يكشف فيلم صيف بومباي عبر قصة رومانسية مثيرة للمشاعر مشكلة الصراع الطبقي
التي تحتدم في الهند. فـ "غيتا" التي تنتمي الى أسرة ثرية، ميسورة الحال
تقع في حبِ شاعرٍ مرهف الحس، ولا تفوتها فرصة لحضور أمسياته الشعرية التي
تلقى صدًى طيبًا على الدوام، غير أنها تجد نفسها منجذبة بقوة لا مثيل لها
الى رسام ومصور لا يقل ابداعًا عن الشاعر المذكور سلفًا. وفي لحظة ضبابية
تمارس معه الحب، ولا تجد ضيرًا في الاعتراف لحبيبها الأول بما فعلته مع
صديقها الثاني.
أبو ظبي: ضمن برنامج مسابقة الأفلام الروائية الطويلة عُرض في اليوم الثالث
من المهرجان فيلم "صيف بومباي" للمخرج جوزيف ماثيو. وقد نال العرض استحسان
النقاد والاعلاميين والجمهور الغفير الذي حضر على حد سواء. يتناول هذا
الفيلم الرومانسي والدرامي أكثر من محور. غير أن القصة الرئيسة فيه يمكن
تلخيصها بـ "امرأة تقع في حب رجُلين" الأول حبيبها الشاعر والمثقف التي
حرصت على حضور أمسياته الشعرية ومتابعة قصائده التي ينشرها هنا وهناك.
والثاني هو الرسام والمصور الذي يتاجر بالممنوعات ثم يتعرض الى حادث مروع
يودي بحياته، فيما تشعر "غيتا" بفراغ مخيف رهيب اثر موته المروع الذي
يهّزها من الأعماق. لنتابع خيوط القصة على وفق سياقها الزمني الدي ورد في
السيناريو الذي كتبه المخرج نفسه. تنتمي "غيتا" (جسّدت الدور تانيتشا
تشاترجي) الى أسرة ثرية ميسورة الحال، وهي امرأة منغمسة في العمل، متحررة،
واثقة من نفسها، ترتبط بقصة حب مع الشاعر "جايديف" (لعب الدور سمرت
تشاكرابرتي)، لكنها تجد نفسها منجذبة أيضًا الى الرسام والمصور "مايدان"
أدى دوره الممثل (جانين غوسوامي). ينتمي الشاعر جايديف الى أسرة ميسورة
الحال أيضًا، لكنه يفضل العيش بعيدًا عن أسرته، إذ توفر له العزلة النسبية
قدرًا كبيرًا من التركيز في كتابة نصوصه الشعرية التي تنبض بالأحاسيس
والمشاعر الانسانية النبيلة. وقد قال في إحدى قصائدة التي تلاها في أمسية
شعرية كانت "غيتا" حاضرة فيها:" المدينة في بعض الأحيان لا تفرّق بين
الإنسان والكلب". أما الرسام والمصور مايدان فينتمي الى شريحة القاع، وهي
أوسع الشرائح في المجتمع الهندي. وعلى الرغم من موهبته الفنية إلا أنه
يتعرف على وغد يتاجر بالممنوعات فيجرفه هذا الأخير الى مساره الملئ
بالمجازفات. هنا تبدأ متاعب مايدان الحقيقة إذ يتوزع بين حبيبته من جهة،
وبين أهله وذويه من أخرى، وبين زميله الذي يقف دائمًا على الحافة الخطرة.
هكذا تتصاعد البنية الدرامية للفيلم الى أن تصل الى ذروتها، فتارة نرى غيتا
وهي تحتضن صديقها الجديد، وتقبّلة تارة أخرى الى أن ينتهي بهما الأمر
لممارسة الحب. لم تستطع "غيتا" أن تخبئ هذا الأمر الجلل عن حبيبها الشاعر.
وحينما تخبره يُصاب بصدمة كبيرة، فيطردها من البيت في لحظة غضب عنيف. وفي
خضم هذا الجو النفسي المتوتر لكلا البطلين تقع حادثة المصور ونفهم أنه قد
فارق الحياة. يعود اليها الشاعر بعد أن تهدأ أعصابه قليلاً ويعتذر لها،
لكنها تذهب الى بيت المصور وتقابل والدته التي تقول بأن "مايدان كان معجبًا
كثيرًا".
