كما هو متوقع، كان فيلم ( المليونير المتشرد )، أو(مليونير
الأحياء الفقيرة) في ترجمة أخرى، الفائز الأكبر ليلة أول من أمس، حاصداً
ثماني
جوائز أوسكار، بحيث كان على كل من ينتظر نتائج هذا العام توقع
ذلك عند مقارنته مع
ترشيحات الأفلام التي كانت مجاورة له، من دون أن يفوتنا أن جوائز التمثيل
ستكون في
مكان آخر بعيد عن أحياء مومباي، والفقر الذي يشذبه «مليونير الأحياء
الفقيرة»بلمسة
ميلودراما لها أن تنحاز للحب، وتضع أملاً في نهاية النفق يتمثل
في برنامج «من سيربح
المليون» بنسخته الهندية، لا بل البداية بهذا الأمل ونحن نرى جمال مالك (ديف
بيتل)
يستعيد كل حياته وفق الأسئلة التي أجاب
عليها في ذلك البرنامج، ولعل سرد الفيلم
لأحداثه وفق تلك الآلية منح حركية عالية للفيلم، وإيقاعا سريعا
نجح في إبقاء
المشاهد مشدوداً إلى الشاشة بانتظار المزيد من البؤس الذي يكمن خلف كل
إجابة ينطق
بها جمال، مع إحلال الطمأنينة بأنه سيكون مليونيراً، وأن هذا البؤس، على
صعيد فردي
بحت، في طريقه لأن يتبدد، ولا أمل لنا إلا في التلفزيون وبرامجه التي
بمقدورها قلب
حياة الإنسان رأساً على عقب.
ثماني أوسكارات رقم استثنائي بكل المقاييس،
وأمر يدفعنا لإحالة ذلك إلى «بوليوود»، وقدم لها هذا الفيلم
مثالاً يجب أن تحتذيه
بشكل أو آخر، وخصوصاً أن «مليونير الأحياء الفقيرة» ظل وفياً بذكاء
للميلودراما
البوليوودية، واستعان بممثلين بوليووديين كعرفان خان، المثال الذي يحضرني
الآن، لكن
بالتصاق بالواقع الذي تشيح بوجهها عنه الصناعة السينمائية البوليوودية،
وأجل
الرقصات والأغاني إلى آخر الفيلم مكتفياً بواحدة فقط لا غير،
لا بل إن الفيلم مأخوذ
عن رواية للكاتب الهندي فيكاس سوراب، وهو في النهاية خلطة انجليزية
هندية.
استعراض باقي الجوائز سيكون بمثابة إضاءة للجوائز التي لم يحصدها «مليونير الأحياء الفقير»، وتحديداً في
التمثيل كما أسلفنا، فأوسكار أفضل ممثلة
مثلما هو أكثر من متوقع، كان من نصيب كيت وينسلت عن دورها في فيلم «
القارئ» الذي
أخرجه المميز ستيفن دالداري، شاهدوا هذا الفيلم، وشاهدوا وينسلت كيف لعبت
شخصية
هانا، شاهدوها وهي تقف أمام رالف فينس، وستعرفون كيف أنها كانت
بلا منافسات، وإن
كانت انجلينا جولي قد قدمت واحداً من أهم أدوارها في فيلم كلينت ايستوود
«تبديل»،
وأشياء كثيرة تدفعنا للقول: يكفي ميرل ستريب حصولها عليه مرتين على
اعتبارها كانت
من المنافسات لها، حان الوقت للاحتفاء بوينسلت وهي تنتقل من دور جميل إلى
آخر بديع،
أعيدوا في الذهن أفلامها وسترون كم هي خاصة ومتألقة، وإمعاناً
في الغزل أكثر فإن
أشياء كثيرة تدفع لأن نقول لها «ألف مبروك»، العبارة نفسها الصالحة
لتوجيهها إلى
شون بين وهو ينال أوسكار أفضل ممثل في دور رئيس، وللمرة الثانية بعد أن
فعلها منذ
خمس سنوات عند دوره في فيلم «نهر غامض»، ومعه كل أدواره الخاصة
جداً، المجملة بنزعة
تمردية معروفة، وليبقى ما قدمه في دوراً من الأدوار التي تستهوي أعضاء
أكاديمية
السينما الأميركية، فهو هارفي ميلك الناشط والمثلي، والصالح لأن يكون
معبراً لتسليط
الضوء على زوايا معتمة في التاريخ الأميركي، لكن، وعودة إلى
توجيه المباركة لبين،
فإن منافساً له يحز في النفس، قدم دوراً استثنائيا حقاً هو ميكي رورك في
فيلم «المصارع» كان يستحق عليه الأوسكار بامتياز،
ولعل بين كما أوحى في كلمته لدى تسلمه
الأوسكار كان مدركاً لذلك، هذا لئلا نقول إنه كان يتمناها
لرورك.
