بعدما كان المهرجان قد بدأ يفقد الأمل في ايجاد "سعفة"
الدورة 63 (الأقرب اليها كان "رجال وآلهة" لكزافييه بوفوا و"عامٌ آخر"
لمايك
لي، مع اعجابنا الشديد بـ"نسخة طبق الأصل" لعباس كيارستمي)، أطلّ فجأة في
اليوم
التاسع شريط غريب الأطوار: "العم بونمي، ذاك الذي يتذكر حيواته الماضية"
لمخرج كان
كثيرون يعجزون عن لفظ اسمه، هو ابيشاتبونغ فيراسيتاخول (1970)، عرف كيف
يخطف قلب
تيم برتون ولجنة التحكيم التي ترأسها.
مهرجان كانّ أول من انتبه الى فرادة هذا
السينمائي عام 2002، فمُنح انذاك جائزة قسم "نظرة ما"، ثم عاد واقتنص بعد
عامين
جائزة لجنة التحكيم عن قصيدته السينمائية "مرض استوائي"، قبل أن يشارك
عضواً في
لجنة تحكيم دورة عام 2008 التي ترأسها شون بن. مساهماته كبيرة في ما يُعرف
بالفن
المعاصر، وهو أحد الذين ناضلوا ضد الرقابة التايلاندية والقمع الذي كانت
تمارسه.
طوال سنوات الألفين، ارتبط اسمه بالنضال من أجل الحريات في بلاده. وليست
مطالبته
الأخيرة بـ"احترام مخيلة المشاهد" الا امتداداً لتلك المعركة.
هذا الأربعيني
الذي تحمله الانتليجنسيا على راحاتها منذ انجز أحد كنوز السينما
التايلاندية ("مرض
استوائي"، عام 2004)، ليس وليد الربع الساعة الأخير، بل هو خلاّق يأتي من
عوالم
التجهيز والاختبار. سينماه صعبة جداً بالمعنى التجاري للكلمة، اذ تعبق
بالصمت
ولحظات شاردة تأخذ المشاهد الى التأمل في معاني الوجود. فلسفية هي مقاربة
فيراسيتاخول للسينما أكثر من كونها مشهدية. تتضمن قدراً كبيراً من الغرابة
والمفاجأة، نتيجة تربيته السينمائية والفنية مع اصرار دائم على محو الحوادث
وتخريب
السيرورة الدرامية.
نظامه السينمائي يتيح تواطؤ الأنواع بعضها مع البعض الآخر،
ليخلص الفيلم الى نتيجة مبهرة على صعيد الشكل. سينما هذا الملقّب بـ"جو"،
مقلّة
كلاماً ("العم بونمي" أكثر حوارية من أفلامه السابقة)، وذات ايقاع بطيء
جداً يحوّل
ما نراه لحظة معيشة. رجل يستحم، عائلة مجتمعة الى مائدة، ثور يحاول الهرب،
كلها "حوادث"
يجد فيراسيتاخول مبرراً لتصويرها. شخصياته، غالباً انطوائية، ليست في
الضرورة مثيرة للاهتمام، لكن المطلوب من المشاهد أن يستمع اليها حتى وإن
بدت بعيدة
منه. ليس هذا ما يجعل من فيراسيتاخول سينمائياً كبيراً: فإلى رغبته في
تكوين لحظة
واقع فريدة، ينبش المخرج في مخيلته ما يرضي فلسفته وايمانه بالروحانيات.
فالأشباح
عنده عيونها حمر، اما الابن الراحل فيعود الى بيت أهله بعدما أخذ شكل دب
خرج لتوّه
من أحد أفلام علم الخيال الأميركي. دعونا لا ننسى ان فيلمه الجديد هذا
رحلة. رحلة
الى اقاصي الطبيعة الآدمية. في عمق الأدغال تسكن أسراره دائماً. نقفز من
قضية الى
أخرى، من دون رابط ظاهر للعيان بينهما. على هذا المنوال، نترك العم بونمي
لنذهب الى
أميرة وحكايتها مع سمكة - قط. في هذه النقطة الأخيرة، ربما نعثر على السر
الذي جعل
برتون يرمي نفسه في أحضان الفيلم.
