لم يحقق أمير كوستاريكا إلا تسعة أفلام
فقط، لكنها كانت كافية لوضعه في قائمة أهم مخرجي السينما في العالم، ويكفي
أنه حاز
السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي مرتين، وحصل على جائزة أفضل إخراج في
كان
أيضاً، بينما توزعت جوائزه الأخرى في مهرجانات البندقية، برلين، وفي
يوغسلافيا، كما
نال جوائز تقديرية عن مجمل أعماله في كندا، فرنسا، بلغراد، إيطاليا.
ولد أمير
كوستاريكا في عام 1954، في سراييفو ضمن
جمهورية يوغسلافيا السابقة، والتي تشظت
لاحقاً إلى ثلاث دول، درس في أهم معاهد
السينما في براغ، وعمل في التلفزيون كما
دّرس في معهد الفنون المسرحية في سراييفو، وقد اهتم بالموسيقى إلى جانب
اهتمامه
بالإخراج السينمائي، فأسس لاحقاً فرقة 'أوركسترا ممنوع التدخين' التي حظيت
بتقدير
عالمي.
مع ذلك يعاني هذا المخرج من إنكار البوسنيين له، ومعاداة الصرب، لأنه
يطمح إلى بلد يجمع كل الأعراق والأديان، ويدين الحرب في البلقان أو فلسطين
وصولاً
إلى العراق.
ربما يكون أمير كوستاريكا أهم شخصية سينمائية ممن كرّموا وحضروا في
مهرجان دمشق السينمائي، حيث عبر عن سعادته بزيارة سورية وتقديره لحفل
الافتتاح
الكرنفالي على حد وصفه، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في قاعة الربوة ضمن
فندق
الشام الدولي.
مع أنه كأغلب فناني العالم لم يعرف السينما السورية قبل حضوره
إلى دمشق، إلا أنه يقدر بعض المخرجين العرب الذين التقى بهم ضمن المهرجانات
السينمائية كالأخضر حامينا من الجزائر، كما أشاد بغناء الشاب خالد الجزائري
أيضاً.
أما بخصوص أهمية السينما بحياة البشر، فأكد أنه سلاح مطلق للتعبير عن
المشاعر
العميقة للإنسان، تلك المشاعر التي تجسّر العلاقة بين الناس
وتعمق الأحاسيس
المشتركة باتجاه التسامح والحب ومناهضة كل
أشكال العنف والحرب.
مضيفاً أن
السينما التي يصنعها تختلف من حيث الأفكار
والطروحات عما نشاهده في سينما هوليوود،
وهذه السينما الجادة لا يمكن أن تعود إلى أهميتها السابقة في ظل سيادة
أقراص الـ DVD
المقرصنة ومتابعة الأفلام على الإنترنيت أو وسائط النقل حيث لا توجد متعة
بصرية، شرط ازدهار السينما مرتبط برأيه بعودة المشاهد إلى صالة السينما،
وعودة
الطقس السينمائي الجميل، فالفيلم أشبه بالأوبرا لا يمكن أن نتابعه خارج
الصالة.
أما عن أفلامه فيؤكد كوستاريكا أن النص هو الأساس لصناعة فيلم جيد،
لكن المرحلة
الأهم تبدأ مع الدخول في التصوير، حيث يصبح المخرج عرضة لشتى
الضغوط المتعلقة
بالعمل، وإن كان هو يسعى إلى الابتعاد عن
المؤثرات الخارجية في هذه الفترة، ولا
يستسلم لإغراءات نجوم السينما، فالممثلة
الناجحة هي التي تتمتع بجمال داخلي وقدرة
على إيصال المشاعر إلى المتلقي، وهذا ينسجم مع كون السينما وسيلة ديمقراطية
للتعبير
عن الآراء والمشاعر.
وأوضح أن دوافعه لإنجاز فيلم 'مارادونا' تكمن في غنى
وتناقضات لاعب الكرة الأرجنتيني، فهو كإنسان يشكل إغراء لصناع السينما، أما
بخصوص
المهرجانات والجوائز فهي قطعاً لن تكون حاضرة في ذهنه أثناء الاشتغال على
أفلامه،
مع أنها تفتح في المحصلة أبواباً واسعة أمام العلاقات والفرص لمزيد من
الإنتاج
السينمائي.
المحور الآخر في المؤتمر الصحافي تركز حول علاقة أمير كوستاريكا
بالموسيقى، فاستشهد بمقولة المخرج الياباني أكيرو كيرا ساوا أنه في إنجاز
أفلامه
يتبع دقات قلبه المتدفق بالموسيقى، وحتى المخرج الإيطالي فيدريكوفليني كان
يُعرّف
السينما بأنها موسيقى.
ولدى سؤاله أيهما يفضل أكثر الموسيقى أم السينما؟ أجاب
بوضوح وبشكل حاسم أنها الموسيقى، فالسينما أو صناعة فيلم تشكل له معاناة
حقيقية.
المحور الأخير من الأسئلة التي وُجهت إلى أمير كوستاريكا الذي عانى من
تقسيم
بلاده وحروب الطوائف، كانت حول التشابه بين ما يحدث في منطقتنا
وما حدث في البلقان،
فأكد أن العناصر التي اشتغلت على تقسيم
يوغسلافيا هي ذاتها التي اشتغلت أو تشتغل
على تقسيم فلسطين أو العراق. وأبدى رعبه من الخبر الأخير الذي سمعه بأن عدد
القتلى
في العراق وصل إلى رقم مليون إنسان، وربما يكون أكثر من ذلك، وأضاف أنه رغم
المسافة
القصيرة بين غزة والضفة الغربية إلا أن معاناة الإنسان الفلسطيني هناك تبدو
رهيبة
أيضاً. والصورة السينمائية لما جرى في البلقان أو يجري في المنطقة العربية
تبدو
واحدة في المشاهد الثلاث، فالصورة هي الأقدر على المزج ما بين الواقع
المعاش
والواقعية السحرية أو المتخيلة سينمائياً. وهو ما يذكره باستمرار بمعاناة
أهله
وأصدقائه في البوسنة.
القدس
العربي
في
12/11/2009 |