صفق النقاد الفرنسيون لفيلم "نبي" ومخرجه جاك أوديار باعتباره يستحق
السعفة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان كان، ولا خلاف في أن هذا الفيلم
الفرنسي جميل وناجح، لكن رئيسة لجنة التحكيم الفرنسية ايزابيل هوبير قد لا
تؤيد الانحياز لفيلم بسبب هويته الفرنسية فقط، خاصة وأنه لم يسبق أن حصلت
فرنسا على الجائزة في دورتين على التوالي، كما أن هوبير تميل إلى الأفلام
الإشكالية التي تتناول قضايا نفسية أو فلسفية معقدة فهل يعني ذلك أنها قد
تؤيد مكافأة فيلم
Antichrist للدانماركي لارس فون تراير رغم ما أثاره هذا الفيلم من جدل وتفاوت في
الآراء، خاصة بالنسبة للوسط النقدي والصحافي الفرنسي، تفاوت تراوح بين
الانتقاد الشديد من قبل غالبية الصحافيين وبين التصفيق الحار من قبل أقلية
من نقاد الصحافة المختصة على غرار مجلة "لونوفيل اوبسرفاتور" أو "دفاتر
السينما"، ومن أصحاب هذا الموقف الثاني نذكر بين النقاد العرب مدير مهرجان
مراكش نور الدين الصايل وابراهيم العريس وسمير فريد وكاتب هذه السطور وآمال
عثمان وجميعهم يجدون أن "ضد المسيح" مثل التحفة الفنية الأكبر سواء قدم
إجابات بديهية للأسئلة الإشكالية أم لا.
الجائزة قد تذهب أيضا للفيلم الكلاسيكي الغامض الجميل "الشريط الأبيض"
والذي صور بالأسود والأبيض، أي لفيلم النمساوي ميكائيل هانيكي الذي سبق
لرئيسة لجنة التحكيم أن أدت دور البطولة في أحد أفلامه. وربما آلت الجائزة
إلى المخرج الشاعر الذي يحبه أنصار الرومانسية ونعني المخرج ألان رينيه
الذي أثبت من خلال فيلم "الأعشاب المجنونة" أنه ما زال يملك خيالا خصبا بعد
أكثر من نصف قرن على رائعته الشهيرة "هيروشيما حبيبتي"، ويتردد في أروقة
المهرجان أن رينية لن يخرج خالي الوفاض وأنه على الأقل سيحصل على جائزة
تقدير خاصة لمجمل أعماله. وقد تميل لجنة التحكيم إلى مكافأة الأمريكي
الموهوب كوينتن تارانتينو "أولاد حرام غير عظماء" الذي نال الإعجاب لكنه لم
يرق إلى مستوى أفلام تارانتينو السابقة التي نال بعضها السعفة الذهبية.
ولعل الجائزة تكون من نصيب "عناق مكسور" للإسباني بيدرو المودوفار
الذي ما زال ينتظر السعفة الكبرى رغم مشاركاته السابقة بأفلام جميلة وخاصة
"فولفير"، مع أن فيلمه الجديد لم يكن أيضا بمستوى أفلامه السابقة. وليس
مستبعدا أن يكافأ البريطاني كين لوش مخرج فيلم "البحث عن ايريك" بالسعفة
الذهبية فالفيلم الذي يلعب بطولته نجم الكرة الفرنسية ولاعب نادي مانشستر
يونايتد حظي بإعجاب كبير. حظ البريطانيين قد يكون مزدوجا بفضل فيلم أندريا
أرنولد "حوض السمك"، وقد تجنح الجائزة إلى نيوزيلندة لتكافئ جين كامبيون
على فيلمها الأنيق الجميل "نجمة لامعة" رغم ما سجل عليه من ملاحظات.
وربما قررت لجنة التحكيم منح سعفتها للفيلم الصيني "حمى الربيع" الذي
يتحدث عن المثلية الجنسية والذي صوره المخرج بشكل سري لأنه ممنوع من العمل
في الصين، رغم أن هذا الفيلم يفتقد لكثير من عناصر النجاح والتألق الفني.
وهل تمنح السعفة الذهبية لفيلم سياسي مثل "انتصار" للمخرج بيلوشيو الذي
يحكي قصة عذابات المرأة التي أحبت موسوليني رغم مآخذ الصحافيين الإيطاليين
عليه من حيث مصداقية الرواية التاريخية وملامح شخصية البطلة خاصة وأن
العلاقة بينها وبين موسوليني كانت مادة لفيلم تسجيلي تلفزيوني معروف جدا في
إيطاليا. ولم لا تمنح جائزة السعفة الذهبية لفيلم سياسي آخر جميل جدا لمخرج
سطع نجمه في كان قبل سبع سنوات بفضل "يد إلهية" ويعود اليوم ليؤكد موهبته
في "الزمن المتبقي" منددا بتغييب الإنسان الفلسطيني وتغييب ثقافته وحضارته
على أرضه التي تمتد جذوره عميقا في ترابها، ونقصد هنا إيليا سليمان الذي
يستحق بدوره جائزة السعفة الذهبية والذي صفق الجمهور والنقاد لفيلمه، فهل
تكون الجائزة إشارة في وقت يؤيد فيه رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما
والأسرة الدولية تحقيق السلام العربي الإسرائيلي.