السرد عند فيراسيتاخول لا يسلك مسلكاً
تقليدياً مكرساً. الحبكة مبعثرة وعلاقته بالأشياء عضوية. كل شيء يغدو عنده
مسألة
حجة. أو حاجة. حتى المرض الذي يصاب به العم بونمي، يتيح له مناسبة للتأمل
مع فلتات
عجيبة غريبة صحبة كائنات تقول الكثير مما يدور في المساحة العاقلة للمخرج.
فهو يؤمن
مثلاً في انتقال الأرواح بين البشر، والنباتات والحيوانات والاشباح،
ويريدنا أن
نؤمن معه بهذا الشيء كي يصبح السفر الى عوالمه المجهولة أكثر متعة.
"ثورجي"
من
الصنف الحضاري. يؤمن فيراسيتاخول بصفاء السينما وصفاء الحياة. الشيء يجب
ألاّ يلغي
نقيضه. التخريب عنده لا يعني التدمير. الموت ليس مرادفاً للنهاية. سينماه
تشير الى
انه يمتلك طول اناة أيوب وحكمة غاندي. حجرة فوق حجرة، يشيد معبداً لأحلامه.
لا
يوازي ذكاءه الاّ حسيته التي تجعله يصور العم بونمي في نوع من كهف على شكل
بظر
امرأة.
•••
في مقابلة منشورة في الملف الصحافي الخاص
بالفيلم، يروي أ. فـ. الدرب الجمالي والمعنوي والفكري والروحي الذي سلكه
لإنجاز "العم
بونمي". هنا بعض المقتطفات:
"قبل
بضع سنوات، عندما كنت أعيش في شمال شرق
البلاد، تعرفت من طريق المصادفة الى قصة العم بونمي. راهب بوذي كان يسكن
بالقرب من
المكان الذي كنت أسكن فيه، روى لي مرة أن رجلاً عجوزاً جاء يوماً الى
المعبد ليشارك
في نشاطاته ويتعلم التأمل. ذات يوم، هذا الرجل نفسه، العم بونمي، أخبر
الراهب انه
حين كان في حالة تأمل عميق، كان يستطيع، من خلف أجفانه المغمضة أن يشاهد
حيواته
السابقة تمرّ كما لو كانت مشاهد من فيلم. كان يجد نفسه في شكل ثور أو بقرة
أو حتى
في شكل روح شاردة في سهول شمال شرق البلاد. أصيب الراهب بالدهشة لكنه لم
يفاجأ لأن
بونمي لم يكن أول شخص يروي له مثل تلك التجارب. فراح يلف أرجاء البلاد كي
يلملم
شهادات من اهالي القرى الذين كان يمكن ان تكون لهم علاقة ما بحيواته
الماضية.
لاحقاً، نشر كتاباً صغيراً. على الغلاف كان يمكن أن نقرأ: "رجل يستطيع أن
يتذكر
حيواته الماضية". لسوء الحظ، عندما استطعت الحصول على الكتاب، كان العم
بونمي توفي
قبل بضعة أشهر".
"في
هذا الفيلم الكثير مني. أدركتُ وأنا انجزه أنني غير قادر
على البقاء وفياً لأصل أدبي. بالاضافة الى كوني أجريت تعديلات على ما كانت
تتضمنه
حيوات بونمي السابقة، فقد قمت أيضاً بوضع العمّ في الخلفية، وتركت المقام
الأول
شاغراً لممثلين إثنين أعمل معهما دائماً: تونغ وجنجيرا. انهما شاهدان على
هذا الرجل
المجهول. الفيلم ليس عن بونمي انما عن تفسيره للتقمص. تحول الفيلم بشكل
تلقائي
تحيةً للسينما التي كنت أشاهدها طفلاً. وهي سينما في طريقها الى الموت، هذا
اذا لم
تكن قد ماتت. مرة أخرى، ينزلق والدي في الفيلم. هو الذي كان قد اصيب بالداء
الذي
اصيب به العم بونمي. كل المعدات الطبية التي نراها في غرفة بونمي هي نوع من
"ميز ان
سين" (اخراج) لغرفته الخاصة".
•••
"مرة
أخرى، اخترت العمل مع ممثلين اعتدت العمل
معهم، ومع ممثلين غير محترفين (في دور العم بونمي وهواي). جميعهم من شمال
شرق
البلاد ما عدا تونغ. انه الوحيد لا يتكلم لهجة تلك المنطقة. بالنسبة اليَّ،
بونمي
هو كائن مجهول. لذلك، لم يكن في امكاني اسناد دوره الى ممثل معروف. اعتقد
أن من
الضروري ان يضطلع ممثلون غير محترفين بأدوار، عندما نكون في بحث عن أسلوب
تمثيل
الممثلين القدامى. لذلك، أجريت كاستينغ لناس من مختلف الأوساط".
