تنتهي
الدورة التاسعة لـ «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش» في المملكة المغربية
مساء بعد
غد السبت. تعلن النتائج الخاصّة بالمسابقة الرسمية، المتضمّنة خمسة عشر
فيلماً
روائياً طويلاً. تُوَزّع الجوائز على الفائزين بها، بناء على
قرار صادر عن لجنة
تحكيم تألّفت من أمزجة وهواجس مختلفة، أو متناقضة. اختير الإيراني عباس
كياروستامي
رئيساً لها. أما أعضاؤها، فهم: الفرنسية فاني آردان والهندية نانديتا داس
والإيطالية إيزابيلا فيرّاري والأميركي مايك فيغيس والفرنسي
كريستوف أونوري
والإسبانية ماريزا باراديس والفلسطيني إيليا سليمان والأرجنتيني بابلو
ترابيرو
والمغربي لحسن زينون. عشرة أعضاء شاهدوا خمسة عشر فيلماً، بهدف منح أربعة
جوائز
فقط: النجمة الذهبية/ الجائزة الكبرى، جائزة لجنة التحكيم
وجائزتا أفضل ممثل وأفضل
ممثلة. أعداد كبيرة. أرقام كثيرة. أفلام بعضها مهم، وبعضها الآخر أقلّ
أهمية. مديرة
المهرجان الفرنسية مليتا توسكان دو بلانتييه قالت، في حوار منشور في العدد
الثاني
(الأحد،
6 كانون الأول الجاري) من «الرسمي» (النشرة اليومية الناطقة باسم المهرجان
الدولي)، إنه يُفترض بالأفلام المختارة أن تكون الأولى أو الثانية
لمخرجيها. أرادت
بهذا أن تُقدّم للسينما مخرجين جدد: «سكورسيزي ولينش الغد».
فَرْنسَة
طموح
كبير. سعى المهرجان، منذ تأسيسه في العام 2001، إلى أن يكون منبراً دولياً
لسينما
دولية. أسّسه فرنسيون وأداروه. لا يزال هؤلاء مسيطرين عليه. يمسكون بكل شيء:
التنظيم، الاختيار، التكريم، لجان التحكيم، النشرة، العاملين، آلية
العمل... إلخ.
أخبرني أحدهم أن هذا الـ «كل شيء» يتمّ في
باريس، ثم يُنقل إلى مراكش قبل أيام
قليلة من إطلاق كل دورة. هناك فقط بعض العاملين المغاربة. روى لي صديق
مغربي أن
الموظّفين السابقين جميعهم كانوا فرنسيين. تبدّل الأمر قليلاً بعدما تعرّض
نور
الدين الصايل، المدير العام لـ «المركز السينمائي المغربي»
ونائب الرئيس المنتدب
لمؤسّسة المهرجان، لموقف «غير طبيعي»: منعته موظّفة فرنسية شابة من الدخول
إلى قاعة
أقيمت في داخلها حفلة تكريمية كبيرة، لأنه لم يحمل معه بطاقة الدعوة.
الشابة لا
تعرفه. الأوامر صارمة. ضجّة كبيرة قامت. هو المشرف العام على
المهرجان. هو منظّم
الحفلة المذكورة. روى الصديق قال: «مسؤولون فرنسيون رفيعو المستوى في إدارة
المهرجان اعتذروا منه. لكن أحدهم لم يتردّد عن لومه لعدم إحضار بطاقة
الدعوة معه».
هذا ليس تفصيلاً عابراً. منذ تأسيسه على أيدي فرنسيين، واجه المهرجان
انتقادات حادة
من سينمائيين مغاربة، بسبب ميله الصارخ إلى «الفَرْنسَة». تمّ إبعاد كل ما
له علاقة
بالمغاربة والعرب. تبوّأ نور الدين الصايل منصباً رفيع المستوى بعد مرور
دورات
عدّة. حاول تخفيف السطوة الفرنسية. أتاح فرصة ما أمام
السينمائيين المغاربة والعرب
لتقديم إبداعاتهم. لكن السلطة لا تزال في أيدي الفرنسيين، بل في يدي مليتا
توسكان
دو بلانتييه تحديداً. أحكمت المرأة قبضتها على المهرجان بُعيد وفاة زوجها،
المنتج
دانيال توسكان دو بلانتييه، إثر نوبة قلبية حادّة في الحادي
عشر من شباط 2003. يعود
فضل التأسيس لدانيال، أحد أبرز المنتجين الفرنسيين.