«ميلك» حصل
أيضاً على أوسكار أفضل سيناريو مكتوب مباشرة لفيلم، وهذا طبيعي جداً كون
السيناريو
نقطة قوة الفيلم الرئيسة.
ولدى الحديث عن أوسكار أفضل فيلم أجنبي، فجميع
التوقعات كانت متجهة إلى فيلم آري فولمان«فالس مع بشير»، فإذا
بها تكون من نصيب
الفيلم الياباني «المرحلون»، ولعل أعضاء الأكاديمية أدركوا أن في الفيلم ما
يسيء
لإسرائيل أكثر ما يكرمها ويجعلها من أصحاب الأوسكارات، يبقى هذا تخميناً
مستنداً
بقوة إلى الفنية العالية للفيلم والخصوصية التي يتحلى بها في
جوانب
عدة.
الخاسر الأكبر في حفل أول من أمس، هو فيلم ديفيد فينشر «الحالة
العجيبة
لبنجامين باتون»، فمن بين 13 ترشيحاً حصل على ثلاثة أوسكارات كانت تقنية،
كأن يكون
أفضل ماكياج من نصيب هذا الفيلم لا محالة، وأفضل مؤثرات صوتية، لكن كتأكيد
على ما
سبق أن كتبته، فإن هذا الفيلم قد يدفعنا إلى وصفه بالجميل
والمحكم، لكنه لا يحمل أي
جديد، لا بل إن نصفه الثاني محرض جيد للإحساس بالملل، وإن كان براد بيت
أمامنا وإلى
جانبه كيت بلانشت. في أوسكار السنة الماضية لم يكن هناك من فيلم استأثر
بالجوائز
مثلما الحال هذا العام، بل كانت موزعة على هذا الفيلم وذاك،
وقد كان أكثرها «لا بلد
للعجائز» بأربع أوسكارات، مع الحفاظ على الحضور الانجليزي المدوي دائماً في
الأوسكار الأميركي، ولنا هنا في «مليونير الأحياء الفقيرة» ومخرجه دونوي
بويل ومعه
بالتأكيد كيت وينسلت، وأسماء كثيرة يتردد صداها في كل حفل
أوسكار.
الإمارات اليوم في 24
فبراير 2009
جديد براد بيت
وكيت بلانشيت
«الحالة
العجيبة لبنجامين باتون»..
ماذا لو كانت الطفولة شيخوخة
زياد عبدالله – دبي
الزمن كفيل بكل شيء، وقادر دائماً على إلحاق الهزيمة بنا، والساعة
ليست إلا «ضريح الآمال والرغبات كلها» كما يقول وليم فوكنر، ولعل الزمن لم
ينسجم
يوماً وحاجات البشرية، وله أن يكون مبكراً أو متأخراً، وليس له
أن يكون في توقيته
المناسب إلا نادراً، وعليه تمسي الشيخوخة بالمرصاد، ويغدو الشباب فترة
وجيزة سرعان
ما تنقضي. فيلم The Curious Case of Benjamin Button (الحالة
العجيبة لبنجامين
باتون) الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية، يأتي من الزمن، يهب من
عقاربه
ويديرها في اتجاه معاكس، في مسعى منه لأن تكون الحياة مقلوبة
رأساً على عقب،
وبالتالي تشريح هذا الزمن بمراحله المتدرجة والمتفق عليها كما لم يحدث من
قبل:
طفولة، مراهقة، شباب، كهولة، شيخوخة، لكن
ماذا لو بدأنا بالعكس أي من الشيخوخة بحيث
