لم يصرخ بطل الفيلم التشادي الذي يحمل عنوان «صرخة رجل»، لكننا طوال أحداث
الفيلم كنا نستمع إلي صراخه الداخلي الذي تنضح به مشاعره احتجاجاً علي ما
يعانيه.. وأيضاً ما يعانيه الوطن من تمزق.. نسج المخرج التشادي «محمد صالح
هارون» السيناريو بدرجة حرفية عالية، منذ أن نري داخل حمام السباحة رجلاً
وابنه يتسابقان علي من يمكث أكثر تحت الماء حتي ينتهي المشهد والأب يمسك
بجثة ابنه ويلقيها في النهر لأنها كانت الرغبة الأخيرة له، ويتحرك الرجل
بعد ذلك تجاه النهر مع صوت موسيقي أفريقية فولكلورية مليئة بالشجن.
الفيلم يحمل الجنسية التشادية لأن شركة سينمائية وطنية ساهمت في الإنتاج مع
كل من فرنسا وبلجيكا، وهذه تعتبر المشاركة الأفريقية الوحيدة الرسمية
بالمهرجان، كما أن اللغة العربية احتلت مساحة في الحوار بالإضافة إلي اللغة
الفرنسية.. صحيح أن بعض الأفلام، مثل الأمريكي «لعبة عادلة»، سوف تسمح ببعض
جمل حوار باللغة العربية وذلك لأن الأحداث يجري جزء منها في العراق، إلا أن
هذه المرة كانت اللغة العربية قاسماً مشتركاً في الفيلم لأن الحضور
الأفريقي ــ حيث المواطن التشادي ــ بمثابة تعويض عن الغياب العربي..
الفيلم لم يحقق بالتأكيد كل مشاعر الترقب له علي المستوي الفني، إلا أنه
كان مليئاً بالتفاصيل التي شاهدنا فيها انكسار البطل واسمه «آدم» إلا أنه
مشهور باسم «البطل»، فلقد كان بطلاً في السباحة قبل أن يصبح عاملاً في فندق
ومسئولاً أيضاً عن حمام السباحة وألحق ابنه بالعمل معه.. نري الرجل دقيقاً
جداً في تحمل أعباء وظيفية، حيث نجده ينبه ابنه إلي ضرورة مراعاة ارتداء
الزي الأبيض داخل الحمام أثناء العمل.. اللحظة التي يبدأ فيها الانكسار
الأول للبطل هي لحظة هزيمته أمام ابنه، حيث إن الفندق اشتراه رجل صيني وجد
أن العمالة زائدة فقرر تخفيضها، وتخلص من البعض، وكان علي الموظفين في
الفندق الاختيار بين الأب «آدم» ــ 55 عاماً ــ والابن «عبدالله» ــ 20
عاماً ــ فوقع اختيارهم علي الابن لهذه الوظيفة بينما صار «البطل» يعمل
أمام البوابة.. وقدم المخرج أكثر من تفصيلة لتوضيح المأساة التي يعيشها
«آدم»، حيث إن الموظفة سألته عن عمره فأراد اختصار عام واحد ثم تراجع..
