يقول جيليس جاكوب، رئيس مهرجان كان السينمائي «كيف لا يمكننا أن نطلق
على مهرجان كان «العائلة الكبيرة» والإخوة كوين يصفونني في رسائلهم بعمي
العزيز». لذلك، لا أحد من النقاد يجد حرجاً كبيراً بإطلاق ألقاب «الأبناء
المدللون» على كيروستامي وكوستريكا وفيندرز وكار واي وغيرهم من المخرجين
الذين يحظون بمقعد أساسي ودائم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي،
بغض النظر عن مستوى أفلامهم، فأفلام كوستريكا وفيندرز الأخيرة، أو حتى جميع
أفلام الأمريكي جيمس غراي، لا تصل لمستوى أفلام تتنافس على أهم جائزة
سينمائية في العالم.
هذا العام، وفي الدورة التي افتتحت مساء أمس، وصلت إدارة كان لأقصى
درجات التطرف في التدليل، لكل المخرجين الذين سبق وأن دخلوا حصن «كان»
الكبير، حتى وصل الأمر للمهرجان بأن يرفض فيلم فرانسيس فورد كوبولا الأخير
من المسابقة الرسمية، وهو الفائز من قبل بسعفتين ذهبيتين، والطلب منه بأن
يعرض فيلمه خارج المسابقة، إلا أن المخرج الشهير صاحب ثلاثية العرّاب
و»القيامة الآن»، شعر بالإهانة من هذا الطلب لعدم تناسب مكانة «خارج
المسابقة» مع الروح المستقلة في فيلمه «تيترو» الذي يتحدث عن عائلة من
الفنانيين المهاجرين، وليتم الاتفاق معه في نهاية المطاف بعرض فيلمه في
افتتاح تظاهرة «أسبوعي المخرجين» التظاهرة التي من المفترض أن تكون منفصلة
تماماً عن «كان» والتي تروج لنفسها دائماً بأنها الحاضن الأول للسينمائيين
الشباب والجدد.
في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والستين من المهرجان الفرنسي
الشهير، يوجد أربعة من المخرجين الذين سبق لهم وأن فازوا بجائزة المهرجان
الكبرى السعفة الذهبية، وهؤلاء الطامحون بالسعفة الثانية، هم؛ الأمريكي
الوحيد في المسابقة كوينتن تارنتينو ولارس فون تراير وجين كامبيون وكين
لوتش.
يشارك تارنتينو بالفيلم الجماهيري الأكثر ترقباً في المسابقة (
Inglorious
Basterds)
بمشاركة النجم براد بيت وصامويل جاكسون في نسخة «السباغيتي ويسترن» الخاصة
من تارنتينو عن الحرب العالمية الثانية، وهو المهووس بمثل هذه الموضوعات،
منذ إسقاطاته في «أقتل بيل» بجزأيه، وحتى مشاركته كممثل مع «تاكيشي مييكي»
العام قبل الماضي. وإذا ما كان تارنتينو سيدنو من الفيلم الحربي لأول مرة،
فإن الدانمركي لارس فون تراير، وإن كان ليس بغريب عليه الخوض في أنواع
سينمائية جديدة، فسيشارك، قبل أن ينهي ثلاثيته «الأمريكية» التي بدأها ب(دوغفيل)،
بفيلم الرعب (Antichrist) عن زوجين، لا يظهر طوال الفيلم غيرهما (وليم دافو وشاروليت غانسبورغ).
ولا أحد يعلم ما إذا كان المخرج الإنكليزي كين لوتش سيتخلى عن «واقعيته
الاجتماعية» في فيلمه الجديد (البحث عن إيريك) الذي يشارك فيه لاعب نادي
مانشستر الشهير إيريك كانتونا بشخصيته الحقيقية الذي يغير حياة موزع بريد
محبط، بينما يدور فيلم ( ) للمخرجة النيوزيلندية جين كامبيون حول السنوات
الثلاث الأخيرة لحياة الشاعر الإنكليزي جون كيتز.