•••
الأشباح والكائنات فوق الطبيعية كانت حاضرة في
أفلامي السابقة، كما في "مرض استوائي". لكنهم في هذا الفيلم يحتلّون المتن.
الفيلم
يتركز حول الايمان العميق بعناصر فوق طبيعية هي، في الواقع، تشكل جزءاً من
حيواتنا.
تبهرني فكرة كيف يزداد حضور الطفولة في حياتنا قلما تقدمنا في السنّ. أعتقد
أن
الخوف أو الفضول تجاه الأشباح والعوالم الأخرى يتعزز في حالتين: الطفولة او
حين
يكون المرء على عتبة الموت. في البداية، كان السيناريو يشرح ما كانت عليه
حيواته
السابقة وما لم تكنه. لكن عند تحويله فيلماً، أردت أن أحترم مخيلة المشاهد.
السينما
هي آداة بالنسبة الى المرء كي يخلق عوالم موازية وحيوات أخرى".
•••
"الفيلم
يلقي تحية على نوع معين من السينما، ذاك
الذي كنت أشاهده عندما كنت طفلاً. كانت هذه الأفلام مصورة في الاستوديو مع
اضاءة
مباشرة. الحوارات كانت تُهمَس في آذان الممثلين الذين كانوا يرددونها
ميكانيكياً.
الوحوش كانت تبقى دائماً في الظلمة لإخفاء ملابسها الرخيصة الثمن. عيونها
كانت
انعكاساً لضوء أحمر، حدّ اننا كنا نلحظ ذلك. لم تتسنّ لي مشاهدة أفلام رعب
قديمة
الا متأخراً، أي في المرحلة التي بدأت فيها بالاخراج. أعتقد أنني تأثرت
بالقصص
المصورة التايلاندية. الحبكة كانت جد سهلة، الاشباح كانت جزءاً من الطبيعة،
كما هي
الحال اليوم".
•••
"كنت
أريد أن أضم الى الفيلم ذكرياتي الخاصة
المرتبطة بولادته. الفيلم جزء من تجهيز فيديو في عنوان "بدائي" حيث حاولت
أن ألتقط
ذكريات شمال شرق البلاد. تعاونت مع مراهقين في قرية ذات ماضٍ سياسي مؤلم.
صنعنا
مركباً فضائياً وألّفنا السيناريوات. أخرجنا أيضاً فيلماً قصيراً "رسالة
الى العم
بونمي" حيث حاولنا ايجاد منزل يتناسب وحاجات الفيلم. بالنسبة اليَّ،
التجارب التي
أريتها في تلك القرية كانت لها دائماً علاقة مع وجود بونمي. انه مكان قُمعت
فيه
الذكريات. أردت أن اربط ذلك برجل يتذكر كل شيء. مع مشهد الصور، أردت أن
تتداخل
ذكرياتي بذكريات بونمي".
كانّ - من هوفيك حبشيان
إلــــى الــحـــيــاة مــجــــدداً...
بعد 68 يوماً من السجن، كان قد زج فيه من دون
أن يرتكب أي ذنب، خرج جعفر بناهي أول من أمس الى الحياة وعاد الى عائلته
واصدقائه
ومحبيه الذين ساندوه في عزلته ومحنته. لم يُطلَق سراح المخرج الايراني،
الذي ظل
كرسيه شاغراً في عضوية لجنة التحكيم في مهرجان كانّ الأخير، الا بعدما أضرب
عن
الطعام، ودفع باللحم الحيّ ثمن حريته المسلوبة في واحد من أكثر الأنظمة
السياسية
قمعاً للحريات. تردد أن بناهي (1960) خضع لفحص طبي عقب خروجه وتبين أن صحته
جيدة
على رغم انه بدا نحيلاً جداً في الصورتين المنشورتين له صباح أمس. السلطات
الايرانية التي كانت اتهمته بتحضير فيلم عن الانتخابات الايرانية الأخيرة
التي عادت
بأحمدي نجاد رئيساً للبلاد، لم تعط أي تفسير يبرر الافراج عنه. واذا وجدت
قضية
بناهي، خواتيمها السعيدة والعادلة، يبقى هناك مخرج آخر هو رومان بولانسكي
لا يزال
في اقامة جبرية منذ أكثر من 250 يوماً ولا يزال مصيره في يد المجهول.
