يلتقط المخرج الجزائري رشيد بوشارب منعطفاً تاريخياً، نقطة مفصلية غالباً
ما تكون حالكة ويمضي بها إلى ضوء، وليقدم بالتأكيد سرداً سينمائياً محكماً،
ودائماً في نزوع نحو الملحمي والمفصلي، وفق سيناريو لشخصيات من لحم ودم لها
أن تختزل مرحلة بعينها، لن تكون مع جديده «خارج عن القانون» الذي عرض
الأسبوع الماضي، ضمن عروض المسابقة الرسمية من الدورة الـ63 من مهرجان كان،
إلا على تناغم مع ما قدمه في «بلديون» ،2006 لكن بما يتخطاه، بما يدفع
لاعتبار «خارج عن القانون» خطوة إلى الأمام، خطوة تعني الكثير إن كان
صاحبها هو نفسه الذي صنع «بلديون» وتمكن مع كل جماليات ذلك الفيلم من
تجاوزه وتقديم ما يضيف عليه.
يجب التأكيد قبل أي شيء على أن الفيلم كبير، ولعل هذا وصف لائق جداً بفيلم
ملحمي يحكي عن الوطن والثورة والأخوة والحب والتضحية وغيرها من مفاهيم
مشحونة بالمعاني، إنه يجد في جبهة التحرير الجزائرية وما ناضلت من أجله
داخل فرنسا البنية التوثيقية في الفيلم، أو الضوء الجديد المسلط على صفحة
مجهولة من تاريخ النضال الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وهذه المرة من داخل
فرنسا، وكل ذلك في إطار قصة تبدأ من الجزائر، من اللحظة التي تنزع فيها
الأرض من عائلة جزائري سرعان ما تمسي مهجرة، ومن ثم مقتل الأب واعتقال
الابن.
اللحظة التاريخية التي يبدأ منها الفيلم تكون مع إعلان انتهاء الحرب
العالمية الثانية، والمظاهرات التي شهدتها الجزائر مطالبة بالاستقلال،
الأمر الذي سيتحول إلى مجزرة على أيدي المستعمرين، خصوصاً في مدينة صطيف
حيث ستمضي بعد تلك المجزرة خلف مصائر الأخوة الثلاثة للعائلة سابقة الذكر،
حيث الأخ الأصغر سعيد (جمال دبوز) سيذهب وأمه إلى فرنسا، حيث يكون
عبدالقادر (سامي بوجيلا) معتقلاً، أما الأخ الأوسط مسعود (رشدي زم) فيقاتل
مع الجيش الفرنسي في حرب «الهند الصينية».
سنتعرف إلى مدن الصفيح الجزائرية وبداية تشكلها حول العاصمة الفرنسية،
سنعايش كيف يمضي سعيد بعيداً عن السياسية وعينه على النوادي الليلية
والملاكمة، بينما يخرج سعيد من السجن مؤسساً لعمل سياسي وعسكري لجبهة
التحرير الوطني داخل الأراضي الفرنسية، منطلقاً من الصفر حين نعرف أن جبهة
التحرير الوطني لم يكن لها من موطئ قدم لدى المهاجرين الجزائريين وقد كانت
الغالبية المطلقة للحركة الوطنية الجزائرية.
لكن سعيد سيكون ضعيفاً عاجزاً ما لم يكن أخوه مسعود إلى جانبه، ظله الحارس،
المستعد لفعل أي شيء لينجح أخوه في ما يطمح إليه، بما في ذلك قتل كل ما
يعتبره عبدالقادر خائناً، رغم أنه غير مقتنع بذلك.
الفيلم في تصاعد متواصل، الأحداث متدافعة، التنقلات محسوبة، الحوار مأخوذ
تماماً بالخط الفاصل بين الإرهاب والمقاومة، بين الضابط الفرنسي الذي يطارد
عبدالقادر معتبراً إياه إرهابياً، بينما لم يكن هذا الضابط بالأمس إلا
مقاوماً للنازية الألمانية التي كانت تحتل بلده.