ينافس هؤلاء الأربعة، أسماء لها ثقلها في أروقة المهرجان، وممن حققوا
إنجازات مختلفة في الدورات السابقة أو في مهرجانات مختلفة، كالإسباني
الطامع بالسعفة «بيدرو ألمودوفار»، صاحب أفضل إخراج عن فيلم (كل شي عن أمي)
وأفضل سيناريو عن (فولفير) في تعاونه الجديد مع النجمة «بينولبي كروز» في (عناقات
مكسورة). والنمساوي مايكل هانكي بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها في (مختبيء)
دورة 2005 يعود بفيلم (الشريط الأبيض) عن حياة قرية في شمال ألمانيا عشية
اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وهناك المخرج التايواني الأصل آنغ لي المتوقع له حضوراً لافتاً
للأنظار بفيلم الكوميديا الأمريكي (Taking Woodstock)
الذي يتحدث عن مهرجان «وودستوك» الموسيقي في دورته الأولى عام 1969 بصفته
أحد أهم اللحظات التاريخية التي شكلت ملامح الثقافة الشعبية الأمريكية ذلك
الوقت. كما يشارك الآسيويون بخمسة عناوين جديدة، كوريا الجنوبية بفيلم
(عطش) لمخرج فيلم (أولد بوي) شان ووك بارك عن قصة معقدة حول مواضيع الحب
والقتل ومصاصي الدماء، والصين بالمخرج المثير للجدل «لو اي» الممنوع من
صناعة الأفلام من قبل الحكومة بسبب فيلمه الذي شارك في كان 2006 (قصر
الصيف) والذي صوّر فيه وحشية الحكومة في تدخلاتها ضد تظاهرات الطلاب،
ويشارك هذا العام بفيلم (حمى الربيع) الذي سيغضب الحكومة أيضاً في تناوله
لموضوع العلاقات العاطفية، كما يشارك زميله «جوني تو» بفيلم (انتقام)،
ويشارك التايواني صاحب التجربة الفريدة في السينما الآسيوية «مينق ليانق
تسي» بفيلم (وجه) والفلبيني الصاعد العام الماضي «بريلانتي ميندوزا» بفيلم
(كينتاكي).
ويمثل السينما الشابة في المهرجان، أو الجيل الجديد من أبناء كان،
الإنكليزية إندريا آرنولد، التي منذ فوزها بلجنة التحكيم 2006 عن فيلم
(الطريق الأحمر) والجميع يترقب جديدها، والذي سيكون هذا العام فيلم (
fish tank)، كما أن الجماهير ستترقب كثيرا عودة أبرز مخرجي الجيل الفرنسي
الجديد «غاسبر نوا» بفيلم (
Enter the Void).
هذا وسيشارك المخرج الفلسطيني «إيليا سليمان» بفيلم عن تاريخ تكوّن
الدولة الإسرائيلية منذ الأربعينيات بعنوان (الزمن الباقي)، وآخر الوجوه
الشابة، نسبياً، جاكي أوديارد بفيلم (النبي) والوجه الجديد على المهرجان
الإسبانية «إيزابييل كويكست» ب(خريطة أصوات طوكيو).
ومع حرص مهرجان كان على تواجد أكبر قدر ممكن من مخرجيها المفضلين، إلا
أن الفرنسي العريق «آلان رينيه»، والذي سبق وأن سحبت أفلامه (ليل وضباب)
1955 و( هيروشيما حبيبتي) 1959 بعد دخولها في المسابقة الرسمية للمهرجان
لجرأتها السياسية، ولانضمامه لرابطة منتقدي المهرجان فترة بروز الموجة
الفرنسية الجديدة، سيشارك في المسابقة بفيلم المغامرات العاطفية (عشب
متوحش)، ويزامله من حيث الأقدمية الإيطالي «ماركو بيلوشيو» بفيلم لا يختلف
كثيراً عن مواضيع السينما الإيطالية مؤخراً عن ابن سري لزعيم إيطاليا
موسيليني.
إذن.. تسعة عشر مخرجاً سبق وأن شاركوا في المهرجان، فقط إيزابيل
كوكسيت هي المخرجة الجديدة هذا العام، وهي التي تعد معروفة لدى الكثيرين
منذ انطلاقتها في برلين بفيلم (حياة بدوني) للنجمة سارة بولي، أو فيلمها (إيليجي)
مع بينولوبي كروز وبين كينغسلي العام الماضي. مما يعني أننا لن نشهد أي
اكتشافات سينمائية جديدة هذا العام.. العام الماضي على الأقل كان يضم تسعة
مخرجين في المسابقة الرسمية يشاركون للمرة الأولى.
