مخيف كم الاستنتاجات التي بدأت تحلّق في سماء الدورة الثالثة والستين من
مهرجان «كان» السينمائي الدولي قبل أيام من انعقاده. من القائل بأن الدورة
ستكون عاصفة، إلى من ذكر أن «كان» قرر أن يرتاح من الهم السياسي هذه السنة،
وإلى من حدّد، عمليا، الفيلم الذي يراه أهلا للفوز، علما بأن أحدا لم يشاهد
أيا من الأفلام المشاركة في المسابقة أو خارجها، إلا لجان الاختيار التي
انشغلت طوال الأشهر الأربعة الماضية في عمليات الانتقاء.
خذ مثلا فيلم رشيد بوشارب «خارج القانون» الذي يتعامل مع العلاقة الفرنسية
- الجزائرية، أو فيلم أوليفييه أساياس «كارلوس- السماء السوداء» وفيلم جان-
لوك غودار وصحبه (يشترك عدد في إخراج فقراته) وعنوانه «اشتراكية - فيلم»،
تجد السياسة في صلبها بمجرد قراءة نصوص ملخّصاتها، وهذا فقط من بين ما
توفّره السينما الفرنسية في أقسام المهرجان الرئيسية. فإذا أضفت «لعبة
عادلة» للأميركي دوغ ليمَن و«وول ستريت 2» لأوليفر ستون و«أورورا» لكيستي
بويو (رومانيا) أو «السيرة الذاتية لنيكولاي شاوشيسكو» لأندريه أوجيكا
(رومانيا أيضا) لوجدت أن السياسة داخلة، كالعادة، في صلب عدد من الأفلام لا
بأس به، كلٌ على طريقته وبمنهجه. فلا أحد يتوقّع أن يتوقّف فيلم أوليفر
ستون عن الحديث في الوضع الاقتصادي الراهن لأميركا في فيلمه «وول ستريت 2»
ليبحث في قضيّة الحرب في العراق أو في أفغانستان، ولو أن «لعبة عادلة» يدور
على خلفية الحرب العراقية والعلاقة الأميركية مع شعوب المنطقة العربية.
إنها باقة لا نعرف عنها شيئا حتى ولو عدنا إلى بعض الأسطر هنا وهناك
المتوفّرة على مواقع الإنترنت. كيف يمكن للمرء أن يحكم على فيلم البريطاني
مايك لي الجديد «عام آخر» من خلال قراءة بعض الأسطر عنه؟ أو فيلم الياباني
تاكيشي كيتانو «انتهاك»؟ أو الفيلم الإسباني - المكسيكي «بيوتيفول»
لأليخاندرو غونزاليز إياريتو؟ أو سواه.
جل ما يمكن فعليا التمعّن فيه وطرحه قبل بدء المهرجان طرح أفلامه أمام
أعيننا في الثاني عشر من هذا الشهر، هو حصيلة المتابعة العامّة المتاحة إلى
الآن، وبجانبها وضع مهرجان لم يعد من الممكن له إلا أن يحاول دوما قيادة
باقي المهرجانات الألفين وزيادة التي تُقام حول العالم صغيرة وكبيرة. لكن
هذه القيادة مكلفة ماديا ومعنويا. مرهقة كعمل دؤوب، والشيء الوحيد الذي
يمنحها بعض السهولة هو التاريخ. تاريخ المهرجان الناجح والثابت الذي يجعل
العدد الأكبر من المخرجين المؤسَسين وأولئك الجدد الطموحين على حد سواء
يندفعون لإرسال أفلامهم إليه بغية الاشتراك فيه.