دقة الحوار وجمالية الصورة
يبدو أن جوزيف ماثيو كاتب سيناريو محترف، ويعرف جيدًا الأسرار الابداعية
لهذا النوع الفني من الكتابة الابداعية. فالحوار مقتضب، ومكثف، وسلس، لا
ترهل فيه. وقد تمكن من سحب المُشاهد الى لعبته الفنية التي تعتمد على
التتابع السردي الكرونولوجي الذي يرصد عملية تطور الأحداث ونموها نموًا
طبيعيًا يخلو من الهنات والعثرات. وقد تمكن بوساطة دقة الملاحظة المُشار
اليها سلفًا أن يكشف للمشاهدين عن طبيعة الصراع الطبقي والثقافي والاجتماعي
القائم بين الطبقتين الرئيستين في المجتمع الهندي وهما طبقة الأثرياء
الصغيرة نسبيًا لكنها تمتلك مفاتيح الحياة الاقتصادية والسياسية، وطبقة
الفقراء، الواسعة النطاق التي لا تمتلك غير الفقر وضيق ذات اليد. كان رصد
كاتب السيناريو دقيقًا الى الدرجة التي بتنا نعرف بوساطته طبيعة الحياة
اليومية في كلا الطبقتين الاجتماعيتين. وقد وفرت السفرة التي قام بها "مايدان"
الى أسرته بصحبة "غيتا" وحبيبها الشاعر، التصور الدقيق لحال الطبقة
الفقيرة، وطريقة عيشها، وبعض عاداتها وتقاليدها الثقافية والاجتماعية. كما
تعرفنا من خلال السيناريو أيضًا على طبيعة حياة الأسر الثرية في المجتمع
الهندي المعاصر. فنادرًا ما نشاهد منظر القبلات في الأفلام الهندية، غير أن
جوزيف ماثيو أراد أن يكسر الايقاع الرتيب الذي اعتادت عليه بعض الأفلام
الهندية التي لا تخرج عن النمط السائد خشية من ملامسة التابوهات المحرمة في
الهند. أما جماليات التصوير فقد تمثلت في اللقطات والمشاهد الجميلة التي
صورها الفنان أمول راثود سواء في الريف أو المدينة إذ أمدّت الفيلم على مدى
"105" دقائق بزخم كبير من الجمالية. ومن خلال التصوير يمكن للمشاهد أن يرى
الفرق المهول بين الأحياء الثرية الموسرة وبين الأحياء الفقيرة المعدمة.
أداء الممثلين
إن ما يلفت الانتباه في "صيف بومباي" هو القدرة التعبيرية الكبيرة
للممثلين الذين جسّدوا الأدوار الرئيسة الثلاثة في الفيلم. وربما كانت غيتا
هي النموذج الأكثر تألقًا في الفيلم من سواها لأسباب كثيرة. فنادرًا ما نجد
بطلة فيلم هندي تحمل مواصفات جمالية عادية، لأن رهان المخرج ليس قائمًا على
عنصر الجمال حسب، وإنما يمتد الى منطقة المشاعر والأحاسيس الصادقة التي
يمكن لها أن تجذب الجمهور وتجعله يتفاعل معها من دون الحاجة الى مواصفات
جمالية خارجية. فجمال الروح في كثير من الأحيان هو الأقدر على ملامسة جوهر
العاطفة الانسانية الراكسة في أعماق الإنسان. فغيتا هي فتاة خفيفة السمرة،
متوسطة الطول، وليس فيها ما يميِّزها عن باقي النساء الهنديات، لكنها
متمردة على واقعها الاجتماعي ورافضة له بشكلٍ ما. غير أن صدقها ومشاعرها
الحقيقة كانا يمثلان عنصري الشد والاغراء في شخصيتها المُحببة الى النفس،
ولولا هذا الصدق الحقيقي الكامن في أعماقها لما ذهبت الى حبيبها الشاعر
واعترفت له بأنها مارست الحب في لحظة غائمة مع صديقها المصور، ولولا هذا
الاعتراف لبقي السر طي الكتمان. لم يقتصر هذا الأداء العفوي المتقن على
غيتا وحدها وإنما يمتد الى الشاعر جايديف الذي أسَرَنا بشخصيته العميقة
المعبرة التي هي نتاج لعمقه الفكري والثقافي والانساني. أما المصور مايدان
فقد تألق في مجمل المشاهد التي أداها بسلاسة نادرة وإنسيابية لافتة
للانتباه. لا بد من الاشارة الى أن المشاهدين كانوا مندمجين مع الأحداث
الصادقة طوال مدة الفيلم وهذا يعني أن الملل لم يجد طريقه الى الكم الغفير
من المشاهدين الذين اكتظت بهم صالة العرض الرئيسة في قصر الامارات. ويبدو
أن هذا الفيلم سينال نصيبه من الجوائز القيمة التي يمنحها مهرجان الشرق
الأوسط السينمائي الدولي.
