مع انطلاقة الدورة السادسة من مهرجان دبي السينمائي الدولي في التاسع
من هذا الشهر، تنتهي دورة أكبر لمجموعة المهرجانات العربية لهذا العام،
وعلى الأخص، لتلك المحتشدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة منه .
دبي، الذي قاد المهرجانات الكبيرة في هذا الجزء من العالم، قام على
أساس هوية خاصّة . إنه، في المبدأ على الأقل، مهرجان دولي يسعى لمد جسور
التفاهم الثقافية بين العالم العربي والغرب . ومثل مهرجان ترايبيكا
النيويوركي، كان تأسيس دبي مرتبطاً، ولو في المقام الثاني، بمحاولة التغلّب
على الصورة السلبية التي أثمرت عنها كارثة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول
2001 وهذا ثابت ليس فقط في شعاره المعلن كمهرجان يربط بين الثقافات الشرقية
والغربية، بل في أحاديث ومقابلات أجريت مع رئيسه عبد الحميد جمعة ومديره
الحالي مسعود أمرالله كما مع مديره السابق نيل ستيفنسون .
لكن الأهم، كان دائماً اختيار الأفلام التي تترجم -على أكثر من وجه
ومستوى- تلك الغاية . لأن السينما، كونها مرآة تعكس كل الحياة الإنسانية
وشذراتها وشؤونها وقضاياها كما أمنياتها، لا يمكن الا أن تبلور الآخر لنا
وتبلورنا نحن أمام الآخر . لقد اكتشف العالم بعد ذلك التاريخ الكوارثي، أنه
لا يعرفنا . لكن كيف يتسنى له أن يعرفنا على حقيقتنا، او حتى على غير
حقيقتنا، إذا ما كنا عاجزين نحن عن تعريفه بأنفسنا . بالتالي، وجد مهرجان
دبي الفرصة مواتية جدّاً لفعل شيء في هذا المضمار، في الوقت الذي وجد فيه
العالم المهتم المهرجان مناسبة للتعرّف على العالم العربي من جديد وكل شيء
كان جديداً بعد الحادي عشر من سبتمبر .
هذا ما شكّل هوية مهرجان دبي ولا يزال مستفيداً من القفزة الاقتصادية
والإعلامية التي تحققت لمدينة دبي .
بعض الأفلام العربية المشتركة في مسابقة هذا العام، تتحدّث طبيعياً عن
مواضيع مختلفة . هناك غلبة للموضوع الفلسطيني في الأفلام الوثائقية .
المخرج الجيّد دوماً نصري حجّاج يعود في فيلم “كما قال الشاعر” باحثاً في
حياة وأدب الشاعر الراحل محمود درويش . الممثل والمخرج محمد بكري ينطلق في
سبر غور السينما التسجيلية مرّة ثالثة بفيلم جديد بعنوان “زهرة” . وفيلم
فلسطيني جديد آخر للمخرج رائد أنضوني يبحث في الذاكرة الفردية للإنسان
الفلسطيني في ظل احتلال العصابة الصهيونية لفلسطين وذلك في فيلم “صداع” .
ويقدم سمير عبد الله على توفير فيلم يتناول حرب غزّة في مطلع هذا
العام راصداً معنى المقاومة الصامدة لشعب يواجه واحدة من أعتى أنظمة الحكم
الفاشية في العالم . الى ذلك نجد المخرج المعروف رشيد مشهراوي وهو يعود
بفيلم “الأجنحة الصغيرة” وهو فيلم صوّره في كل من بغداد وغزّة ليجري
مقارنات بين معاناة الأطفال في كلا المدينتين .
في المقابل، تقوم الأفلام التي تم انتخابها لمسابقة الأفلام الروائية
على عدد أكثر تنوّعاً من القضايا العربية من دون أن تكون فلسطين غائبة .
بعض أهم الوجود السينمائي العربي متمثّل بفيلمين مصريين . الأول، من دون
ترتيب، فيلم “عصافير النيل” للمخرج مجدي أحمد علي الذي يتعامل مع تباين
الحياة بين المدينة والريف من خلال شخصيّة بطله الرئيسية والثاني هو “واحد
صفر” لكاملة أبو ذكرى التي كانت قدّمت فيلمها النيّر هذا في مهرجان فنيسيا
خارج المسابقة ما أثار تعجّب الحاضرين كون فيلمها كان يمكن أن يكون
“مليونير الأزقّة”، ذلك الفيلم البريطاني الذي تم تصويره في الهند، فيما لو
أتيح للفيلم ذات المعاملة الإعلامية والتجارية التي أتيحت لفيلم داني بويل
المعروف . الفيلم دراما متشعّبة إنما من دون ضياع او فقدان بوصلة تمتد
خيوطها بين عدد كبير من الشخصيات كل منها تمثّل حالة من الوجدان العاطفي في
مأزق اجتماعي عريض .
أفلام عربية أخرى عُرضت في مهرجانات أخرى بنجاح منها “كل يوم عيد”
للمخرجة اللبنانية ديما الحر، الذي اعتبره مهرجان تورنتو السينمائي الدولي
اكتشافاً لصوت جديد في السينما العربية . كذلك هناك فيلم المخرج الجزائري
المعروف مرزاق علواش “حرّاقة” الذي يتطرّق الى موضوع لم يسبق للسينما
الروائية العربية التطرّق إليه على خطورته: الهاربين من الساحل العربي الى
الساحل الأوروبي عبر مراكب تشق عباب البحر حاملة أحلام اللاجئين غير
الشرعيين ومصائرهم أيضاً . الفيلم عُرض أيضاً في مهرجان فنيسيا بنجاح نقدي
لافت .
الخليج الإماراتية
في
06/12/2009 |