نتلقى الموت الذي يترصدنا ونحن أطفال، وعلى قدر لا بأس به من «الفانتازيا»
والاتكاء
على قصة الروائي الأميركي الشهير سكوت فيتزغرالد.،ألن نكون في الحال أمام
الحالة
العجيبة لفيلم يحاول أن يكون عجيباً؟ وخارقاً لا لشيء إلا لأنه متسلح بكل
مقومات
النجاح التي حملتها أفلام أميركية كثيرة مثل «فورست غامب»، أول
مثال يتبادر إلى
الذهن لدى مشاهد «بنجامين باتون»، الإجابة متشعبة بالتأكيد ونحن نتحدث هنا
عن فيلم
مرشح لـ13 جائزة أوسكار، وعلى وفاء تام لأن يقدم للمشاهد فيلماً يضيفه إلى
قائمة
أفلامه الأميركية المحكومة بصيت ذائع. ننسى بعض الشيء الإجابة
عما تقدم، ونضيء
منابع الضجة الإعلامية التي رافقت هذا الفيلم، المتأتية لا محالة من براد
بيت وكيت
بلانشيت، ثم مخرج الفيلم ديفيد فينشر صاحب «زوديك» و«نادي القتال» وغيرهما
من أفلام
محكمة، وكذلك الأمر مع كاتب السيناريو ايريك روث صاحب سيناريو
«فورست غامب» الذي
كان طيفه يحوم في أرجاء «بنجامين باتون»، ولتكون نتيجة اجتماع كل هؤلاء
فيلماً
مميزاً بالتأكيد لكن لا جديد فيه بالمعنى العميق للكلمة، ولعل عدد
الأوسكارات التي
سيحصدها لن يكون في النهاية إلا ترسيخاً لهذا النوع من الأفلام
بوصفها أجمل وأفضل
ما تنتجه هوليوود، أي الأفلام التي تبني منطقها على فكرة تبدو غريبة قريبة
من
الخوارق، وسرعان ما تتكشف عن مقولة خاصة، وتجسيد لتلك الفكرة لتقول كل ما
يتعلق
بها، الفكرة في «بنجامين باتون» تكمن في الزمن وإحداث انقلاب
في المراحل العمرية،
وبالتالي العبرة هنا، فما نقلبه قد نفهمه أكثر، وما يتغير يمسي توضيحاً
للثابت، وما
نحن إلا عبيد الزمن، وكل محاولاتنا لقهر الزمن محكومة بالفشل.
قصة «الحالة العجيبة لبنجامين باتون» تتلخص في التالي، يقوم صانع
ساعات أميركي
مع إعلان انتهاء الحرب العالمية الأولى بصناعة ساعة تمشي عقاربها بالمقلوب،
يقوم
بوضعها في محطة قطارات، في احتفال رسمي يشهده الرئيس روزفلت، وليوضح أن
الذي دفعه
إلى صناعتها بهذا الشكل، رغبته في أن يعود الزمن ويمنع حدوث ما
حدث أثناء الحرب،
وألا يموت من ماتوا، بمن فيهم ابنه الوحيد. في هذا ما يشكل الخلفية
الأسطورية لحالة
بنجامين العجيبة، الذي يولد لحظة انتهاء الحرب، ولتموت والدته بعد وضعها
له، لكن ما
أن يقع عليه والده حتى يحمله ويركض به لا يعرف إلى أين، ويضعه
في النهاية على عتبة
دار للعجزة، المكان الذي سيكون مثالياً لمولود كل ما فيه هو لرجل في
الثمانين:
بشرته المجعدة، عظامه المتيبسة، وغير ذلك
من صفات عدا حجمه الصغير، حجم الطفل
الرضيع.
