لا يمكن
الاكتفاء بوصف ميكي رورك بالممثل فقط، وتعقب مسيرته الفنية
وانتقاله من دور إلى آخر، وكيف كان في هذا الفيلم أو ذاك، بل
يتطلب الأمر شيئاً من
القلق المتأتي من شخصية هذا الممثل، والذي مرّ بفترات انقطاع طويلة عن
التمثيل..
يؤدي دوراً أو دورين ثم يختفي، ولعل حضوره الآن يشكل أكثر مراحله إشراقاً
وخصوصاً
مع
دور المصارع الذي قدمه في فيلم «المصارع» الذي يبدأ عرضه اليوم في الصالات
المحلية، والمرشح عن دوره فيه إلى أوسكار أفضل ممثل في دور
رئيس، هذا عدا ترشحه
للغولدن الغلوب وحصوله على«البافتا»، وحصول الفيلم على الأسد الذهبي في
الدورة
الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي.
كل ذلك
يجعلنا نترقب هذا الفيلم الذي
أخرجه دارين أرونوفسكي، وليس بعيداً عنا أيضاً دور أقل أهمية بكثير قدمه
رورك في
فيلم «إصابة قاتلة» الذي بدأ عرضه الأسبوع الماضي محلياً مجسداً دور القاتل
المأجور، لكن يبقى السؤال ما هي قصة رورك؟ ألا يمكن اعتباره
واحداً من الممثلين
أصحاب العضلات المفتولة؟ الإجابة عن ذلك بنعم، له ان يكون على قدر كبير من
الصحة،
لكن مع إضافات لنا أن نجدها في مسيرة حياته المتأرجحة بين الملاكمة
والتمثيل، وفي
تغليب للمهنة الأولى التي كانت بدايته معها، ولتترافق الملاكمة
بعد ذلك مع التمثيل،
ولينتصر نهائياً عام 1991 رورك الملاكم على الممثل، ويعتزل التمثيل ويمضي
حياته في
حلبات الملاكمة بطلاً لا يهزم كما تجمل سيرته، إذ إنه لعب ثماني مباريات
كبيرة فاز
فيها جميعا، أربع منها كانت بالضربة القاضية، وعليه وفجأة
وللمرة الثانية أعلن
اعتزاله الملاكمة بعد أربع سنوات، خارجاً منها بإصابات عدة مثل كسر في
الأنف وآخر
في
أحد أضلاعه وغير ذلك.
حسناً هذه
العودة أفقدته الكثير، صار يلعب دوراً
هنا ودوراً هناك، ولعل سنة 2008 هي سنته بحق والتي لها أن تكون السنة التي
لبت
طلباته المتكررة من هوليوود أن تعيد له حضوره، أن تغفر له
نزوته، وتخلصه من عزلة
مؤلمة عاشها في ما مضى، فهو وكما توحي نشأته، رياضي إلى أبعد حد، يؤمن بجسد
مفتول
العضلات، ولعل أدوارا هوليوودية كثيرة تستدعي هكذا نمط من الممثلين.
على كل
لم يكن
رورك خيار أرونوفسكي الأول في «المصارع»، كان يفكر بداية بنيكولاس كيج
-لحسن
الحظ لم ينجح الأمر- لا بل إن رورك كان الخيار الثالث بعد سلفستر ستالوني
(أبو
العضلات) والذي كان مشغولاً حينها بتصوير الجزء الخامس من «روكي»،
وليستقر الأمر في
النهاية على رورك. شخصية رورك قلقة إلى أبعد حد، ولعله يفكر بجسده أكثر من
أي شيء
آخر، جسده المليء بالأوشام (سبعة أوشام) بما فيها وشم للجيش الإيرلندي
الجمهوري،
والذي سبق وأن صرح عام 1990 بأنه يخصص جزءاً من دخله للتبرع
لهذا الجيش، حين كان
رمزاً لـ«الإرهاب» في حينها، ولينفي بعد ذلك هذا التصريح.