* تاريخ وجغرافيا
* مهرجان كان هو في واقعه الجغرافي رقعة لا تزيد طولا على كيلومتر واحد
وعرضا على هكتار ونصف، يحتشد فيه نحو خمسة آلاف سينمائي وإعلامي لاثني عشر
يوما. الاحتلال يبدأ قبل بدء المهرجان بأيام قليلة. الإعلانات تراها على
كورنيش الكورت دي زور أولا مسنودة إلى جذوع الشجر ثم، وقبل نهاية النهار،
وقد اعتلت المباني الرئيسية معلنة عن بضائع شتّى. بعض هذه البضائع معروض في
المسابقة أو جوارها من اختيارات وتظاهرات رسمية، والبعض في السوق الذي يدق
طبوله باكرا ويلملم أغراضه باكرا أيضا إذ يرحل معظم من يجيء لأجله قبل
نهاية المهرجان ذاته بيومين.
كون الرقعة ضيّقة، والفنادق الرئيسية مصفوفة على خط واحد، فإن المرء ليس
بحاجة لتطبيق المثل الياباني الذي يقول «أجلس على ضفّة النهر وستمر بك جثّة
طافية في وقت ما».
الحقيقة هي أنه إذا ما جلس المرء في أحد المقاهي لكي يحرق الوقت والمال
لنصف ساعة، فإن عشرات السينمائيين لا بد لهم أن يمروا من أمامه. أهمية ذلك
تتفاوت حسب المهن. حتى الآن، هناك من يتكبّد التكاليف الباهظة لحضور «كان»
والجلوس في مقاهيها ومطاعمها الساحلية لأجل أن يبيع سيناريو أو يجد منتجا
لتمويل سيناريو كتبه أو كتبه سواه ويريد هو إخراجه. أضف إلى هؤلاء، كل ذلك
الرهط من الذين لديهم أفلام منجزة يريدون بيعها. السوق الحقيقية للفيلم لا
تكمن فقط في تلك المكاتب المُستأجرة والصالات التي تعرض مئات الأفلام خارج
الإطار الرسمي ولا في الخيَم المرصوصة في «القرية» التي تفصل بين قصر
المهرجان والبحر، بل أيضا بكبار المستثمرين الجالسين في مقاهي الكارلتون
والماجستيك أو في يخوتهم يبرمون العقود باتصالات هاتفية وإيميلات.
شيء كهذا لا يحدث في أي مهرجان آخر بما في ذلك المهرجانات الرئيسية التي
فيها سوق للمهرجان خصوصا أنه إلى جانب الجغرافيا هناك الفترة الزمنية التي
يُقام المهرجان خلالها والتي حتى في تلك السنوات الغابرة التي أمطرت فيها
السماء فوق رؤوس الوافدين، كانت دائما ما تدفع البعض لحياة اجتماعية موازية
قوامها طاولات الغذاء الممتزجة بوجبات «البيزنس» نهارا والحفلات الساهرة
ليلا.
إنه من المثير جدّا كيف أن رهطا كبيرا من المهن غير السينمائية تعتاش أيضا
على هذا النجاح. من رجال الأمن الخاص، إلى «الباونسرز» (مخلوقات كبيرة
الحجم والعضلات تدقق في بطاقات الدعوة للحفلات وتستطيع أن ترمي من لا يحمل
دعوته في البحر) إلى شركات تأجير السيارات، ناهيك عن وكالات العقارات
وموزعي الأطعمة والمشروبات التي يرتفع منسوبها في مثل هذه الأيام أضعافا
عما تشهد المدينة في فصل كامل.
لكن البعض يخلط بين العمل والترفيه وأحيانا ما يجد أن قدومه إلى المهرجان
لم يثمر عن بيع مشروع أو التعاقد على آخر فيعمد حينها إلى الترفيه ويشرب
لكي ينسى.
* مفارقة إنجليزية
* في صورة أخرى أقرب إلى المهرجان كنتاج ثقافة وحصيلة فن وتاريخ، فإن
مسابقة هذه الدورة تُعاني من ظواهر دائمة الوجود في معظم الدورات. بعض هذه
الظواهر محدد بالوجود الأميركي والوجود الفرنسي. في المسابقة هذا العام
فيلم أميركي واحد هو ذاك الذي أخرجه دوغ ليمَن.