مهما تكن هوية الفائز بالسعفة الذهبية وبقية الجوائز فإن الدورة
الثانية والستين لمهرجان كان تميزت بفضاء التعدد والتنوع السينمائي سواء في
الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية أو في مختلف التظاهرات الموازية.
وبغض النظر عن هذه الجوائز، كانت هذه الدورة كانت مهمة من حيث مشاركة
مخرجين من العيار الثقيل سبق وحصلوا على السعفة مثل تارانتينو وكين لوش
ولارس فون تراير وجين كامبيون أو من الذين يستحقونها مثل الدوموفار
وبيللوشيو وهانيكي وجوني تو أو انج لي، رغم بعض التراجع عما عرفناه في
تجاربهم السابقة. ولا ننسى العملاق كوبولا الذي لم يشارك في المسابقة لأن
إدارة المهرجان اقترحت عرض فيلمه خارجة التنافس، وعليه فضل صاحب "القيامة
الآن" و"العراب" المشاركة في تظاهرة موازية ليثير حدثا إعلاميا مدويا لصالح
تظاهرة نصف شهر المخرجين. وبالتأكيد فإن استبعاد كوبولا من المنافسة لا
يعكس ذكاء كبيرا خاصة وأن إدارة المهرجان قبلت بمشاركة حائزين سابقين على
السعفة الذهبية.
يبقى القول إن أفلام اليوم الأخير في المهرجان لم تكن بمستوى سابقاتها
إذ تابعنا ثلاثة أفلام متواضعة وأحيانا ضعيفة كما هو حال فيلم "وجه" للمخرج
التايواني تسي مينغ ليانغ وهو فيلم ممثل ثقيل لم تنفع معه مشاركة نجوم
فرنسيين مثل فاني أردان وجان بيير لو وليتسيا كاستا، كما لم ينفع اختيار
متحف اللوفر كموقع للتصوير، إذ بدأ الصحافيون بمغادرة قاعة العرض منذ ربع
الساعة الأول أما القلة التي بقيت حتى النهاية فلم تكلف نفسها عناء
التصفيق. نفس الاستقبال الفاتر كان من نصيب الفيلم الفرنسي "الفراغ فجأة"
للمخرج الأرجنتيني جاسبار نوي الذي يعيش في فرنسا والذي تعرف عليه جمهور
المهرجان قبل أعوام في فيلم
Irréversible
حيث عرض الأحداث بدءا من النهاية بشكل معكوس وصور فيه مشهد اغتصاب عنيف
وصادم لامرأة من الخلف أدته مونيكا بيلوشي. ومعروف عن نوي التطويل والغرابة
والاستفزاز وهو يعرض في "فراغ مفاجئ" وفي جو من الغموض الممل حكاية أخ
وأخته تعاهدا على الوفاء والولاء إثر موت والديهما في حادث سير، لنتابعهما
لاحقا يعيشان في طوكيو بعد أن أصبح الشقيق مدمنا للمخدرات ومتاجرا بها
بينما شقيقته راقصة تعري في أحد النوادي الليلية، إلى أن يقتل الأخ خلال
اقتحام لشرطة مكافحة المخدرات، لكنه يرفض الموت كي لا يخون عهده لشقيقته.
المشاهد الأولى في هذا الفيلم صورت بشكل جميل، لكن الاستغراق في عرض
الفضاءات البصرية الملونة وهلوستها تحت تأثير المخدرات كان مبالغا لدرجة
أننا نشاهد على امتداد خمس دقائق صورا بيضاء مشعة في الفراغ، ناهيك عن
التطويل غير الموظف مما أخرج الفيلم من سيرته البصرية إلى سيرة عبثية
ثقيلة.
اما الفيلم الأسباني "اليابان" الذي صورته المخرجة ايزابيل كواكسيه
فكان ضائعا في مزيج غريب بين اسبانيا واليابان وما فيها من تناقضات
حياتية وثقافية. ويبدأ الفيلم بتحلق مجموعة من رجال الأعمال اليابانيين
والغربيين حول عشاء أنيق على طاولة هي عبارة عن أجساد أربع نساء أوروبيات
عاريات، أحد الحاضرين ثري ياباني يكتشف أن ابنته الوحيدة أقدمت على
الانتحار، فيحمل المسؤولية لصديقها الإسباني الذي يعمل تاجرا لبيع الخمر في
طوكيو ويقرر استخدام قاتل مأجور للانتقام من الصديق الإسباني. هذا القاتل
المأجور هو الشابة الجميلة رفو التي تبدو رقيقة وهشة ظاهريا لكنها تعيش
حياة مزدوجة تجمع بين بيع السمك في السوق وبين تنفيذ عمليات قتل بين حين
وآخر. لكن رفو تقع في حب الإسباني تحت أنظار مهندس صوت مهووس بضجيج المدينة
ومهووس بالجميلة القاتلة. وتحاول رفو الدفاع عن حبيبها الجدي في مواجهة
قاتل مأجور آخر فتحميه بجسدها الذي يتلقى الرصاص عوضا عنه.