في الدورة الأخيرة هذه، لم
يتبدّل الأمر كثيراً. فيلمان عربيان فقط في المسابقة الرسمية:
«هليوبوليس» للمصري
أحمد عبد الله و«الرجل الذي باع العالم» للأخوين المغربيين سويل وعماد
نوري. إنه
الفيلم الأول للمصري. إنه الفيلم الثاني للأخوين المغربيين، بعد «أبواب
الجنّة»
(2006).
ضيوف عرب قليلون. لكن المشكلة كامنةٌ في تهميش ما عاناه معظمهم. نقّاد
وصحافيون وإعلاميون مغاربة وعرب لم تُدرج أسماؤهم في الدفتر الخاصّ بلائحة
المدعوين
جميعهم. تردّد أن سينمائيين وفنانين مغاربة انزعجوا من طريقة دعوتهم إلى
المهرجان.
بعضهم قال إن الدعوة هادفةٌ إلى تغطية
إعلامية استعراضية، تفيد أن المهرجان مهتم
بأبناء البلد. لا يُمكن تأكيد الخبر، وإن نشرته صحف مغربية.
الصراع حادٌ بين تيارين
مغربيين: واحدٌ متّجه نحو فرنسة أو تغريب شبه مطلق، وثان مدافع عن المحلي
والعربي.
هذا صراع موجود في داخل المجتمع المغربي
أيضاً. ميل غربي في مقابل تمسّك مغربي
بالوطني والعربي، وبينهما أصوليون متزمّتون. ليس تبسيطاً، لكنه
اختزال أول لما
يجري.
لأنه «الرجل الأول» في السينما المغربية، كما وصفه الزميل هوفيك
حبشيان
في حوار أجراه معه مؤخّراً («النهار»، الخميس 3 كانون الأول الجاري)، بات
نور الدين
الصايل عرضة لانتقادات عنيفة من قِبل «التيار الوطني العربي»، إن جاز
التعبير.
المشاكل قائمة بينه وبين سينمائيين مغاربة عديدين. هذا أمر طبيعي. هناك من
يعتبره
حاجزاً أمام طموحاته ومشاريعه. هناك من يراه الداعم الأبرز لنهضة سينمائية
مغربية
جدّية. منصبه كمدير عام لـ «المركز السينمائي المغربي» يُسهّل
إطلاق اتهامات
متفرّقة ضده. منصبه كنائب رئيس مؤسّسة المهرجان، أضاف تسهيلاً آخر لإطلاق
هذه
الاتهامات. الرجل منيع. قيل إنه مدعوم من القصر الملكي. من شقيق الملك
مولاي رشيد
شخصياً، رئيس مؤسّسة «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش». يصعب
معرفة حقيقة الخفايا.
للرجل أصدقاء وأعداء في الوقت نفسه. لكن أحداً من خارج اللعبة الداخلية لا
يُمكنه
تناسي دوره الفعّال في منح السينما المغربية استفاقة جديدة ومهمّة. إشرافه
المباشر
على مهرجان مراكش لا يُلغي موقعه الأساسي في تنظيم كَمّ هائل
من المهرجانات
السينمائية المُقامة سنوياً في مدن مغربية عدّة، ومنها الأفضل والأهمّ في
خارطة
المهرجانات السينمائية العربية، كمهرجان الفيلم القصير في طنجة ومهرجان
سينما
المؤلّف في الرباط مثلاً، الذي استمله مؤخّراً الناقد محمد
بكريم، أحد كبار
المسؤولين في «المركز السينمائي المغربي».