الفيلم هو تشويق على خلفية سياسية، كما كانت أفلام السبعينات من هذا النوع،
مقتبس عن كتاب لفاليري بلام ولسون التي كانت كشفت اللثام عن زوجها عميل
«سي.آي.إيه» بعدما كان اتهم إدارة بوش بأنها مارست هيمنة على وكالة
المخابرات الأميركية بدافع توجيه اتهام حيازة أسلحة دمار شامل إلى الرئيس
العراقي الراحل صدّام حسين.
ناوومي ووتس في الدور الأول مناصفة مع شون بن وهذا في ثالث لقاء عمل
يجمعهما. الأول كان «21 غرام» سنة 2003 والثاني «اغتيال ريتشارد نيكسون»
سنة 2004. أما دوغ ليمَن فهو مخرج ومنتج شاهدنا له سابقا «مستر ومسز سميث»
(مع براد بت وأنجلينا جولي) و«هوية بورن» - الجزء الأول من السلسلة
الجاسوسية التي قام مات دايمون ببطولتها.
فيلم «21 غرام» بدوره كان من إخراج إليخاندرو غونزالز إياريتو الذي لديه
فيلم في المسابقة من إنتاج إسباني مكسيكي مشترك اسمه «بيوتيفول» (والكلمة
مكتوبة إنجليزيا خطأ عن قصد) من بطولة خافيير باردم وفيليكس كوبيرو مع
مارتينا غارسيا. ليس هناك الكثير مما هو معروف عن هذا الفيلم باستثناء أنه
يدور حول رجل بعلاقات ومهام مشبوهة خارجة عن القانون يلتقي بصديق طفولة
ويجد أن صديقه هذا أصبح رجل بوليس. يسحب المخرج من هنا ما يريده من صفحات
على جانبي المجتمع داخل وخارج القانون.
إياريتو اشترك في كان سنة 2006 حين قدّم فيلمه النيّر «بابل» وهي السنة
ذاتها التي قدّم فيها رشيد بوشارب فيلمه السابق «البلديون». حينها ذهبت
الجائزة إلى كن لوتش عن فيلمه «الريح التي هزّت الشعير». هذا العام كل من
إياريتو وبوشارب موجودان معا في المنافسة لكن لوتش غائب. عوضا عنه هناك
زميله الذي لا يقل موهبة عنه مايك لي الذي لديه فيلم آخر من نوعيات أعماله
التي تسبر، بواقعية إنجليزية حميمة، حياة وشخصيات الحياة الاجتماعية اليوم.
الفيلم هو «عام آخر»، وهناك من يتوقّع أن يتكرر الحدث ذاته في هذه السنة
فيفوز البريطاني، الذي سبق له وشارك أكثر من مرّة بدوره، حارما كل من
إياريتو بوشارب الفوز بالجائزة الأولى. لكن هذه توقّعات ليس إلا. فيلم مايك
لي يعالج حكاية زوجين سعيدين وصلا إلى منتصف العمر واعتادا على أن يرصدا
متاعب الآخرين، ويتبرعان لحلّها، لكن حين يشعران بأن زواجهما على المحك
يخفقان، ربما لبعض الفيلم على الأقل، في إيجاد حل لمأزقهما.
لي البالغ من العمر 67 سنة حاليا لا يلتزم بالسيناريو بل يؤمن بجدوى
التجويد والتحديث خلال التصوير وهو نال سعفة كان سنة 1996 عن فيلمه «أسرار
وأكاذيب» ثم اشترك، ولم يفز، سنة 2002 عن فيلمه «كل شيء أو لا شيء».
* من حرب إلى حرب
* خارج المسابقة هناك فيلم بريطاني آخر من سينمائي له أيضا باع طويل في
العمل كما في الاشتراك في مسابقات «كان» هو ستيفن فريرز الذي يقدم هذا
العام فيلما بعنوان «تامارا درو» من بطولة جيما أرترتون. هذه المرّة المخرج
الإنجليزي البارع يستلهم شخصية من الكوميكس البريطاني تنشرها صحيفة
«الغارديان» أسبوعيا بذلك الاسم تنتمي إلى عملية تحديث لرواية توماس هاردي
«بعيدا عن الحشد المجنون» التي تحوّلت إلى السينما أكثر من مرّة بدءا بفيلم
صامت قصير سنة 1915 ومرورا بنسخة الراحل جون شليسنجر سنة 1967 التي قامت
ببطولتها جولي كريستي.
