابن خالتها "سيد" الذى تشاركه فى
عمليات سرقة الشقق، وتم القبض عليها ويهرب هو بالمسروقات، ويحكم عليها
بالسجن عامين، ثم يتم الإفراج عنها وتقرر الاستقامة، ولكن يعود "سيد" ومعه
ثروة ضخمة بعد أن أسس عصابة للاتجار فى المخدرات، وهنا يلقى عكاشة الضوء
أيضا على فترة الانفتاح التى جعلت من معظم المجرمين أصحاب رؤوس أموال ورجال
أعمال، وهنا توضح أعمال عكاشة ناصريته الشديدة وحبه للرئيس جمال عبد الناصر
وكرهه لفترة الانفتاح وكل ما حدث بها من مخالفات.
يأتى فيلم "دماء على الأسفلت" بطولة نور الشريف، حسن حسنى، إيمان الطوخى،
حنان شوقى، وإخراج عاطف الطيب، وتلقى أحداثه الضوء على الانحلال الذى أصاب
المجتمع المصرى، من خلال أسرة مكونة من 3 أبناء، هم الدكتور ثناء "نور
الشريف" الذى يشغل مركزًا مرموقَا فى منظمة دولية بالخارج وعلاء "طارق لطفى"
وولاء "حنان شوقى" التى تعمل فى أحد الفنادق، ووالدهم أبو الحسن "حسن حسنى"
الذى يعمل "باشكاتب" فى وزارة العدل، ويصدم الأبناء ذات يوم باتهام والدهم
بسرقة ملف إحدى القضايا الهامة، فيعود الدكتور ثناء كى يقف إلى جوار والده
البرىء، لكن يبدو أن الانحلال أصاب الأسرة، حيث تحولت ولاء إلى فتاة هوى
تتعاطى هى وعلاء الهيروين.
ويقدم عكاشة باقى أفلامه لتدور فى هذا الإطار، وهو إظهار وجه المجتمع
القبيح فى فترة الانفتاح ومحاولة معالجتها عن طريق صنع صدمة للجمهور بإظهار
الحقيقة الكامنة وراء الأقنعة التى يرتديها أصحاب رؤوس الأموال فى هذه
الفترة الهامة من تاريخ مصر، ومن هذه الأفلام "تحت الصفر" بطولة نجلاء فتحى
وصلاح السعدنى وعبد العزيز مخيون، إخراج عادل عوض، وتدور أحداثه حول سعد
الذى يحقق ثروة كبيرة من تجارة المخدرات، ويصر على تحطيم صديقه مصطفى
لزواجه من رجاء التى يعجب بها، ثم يسافر مصطفى ليعمل بالخارج وعند عودته فى
إجازة يتم القبض عليه لوجود هيروين فى حقيبته.
اليوم السابع المصرية في
29/05/2010
هل يرحل قوس الكمان؟
د.عزازى على عزازى
آه من هدير البحر لمَّا يزوم.. آه من فحيح الريح لمَّا تقوم.. بهذه الكلمات
للشاعر سيد حجاب بدأ تتر المسلسل الجديد، يتصدر الشاشة مشهد ارتطام الموجات
بشاطئ ساكن يحتوى رمالاً هادئة ناعمة، يوقظها الموج فى غفوتها، تاركًا خلفه
بذور لقاح الريح فى الزبد.
فى هذه اللحظة يظهر اسم المسلسل مصحوباً باسم مؤلفه "وقال البحر".. قصة
وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة.
وكأنه الغيث الذى أنتظره الجدب، فتمخضت له الأرض عشبًا وشجرًا ونخلاً..
هكذا كان أسامة منذ تفجرت ينابيع إبداعه على الشاشة العطشى، فشرب الجمهور
حتى ارتوى طيلة أكثر من ثلاثين عاماً.
ولم يكن عكاشة مجرد «دراماتورجى» كما يقول عن نفسه، مثلما لم يكن محفوظ
روائى اً فحسب أو هيكل مجرد جورنالجى، فكتابة السيناريو أداة فى معركة
الوعى الكبرى التى خاضها عكاشة فى كل أعماله التليفزيونية والمسرحية
والسينمائية، فمساحة الدراما كانت أشبه بميدان الحرب، اهتم أسامة كقائد
ميدانى بتوفير كل أسباب النصر بداية من المخرج العبقرى إسماعىل عبدالحافظ،
مروراً بفريق العمل الذى يمكن وصفه ببساطة.. إنهم يشبهون الناس العاديين،
الذىن نراهم حولنا فى كل مكان ومن ثم استطاع عكاشة تحوىل الشخصيات العادية
والبسيطة إلى أبطال، ففى ساحات القتال لا مجال للأفنديات أصحاب الياقات
البيضاء ولا الباشوات المنتفخة أدراجهم.. وكان طبيعياً أن ينتصر الكاتب
العظيم لهؤلاء البسطاء وهو يخوض بهم أعنف صراع درامى شهدته ساحات الفن خلال
العقود الماضية، وفى انحيازه للشخصية المصرية بعمقها الشعبى الإنسانى
وبأصالة معدنها، لم يبرئها من العيوب والهفوات لأنه يكره الشخصية النمطية
سواء بشكلها الإيجابى أو السلبى، لكنه يظهر معدن الشخصية فى اللحظات الصعبة
كما فعل مع معظم أبطاله الشعبيين وبشكل خاص مع «حسن أرابيسك».
والعمل عنده لا يأخذ خطاً واحداً كاللحن الميلودى، بل كانت ساحته الدرامية
تسمح بالتعدد والتنوع، تحول الهامش إلى متن والعكس، وهى قيمة ذات بعد
ديمقراطى، فالمجتمع عند أسامة سيمفونية تتعدد آلاتها وتشكيلاتها اللحنية،
لكنها تصنع فى النهاية تكاملاً نغمياً يؤدى وظيفة ورسالة معينة.