فرص مهمّة
يطول الحديث في هذا
المجال. لكن الدورة التاسعة، المُشرفة على نهايتها، منحت المهتمّ بالفن
السابع
فرصاً عدّة لا يُمكن الاستفادة منها كلّها في أسبوع واحد (افتُتحت الدورة
هذه مساء
الرابع من كانون الأول الجاري). فكيف إذا كانت مدّة الزيارة الأولى إلى
مراكش
ومهرجانها أربعة أيام فقط؟ حتّى أولئك الذين تابعوا الأيام
كلّها، لا يُمكنهم
مشاهدة روائع مستلّة من الذاكرة السينمائية الدولية كلّها: تكريم السينما
الكورية
الجنوبية وحدها (أربعة وأربعون فيلماً منتجاً بين العامين 1955 و2009)
محتاج إلى
أسبوع كامل. أفلام عدّة محفورة في التاريخ الإبداعي لذلك البلد
القائم بين حراك
سينمائي بديع ونظام أمني وسياسي قامع. التكريمات الأخرى لا تقلّ أهمية:
الممثلون
الأميركي كريستوفر والكن والبريطاني السير بن كينغسلي والفرنسي المغربي
الأصل سعيد
طغماوي، والمخرج البوسني أمير كوستوريتزا. هناك أيضاً «نبضة
قلب» وإطلالة على
السينما التايلاندية ويوم البيئة و«ماستر كلاس»، أي «دروس في السينما»
ألقاها، هذا
العام، المخرجون المكسيكي ألفونسو سيوران والأوسترالي كريستوفر دويل
والأميركي جيم
جارموش والبوسني كوستوريتزا. هذه نشاطات تليق بالمكانة المطلوبة لمهرجان
دولي، على
الرغم من الملاحظات النقدية المُساقة ضده.
أفلام المسابقة الرسمية متفرّقة.
أبرزها (من بين الأفلام التي تسنّت لي مشاهدتها) المغربي «الرجل الذي باع
العالم»
للأخوين نوري. اقتباس عن رواية «قلب ضعيف»
للروسي فيودور دوستويفسكي. أحدث الفيلم
صدمة. بعض المغربيين نبذوه منذ إنجازه في العام الفائت. بعضهم
قال إن الصدمة
الجمالية التي أحدثها لا تختلف عن صدمة الفيلم الأول «أبواب الجنة» أيضاً.
للأخوين
نوري لغة سينمائية مختلفة تماماً عن السائد العربي. يُمكن اعتبارها متجانسة
والحركة
المتجدّدة في السينما المغربية. «يا له من عالم رائع» لفوزي بنسعيدي
و«كازانيغرا»
لنور الدين لخماري ساهما بفعالية في تنشيط الحركة هذه. الأفلام الثلاثة
بديعة.
الصورة السينمائية مشوّقة. أسلوب المعالجة
الدرامية مشغولٌ بحرفية باحثين في
الجماليات، لا مجرّد سرد قصص. هناك حكاية طبعاً، لكن الشكل المعتمد في
سردها مبني
على التفكيك وإعادة الصوغ. «الرجل الذي باع العالم» استفاد من مناخات
مسرحية وأنماط
تشكيلية، لكنه حافظ على المفردات السينمائية في التوغّل داخل النفس
البشرية. هناك
أداء حرفي قدّمه سعيد باي وفهد بنشمسي في الدورين الرئيسين.
هناك مخرجان محترفان،
لا يزالان في بداية الطريق الطويلة. لكنهما كشفا عن قدرة بصرية على تأسيس
بداية
متينة ومهمّة ولافتة للانتباه. النزاع الذاتي والتمزّق الداخلي ركيزتا
الفيلم.
الكوابيس والهوس المفضي إلى الجنون أيضاً. علاقات الحبّ والصداقة والشغف...
عناوين
مكتوبة بنَفَس سينمائي، ومغلّفة بشيء مسرحي. صُوَرها أشبه بلوحات تشكيلية
معلّقة
عند الحدّ الواهي بين الحلم والحقيقة، أو بين الواقع
والمتخيّل. لعبة الألوان
مهمّة. رماديّ ومائل إلى الأصفر. والبياض صنو الموت الذي يزنّر المدينة
الخيالية
الواقعة تحت نير حرب ما. يحتاج «الرجل الذي باع العالم» إلى قراءة نقدية
مفصّلة.