وكانت تخرج رغماً عنه نظرات إلي بطنه واكتشف أنها كبرت قليلاً وصارت تمثل
عبئاً فبدأ في تدريبات البطن للتخلص منها.. ملابس الحارس الذي يقف علي باب
الفندق كانت صالحة فقط للحارس السابق الأقل منه طولاً، وظل مجبراً علي
ارتداء هذا الزي بينما جسده يتمرد عليه.. أثناء تناول الغذاء للأسرة «الأب
والابن والزوجة» تلاحظ الزوجة هذا السكون والفتور في العلاقة فلا يعبر
أبداً الزوج عن غضبه فهو بالتأكيد ليس ناقماً علي ابنه، ولكنه حزين علي
نفسه عندما صار مجرد عمالة من الممكن الاستغناء عنها.. وقدم المخرج شخصية
الطباخ في الفندق الذي واجه نفس المأزق وتمت إحالته للمعاش رغم أنه ــ علي
حد قوله في جملة الحوار ــ كان يطهي الأكل بإضافة مشاعره إلي مكونات
المطبخ.. نجد أنفسنا بصدد مؤثر آخر خارجي هذه المرة.. إنها الدولة التي
تعيش حرباً أهلية وكان علي ابنه أن يشارك في الجيش النظامي الذي يحارب ضد
المتمردين.. شعر البطل بعجزه عن الدفاع عن ابنه، حيث كان من الممكن أن يدفع
المال لإنقاذ الابن لكنه لا يملك إلا القليل.. وفي لحظة القبض علي الابن من
قبل القوات العسكرية التشادية لإجباره علي الالتحاق بالجيش نري صرخات
الاستغاثة التي ترسلها زوجته إليه، إلا أنه لا يستطيع حتي الصراخ.. فقط
يتابع الموقف ــ في لقطة بارعة ــ من شباك المنزل.. كان الحل الوحيد لإدارة
الفندق هو أن يعود الأب ليحل محل ابنه في حمام السباحة، لكنه أيضاً يعود
منكسراً ويحاول مساومة الدولة بأن يتطوع هو مكان ابنه في الجيش لكنهم
يرفضون هذه المقايضة.. كنا نترقب موت الابن منذ أن شاهدناه في اللقطات
الأولي وهو يمسك بالكاميرا الفوتوغرافية ويصور كل شيء، وفي كل لحظة تمر
يحاول تثبيتها حتي لا تهرب منه تفصيلة أشعرتني بأن المخرج منحها لشخصية ابن
البطل لتصبح بمثابة إرهاصة لدينا بأنه سوف يرحل لتتبقي منه هذه الصور التي
اختلسها من الحياة.. عندما يعلم بطل الفيلم «آدم» بأن ابنه مصاب ويخبر
صديقة ابنه بتلك الحقيقة تحاول أن تصرخ إلا أنه يمنعها ويضع يده علي فمها
فيكاد يخنقها.. ويسعي لتهريب ابنه خارج معسكر الجيش بعد أصيب بجراح بالغة
فيطلب منه الابن أن يحقق أمنيته بالسباحة في النهر، فيلقيه في النهر ويغوص
في الماء بقدميه ذاهباً إليه.. لكنه أبداً لا يصرخ وتتبعه الكاميرا لنري
لقطة نستمع فيها إلي تلك الموسيقي الهامسة وهي تملأنا إحساساً بالشجن
النبيل!.
> > >
وكعادته يأتي «وودي آلان» بفيلمه الكوميدي «سوف تلتقي مع رجل غريب طويل
وأسمر».. عُرض الفيلم خارج المسابقة مثلما حدث أيضاً في الدورة الماضية،
وعُرض فيلمه «فيكي وكريستينا في برشلونة» والذي حققت من خلال «بينلوبي كروز»
جائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة.. يقدم المخرج «وودي آلان» العلاقات
الزوجية التي تدخل فيها الخيانة كطرف مؤثر.. كل الشخصيات في الفيلم مع
التنويعات العمرية المختلفة تنتظر أن يأتي إليها القادم الغريب الغامض الذي
يحرك بداخلها رغبات قديمة مستترة تحمل بذور التمرد الكامن والرافض في نفس
الوقت لاستمرار الحياة بنفس الروتين.. يدافع «وودي آلان» عن حق الخيانة
لأنه يراها أخف وطأة من العيش في سلام عائلي كاذب!!.
الدستور المصرية في
16/05/2010
ابتسامة «إنجليكا» تقهر الموت
يعتقد البعض أن إعادة فيلم قديم برؤية جديدة في إطار واقع مختلف يعد
إفلاساً فنياً وأن الغرض الحقيقي لمثل هذه الأعمال الفنية هو تحقيق ربح
تجاري وهي لا تتجاوز أبداً الإطار الذي صنعه الفيلم الأول، والحقيقة هي أن
الإبداع قائم في عمقه علي زوايا الرؤية المغايرة للسائد في الأفكار
المطروحة دائماً علي مشاعرنا وإذا كانت إعادة تقديم الأعمال الفنية القديمة
مرتبطة سينمائياً بتلك الأفكار التي تستند إلي سينما الخيال العلمي، حيث
الكائنات الخرافية والغزو الفضائي وتقديم الزمن القادم في ظل صناعة صارت
توفر عن طريق الكمبيوتر جرافيك والأبعاد الثلاثية رحابة سينمائية لم تكن
متوفرة من قبل إلا أن المشاعر في إطار واقع اجتماعي مختلف من الممكن أن
تسمح للسينمائي بأن ينزل نفس التجربة.