ينحدر
رورك من أب
إيرلندي وأم فرنسية، وحين انفصلا، عاش رورك الصغير مع أمه التي سرعان ما
تزوجت من
رجل لديه خمسة أولاد عاش معهم كابن سادس، ويقول عن طفولته «لا أعرف معنى
الطفولة،
أنا لم أعشها، لقد كنت أعمل منذ ذلك الحين». في حكاية
«المصارع» ما له أن يكون
ارتباط بشكل أو آخر بحياة رورك نفسه، ولعل أطيافاً من الملاكم لها أن تحوم
في حلبات
المصارعة الأميركية وجسد مشبع بالقوة والعضلات في صدد خوض مباراته الأخيرة.
يبقى أن
نشاهد الفيلم اليوم لنعرف.
الإمارات اليوم في 12
فبراير 2009
المرشّح الأكبر
لجوائز الأوسكار
«المليونير
الفقير» الحب الطالع من أحشاء البؤس
زياد عبدالله – دبي
لا يمكن
مقاربة الفقر، بل الانقضاض عليه، كما أن كل الآمال
البشرية بوضع حد له، أصبحت قبض الريح، ما دام العالم أقر بأن وجوده
واستمراره مرتبط
بعدد الفقراء، فكلما ازداد فداحة كلما ازداد نمو العالم وتقدمه
وازدهاره، وعلى ما
صار في الثلاثين سنة الأخيرة أمراً مسلماً به، بعد تحيد كل الأفكار الكبرى
بالعدالة
الاجتماعية والثورة وما إلى هنالك، وتحديداً بعد عولمة كل شيء
وتسيد كل مفرزاتها
السلبية عوضاً عن الايجابية، بحيث صار التمرد على الوضع
القائم، تمرداً على زيادة
الوزن، وثورة نباتية ضد مطاعم الوجبات السريعة، أو فوزاً ساحقاً في برامج
تلفزيون
الواقع، والإيهام بأن خوض غمار حمية غذائية هو أعظم التجارب
الإنسانية.
طبعاً في
ما تقدم مراكز رأسمالية صاغت هذا العالم، وبالتأكيد
أطراف استجابت بالعماء المطلوب لها، كأن يحكى عن الهند بوصفها من أقوى
الاقتصاديات
في العالم بينما ملايين الفقراء لا يجدون كفاف يومهم، ولعل كل
ما تقدم سيقودنا
بالتأكيد إلى فيلم
Slumdog Millioner (المليونير الفقير) الذي يعرض حالياً في دور
العرض المحلية، وليكون هذا الفيلم شاغل العالم في هذه الأيام
مع توقعات كثيرة بأنه
سيكون الحاصد الأكبر لأوسكارات هذا العام.
في
مقدمتنا الطويلة ما يشكل خلفية
لهذا الفيلم، الذي يحكي في قالب مميز قصة جمال مالك (ديف بيتل) الذي سنقع
عليه من
البداية يتعرض للتعذيب على يد الشرطة، لا لشيء إلا لأنه في طريقه لأن يصبح
مليونيراً، ولكونه قد أجاب عن معظم الأسئلة في مسابقة «من
سيربح المليون»، بحيث
يكون التعذيب واستعادة الحلقة التي أجاب فيها عن الأسئلة مساحة لاستعادة
حياته
واستخراج عدد هائل من المآسي والأحزان والمظالم، فجمال يروي لضابط الشرطة
(عرفان
خان) مع كل سؤال يستعرضه أمامه قصة معرفته للإجابة عنه، كون
الضابط يعتبره محتالاً،
ولأن من المفترض بمن هم مثل جمال ألا يعرفوا شيئاً، فهو فقير نشأ وترعرع في
مدن
الصفيح، وأمضى حياته هو وأخوه في اليتم والتشرد والسرقة، وصولاً إلى عمله
في «مركز
اتصال» يقدم الشاي لموظفيه.