لكن الأساسي كامنٌ في انتمائه إلى المختلف، شكلاً ومعالجة. وهذا أمر نادرٌ
في
النتاج السينمائي العربي. الأساسي كامنٌ أيضاً في قدرته على كشف المستور
النفسي
والروحي، بلغة عصبية وحادة وجميلة. العصبية والحدّة لا تلغيان الجمال، بل
تدفعانه
إلى تخوم أخرى من التعبير البصري الاحترافي.
تنويعات
«هليوبوليس» مختلف
أيضاً، في إطار سينما مصرية يصنعها مخرجون شباب. خصوصيته كامنةٌ في جعله
المدينة (القاهرة) شخصية سينمائية وسط شخصيات محطّمة
ومنهارة. جماليته كامنةٌ في محافظته،
في لحظات كثيرة، على المعنى السينمائي للصمت. الصورة أساسية.
تصوير شخصية الشرطي/
حارس الأمن بديع. الوجه والنظرات والجسد والحركة، أمور مشغولة بتقنية
إبداعية
عالية. الحنين إلى زمن مضى عنوان مهمّ. العجوز على شرفة منزلها. الشاب
الباحث في
التحوّل المجتمعي والعمراني للمدينة. هنا، سقط الفيلم في
الهوّة المحظورة: الوثائقي
(أراد
الشاب تصوير التحوّل على كاميرا فيديو لتشاهد العجوز المعزولة في بيتها
الآنيّ) كسر السياق الجميل للحكاية. التزم ثرثرة مباشرة أفرغت النصّ من
محتواه
الجمالي. هناك الشاب الآخر الراغب في الهجرة. ثقل الخيبات
والآلام جعله متعباً.
جعله أشبه بعجوز حامل سنين طويلة على كتفيه، وفي ذاته وروحه. المدينة
قاتلة. بل هي
التحوّلات. الرغبة في الخروج من الحصار آيلة إلى الفشل. هذا اختصار لحالة
المرأة في
الفيلم الإسباني «امرأة من دون بيانو» لخافيير ريبولّو أيضاً. لم تعد قادرة
على
السير قُدماً في حياة روتينية قاتلة. أرادت التغيير. اصطدمت
بعتمة الليل والنفس
والبيئة. المدينة، هنا أيضاً، متبدّلة. أو ربما المرأة اكتشفت تبدّلها
متأخّرة.
الليل مرآة المجتمع. نماذج إنسانية وحالات
نفسية وانكسارات وآلام. لكن الفيلم
مشغولٌ بطريقة سيئة. انعدام واضح للحساسية الإبداعية. استخدام مزعج
للموسيقى. وَهنٌ
لا يُحتمل أصاب البنية الدرامية كلّها. اختياره من قبل إدارة «المهرجان
الدولي
للفيلم بمراكش» لم يكن موفّقاً. الفشل في كسر الحصار عنوان
إنساني لفيلم «بلا شمال»
للمكسيكي ريغوبيرتو بيريزكانو أيضاً. الشاب ضائع. رغبته في اجتياز الحدود
الشمالية
لبلده باتجاه «أرض الأحلام»، أي الولايات المتحدّة الأميركية قوية. الهجرة
غير
الشرعية خلاصه من جحيم المكان المقيم فيه. أو اللامكان
بالأحرى. لم يستطع فعل شيء.
رجال الشرطة بالمرصاد، له ولأمثاله الكثيرين. وجد نفسه معلّقاً في مدينة
صغيرة.
اللافت للانتباه والمثير للمتعة معاً أمرٌ
واحدٌ: إمعان في تقديس الصورة السينمائية
على ما عداها من مفردات الصنيع السينمائي. الصورة ولا شيء غير
الصورة. وعندما يأتي
الكلام، تُصبح الحروف والكلمات والجمل خفيفة وجميلة وسلسة. ما كان ينقص
«امرأة من
دون بيانو» مثلاً، مخيّلة تحيل الصمت المتوفّر فيه إلى عصب إبداعي. في «بلا
شمال»،
شكّل الصمت لغة. باتت الصورة سيّدة مطلقة على النصّ. إنها أساس السيناريو.