يمثل كوريا الجنوبية فيلم «الخادمة» للمخرج «آي إم سنج سو»، وهذا الفيلم
إعادة برؤية عصرية لفيلم قديم حمل نفس الاسم وتولت مؤسسة «مارتن سكورسيزي»
المخرج العالمي الشهير مسئولية ترميمه قبل نحو عامين وعرض في المهرجان في
هذا الإطار التراثي علي اعتبار أنه واحد من كلاسيكيات السينما العالمية..
الفيلم الجديد قدم بعد 50 عاماً من خلال قصة ميلودرامية ولكنها تحمل إدانة
أخلاقية لطبقة المجتمع الراقي في كوريا، حيث يبدأ الفيلم بمشهد لفتاة تنتحر
في هذه المدينة الصاخبة «سول» ولا يدري أحد سر انتحارها بل إن الحياة يبدو
وكأنها أيضاً لا تتوقف كثيراً أمام هذا الانتحار والذي نراه فقط من خلال
رسم علي الشارع يوضح موقع حادث الانتحار.. الفيلم يترك كل الإجابات مفتوحة
لماذا انتحرت هذه الفتاة؟! وينطلق بعد ذلك مباشرة إلي بطلة الفيلم «جوت
دويون» التي تعمل خادمة في منزل أحد الأثرياء دورها رعاية طفلة أصحاب
المنزل ورعاية أيضاً الزوجة الحامل في شهورها الأخيرة.. الخادمة تعيش
الإحباط لعدم قدرتها علي الإنجاب ولهذا تم طلاقها ويبدأ صاحب البيت في
إقامة علاقة جنسية معها وتستجيب له وتحدث المعجزة لتصبح حاملاً في أسابيعها
الأولي.. وتبدأ المساومات من أجل التخلص من الجنين ولكن قبل ذلك نري مؤامرة
للتخلص من الخادمة بالقتل وينتهي الفيلم بانتحار البطلة داخل هذا القصر بعد
أن ربطت عنقها بالثريا العملاقة في أعلي السقف ثم احتراقها، وكان الفيلم
يجيب عن السؤال المفتوح الذي رأيناه في بداية أحداث الفيلم لماذا انتحرت
تلك الفتاة الفقيرة؟! ليحمل إدانة للطبقة التي تريد أن تشتري كل شيء
بالمال.. وبعد أن نري الدمار والحريق تغادر الأسرة هذا القصر.. يقدم المخرج
رؤية خيالية للأسرة مع الخادمة وكأنها صورة نسجتها ابنة هذه الأسرة التي
تعلقت بهذه الخادمة وتعاطفت معها وكانت شاهدة إثبات علي كل المحاولات
السابقة للتخلص منها.. ويبقي لنا الحديث عن الكثير من الأفلام منها فيلم
المخرج «مانويل أوليفيرا» البرتغالي والذي يحمل «102» عام علي كاهله ولكنه
يتحرك بكل شباب وحيوية في جنبات المهرجان.. ويقدم أيضاً فيلماً رائعاً
«الحالة الغريبة» لإنجليكا.
يقدم «مانويل» مفردات صارت كثيراً ما تتكرر في أفلامه وهي العلاقة مع الموت
وأيضاً لأنه كاتب السيناريو والحوار لمعظم أفلامه فهو يضيف لمحات فلسفية
تتجاوز الواقع لتحمل أفكاره هو.. الموت لا يعبر عنه المخرج برهبة أو خوف
ولكن ببساطة شديدة يري أن الحياة لقطات ومن الممكن تثبيت اللقطة الأخيرة
وبالتالي يتجاوز الإنسان الموت.. بطل الفيلم مصور فوتوغرافي يهودي الديانة
واختيار الدين هنا لا يشكل قيمة درامية استند إليها ولكنه مجرد رسم لملامح
البطل.. «الحالة الغريبة» عنوان الفيلم هي أنه مطلوب منه تصوير فتاة في ثوب
الفرح غادرت الحياة.. الأم تريد منه أن يختار زوايا لتصويرها داخل النعش
بعد أن ارتدت ملابس العُرس.