الأحداث تكتمل، مصائر الشخصيات وفق مسارها الانساني والنضالي، في الفيلم
احتفالية كبرى بالنضال الجزائري، وهو ينتمي بامتياز إلى الأفلام التي تتكئ
عليها الأوطان في تراثها الانساني، إنه وثيقة سينمائية حاذقة عن وطن اسمه
الجزائر في اشتباكه مع فرنسا.
وطن آخر اسمه العراق سيحضر مع كين لوتش، كارلوس أيضاً بكامل عتاده الذي
ألقى به دون أن يلامس السجادة الحمراء، وهو قابع الآن في سجن يبعد عن «كان»
ست ساعات بالقطار، بينما الفيلم الذي يحمل اسمه «كارلوس» امتد لأكثر من خمس
ساعات في مسرح لوميير وجاء بتوقيع الفرنسي أوليفييه أساياس، العراق مجدداً
مع دوغ ليمان.
قبل أي شيء علينا استقبال فيلم كين لوتش
Irish Route
(ايريش روت) كما تلفظ لأنها تعني مسمى الطريق الأكثر خطورة في العراق بعد
أن أضيف إلى قائمة أفلام المسابقة قبل يوم من افتتاح المهرجان، لا بل إن
دليل المهرجان خلا من وجود أي شيء عن الفيلم، كونه طبع قبل أن تتضح مشاركة
الفيلم من عدمها، أو إن كان لوتش قد انتهى منه أم لم يفعل بعد، وعلى شيء
سيدفعنا بالتأكيد إلى تأجيل حضور فيلم «كارلوس» إلى آخر أيام المهرجان
لتضاربه مع موعد فيلم لوتش، ولأسباب كثيرة أولها أن الفيلم بتوقيع مخرج
كبير مثل لوتش، وفضول قاتل لمعرفة كيف لهذا المخرج اليساري أن يقارب
العراق.
يبدو أن كين لوتش يود أن يقول الكثير في فيلمه، يبدأ بداية صادمة ومتسارعة،
ولتكون الصداقة الكلمة المفتاح في الفيلم، حجر الزاوية التي سيمرر من
خلالها مقولته بخصوص العراق، والتي ستشكل غواية بالنسبة إليه تقوده إلى
التورط في الخروج عن سياق قصة فيلمه، أو تمرير أكثر مما يحتمله الفيلم
خصوصاً عندما يتكئ على المشاهد الوثائقية لصور القتل والدمار التي تدخل
نسيج الفيلم من ذاكرة فيرغاس (دور رائع لمارك وماك).
عين لوتش ليست على الجنود البريطانيين في العراق، وللدقة فإن عين كاتب
سيناريو الفيلم بول لافيرتي ستكون على الشركات الأمنية في العراق أو ما
يعرف بشركات الحرب الخاصة، أو جنود القطاع الخاص، الذين يعودون في توابيت
إلى بريطانيا، دون علم يغطي التوابيت، أو متابعة صحافية، يعودون متى انتهى
عقدهم أو قتلوا.
وحسب الاحصاءات التي يوردها لافيرتي في كتيب الفيلم فإن 164 ألف متعاقد مع
الشركات الأمنية الخاصة يعملون في العراق، مؤكداً أنهم قتلوا أعداداً هائلة
من المدنيين العراقيين دون أن يخضعوا لأي تحقيق أو مساءلة والفضل كل الفضل
لبول بريمر والقانون 17 المتعلق بإبعاد تلك الشركات عن المساءلة والذي بقي
ساري المفعول لأكثر من ست سنوات وليبطل العمل به العام الماضي فقط.