هذه
نماذج مستلّة من المسابقة الرسمية. هناك عناوين لافتة للانتباه، داخل
المسابقة
وخارجها. الاهتمام بيوم البيئة مترجم إلى ثلاثة أفلام وثائقية: «حقيقة
مزعجة»
(2005)
لديفيس غوغنهايم، و«هوم» (2009) ليان أرتيس بيرتران، و« أعراض
تايتانيك» (2009)
لجان ألبير ليافر ونيكولا أولو. نظّمت إدارة المهرجان عروضاً خاصّة
بالمكفوفين وضعاف البصر. التقنية المستخدمة معروفة باسم «وصف
سمعي». الأفلام
المختارة كوميدية، بحسب التعريف الرسمي: «عطلة السيد أولو» (1953) لجاك
تاتي
و«الفطور في مطعم تيفاني» (1961) لبلاك إدواردز و«كعكة الثروة» (1966)
لبيلي وايلدر
و«البحث عن زوج امرأتي» (1993) لعبد الرحمن التازي و«وداعاً لينين» (2003)
لوولفغانغ بيكر. غير أن المضامين الدرامية ليست كوميدية فقط. هناك تشريح
لبيئات
ومجتمعات وحالات. هناك إثارة للضحك، في مقابل ابتكار موفّق، غالباً، لنصّ
إنساني.
الضحك أداة للكشف. الكوميديا معبر للبوح. التجربة مهمّة. هذا مهرجان راغبٌ
في
التواصل مع الجميع. الإعاقة الجسدية لا تلغي الحقّ البشري في متابعة إبداع
السينما
العالمية. التقنيات في خدمة المعرفة. والمعرفة حقّ للجميع. والسينما ذاهبة
إلى
محبّيها بشغف المقبلين إليها أيضاً.
السفير اللبنانية
في
10/12/2009
كلاكيت
السينما العائدة
نديم
جرجوره
إنها مناسبة لا
تُفوَّت: أن يُعرض فيلمٌ قديم الإنتاج على شاشة كبيرة، في زمن الانتشار
الفظيع
لأشرطة الـ «ديجيتال». أن يكون الفيلم المذكور أحد أنجح الأفلام وأهمها
وأجملها،
سينمائياً وفكرياً وإنسانياً. أن يحتلّ مكانة مرموقة في المشهد
الدولي. أن يثير
سجالاً نقدياً، لحظة إطلاق عرضه التجاري الأول، وبعد مرور وقت طويل على
إنجازه. أن
يفتح أفقاً آخر للنقاش. أن يدفع المُشاهد إلى إعادة طرح الأسئلة الفكرية
والجمالية
مجدّداً، أو أن يطرح أسئلة جديدة على ضوء الراهن. أن يجد
المُشاهد نفسه أمام مرآة
العالم والقدر والتفاصيل والإبداع.
إنها مناسبة لا تفوَّت. فالمهرجان، إن سعى
إلى الاختلاف والتمايز، يبحث عن الأفضل في تواصله مع النتاج
السينمائي والشغوفين
به. والمتعطّشون إلى السينما، إن أرادوا مزيداً من المتع الروحية والفكرية
والحسّية، يختارون هذا النوع من البرامج الموازية للمسابقات الرسمية
والعناوين
الرئيسة، لأنهم جادّون في اكتشاف النبوغ الفردي في صناعة
الإبداع، أو في إعادة
الاكتشاف، بعد خضوعهم لاختبارات مرّوا بها إثر مشاهدتهم الأولى. وإذا كان
قليلاً
عدد المهرجانات العربية المهتمّة بعرض نسخ سينمائية لأفلام قديمة ومهمّة في
صالة
سينمائية أثناء انعقاد دوراتها، إلاّ أن هذا الجهد بات جزءاً
مهمّاً في سياسة
مهرجانات دولية عريقة، أبرزها «كان». وإذا كان قليلاً عدد المهتمّين العرب
بالإبداع
السينمائي «العتيق»، كي لا أقول الجديد وفضاءاته الجميلة أيضاً، إلاّ أن
الثقافة
السينمائية الغربية تحتمّ على الـ«سينيفيلي» تمريناً كهذا:
مشاهدة، أو إعادة مشاهدة
روائع السينما الغربية القديمة على الشاشة الكبيرة، علماً أن صالات تجارية
غربية
عدّة متخصّصة بهذا النوع من العروض شبه اليومية، ما يتيح للمُشاهد المهتم
فرصة
اختيار ما يحلو له في أوقات متفرّقة من العام.