حتى القسم الذي كان معنياً باحتواء سينمائيي التجربة الأولى، قسم
«نظرة خاصة»، يضم هذا العام الروماني صاحب السعفة الذهبية «كريستيان مونغو»
وأصحاب الكاميرا الذهبية في الأعوام الأخيرة، والذين من المفترض أنهم
تجاوزا مرحلة المشاركة في قسم «نظرة خاصة» كالإيراني «باهمان غوبادي»
والروماني «برومبولو»، أو حتى مخرجين سبق لهم وأن حققوا إنجازات مختلفة في
المسابقة الرسمية نفسها، كالياباني «كوريدا» والفرنسي «كافالير» والروسي «بافيل
لونقين».
حتى ولو كان المهرجان يوحي بأننا سنفتقد متعة التعرف على مخرجين جدد
هذا العام، وهي الفلسفة التي حاول أن ينتهجها المهرجان بداية الألفية
الجديدة، فإننا سننظر إلى الجانب المشرق من الموضوع، معاصرة أكبر تجمع
لأصحاب السعف الذهبية في مهرجان واحد، إنها الدورة الذهبية في تاريخ
السينما المعاصرة.
فيلم الافتتاح
UP
افتتحت فعاليات الدورة ٦٢ لمهرجان كان السينمائي مساء البارحة بالفيلم
الرسومي الأمريكي (فوق -
UP)
هو أحدث إنتاج لأستوديو بيكسار الشهير ويخرجه الأمريكي بيتي دوكتير الذي
قدم عام ٢٠٠١ فيلم (شركة المرعبين المحدودة)، يحكي فيلم
UP
قصة العجوز كارل فريدريكسن ذي الثماني والسبعين سنة والذي قرر القيام برحلة
العمر إلى أمريكا الجنوبية وفاءً للعهد القديم الذي التزم به تجاه زوجته
الراحلة، وبعد أن ربط منزله بآلاف البالونات كي يطير به إلى وجهته الجديدة
يكتشف كارل أنه أخذ معه طفلاً صغيراً ومزعجاً.
سكورسيزي يحتفي بالسينما المصرية.. في كان
قبل أن يكون مارتن سكورسيزي مخرجاً أمريكياً عظيماً فهو عاشق للسينما
ومؤرخ سينمائي كبير بلغ به حرصه على تاريخ السينما أن أسس في سويسرا عام
٢٠٠٧ مؤسسة «سينما العالم» التي تعنى بالبحث عن الكلاسيكيات السينمائية
المهملة وإعادة ترميمها وبعثها من جديد في صيغ رقيمة نقية حفظاً لها من
الزوال، وفي الدورة الحالية لمهرجان كان السينمائي سيبرز الدور الذي يلعبه
سكورسيزي لحفظ تراث السينما عبر قسم «كلاسيكيات كان» حيث يقدم جملة من
الروائع السينمائية من بينها الفيلم المصري (المومياء) ١٩٦٩ للمخرج شادي
عبدالسلام الذي يصنف كواحد من أفضل الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية
في تاريخها، وإلى جانب هذا الفيلم سيعرض قسم «كلاسيكيات كان» أفلاماً
للمخرج الفرنسي هنري كلوزو والإيطالي ميغيل آنجلو أنتونيوني ومواطنيه
لوتشيانو فيسكونتي وسيرجي ليوني والفرنسي غودار.
فيلم الختام
COCO CHANEL
&
IGORSTRAVINSKY
يختتم مهرجان كان فعالياته في ليلة الأحد الرابع والعشرين من مايو
الحالي فيلما يحكي قصة مصممة الأزياء الشهيرة كوكو شانيل، الفيلم للمخرج
يان كوينن ومن بطولة الممثلة الفرنسية آنا موغلاليس التي تؤدي دور كوكو
شانيل، والممثل الدانمركي مادز ميكلسن في دور الموسيقار الروسي إيغور
سترافنسكي، وما بين هاتين الشخصيتين تجري أحداث الفيلم، حيث يصور العلاقة
السرية التي نشأت بينهما عام ١٩١٣ مستعرضا خلال ذلك شغف كوكو شانيل بالشاب
الثري الوسيم ولاعب البولو آرثر بوي كابل.
الرياض
السعودية في 14
مايو 2009
|