ما تقدم يشكل الخلفية لما شاهدناه في الفيلم، وليبدأ بقالب بوليسي بداية
متعلق بإصرار فيرغاس على معرفة الأسباب الحقيقية وراء مقتل صديقه فرانكي
(جون بيشوب) في العراق، هما الصديقان المتشاركان في كل شيء، بما في ذلك
أيضا ذهابهما إلى العراق، هذا القالب البوليسي في معرفة ما حقيقة ما حدث
لفرانكي والذي يضع ما يتعرض له العراقيون من الشركات الخاصة أمامنا، لكن
الفيلم سرعان ما يتخبط، ويخرج بعد ثلثه الأول عن مساره الذي تبدى مصنوعاً
بدقة، كونه سيدخل في متاهة تقديم أكبر قدر ممكن من أفعال الاحتلال في
العراق، ومن ثم تحويل فيرغاس إلى منتقم لمن كانوا وراء قتله. الاتقان لن
يفارق لوتش بالتأكيد خصوصاً في ما يتعلق باللهجة العراقية التي سنشاهدها
بكل اللهجات العربية إلا العراقية في فيلم دوغ ليمان
Fair Game
(لعبة عادلة)، الفيلم المركب تركيبباً عجيباً، ويعود إلى قضية أسلحة دمار
الشامل، عبر قصة شاهدناها وإن بطريقة مختلفة في فيلم «المنطقة الخضراء»،
ولعل الفيلم الذي تقاسم البطولة فيه كل من شون بين ونعومي واتس يشعرك بأنه
فيلم مرتجل، مركب ومبني على مجموعة من الإدانات للغزو الأميركي للعراق،
وفيه من الأخطاء المكانية والزمانية ما يجعله حاملاً مصنعاً لقضية تطرح
مجدداً دون أن يمتلك الفيلم جديدا بهذا الخصوص، سوى أنه عرض ضمن أفلام
مسابقة «كان» بشفاعة أن يقارب موضوعاً ساخناً كالعراق.
الإمارات اليوم في
25/05/2010
السعفة الذهبية في «كان» إلى «العم بونمي» التايلاندي
كان (فرنسا) ــ أ.ف.ب
خلافاً للتوقعات منحت السعفة الذهبية في الدورة الـ63 لمهرجان كان الدولي
للفيلم أول من أمس، الى المخرج التايلاندي ابيشاتبونغ ويراسيثاكول عن فيلم
«العم بونمي الذي يمكنه تذكر حياته السابقة» فيما حصدت فرنسا ثلاث جوائز.
وقال السينمائي التايلاندي لدى تسلمه جائزته «انها لحظة مهمة لتاريخ
تايلاند والسينما التايلاندية. إنها سابقة».
وأضاف «أريد ان اوجه رسالة الى مواطني الذين يتابعون هذا الحفل وفريق
الفيلم، الأرواح التي احاطت بنا في تايلاند، سمحت لنا بأن نكون هنا الآن».
ويتناول فيلم «العم بونمي» حياة رجل مسن يعاني قصوراً حاداً في الكلى
يتحاور مع شبح زوجته ونجله المتوفيين منذ سنوات في غابة رائعة وخارقة
للطبيعة، حيث تتنقل الأرواح من الإنسان الى النبات والحيوانات.
وحصدت السينما الفرنسية ثلاث جوائز، حيث منحت الجائزة الكبرى للجنة التحكيم
التي رأسها المخرج الاميركي تيم بورتن للمخرج الفرنسي كزافيه بوفوا عن فيلم
«دي زوم اي دي ديو» (رجال وآلهة) المؤثر حول اغتيال الرهبان الفرنسيين في
الجزائر عام .1996
وقال المخرج لدى تسلمه الجائزة «شكراً اخواني لوك وكريستوف واميديه
وسيليستان وميشال وجان بيار وبول وبرونو».
ومنحت جائزة افضل اخراج الى الفرنسي ماتيو امالريك عن فيلم «تورنيه» (جولة)
وهو رابع فيلم طويل له يتتبع فيه فرقة من راقصات التعري. وقال المخرج «اشعر
وكأني عدت الى دياري».