تربي بنجامين خادمة في تلك الدار تكون أول من يعثر عليه، وتعمل على
تنشئته كما
لو أنه طفل صغير، بوصفه لقية إلهية أو شيئاً ينم عن بشارة أو ما شابه، وهي
المشبعة
بالتدين والإيمان، وليتعامل كل أولئك العجزة معه كما لو أنه من عمرهم، وكل
ما في
داخله طفولي. وعليه تمضي مراحله العمرية متناقضة مع جسده، فجسده السبعيني
هو لفتى
في العاشرة من عمره، وهكذا تتوالى فصول حياته. بنجامين (براد
بيت) سيكتشف ما تخبئه
الحياة له وإن كانت مقلوبة، ومع خروجه من دار العجزة لأول مرة مع ذاك الذي
عاش مع
القرود في حديقة حيوان، سيتصل بالعالم الخارجي، ومن ثم يعمل على قارب مع
ربان وجد
الفن على جسده وحوله إلى لوحة لأوشامه، وبالتأكيد فإنه سيكتشف
المرأة والحب، ولتبقى
ديزي (كيت بلانشت) حب حياته الأبقى، فشرارة حبه لها تنطلق حين تكون ديزي
طفلة بينما
هو طفل بجسد رجل عجوز، إلى أن يلتقي في منتصف العمر حين تكون ديزي قد اصبحت
راقصة
مدهشة، ولتخضع علاقتهما لكثير من التعقيدات في البداية، منها
حادث السيارة الذي
تتعرض إليه ديزي، وإن كان من توصيف لعلاقتهما فإن أفضلها نجده في المد
والجزر،
والتنعم والاستقرار مؤقتاً، إلى أن يفارقها بنجامين عند ولادة ابنته، لسبب
واثق من
صوابه، يتمثل في ألا يمضي حياته إلى جانبها وهو يلعب معها بدل أن يربيها،
وهو
يزداد صغراً في مظهره الخارجي، من دون أن ننسى أن ديزي ستكون
راوية الفيلم الممددة
على فراش الاحتضار، وأن الفيلم بأكمله ليس إلا سردها قصة بنجامين وقصتها
معه،
لابنتها كارولين (جوليا أورموند).
في الفيلم انعطافات كثيرة، وشخصيات أكثر، ثانوية ورئيسة، عابرة
ومتكررة، فهناك
والد بنجامين الذي يعاود الظهور في حياته ويورثه معمل الأزرار الذي يملكه،
وثمة
لازمة كوميدية لطيفة تتكرر طيلة الفيلم تتمثل في ذاك الرجل الذي ضربته
الصاعقة سبع
مرات، مضافاً إلى ذلك الحرب العالمية الثانية، وكيف قاربها الفيلم من خلال
بنجامين
في مسعى منه لئلا يفوت مصاحبة بعض الأحداث التاريخية لأحداث
الفيلم، وتحقيق نصاب
الحب والحرب والموت، للوصول في النهاية إلى تطعيم الفيلم بنكهات ملحمية
سريعة تضاف
إلى علاقة الحب بين بنجامين وديزي التي تشكل مركز الثقل الرئيس.
كما يضع الفيلم كل ما حمله تحت عباءة منطقه «الفنتازي» الذي سيقرر سير
الأحداث
بخفة ورشاقة، وتقديم ما له أن يكون مفخرة من مفاخر السينما الأميركية،
بالاعتماد
على مفاتيح نجاح معروفة وتوليفة نعرفها في أفلام لها المستوى نفسه. لن يكون
في
الأمر أي جديد، القول إن كل ما في فيلم «الحالة العجيبة
لبنجامين باتون» متقن،
والسردية البصرية على أشدها، فهذا متوقع، ومع إمكانيات ضخمة وحوار لنا أن
نكثفه هنا
بخلاصة ربما، تقول: يا لنا من كائنات حزينة لا نعرف إلا أن نموت.
الإمارات اليوم في 22
فبراير 2009
ميكي رورك يقدّم
دور العمر
«المصارع»..
الحلبة أمامه والهزيمة دائماً خلفه
زياد عبدالله – دبي
فيلم The wrestler «المصارع»
الذي يعرض حالياً في دور العرض
المحلية، دعوة خاصة للغوص في عالم سفلي لا قرار له، أو هامشي بتوصيف أدق،
وتعقب
مصير راندي الخارج من قعره، متسلحاً بالعزلة، وانعدام قدرته على القيام
بشيء ناجح
خارج حلبة المصارعة الأميركية، ورهن حياته كاملة بتلك اللعبة،
حتى وإن كانت قائمة
على التمثيل والخداع.
بداية يجب التأكيد على أن فيلم «المصارع» الذي أخرجه
دارين أرونوفسكي، مصاغ بالحنكة التي يمليها سيناريو
كتبه روبرت سيغيل بالاتكاء على
شخصية رئيسة مطلقة، بحيث لن يكون الفيلم إلا سرداً لسيرتها، لمآزقها
وصراعاتها،
ولتأتي الشخصيات الثانوية في خدمة تسليط الضوء أكثر على حياة تلك الشخصية،
لدرجة
يمكن فيها اختزال تلك الشخصيات الثانوية في اثنتين، وما تبقّى يمكن التعامل
معه
ككومبارس.