في هذا الفيلم تصوير جميل لبعض مشاهد الجنس، لكن الايروتيكية التي
يقوم عليها تخرج من السياق الدرامي للأحداث لتبدو مجرد مشاهد جنس تجارية
رخيصة تؤديها امرأة جميلة وجميلة جدا هي تلك القاتلة الضحية
موقع
"إيلاف" في 24
مايو 2009
السعفة الذهبية في مهرجان كان جائزة يطمح اليها الجميع
إيلاف من كان: "أ ف ب" السعفة الذهبية لمهرجان كان للسينما التي تصنع
في مشغل للحُلي الراقية وستوزع الاحد، اختيرت في 1955 بدلا من "الجائزة
الكبرى" التي كانت شهادة او دبلوما مزينا بعمل فني.
وتفيد الرواية ان اختيار السعفة الذهبية فرض نفسه بسبب شجر النخيل الذي
يحيط بالواجهة البحرية في كان وشعار المدينة. ووضعت مصممة المجوهرات لوسيان
لازون الرسم الاول لهذه السعفة.
والسعفة الذهبية بحد ذاتها لم تقدم سوى 48 مرة منذ اعتمادها للمرة
الاولى مع احتساب خمس مرات منحت بالتساوي بين فيلمين. وكافأت اول سعفة
ذهبية فيلم "مارتي" للمخرج الاميركي ديلبيرت مان. وكانت لجنة التحكيم يومها
برئاسة مارسيل بانيول. وانشأ روبير لوفافر لو بريت المندوب العام للمهرجان
بعدها جائزة كأس مهرجان كان مرادف الاسد الذهبي في مهرجان البندقية المنافس
الاكبر لمهرجان كان.
لكن الكأس لم تحظ بالاجماع وتم التخلي عنها بعد مهرجان العام 1963.
وعاد مجلس ادارة المهرجان الى اعتماد الدبلوم قبل ان يتخلى عنه مجددا في
1975 ليعيد الاعتبار نهائيا الى السعفة الذهبية. نادي الذي حازوا السعفة
مرتين ضيق جدا ولا يضم اكثر من خمسة اعضاء هم فرانسيس فورد كوبولا (في 1979
و1974) وشوي ايمامورا (1983 و1997) وبيلي اوغست (1988 و1992) وامير
كوستوريتسا (1985 و1995) والشقيقان داردين (1999 و2005).
ومنحت جائزة السعفة الذهبية مرة واحدة الى امرأة هي المخرجة
النويزيلندية جاين كامبيون عن فيلم "البيانو" في 1993. وفي الذكرى الخمسين
لانشاء مهرجان كان في 1977 منحت "سعفة السعف" الى انغمار برغمان وسلمت في
غيابه الى ابنته ليف اولمان. وفي 1997 قامت كارولين غروسي شوفيلي رئيسة
مجموعة شوبار السويسرية للمجوهرات السعفة الذهبية. وفي اطار شراكة مع
المهرجان تقدم دار المجوهرات السوسرية العريقة هذه سنويا السعفة التي تبلغ
كلفتها عشرين الف يورو.
والسعفة المقوسة قليلا تحمل 19 ورقة منحوتة باليد وتأخذ عند قاعدتها
شكل قلب هو شعار شوبار. وعلى الدوام ثمة سعفة ذهبية ثانية غير مؤرخة في
الاحتياط في حال وقوع اي حادث او منح الجائزة الى فيلمين. والجائزة مصنوعة
من الذهب من عيار 24 قيراط وتوضع يدويا في قالب من الشمع ثم تثبت على قطعة
بلور جندلي محفورة على شكل ماسة.
وتشدد غروسي شوفيلي على ان "الطبيعة لا تولد ابدا بلورتين مماثلتين
لذا فان كل سعفة فريدة من نوعها". ومنذ العام 2000 تمنح سعفتان صغيرتان هما
نسختان عن السعفة الرئيسية الى الفائزين بجائزة افضل ممثلة وممثل. وتسليم
الجائزة محطة مفعمة بالعواطف دائما. وقال موريس بيالا الذي حاز الجائزة
العام 1987 عن فيلم "تحت شمس الشيطان" (سو لو سوليي دو ساتان) للجمهور الذي
اطلق صيحات استهجان حياله، جملته الشهيرة "اذا كنتم لا تحبونني يمكنني ان
اقول لكم انني لا احبكم ايضا".
موقع
"إيلاف" في 24
مايو 2009
|