وأوضح «بدأت في سن الـ17 متدرباً وراء الكاميرا. وحولني ارنو ديبليشان الى
ممثل في الـ30». وشكر ممثلات فيلمه ودعاهن الى الصعود الى المنصة. وحازت
الممثلة الفرنسية جولييت بينوش جائزة افضل ممثلة عن دورها في فيلم «نسخة
طبق الأصل» للمخرج الايراني عباس كياروستامي.
وقالت «انه لفرح كبير ولسعادة كبيرة ان اعمل معك يا عباس». وحملت الممثلة
بعد ذلك لافتة كتب عليها اسم المخرج الايراني جعفر بناهي المسجون في طهران،
والذي كان يفترض ان يكون عضواً في لجنة التحكيم.
وقالت بينوش وسط التصفيق الحار «هو معنا بالفكر. وأتمنى ان يكون هنا جسدياً
العام المقبل». ومنحت لجنة التحكيم جائزة افضل ممثل مناصفة الى الممثل
الاسباني خافيير بارديم عن دوره في فيلم «بيوتيفول» والايطالي ايليو
جيرمانو عن دوره في فيلم «لا نوسترا فيدا». وقال بارديم 41 عاماً، لدى
تسلمه الجائزة «هذه الجائزة اعتراف بعملي الذي ما كان ليتحقق من دون الفيلم
الرائع الذي اخرجه اليخاندرو غونزاليس انيارتو». وقال بالانجليزية «إنه
مخرج رائع لا مثيل له في ابراز عمل الممثل».
وانتقل الى اللغة الاسبانية متوجهاً الى الممثلة بنيلوبي كروث الموجودة في
القاعة «اتشارك هذه الفرحة مع رفيقة حياتي حبيبتي بنيلوبي التي احبها
كثيراً وأدين لها بالكثير: اعشقك». اما ايليو جيرمانو 29 عاماً، فأهدى
الفيلم «الى ايطاليا والإيطاليين الذين يبذلون قصارى جهدهم لجعل ايطاليا
بلداً افضل رغم الطبقة الحاكمة».
والممثلان يقومان بدور اب يربي اطفاله بمفرده في مجتمع ينهشه الفساد. وحصل
المخرج التشادي محمد صلاح هارون على جائزة لجنة التحكيم عن فيلم «رجل يصرخ
ليس دباً يرقص». وهو اول فيلم افريقي يشارك في المسابقة الرسمية منذ 13
عاماً. وأوضح المخرج انه اراد عبر هذا الفيلم «اعادة افريقيا الى البشرية».
ومنحت جائزة افضل سيناريو الى فيلم «بويتري» (شعر) للمخرج الكوري الجنوبي
ليشانغ-دونغ. ووضع المخرج العائد الى كان بعد ثلاث سنوات على مشاركته في
فيلم «سيكريت صن شاين»، في الفيلم بورتريه جدة تهرب من عنف العالم عبر
الشعر. اما جائزة الكاميرا الذهبية التي تكافئ اول فيلم لمخرج فكانت من
نصيب «سنة كبيسة» وهو قصة حب سادية-مازوشية للمخرج المكسيكي ميكايل روو عرض
في اسبوعي المخرجين. وضمت لجنة التحكيم الى جانب تيم بورتن ثلاثة ممثلين هم
الأميركي من اصل بورتوريكي بينيثيو ديل تورو والايطالية جوفانا ميتسوجورنو
والبريطانية كايت بكينسايل، فضلاً عن المخرج الاسباني فيكتور اريسيدي،
وفرنسيين هما الكاتب ايمانويل كارير والموسيقي الكسندر ديسبلا. وقد طغى على
مهرجان كان هذه السنة جدل حول فيلم «خارج القانون» للمخرج الفرنسي-الجزائري
رشيد بوشارب حول حرب الجزائر.
الإمارات اليوم في
25/05/2010 |