أما بالنسبة لرشيد بوشارب فقد فصل بين «البلديون» وفيلمه الحالي «خارج
القانون» بفيلم «نهر لندن» الذي عرضه في برلين العام الماضي من دون نتيجة
حاسمة. بطل ذلك الفيلم سيتوغوي كوياتي مات قبل أقل من شهر ورثاه المخرج
بوشارب، عن 37 سنة و37 دورا سينمائيا.
فيلم بوشارب الجديد على صلة بفيلمه الأسبق «البلديون» من حيث أن ذاك كان عن
تضحية الجنود ذوي الأصول المغاربية في الحرب العالمية الثانية ومساهمتهم في
تحرير الجزائر. الفيلم الجديد ينتقل إلى حرب التحرير الجزائرية، ويركّز على
أحداث تمتد من عام 1945 إلى عام 1962 تجمع في ثناياها حكاية ثلاثة أشقّاء
هم جمال دبّوس ورشدي زم وسامي بوعجيلة الذين كانوا، وغيرهم في هذا الفيلم،
ظهروا في الفيلم السابق أيضا.
* نسخة مصدقة
* أيضا عن الحرب والمتاهات الإنسانية فيلم الروسي نيكيتا ميخالكوف «حرقته
الشمس- 2».
اشترك نيكيتا ميخالكوف في مهرجان «كان» أكثر من مرّة ومنها المرة التي عرض
فيها فيلمه الرومانسي المضاد للحقبة الستالينية «حرقته الشمس» سنة 1994. إذ
يعود إلى المهرجان نفسه هذا العام بجزء ثان هذا العام، نجده يحل غير مرتاح
وسط أترابه. فالفيلم هو الوحيد بين تلك المشتركة الذي أخذت ردود الفعل
النقدية تسبقه إلى المهرجان، ومؤدّاها أن الفيلم غير جدير بالعرض في
المسابقة - هذا إذا ما صدّقنا النقاد الروس الذين شاهدوا الفيلم وكتبوا
عنه.
تكلّف الفيلم 65 مليون دولار، وبذلك هو أغلى فيلم تم إنتاجه في تاريخ روسيا
علما بأن تمويله الغالب روسي مع مشاركة فرنسية وألمانية محسوبة. وهو فيلم
عن الحرب العالمية الثانية ومواجهة الجنود الروس للجحافل الألمانية في
معارك طاحنة. والواضح أن المخرج، الذي تربطه بالكرملين صداقة وطيدة، سعى
لأن يكون الفيلم جاهزا للاحتفال بالمناسبة السادسة والخمسين لانتصار الروس
على الألمان خلال تلك الحرب التي سقط فيها عشرات الملايين.
هذا المسعى ربما كان محمودا في زمن مضى، فموضوع الفيلم عولج مرارا وتكرارا
في السنوات التي تلت نهاية تلك الحرب. المشكلة هنا ليست في التكرار، بل في
أن تلك الأفلام كلّفت أقل، ويبدو، أنها كانت أفضل بكثير من نسخة ميخالكوف
المكلفة.
الناقد الروسي يوري غلاديشيكوف كتب يقول إن المشاهدين الذين عاصروا الفترة
أكّدوا أن الحرب لم تقع على الشكل الذي يقدّمه ميخالكوف. في حين أرجع
الناقد أوليغ زولوتاريف السبب إلى أن الجمهور بات يعتبر المخرج ميخالكوف
بيروقراطيا ينتمي إلى الحكومة أكثر مما يعتبره مخرجا سينمائيا.
إلى ذلك، فإن هيمنة الروح الإصلاحية الدينية الأرثوذوكسية للمخرج تتبدّى
على الفيلم بكامله. هذا في الوقت الذي كان فيه الدين محرّما عمليا والحوافز
للحرب كانت وطنية أكثر من أي شيء آخر.