موقع
"إيلاف"
في
12/10/2009
موضوعات عاطفية وسياسية واجتماعية تكشف صورة تركيا الحديثة
15 فيلمًا في برنامج السينما التركية الجديدة في أبو ظبي
إيلاف / أبو ظبي:
يخص مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي السينما التركية ببرنامج لأفلام
العرض الأول فاتحًا بذلك نافذةً عربية على المنجز السينمائي التركي، في
إطار ستراتيجية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في مدّ جسور الحوار والتبادل
الثقافي والمعرفي بين الدول العربية وتركيا.
وتتعدد موضوعات هذه الأفلام التي تحقق رؤية إدارة مهرجان الشرق الأوسط
السينمائي الدولي عبر تبنيها لبرنامج "السينما التركية الحديثة" في عالم
مفتوح الحدود والآفاق على المنجز السينمائي العالمي بكل أطيافه وألوانه،
كما تتنوع مضامينها بين بيئية وسياسية واجتماعية وذاتية وعاطفية لتكشف
التفاصيل الدقيقة لصورة تركيا الحديثة بعين مخرجيها الكبار من أمثال بيلين
إسمر، أورهان إسكيكوي، أوزغور دوغان، أوزغان ألبير، درويش زعيم، سميح قبلان
أوغلو، رها إردم، يشيم أوسطا أوغلو، سيفي تيومان، ومحمود فاضل كوشكان
وآخرين.
ويتضمن برنامج العروض الخاص بالسينما التركية الحديثة عرض فيلمين مشاركين
في مسابقة الأفلام الروائية هما: "10 حتى 11" للمخرجة بيلين إسمر، و"في
الطريق إلى المدرسة" للمخرجين أورهان إسكيكوي و أوزغور دوغان، إلى جانب عرض
سبعة أفلام من أفلام العرض الأول في الخليج هي "خريف" للمخرج أوزغان ألبير،
"نقطة" للمخرج درويش زعيم، "حليب" للمخرج سميح قبلان أوغلو، "شروقي الوحيد"
لرها إردم، "صندوق باندورا" ليشيم أوسطا أوغلو، "كتاب الصيف" لسيفي تيومان،
و"المسبحة الخطأ" للمخرج محمود فاضل كوشكان.
كما يسبق العرض الأولي لهذه الأفلام الروائية الطويلة عروض ستة أفلام تركية
قصيرة هي "موت الشاعر" للمخرج إيليف إرغيزين، "حليب وشوكولاتة" للمخرج
سينيم توزين، "قربان" لعلي بيتيل، "حلاوة طحينية بالسميد" لإزغي قبلان،
"منعطف" لفرات مانشوهان، و"الانتظار" للمخرجة أمينة أمل بالسي.
ويعتبر الفيلم "10 حتى 11" للمخرجة بيلين إسمر وتمثيل نجاة إيشلر، مدحت
إسمر، تايانش، أيايدين، لاشين سيلان، سافاش آكوفا وسنان دوغميسي من أفلام
العرض الأول في الخليج والذي يتعرف الجمهور العربي والخليجي والإماراتي من
خلال مشاهده وحبكته السردية الروائية الطويلة على تفاصيل الحياة اليومية
لعجوز هو العم مدحت الذي يشغله الشغف بجمع الذكريات من عشوائية تفاصيل
حياته، لكن الأمر يصبح أكثر صعوبة عندما تتدهور حالته الصحية فيجبر في
نهاية الأمر على أن يترك ذكرياته للبواب علي.
ويعتبر فيلم "في الطريق إلى المدرسة" للمخرجين أورهان إسكيكوي و أوزغور
دوغان وتمثيل إيمري آيدن، زولكوف يلدريم، زولكوف هوز، رودجا هوز وفيهيب هوز
من الأفلام التركية الاستثنائية التي توثق تناقضات تركيا الحديثة والجدل
التاريخي حول المشكلات العرقية التي تعاني منها وأولها المسألة الكردية، إذ
يتتبع الفيلم تسلسل الأحداث في رحلة يقوم بها للمرة الأولى معلم تركي شاب
من غرب البلاد يتم إرساله إلى قرية كردية نائية في الجنوب الشرقي ليصبح
المعلم الوحيد في مدرسة القرية.