في إحدي اللقطات يحرص «مانويل أوليفيرا» علي أن نري العروس من خلال عدسة
المصور ويتصور للوهلة الأولي مثل البطلة أنها لا تزال علي قيد الحياة فهي
تبتسم له وعلي الفور تأتي اللقطة التالية وهو يتابع نظرات المجتمعين حول
النعش منتظراً أن يشاركوه نفس الإحساس ولكن لا أحد رأي ذلك.. منذ تلك
اللحظة يعيش البطل مع تلك الفتاة «إنجليكا» ليست باعتبارها كابوساً يؤرقه
ولكنه يعيش معها أحلاماً باللقاء.. يخرج بالكاميرا بعد ذلك إلي الفلاحين
ويقدم أغانيهم ويلتقط صورهم وتجتمع هذه الصور في غرفته بالفندق وبين الحين
والآخر تستحوذ عليه «إنجليكا» ويطير معها لأعلي ويسبحان في الفضاء ثم يصحو
من الحلم.. حتي تأتي اللقطة الأخيرة عندما يفتحون عليه باب الحجرة ويعثرون
علي جثته بعد أن طارت روحه لأعلي مع «إنجليكا».. عندما سألوا المخرج عن
علاقته الشخصية بالموت وعلاقة الموت أيضاً في أفلامه قال لهم إنه أحد طقوس
الحياة ولهذا أتعامل معه ببساطة.. وتلك البساطة التي أشار إليها المخرج
رأيناها في التعبير المباشر عن الموت بالظلام، حيث إن الحجرة أغلقت علي
المصور لينتشر الظلام ولكن يتبقي في الذاكرة تلك الابتسامة الساحرة للبطلة
«إنجليكا» وهي التي انتصرت علي الموت.
الدستور المصرية في
15/05/2010
6 أبريل الإيطالي صار عنواناً للغضب
وجهت المخرجة الإيطالية «سابينا جوزانتي» ضربة قاسية ضد «بيرلسكوني» ـ رئيس
الوزراء الإيطالي ـ من خلال فيلمها «دراكولا» مستندة إلي وعوده الزائفة بعد
زلزال 6 أبريل في مدينة «لاكيلا» الإيطالية والذي راح ضحيته 300 إنسان،
بالإضافة إلي تحطيم أعمال فنية ارتبطت بهذه المدينة التاريخية التي أسسها
«فريدريك الثاني» في القرن الثالث عشر الميلادي.. أدانت المخرجة المعارضة
وليس فقط الحكومة لتواطؤها في دعم الفساد ولو بالصمت تجاه ممارسات الحكومة
ورئيس الوزراء تحديداً.. حرصت المخرجة «سابينا» علي أن تغلف الفيلم بروح
الدعابة، وذلك علي طريقة أفلام «مايكل مور» المخرج الأمريكي الشهير الحاصل
علي سعفة مهرجان «كان» بفيلمه «11/9 فهرنهايت» قبل نحو 5 سنوات من
المهرجان.. فهي تلتقط عدداً من اللقطات التسجيلية من الأرشيف وتضيف إليها
التعليق المناسب الذي يؤكد ـ ليس فقط ـ أن «بيرلسكوني» لم يكن أميناً في
وعوده لمواجهة كارثة الزلزال المدمر، ولكنه مارس الفساد في الكثير من أوجه
الحياة في إيطاليا.. أدركت «سابينا» أن الدولة تتحرك وفقاً للمصالح
المتبادلة بين الحاكم ومعارضيه، وهكذا أدانت المعارضة لأنها أتاحت لدولة
الفساد أن تنمو وتتحكم وتبيع الوهم للمواطنين.