خارج الكادر
كانّ بين تململ ورقة وفرنكوفونية!
وحده من يبقى في كانّ، لسبب أو لآخر، بعد انتهاء المهرجان، يرى المدينة
على حقيقتها: قرية صغيرة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط مليئة بالمتقاعدين
والعمال
الأجانب والمسنات اللواتي يتنزهن برفقة كلابهن بعدما غادرهن أزواجهن الى
عشيقة أصغر
سناً. هؤلاء هم السكان الأصليون لكانّ، يؤجرون البيوت لمن يأتي الى
المهرجان من
أصقاع الأرض، ويتعاطون البزنس، ويحققون أعلى مستويات الربح على مدار
اسبوعين من عرس
سينمائي يعيش المدينة على صدى بهجته والارباكات التي يتسبب بها.
مَن لا يستفيد
من المهرجان، سواء لأن السينما لا تعني له الشيء الكثير أو لأنه لا يملك
بيوتاً
مفروشة تتيح له تأجيرها، تراه غاضباً على البلدية وناقماً عليها لأنها،
مثلاً، تقفل
الطريق من جهة معينة وتحول السير نحو جهة أخرى، وتفاصيل تنظيمية تعرقل
الحياة
اليومية لأهل المدينة. أتيح لي، من خلال مشاركتي في الدورات الخمس الأخيرة،
أن
أتعرف الى بعض الكانيين، وأتحدث وإياهم، فأدركت أن هناك تململاً لدى
مواطنين يزعجهم
أن تتحول مدينتهم محجّة لناس، ينتمون الى مئات الجنسيات، ويجتازون الطريق
من دون
احترام شارات السير!
يحاول المهرجان، من خلال تأسيس جمعيات، أن يورّط الكانيين
في الهمّ المهرجاني، من خلال تخصيص حصة من البطاقات لسكان المدينة. عبر
الانضمام
الى واحدة من هذه الجمعيات، يحق لأهالي كانّ أن يحصلوا على بطاقات ويشاهدوا
أفلام
التشكيلة الرسمية وغيرها. أما الحدث الأكبر بالنسبة اليهم فيتمثل في اعادة
عرض
الفيلم الفائز بـ"السعفة الذهب" غداة اختتام المهرجان. تعويضاً للازعاج
الذي تسبب
به المهرجان طوال 12 يوماً، تفتح صالة "لوميير" أبوابها أمام حاملي
البطاقات، فتأتي
النساء بفساتينهن السوداء الأنيقة صحبة أزواجهن أو أحبائهن، ويتكرر مشهد
صعود
السلالم والتصوير على السجادة الحمراء. أهالي كانّ هم نجوم المهرجان في تلك
الليلة
المخصصة لهم. عشرات المصورين يحضرون الى المكان لالتقاط صورهم الرقمية ثم
يرسلونها
اليهم مقابل بضعة أوروات.
هذه السنة عبرّ أهالي كانّ عن سخطهم بسبب نيل فيلم
ابيشاتبونغ فيراسيتاخول "العم بونمي، ذاك الذي يتذكر حيواته الماضية" (انظر
المقال
الأساسي في الصفحة) جائزة المهرجان الكبرى. في كانّ طريقة احتجاج ترسخت في
العادات
عبر السنوات: التهييص بصوت عال في نهاية الفيلم. أداء ديموقراطي سواء
قبولاً أم
رفضاً. قبل بضعة أعوام، غادر فريق فيلم "رمز دافينتشي" بعدما تعالت الأصوات
المهيصة
ضد الفيلم خلال عرضه الصحافي. الاستنكار نفسه حصل عندما صعد جنريك "المسيح
الدجال"
حيث يهدي لارس فون ترير فيلمه الى اندره تاركوفسكي. هذا الغضب الشديد من
فيلم لا
يحصل فيه شيء، جعل امرأة مسنة تقول لي "سأقاطع أفلام تيم برتون (رئيس لجنة
التحكيم)
من الآن فصاعداً". عندما سألتها عن اسمها، قالت: "أليس". فأيقنت مباشرة ان
كانّ
بلاد العجائب حيث امرأة تدعى أليس وتبلغ الثمانين مطلعة على اسم مخرج "كوكب
القرود"!
•••
لا أؤمن بالمقولة الطوباوية "لا يصح الا الصحيح".
