تدور أحداث فيلم «أفتار» المثير للمتعة والجدل والإيرادات القياسية
في العام ،2154 وهو يشكل فتحاً جديداً في الصورة السينمائية، وربما يكون
إنتاجه
حداً فاصلاً في التأريخ لصناعة الأفلام، وفيه تجليات تقنية لا
سابق لها على صعيد
العرض البصري. وأقتبس هنا من الناقد السينمائي زياد عبدالله بأن مخرج
الفيلم جيمس
كاميرون «أنشأ كوناً آخر له نباتاته وحيواناته وكائناته العملاقة التي
تتحدث بثلاث
لغات، بينها لغة الهنود الحُمر».
في هذا السياق تماماً، فإن حكاية الفيلم
وحدها واقعية جداً، وتفتح شهية مشاهديه على تحليلها واكتشاف
دوافع الحروب الحديثة،
خصوصاً الأميركية، وما قد يمثله الفيلم من إدانة شديدة للحرب التي لا يمكن
استيعاب
فظاعتها في واقعها، إلا ضمن رؤية خيالية بحتة.
في «أفتار» يغزو الأميركيون
كوكب «باندورا» المسالم من أجل ثرواته المعدنية، ويستخدمون
أنواعاً عدة من التقنيات
العلمية للسيطرة عليه. بما يذكّر المشاهد بالعام 2003 حين كان العراق
مسرحاً لتجريب
الصناعات العسكرية الأميركية، وحين كان جورج بوش يتذرع بأسلحة الدمار
الشامل
لاحتلال العراق ونهبه، والسيطرة على آبار النفط فيه.
العرب، مثل غيرهم،
عاشوا كثيراً من أحداث «أفتار». والفرق أن سحنهم مثل البشر، وليست مثل
كائنات
الفيلم «النافية» الزرقاء والعملاقة، وفلسطين والعراق شهدا أحداثاً تشبه ما
لحق
بكوكب «باندورا» المتخيل- الواقعي جداً، من دمار ودماء. وكذلك الهنود الحمر
وبشر
آخرون عاشوا هذه الحكاية السينمائية. فهل تدور أحداث الفيلم في الماضي،
وليس فيه من
العام 2154 سوى التقنية؟
لا أعرف الإجابة بالضبط، فنحن إزاء عمل فني متعدد
القراءات، ولكنني أتوقع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما شاهد «أفتار» قبل
أن يبدأ
عامه الثاني في الحكم، وبما أنه ينتمي جينياً إلى نوع مقهور من
البشر، فلا أقلّ من
أن يعالج ولو قليلاً من الكوارث والمصائب التي اقترفها سلفه جورج بوش، ويضع
حداً
لحروبه المتواصلة في العالم، وحداً لبقايا إدارته الإسرائيلية في الكونغرس
والبنتاغون، فليس أمامه سوى ثلاث سنوات لإطفاء الحرائق
المشتعلة في أكثر من «باندورا»
على الأرض، حيث تركت أميركا بوش وحليفتها إسرائيل بشراً مشوهين بالقنابل
العمياء والفسفور الأبيض والأسلحة المحرمة، حتى مال لونهم إلى الأزرق، مثل
كائنات
كاميرون المتخيلة في كوكب «باندورا».
أوباما لم يفعل شيئاً للقضية
الفلسطينية، ولم ينجح في عام كامل في لجم اندفاع الإرهابي
الشهير بنيامين نتنياهو،
بل إن الأمور باتت أكثر تعقيداً في ظل تمسكه بمنع أي ظرف جغرافي لقيام دولة
فلسطينية في المستقبل، ولم ينجح الرئيس الأميركي في وقف سُعار اللوبي
اليهودي في
واشنطن. على الأقل في ما يخص ربط الدعم السياسي والاقتصادي
الأميركي اللامحدود
لإسرائيل بإنجاز سياسي ملموس يعترف بأبسط حقوق الفلسطينيين في كيان ومصير
وسلام.
على أوباما أن يتخفف من ثقل الميراث الدموي
لأسلافه، وأن ينبذ حروبهم كافة، وأن
يبحث للأميركي عن صورة أخرى غير جندي البحرية الأميركية
المحترف في القتل
والاحتلال. وعليه أن يؤكد أن الغزو ثقافة بدائية، ولم يعد ممكناً أن يسجلها
التاريخ
الحديث شاهداً على القوة والتحضر.
baselraf@gmail.com
الإمارات اليوم في
22/01/2010 |