في برنامج تكريم الممثل الأميركي
كريستوفر والكن، في الدورة التاسعة لـ «المهرجان الدولي للفيلم
بمراكش»، التي تنتهي
مساء الثاني عشر من كانون الأول الجاري، عُرض فيلمان قديمان للمخرج
الأميركي مايكل
تشيمينو: «صائد الأيل» (1978) و«باب الجنّة» (1980). إذا احتلّ روبرت دي
نيرو واجهة
المشهد، بأدائه الرفيع المستوى، في مقابل التمثيل العادي
لوالكن، في الفيلم الأول؛
فإن والكن نفسه قدّم واحداً من أدواره الجميلة القليلة في الفيلم الثاني،
إلى درجة
يُمكن القول معها إنه الدور الذي «صنعه». لكن الأهمّ كامنٌ في أن تكريماً
كهذا أتاح
لمحبّي السينما فرصة مشاهدة/ إعادة مشاهدة هذين الفيلمين البديعين بنسختين
سينمائيتين، عانت إحداهما (صائد الأيل) مشكلة تقنية (رداءة
الصورة، مع أنها كانت
أقلّ من رداءة الصوت)، وتمتّعت الثانية (باب الجنّة) بقدرتها على الصمود
التقني
أكثر. لكن هذه المسألة لم تحل دون متعة العين والقلب والانفعال والروح
الناشئة من
الصور البديعة المعروضة، ولم تمنع الغرق في ابتكار شكل آخر
للمُشاهدة.
هكذا
يكون الإبداع السينمائي خالداً.
السفير اللبنانية
في
10/12/2009
كتــاب
عبد المعين الموحد: «التسويق
السينمائي»
إذا كانت المكتبة
السينمائية العربية محتاجة إلى مزيد من الكتب النقدية والدراسات التحليلية
المتعلّقة بالإنتاج العربي والغربي معاً، فإن الكتب العربية المتخصّصة
بمجالات
صناعة السينما أقلّ عدداً من كتب سينمائية عربية متفرّقة. من
هنا، يُصبح عنوان
الكتاب الجديد لعبد المعين الموحد «التسويق السينمائي» («منشورات وزارة
الثقافة،
المؤسّسة العامة للسينما» في دمشق) أداة جذب للمهتمّين بجوانب أخرى غير تلك
المتعلّقة بالنجوم والمذكّرات والتقنيات، لأن التسويق جزء
أساسي من الصناعة، ولأن
الأفلام محتاجة إلى خطط عملية لبلوغها المُشاهدين.
لا شكّ في أن الكتاب المذكور
محتاجٌ إلى قراءة نقدية مستقلّة، نظراً إلى العناوين الفرعية
التي يتضمّنها. لكن،
لا بأس بتقديم سريع. فالتحليل الوارد على صفحاته تناول الجوانب التالية:
اقتصاديات
السينما، التسويق وبيئته وسوقه وبحوثه وإدارته وتخطيطه وواقعه في البلدان
العربية
ومستقبله في ظلّ التقنيات المتطوّرة، بالإضافة إلى سلوك
المستهلك وبيئة المنافسة في
سوق السينما العربية. هذا كلّه يرسم صورة متكاملة، إلى حد كبير، عن
التفاصيل
التقنية والاقتصادية المتعلّقة بعملية التسويق، ويمنح المهتمّ فرصة
الاطّلاع على
المعاني الفنية والثقافية لهذا الوجه الأساسي في صناعة الأفلام
وتواصلها مع
جمهورها.
السفير اللبنانية
في
10/12/2009 |