حال مهرجان برلين دون مشاهدتى فيلم داوود عبدالسيد الجديد «رسائل
البحر» فى الأيام الأولى من عرضه.
ورغم أننى قرأت السيناريو كأحد أعضاء اللجنة التى وافقت بالإجماع على
دعم وزارة الثقافة لإنتاجه، فإننى دربت نفسى على تلقى الأفلام من دون أى
خلفيات مسبقة، ولذلك شاهدت الفيلم كأننى لم أقرأ السيناريو، كما أننى من
النقاد الذين يعتبرون الفيلم هو الفيلم على الشاشة، وليس على الورق.
داوود عبدالسيد رغم قلة عدد أفلامه من المخرجين الكبار فى السينما
المصرية المعاصرة، والقيمة ليست بالكم سواء كان قليلاً أو كثيراً.. وكل
فيلم من أفلام داوود حدث فى السينما المصرية لأنه فنان حقيقى يبدو من
أفلامه أنه لا يقف وراء الكاميرا إلا ليعبر عن هموم حقيقية يشعر بها.
ورغم أن أفلامه لا تقبل فى المهرجانات الدولية فى أوروبا أو بالاحرى
لا تعبر الحدود، وأحدثها «رسائل البحر» الذى لم يقبل فى مهرجان برلين، إلا
أن هذا لا يقلل من قيمة الفيلم أو أى من أفلامه.
ويختلف «رسائل البحر» عن أفلام فنان السينما المؤلف الأخري، ففيه،
ولأول مرة، فى مسيرته الحافلة عبر أكثر من ٢٥ سنة، يقدم قصيدة من الشعر
السينمائى، وهو أسلوب نادر فى السينما المصرية، ولكن كتابة الشعر لا تمثل
قيمة فى ذاتها، فهناك شعر جيد وشعر ردىء.
لست من الذين يرون أن تلقى الشعر يعنى إسكات العقل وإطلاق الوجدان،
فكل عمل فنى أو أدبى يتطلب إعمال العقل ويحرك الوجدان بالضرورة، وإنما يكمن
الفرق فى مراعاة الاختلاف بين طبيعة الشعر وغيره من الفنون والآداب من حيث
إنها تقوم على الاقتباس والقابلية للتأويلات المتعددة وعدم ربط المقدمات
بالنتائج على نحو عقلى صارم، وهكذا أيضاً يكون التلقى الصحيح لفيلم «رسائل
البحر».
هذه قصيدة عن البحر الواسع كالحياة فى هدوئه وثورته وجماله وعنفه،
وبساطته وغموضه، وهو الغموض الذى يتجسد فى الزجاجة التى يعثر عليها «بطل»
الفيلم اللا بطل، والآتية من البحر، وبها رسالة بلغة لا يعرفها أحد، لا
تسأل بالعقل عن لغة لا يعرفها أحد ولا تسأل بالعقل لماذا يترك هذا الشاب
عمله كطبيب ويفضل أن يكون صياداً للأسماك، ولا تسأل بالعقل لماذا تترك هذه
الفتاة الشاب الذى تتبادل معه الحب وتفضل حب فتاة مثلها، لا تبحث عن إجابات
وإنما تأمل الأسئلة.
أما إلى أى مدى كانت الدراما الشعرية معبرة عن الموضوع والمضمون، فهذا
يحتاج إلى تحليل مفصل، وما هذا المقال إلا دعوة لمشاهدة هذا العمل الفنى
الجميل.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
17/03/2010 |