الناقد سيرغي راكين، قال لنا إن النسخة التي سيتم عرضها في مهرجان «كان»
ليست هي ذاتها النسخة المعروضة في صالات موسكو والمدن الروسية. النسخة
الروسية يبلغ طولها ثلاث ساعات، بينما نسخة كان تزيد على الساعتين بقليل.
ومع أن رئيس الوزراء الروسي بوتين حضر التصوير مرّة على الأقل، وباركه في
بعض تصريحاته متحدّثا عن أنه يتوقّع فيلما يشابه تلك الملاحم التي اشتهرت
السينما الروسية بإنتاجها سابقا، إلا أنه لم يحضر العرض الكبير الخاص الذي
أقيم في صالة الكرملين.
* حملة «كان» لصالح كياروستامي
* باقي الأفلام المعروضة في المسابقة آتية من فرنسا واليابان وكوريا
ومجموعة من الأفلام ذات الإنتاجات المشتركة. خذ مثلا «العم بونمي الذي
يستطيع تذكّر حياته السابقة» للتايلاندي أبيشاتبونغ وورساثوكول، تجد فيه
أموالا فرنسية وإسبانية وبريطانيا وتايلاندية.
واسم فرنسا يتكرر في معظم المعروض من أفلام المسابقة. فالفيلم إذا لم يكن
فرنسيا فإن فيه نسبة من التمويل الفرنسي. هذا هو حال الفيلم الذي يدق له
المؤيدون طبولا صاخبة وهو فيلم الإيراني عبّاس كياروستامي الذي نجا من
مغبّة النظام الحالي ويعيش الآن في فرنسا. فيلمه «نسخة مضمونة» عن لقاء بين
كاتب (مغني الأوبرا البريطاني وليام شيمَل) وصاحبة معرض لوحات (جولييت
بينوش). ينجم عن اللقاء الدخول في لعبة تتصرّف فيها المرأة كما لو كان
الكاتب زوجا لها، وهو يقبل ذلك إلى أن يكتشفا أنه بات من الصعب التوقّف عن
اللعب والاعتراف بالواقع. القليل جدّا متوفر حول حبكة الفيلم، لكن
بالاستناد إلى سوابق المخرج المعروف فإن أرطالا من الحوار ستقض مضجع
الطامحين إلى سينما من فن التعبير المصوّر. بعض المراجع توحي بأن معالجة
الفيلم ليست بعيدة عن ما حققه الأميركي ريتشارد لينكلتر في «قبل المغيب»
حيث إيثان هوك كاتب أميركي في زيارة لباريس يلتقي فيها لأول مرّة بامرأة
(جولي دلبي). هذا هو أول فيلم لكياروستامي باللغة الإنجليزية وأول فيلم له
خارج بلاده لكن الرياح حياله بدت إيجابية حين اختار المهرجان الممثلة بينوش
لتكون ملصقه، بذلك هي موجودة في كل ركن وزاوية في المهرجان وعلى مواقع
الإنترنت مما سيفيد - إعلاميا على الأقل- الفيلم الإيراني.
السياسة موجودة داخل عدد من الأفلام كما ذكرنا، لكنها قد تكون موجودة في
داخل إدارة المهرجان من ناحية الصراع الذي شبّ بين رئيسه جيل جاكون ومديره
الفني تييري فريمو حول فيلم «كارلوس» للفرنسي أوليفييه أساياس. الأول لم
يوافق (مع معظم أعضاء اللجنة) على اشتراك الفيلم ولو خارج المسابقة على
أساس أنه فيلم تلفزيوني الإنتاج تم صنعه خصيصا للتلفزيون وعلى حلقات. لكن
الثاني اخترق الممانعة وضم الفيلم على أي حال مما أشعل الخلاف.