وكان قوساً للكمان يعزف فى كل «سحبة» نغمة جديدة تصيبنا بالدهشة والحيرة
حول قدرته الفذة فى الدخول إلى عوالم جديدة، ففى كل مرة ينتهى فيها من عمل
خاصة إذا كان متعدد الأجزاء، يتساءل البعض: ما الجديد الذى يمكن أن يضيفه
أسامة بعد ليالى الحلمية؟ أو بعد «الراية البيضاء» أو «أرابيسك» و«الشهد
والدموع» و«زيزينيا» أو «البشرى» أو «امرأة من زمن الحب» أو «كناريا»
و«عفاريت السيالة»، وفى كل مرة تكتشف أن معينه لا ينضب، وأتصور أن أعماله
مازالت قابلة للاستمرار والاكتمال، إذا حاول أى سيناريست التقاط أى خيط
درامى صغير فى أحد أعماله محاولاً إكماله فى عمل جديد.
كان بودى الحديث عن صحبة الراحل الكبير فى شقة الإسكندرية ومقاهى القاهرة
وريف القلىوبية والشرقية وحواراتنا الطويلة فى شقته بحدائق الأهرام أو عبر
التليفزيون، لكنى لم أشعر بفقده بعد، حتى يتحول الكاتب الكبير إلى خانة
الذكريات.. فهل يرحل قوس الكمان؟
اليوم السابع المصرية في
29/05/2010
وهج مقدس
سعيد شعيب
كانت المرة الأخيرة التى رأيت فيها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة منذ
حوالى عام تقريبا، التقينا فى حجرة الضيوف فى التليفزيون المصرى، وتحادثنا
طويلا أنا وهو وصديقى أكرم القصاص، وتواعدنا على لقاء قريب، لكنه مثل معظم
المواعيد مع الأحبة لا تتم بسبب ضيق الوقت واللهاث وراء أكل العيش.
تعرفت على الكاتب الكبير رحمه الله منذ حوالى 20 عاما، وكان من حسن حظى
أننى استمتعت بصحبته لساعات طويلة، رغم أنها مرات قليلة، فهو لم يكن فقط
كاتبا دراميا عظيما، ولكنه كان مفكرا بكل معنى الكلمة، وأقصد بهذا التعبير
قدرته على إنتاج الأفكار، وفى معظمها جديدة ومبتكرة، ناتجة عن روح قلقة،
متمردة، شأن كل المبدعين الكبار الذين لا يعيدون إنتاج الملقى على الأرصفة،
لكنه دائم البحث عن إجابات لأسئلة وجودية، هذه الأسئلة التى تواجه الإنسان
منذ بداية الخليقة، وفى الأغلب الأعم، الأسئلة تنتج أسئلة لا نهائية.
لذلك لم تكن قيمة الكاتب الكبير فقط فى البعد السياسى فى أعماله، الموقف من
كل المراحل التى مرت بها مصر، ورغم أنه قدم رؤية عميقة ومثيرة للجدل قبل
وبعد يوليو 1952، مرورا بفترة الرئيس السادات ومن بعده مبارك، لكنه فى كل
هذا يبحث عما هو أعمق، أسئلة وجود مصر، وأسئلة الوجود الإنسانى.
وأظن أن هذا بالضبط ما منح أعماله كل هذه الحميمة والعمق، وما جعل
المختلفين معه فى السياسة يعجزون عن عداوته، فكتابته فيها ما هو أبعد من
ذلك بكثير، فيها ما يجمع كل البشر على اختلافهم، فيها الوهج المقدس للحياة.
رحم الله الكاتب العظيم، وجمعنا وإياه مع الأحبة فى دار الحق...
اليوم السابع المصرية في
29/05/2010
الديك: عكاشة مفرط الحساسية.. صعب أن تحدده الكلمات
البشاير :حنان مختار:
رحل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بعد صراع مع المرض وترك العديد من
البصمات الثرية التي أثرت بشكل أو بأخر في المجتمع المصري فقد عبرت كتاباته
وبحق عن كافة طبقات المجتمع المصري واستطاع بقلمه وفكره أن يغوص في أعماق
ونخاع النفوس البشرية المختلفة من الشخصية المصرية البسيطة التي تبحث عن
رزق اليوم إلي الشخصية الأرستقراطية التي لا تلقي بال بمعاناة الغير ....
رقد جسمان الراحل في ترب الغفير ليواري التراب الجسد ويبقي الإبداع معبراً
عن فكره ورؤيته ......
وفي مداخله تلفونية مع السينارست بشير الديك لبرنامج 48 ساعة قال :أسامة
أنور عكاشة هو صانع الأدب التلفزيوني وهو مفكر شديد الثقافة والثراء
والحساسية لدرجة الإفراط ومن الصعب أن نوفيه حقه أو نحدده في كلمات .
وفي مداخلة تلفونية مع الكاتب الصحفي بلال فضل قال :أسامة عكاشة هو "نجيب
محفوظ " الدراما وهو صاحب الخلطة السحرية لتاريخ مصر .
وكان في الفترة الأخيرة يأخذ مخدر شديد ليقدر علي الاستمرار في استخدام
جهاز التنفس، وقد رأيته أخر مرة أنا وصلاح السعدني ...
وأخر ما كتب عن أن الأمل في إنقاذ مصر يبدأ من حزب الوفد وكان مهتم بذلك من
خلال أعماله .
البشاير المصرية في
29/05/2010 |