من هنا
نمضي مع الفيلم في التعرف إلى حياة جمال
وفق الأسئلة، وفي اتباع سيناريو محكم صاغه سيمون بيوفوي عن رواية لفيكاس
سوارب،
وأخرجه بحنكة دونوي بويل، بحيث نمضي خلف البؤس الهندي، وأحشاء
مدن الصفيح،
والازدحام الخانق، وكل موبقات الظلم والفقر، وعليه يمسي كل سؤال يواجه به
جمال
مساحة لاستعادة قصة مليئة بالمآسي، فجوابه عن سؤال «ماذا يحمل الإله
راما؟»، يأتي
من ذكرى مقتل أمه في صراع طائفي بين المسلمين والهندوس، ومضيه
مع أخيه في حياة
اليتم، كما أن سؤاله عن فيلم هندي سيكون استعادة لحصوله على توقيع اميتاب
بتشان وهو
مغمور بالروث، والأغنية التي يعرف مؤلفها تكون قصة كاملة عن رجل ينتشلهم هو
وأخوه
ولاتيكا من مكب النفايات الذي ينام فيه، يقوم برعايتهم
وتعليمهم تلك الأغنية
لاستخدامها في التسول، لا بل إن هذا السؤال يعود به إلى قصة نجاته بمساعدة
أخيه من
فقء عينه ليساعده ذلك على التسول، ومن ثم فقدانه لاتيكا (فريدا بينتو) التي
ستكون
حبه الضائع والمستعاد، ومساحة الأمل المتروكة لآخر الفيلم.
في ما
تقدم خيوط
الفيلم الرئيسة، وما تبقى متروك لتعقب كل ما يحمله، وانخطافاته السريعة في
الزمن
بين الحاضر والماضي والمستقبل، مع صياغة مصير كل شخصية على هدي مكوناتها،
فأخو جمال
سرعان ما يمسي من رجال العصابات، ولكنه في النهاية يستعيد
شيئاً من نبله الذي
يفقده، كما أن مقدم برنامج من سيربح المليون سيشكل عائقاً إضافياً في
مواجهة من هم
مثل جمال، فهو يحاول المستحيل لئلا يفوز، كما أنه هو من يستدعي
الشرطة للتحقيق معه.
يتحول جمال في نهاية الفيلم إلى مسألة رأي عام، وفي ظل انعدام الأمل، يصبح
فوزه
أملاً بالنسبة للفقراء الذين يتحلقون حول التلفاز متابعين لـ«بطلهم» جمال،
وكيف
سيصير مليونيراً، على اعتبار أن هذا البرنامج أيضاً ليس لمن هم
مثله.
فيلم
«المليونير الفقير» لا يتوقف عن إدهاشنا طيلة زمنه الممتد لساعتين، بحيث
تتحول كل
قصة أو
مشهد على حدة مساحة مغايرة عن التي قبلها، ومستوى آخر من قصة البؤس
والمعاناة، ولتتناغم جميعها في قالب واحد على قدر هائل من الحركية العالية،
ولنكون
في النهاية أمام بانوراما للبؤس، والنجاح في الخروج بقصة ممتعة
في النهاية ولا توفر
شيئاً كالحب مثلاً الذي يندلع بين جمال ولاتيكا من الطفولة حتى النهاية،
ولعل هذه
القصة تمنح الفيلم مساحة لكل آلام الحب والانتصار على العوائق، ولنكون في
النهاية
أمام قصة حب طالعة من أحشاء البؤس.
تأتي
نهاية الفيلم من إملاءات الأمل أو
شباك التذاكر بمعنى آخر، ولعل الأغنية التي تأتي في النهاية تطمح لأن تجد
شيئاً
يتقاطع مع بوليوود التي تهبط في أفلامها الأغاني والرقصات كالمطر ومن حيث
لا ندري،
وإيجاد موطئ قدم على شباك التذاكر الهندي الذي لا يعترف إلا
بالميلودراما المنومة،
وإشاحة بوليوود بوجهها عن الواقع الهندي.
الإمارات اليوم في 27
يناير 2009
|