لكن في قضية المخرج الايراني جعفر بناهي، فعلاً، لم يصح الا الصحيح. فبعد
أشهر على
اعتقاله وسجنه في ايران، أدرك النظام الايراني الغبي أن الأنظار تتوجه اليه
أكثر
فأكثر ويوماً بعد يوم، فأطلق سراح مخرج "الدائرة"، الذي لم يكن ارتكب سوى
"شناعة"
التفكير في صنع فيلم، اعتبرته السلطة معادياً لها.
هذه كانت ربما المرة الاولى
يحاكَم فيها سينمائي على نياته ويسجن من أجلها. اعتقاله عاد بالضرر على
سمعة ايران،
فاق الضرر المحتمل الذي كان سيتسبب به الفيلم في حال انجازه. الأنظمة
الشمولية تترك
عادة متنفساً صغيراً للحرية. هكذا يصنع مثلاً بعض السينمائيين العرب
أفلاماً حكومية "معارضة".
يبدو أن هذه الطريقة ليست هي التكنيك المعتمد في ايران التي تعتقل مخرجاً
له دعم دولي واسع ولا تأبه للرأي العام الذي سيحتشد ضدها.
والحق انه لا يمكن
اغفال الرأي العام في هذا الموضوع الذي كان قد وصل في الأيام الأخيرة الى
اعلى
مستويات الترقب مع اثارة القضية في مهرجان كانّ السينمائي. كانّ هو ثاني
حدث دولي
مغطى اعلامياً بعد المونديال. كل كلمة تلقى فيه، تنقل في الصحف وتثير ما
تثيره من
ضجة وجدال. فما بالك اذا كان الأمر يتعلق بامرأة رقيقة القلب، هي الممثلة
جولييت
بينوش، تبكي أمام عدسات المصورين وتطالب بالافراج عن مخرج، كان قد بدأ في
ذلك اليوم (ربما
مصادفة وربما افتعالاً) اضراباً عن الطعام. جولييت، المشاركة في المهرجان
بفيلم لعباس كيارستمي الذي كان أحد الذين تتلمذ بناهي على أيديهم، أعادت
وأصرّت على
ضرورة تخلية سبيل المخرج المضطهد، حاملة لوحة صغيرة كُتب عليها "جعفر
بناهي"، ولكن
هذه المرة عند تسلمها جائزة التمثيل، مساء الأحد الفائت، مدركةً الصدى الذي
تحققه
مطالبة مثل هذه. خطوة ذكية جداً، ملهمة ومباركة، قد ساهمت في ان تتخذ
الحكومة
الايرانية اجراء سريعاً بتخلية سبيل بناهي. جولييت أثبتت ان الرقة تنقذ
العالم!
•••
قائمة جوائز كانّ هذه السنة فرنكو فرنسية بامتياز.
يكفي النظر الى الأفلام الفائزة لنلاحظ أنها فرنسية الصنع أو التمويل في
غالبيتها
العظمى. فـ"السعفة الذهب"، "العم بونمي"، شاركت فرنسا في انتاجها. مع العلم
ان هذا
المخرج هو احد الذين تدعمهم الصحافة السينمائية الفرنسية منذ بضعة أعوام،
وتعتبره
نابغة، ولا سيما مجلة "لي انروكوبتيبل" و"دفاتر السينما" التي كانت قد خصصت
مقالاً
عن المايكينغ أوف للفيلم في عدد سابق لها. هناك ايضاً فيلمان فرنسيان، هما
"جولة"
لماتيو أمالريك (جائزة الاخراج) و"رجال وآلهة" لكزافييه بوفوا (جائزة لجنة
التحكيم
الكبرى، التي غالباً ما تعكس الهوى الحقيقي للجنة التحكيم). أما جائزة لجنة
التحكيم
فذهبت بدورها الى التشادي محمد صالح هارون، المقيم في فرنسا، والذي في
طبيعة الحال
انجز فيلمه "رجل يصرخ" بأموال فرنسية تشادية. اما جائزة التمثيل فكانت من
نصيب
الفرنسية جولييت بينوش. بيد ان من يقول ان فرنسا كرمت نفسها والتفتت الى
مصالحها في
هذا المهرجان، فقد نسي ربما ان اللجنة مؤلفة من تسعة اعضاء اثنان منهم فقط
هما
فرنسيا الجنسية!
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
27/05/2010 |