لم تتوقف الكاميرا عن الانتقال دائماً إلي موقع الحدث، المخرجة ركزت علي
فساد محاولات الإصلاح، وأن اللجان التي شكلتها الحكومة باسم «حماية
المواطن» هي التي أفسدت المدينة وتلاعبت في ميزانيات الإصلاح.. كشفت
«سابينا» موقف الإعلام في التغطية علي الحدث، والمعروف أن «بيرلسكوني»
يمتلك من بين مشروعاته العديدة في إيطاليا «ميديا إعلامية» تابعة له، والتي
بدلاً من تغطية الأحداث فإنها تغطي علي الفساد.. خفة ظل المخرجة فرضت نفسها
علي روح الفيلم برغم مأساويته، حيث يعرض علي هامش المهرجان في القسم الرسمي
ولكن بعيداً عن التسابق.. المخرجة لا تنكر كراهيتها لرئيس الوزراء
الإيطالي، فهي من خلال الرسوم المتحركة تضعه دائماً مع كبار الديكتاتوريين
في العالم، ورغم انتفاء الحيادية في التعامل مع «بيرلسكوني» فإن الواقع
الذي تتناوله يشكل أكبر دليل علي أنها لم تتجن علي رئيس الوزراء، وأن تعبير
«دراكولا» لم يكن مقصوداً به قوة الزلزال، ولكن «بيرلسكوني» شخصياً.. ويبقي
أن نذكر أن هذا الفيلم عُرض في إيطاليا في حوالي 100 دار عرض ولكن حفاوة
مهرجان «كان» بالفيلم منحته ـ ولاشك ـ دائرة مشاهدة عالمية.. واستحقت
المخرجة بين الحين والآخر أن تقتنص تعاطف الجمهور معها سواء بالتصفيق أو
الضحك علي ردود أفعال «بيرلسكوني» الشخصية لمواجهة الأزمة سواء بالكذب في
الأداء أو بالوعود الزائفة.. ومن المشاهد التي حرصت المخرجة علي إبرازها
تقبيل «بيرلسكوني» ليد «معمر القذافي» الرئيس الليبي في أحد الاجتماعات، أو
«بيرلسكوني» وهو يتحدث في التليفون المحمول بينما تنتظره المستشارة
الألمانية «ميركل» أن ينهي الحوار وهو مستمر في استكمال تلك المكالمة
الشخصية، وأضافت المخرجة أيضاً رسوماً متحركة لفضح علاقاته النسائية
وفضائحه في هذا الشأن، وكالعادة استندت إلي لمحات منتقاة من العديد من
المواقف والخطب التي توضح شغفه فقط بالنساء، بينما الدمار لا يزال يحيط
بالمدينة ليصبح لدي الإيطاليين 6 أبريل 2009 آخر بعد إضراب 6 أبريل المصري
2008 بعام واحد.. ولكن في إيطاليا استطاعوا صناعة فيلم يواجه ويتحدي وسمحت
الدولة بعرضه رغم إعلانها الاحتجاج.. فهل فكر أحد السينمائيين في بلادي في
أن يقدم 6 أبريل المصري؟.. ولو فكر هل تتسامح معه الدولة؟!
الدستور المصرية في
14/05/2010
«روبن هود».. بدايات مخيبة للآمال
البدايات لا تشي بالنهايات والمقدمات لا تحدد النتائج.. هذه هي قناعتي في
عالم المهرجانات علي عكس- بالطبع- ما يجري عادة في قانون الحياة لأن
البداية هي بالضبط التي ترسم طريق النهاية المحتوم لكن للسينما رأياً آخر.
شاهدت فيلم الافتتاح «روبن هود» للمخرج ريدلي سكوت وبطولة راسل كرو وكيت
بلانشيت وبعد ذلك شاهدت أول أفلام المسابقة الرسمية في المهرجان «جولة»
للمخرج الفرنسي ماثيو أمارليك الذي شارك في كتابة السيناريو ولعب بطولة
الفيلم ومع الأسف سواء فيلم الافتتاح أو أول الأفلام فإن الحصيلة أكدت أن
المتوقع كان أقل بكثير من الواقع ولم يكن هذا هو رأيي أنا فقط ولكن ردود
الفعل التي أعقبت العرض ساهمت في تأكيد ذلك.. فيلم «روبن هود» قوبل بصمت من
الجمهور.. في عرض النقاد والصحفيين لم نستمع إلي صوت استهجان ولكن صمت رهيب
وكان الجمهور قد وقف في مرحلة متوسطة لا يستطيع التصفيق ولا يستطيع أيضاً
التصفير. أما في الثاني فإن الجمهور ضحك استهجاناً وأغلب الحضور كانوا من
الفرنسيين أو الفرانكوفيين أي ناطقي الفرنسية.. «روبن هود» في الذاكرة