شارة البداية تضعنا مباشرة أمام أمجاد راندي (ميكي رورك)، قصاصات
صحف، وصور تذكارية، وألقاب، مع أصوات المعلقين، لكننا سرعان ما نكتشف ومن
اللقطة
الأولى أن ذلك في طريقه للزوال، من الطريقة التي يجلس فيها
راندي ورأسه محني، من
توقيعه للمعجبين، وسماعة في أذنه تقول لنا ها قد خف سمعه وتقدم في العمر،
ومن وجهه
البادي عليه علامات الإنهاك، كما أننا نراه مفلساً، يصل بيته أو مقصورته
الصغيرة،
فيجدها مقفلة لأنه لم يدفع الإيجار، فينام في سيارته، إنه الأسطورة
المفلسة،
والمستعد لأن يجرح نفسه بشفرة لتمثيل أن ضربات خصمه قد أدمته،
طبعاً هذا يأتي بعد
أن نتعرف على الاتفاق بينهما، وأن المصارعة الأميركية تمثيل في تمثيل، وعلى
المصارع
أن يعرف كيف يقع على الأرض، وكيف يضرب نفسه بالحبال المحيطة بالحلبة ليرتد
إلى خصمه
وغير ذلك مما نعرفه جميعاً.
نصل في الفيلم إلى مباراة يبتدع فيها راندي
وخصمه شتى أنواع الجنون، تتكسر على جسد راندي أشياء كثيرة،
يغرز في جسده مسامير وكل
ما يترك عليه وعلى خصمه جروحاً كثيرة لها أن تلبي رغبات متابعي تلك
المصارعة.
مع نهاية تلك المباراة تحدث انعطافة الفيلم الدرامية أو عقدته
الرئيسة، إذ يصاب راندي بنوبة قلبية، ويخضع لعمل جراحي، ويكون عليه التوقف
عن
اللعب، واعتزال المصارعة، وعدم خوض تلك المباراة التي تكون
مخصصة لاستعادة مجده،
ولنلاحق بعد ذلك حياته السابقة والحالية تحت ضربات ما يمليه عليه توقفه عن
الشيء
الوحيد الذي يتقنه وبالتأكيد مصدر رزقه الوحيد.
ما تقدم قد يبدو قصة عادية،
وهي كذلك، لولا شخصية راندي نفسها، كيف نقع عليها وكيف تتطور،
وإلى أين تمضي به
خياراته.
إنه انسان وحيد، لا يعرف إلا المصارعة وأخذ الإبر والهرمونات
وتربية العضلات، يحب راقصة، وتعامله بدورها كزبون، له ابنة لا يتذكرها إلا
عند
إصابته بالقلب، وينجح في استبدال كرهها له ببعض الحب، يخرّب كل
شيء، ولا ينجح في
لعب دور الأب لأكثر من يومين. كما أن فشلاً آخر يطاله عندما يكتشف أنه لا
يستطيع
مواصلة عمل «تافه» في «سوبر ماركت»، من دون أن ننسى تناوب الرقة عليه شتى
أنواع
الهمجية.
ويبقى السؤال كيف قُدّم كل ذلك؟ الإجابة تكمن في تقطيع مونتاجي
غاية في الإتقان، وبحوارات مقتضبة ومكثفة، وسرد يعتمد اللقطة. كل علاقات
راندي
مأزومة، ومن اللحظة التي يبدأ فـيها الفيلم نكتشف أن حياته
نفسها مأزومة، خياراته
فيها التي سيكون وفياً لها في النهاية، لا لشيء إلا لأنه لا يستطيع النجاح
في شيء
إلا المصارعة، فحياته وموته وما بينهما رهن بها وإن كانت هذه الرياضة لا
تتجاوز
مصدر رزق محاط باللعنات، لا منتصر ولا خاسر، بل تمثيل ذلك،
وليكون جميع من يلعـب
فيها خاسرين.
لا شك أن فيلم «المصارع» واحد من أهم أفلام ،2008 ولعل أسد
البندقية الذهبي جاء كتأكيد على ذلك، وترشح ميكي رورك لأوسكار أفضل ممثل
شيء يستحقه
عن جدارة، هذا إن لم نقل إنه يستحق الأوسكار، ذلك أنه قدم ما يمكن وصفه، من
دون
تردد، بدور العمر.
الإمارات اليوم في 15
فبراير 2009
|