بالنسبة لفيلم «نسخة مصدّقة» لكياروستامي فإنه من المحتمل كثيرا أن تكون
رسالة المهرجان من وراء تعزيز وجود هذا الفيلم سياسية من حيث الاحتفاء
بمخرج إيراني شهير مطلوب من قِبل النظام بسبب مواقفه حياله. لكن مسألة ما
إذا كانت المسابقة ستنتهي لصالح هذا الفيلم أمر آخر، فلجان التحكيم
المنتخبة عادة لتوزيع الجوائز غالبا ما تُمارس أدوارها بشفافية ولو غير
مقصودة.
في هذا الإطار، وتبعا للجان تحكيم ترأسها مخرجون سابقون وأثّر الذوق الخاص
في نتائجها، من يعلم إذا ما كان المخرج الأميركي تيم بيرتون، الذي يرأس
لجنة التحكيم هذا العام، سيروق له فيلم خال من الخيال الممتع الذي يمارسه
هو في مجمل أفلامه.
* مهرجان فرنسي
* في كل الأحوال فإن هناك عددا كبيرا من الأفلام المشتركة داخل المسابقة
وخارجها في التظاهرات الموازية، ذات إنتاج مشترك محسوبة أساسا على الجانب
الفرنسي. من أصل ثمانية عشر فيلما في المسابقة فإن ستة أفلام فرنسية الصنع
تكّلمت الفرنسية (مثل «رحلة سياحية» لماتيو أمالريك و«أميرة مونتسييه»
لبرتران ترفنييه) أو لا (كما حال «رجل صارخ: للتشيدي محمد صالح هارون
و«نسخة مصدّقة» لعباس كياروستامي).
خارج المسابقة ضمن العروض الرسمية وفي عروض منتصف الليل فإن عدد الأفلام
المنتجة رئيسيا أو كليّا بتمويل فرنسي تبلغ ستة أفلام (بينها فيلمان في
الواقع بعنوان «كارلوس») وفيلمان آخران في التظاهرة الرئيسية «نظرة ما».
لعل المهرجان في نهاية الأمر فرنسي أكثر مما يريد البعض الاعتقاد وهذا
ينطلي على فيلم الاختتام «الشجرة» الذي أخرجته الفرنسية جولي برتوشيللي من
بطولة الفرنسية شارلوت غينسبورغ التي كانت حاولت قتل ويليم دافو في فيلم
لارس فون ترايير ونالت عن محاولتها تلك جائزة أفضل ممثلة في العام الماضي.
الفيلم ذو التمويل الفرنسي- الأسترالي هو ثاني فيلم من إخراج ابنة المخرج
جان - لوي برتوشيللي وكانت تعلّمت المهنة من أستاذ، إذ ساعدت المخرج
البولندي الأصل والراحل كريستوف كيسلوفسكي في فيلمين من ثلاثيّته الملّونة
«ثلاثة ألوان: أزرق»، «ثلاثة ألوان: أبيض» قبل أن تحقق فيلمها الأول سنة
2003 وتنال عليه عدّة جوائز فرنسية من بينها جائزة أسبوع النقاد في مهرجان
«كان» وجائزة سيزار لأفضل عمل أوّل.
قبله باثني عشر يوما موعد مع فيلم الافتتاح وهو جديد المخرج ريدلي سكوت
«روبين هود» الذي شاهده هذا الناقد لكن تبعا لرغبة شركة الإنتاج (يونيفرسال)
فإن الكتابة عنه رأيا وتفصيلا أمر غير متاح إلا لما بعد افتتاحه الدورة
الجديدة. ما يمكن قوله أن الذين أعجبهم «غلادياتور» وهم كُثُر، سيجدون في
هذا الفيلم المنوال نفسه من أسلوب المخرج مزج الخاص والعام. المأزق الفردي
ونتائجه الكبيرة جنبا إلى جنب مع تلك المعارك الصارمة. «روبين هود» ليس
معروضا في المسابقة لكن ريدلي كان خرج بجائزة أفضل مخرج أوّل من المهرجان
ذاته، حين قدّم سنة 1977 فيلمه (الأول) «المتبارزان»... أيضا من أعماله
التي لجأت إلى التاريخ.
الشرق الأوسط في
07/05/2010 |