العالمية هو لص الفقراء الشرفاء الرجل الوسيم ابن البلد الفهلوي بالمعني
المصري الذي يأخذ أموال الأثرياء ليمنحها للفقراء فهو حبيب الشعب لأنه يطبق
القانون الخاص الذي يوفر الحماية للأغلبية حتي ولو اخترق قانون الدولة
ولهذا وقع في حب العامة لأنه يتولي بالنيابة عنهم تحقيق العدالة
الاجتماعية.. المخرج ريدلي سكوت استعان برؤية جديدة للسيناريو تمنح بُعداً
سياسياً للأحداث، حيث استعان بالكاتب فراين هيجلان لتقديم وجهة النظر
المختلفة لتلك الرواية التي صاغها إيثان ريف وسيراس فوريس.. يؤدي الدور
الرئيسي بالطبع راسل كرو النجم المفضل لريدلي سكوت، واعتمد المخرج علي
ملامحه التي تجمع ما بين القوة والصرامة وأيضاًِ القدرة علي زرع التعاطف
لدي الجمهور وهو يتابع علاقة «كرو» مع كيت بلانشيت.. قام ريدلي سكوت بتغيير
وصل إلي درجة تزييف روبن هود الذي يحتل جزءاً من الذاكرة الجماعية للشعوب
وليس فقط بالطبع الإنجليزي، ولكن ظهر لروبن هود عشرات من الشخصيات بمثابة
تفريعات علي نفس التيمة وكأنه وجه آخر لجحا الذي تسند له كل دولة عشرات بل
مئات من النكت ولم يذكر التاريخ أبداً أن هناك جحا قد ظهر علي الأرض من قبل
وهكذا شاهدنا لدينا تلك الشخصية التي جمعت في بعضها ملامح أدهم الشرقاوي..
روبن هود يحاول في هذا الفيلم أن يقف وراء «الملك ريتشارد» بعد مقتله وذلك
من أجل وريثه بينما البارونات الإنجليز- حيث تجري الأحداث في القرن الثاني
عشر- يعلنون الثورة ضد هذا الوريث ويصبح علي الحاكم أن يواجه ثورتين واحدة
داخلية والثانية جاءت من الجارة الفرنسية التي أيضاً لم تعترف بالملك
الجديد.. خفت في هذه الأحداث الإحساس بخفة الظل التي كانت هي الطابع المميز
لكل المعالجات السابقة وكانت تجعلنا نغفر للبطل كل أخطائه لأن أبطالنا
أيضاً يشاركون في نجاحهم وفي توزيع الغنائم علينا وليس فقط عليهم.. وضح من
خلال السياق السينمائي في تلك الهارمونية التي جمعت بين راسل وكيت بلانشيت
قدر من الكيميائية اتضحت بقوة علي الشاشة وأسفرت بالتأكيد عن تحقيق
المصداقية للنجمين.. المخرج كان يضفي علي الفيلم طابعاً تاريخياً من خلال
ثراء الملابس، وأقصد بهذا التعبير الفخامة وعلي الجانب الآخر كان يخفت هذا
الحس الجماهيري الشعبي بسبب تلك الأجواء السياسية التي اتكأ عليها ريدلي
سكوت.. وتبقي في الذاكرة صورة روبن هود والتي لن تستطيع أن تمحوها أعمال
فنية حاولت الخروج عن الإطار التاريخي والمعني الفكري الذي يعتبر الخروج عن
القانون هو أول الطريق للدخول إلي قلوب الناس.. ونترقب عرض أكثر من فيلم
يثير حالياً ضجة في العالم وخاصة إيطاليا وهو فيلم «دراكولا» والمقصود بهذا
الاسم هو بيرلسكوني- رئيس الوزراء الإيطالي- والذي أعلن غضبه من المهرجان
ولكن الفيلم الذي أخرجته الإيطالية تسابينا جورانتي أخذ طريقه للعرض، وأنت
تقرأ هذه السطور سيكون بالفعل قد تم عرضه. كما أن المخرج الإيطالي الشهير
ماركو بيلوشي سيلقي محاضرة عن السينما والتي يصفها قائلاً: إنك عندما تشاهد
السينما يبقي أن تترك نفسك تتعايش كاملاً علي الشاشة وكأنك تعيش في حالة
حب.. ويضيف: لا ينبغي للمخرج أن يشرح كل شيء والجزء الثاني الذي لم يذكره
ماركو هو أنك كمتفرج تضيف الكثير للفيلم.. وحتي الآن في بداية القطفة
الأولي لأفلام المهرجان لم نعثر علي شيء من هذا القبيل ولم نصدق شيئاً وفي
انتظار الغد.
الدستور المصرية في
13/05/2010 |