ويفتح فيلم "خريف" للمخرج أوزغان ألبير نافذة بيئية على جماليات الطبيعة
التركية من خلال اعتماد المخرج حلول فصل الخريف في جبال منطقة البحر الأسود
كخلفية مشهدية طبيعية منعكسةً على حياة السجين يوسف الذي يتم إطلاق سراحه
لأسباب صحية، فيعود ليعيش تفاصيل الفقدان المتواصل لحياة الشباب، كما يترك
هذا العمل الروائي بما فيه من بساطة وغنائية فريدتين علامةً راسخةً في
تاريخ السينما التركية المعاصرة.
أما فيلم "نقطة" للمخرج درويش زعيم وتمثيل نعمان أكر، كيم أكساكال، بيجوم
بيرغورين، بايازيت غوليركان، نادي غولر، حكمت كاراغوز، سرحت كيليش، شينر
كوكايا، محمد علي نوروغلو، ستار تانريوجين ومصطفى أوزونيلمار، فيصوّر حكاية
خطاط شاب موهوب يتورط في سرقة نسخة قديمة وثمينة من القرآن الكريم، ويبرز
هذا الفيلم كتجربة بصرية فنية صافية.
فيلم "حليب" للمخرج سميح قبلان أوغلو، تمثيل مليح سيلشاك وباشاك كوكلوكايا،
يقع ضمن أفلام "ثلاثية يوسف" ويروي قصة الصراع الداخلي الذي يعيشه الشاب
يوسف بشأن تركه المنزل، فرغم أنه متعلق بمنزله وحياته وما هو آمن ومعروف
بالنسبة إليه فإنه يتوق إلى التخلص من المألوف ليواجه الجديد القابع خلف
جبال بلدته ومبانيها.
ويقع فيلم "شروقي الوحيد" لرها إردم وتمثيل أوندرك، أنشيباس، إيليت إشكان،
إردال بيسيكتشيوغلو، وليفينت يلمار، ضمن مجموعة الأفلام العاطفية الذاتية
التي فتحت للسينما التركية باباً إلى الذات العربية عبر بوابة الوجدان، إذ
يجسد براعة التلاعب بالموسيقى التصويرية للمخرج في تصويره تجربة فتاة تبلغ
الرابعة عشرة من العمر، وتحاول عبر تمتماتها المتتالية التأقلم مع محيطها
الذي يخلو من الحب.
أما فيلم "صندوق باندورا" لييشيم أوسطا أوغلو من تمثيل تسيلا تشيلتون،
ديريا ألابورا، أونور أونسال، عثمان سونانت، أوفول أفكيران، تايفان
ياديمسوي، ونظمي كيريك، فيحكي الوجه الجميل للعلاقة الإنسانية بين الجدة
نصرة التي تتوه بين الجبال المحيطة بقريتها وحفيدها الفتى المتحضر مراد.
بينما يحمل فيلم "كتاب الصيف" لسيفي تيومان من تمثيل تينر بيرسيل، تايفون
غوناي، هارون أوزواغ، أيتن توكون وعثمان إينان، طابع السيرة الذاتية لسيفي
تيومان، ويسلط الضوء على الحياة الريفية التركية وما يخلفه البطريرك من
تساؤلات بعد وفاته عن المال المفقود والعشيقة الغامضة، وينبغي على علي ذي
السنوات العشر وشقيقه فيصل وعمهما حسن أن يمضوا صيفاً طويلاً قائظاً سعياً
لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن خيارات حياتهم.
وبالنسبة لفيلم "المسبحة الخطأ" للمخرج محمود فاضل كوشكان، وتمثيل نادر
ساريباكاك، غوركيم يلتان وإرسان أويسال ، فإنه يسرد قصة بسيطة بطيئة
الوتيرة عن غرام شاب مسلم وامرأة كاثوليكية، وتكمن فرادته في أنه بخلاف
الأفلام الأخرى التي تقدم الرأي العلماني الإشكالي حول دور الدين في عملية
تغريب تركيا المعاصرة، لا يقدم الإيمان على أنه مصدر معركة مستمرة.
موقع
"إيلاف"
في
12/10/2009 |