لعل
المفاجأة الوحيدة التي طبعت إعلان الترجيحات والترشيحات النهائية لأوسكارات
أفلام العام 2008، هي اللامفاجأة، اذ ان الأمور سارت، والأسماء وردت،
تماماً كما كان معلناً عنها منذ أسابيع، وتقريباً بالترتيب نفسه الذي كانت
عليه ترشيحات «الغولدن غلوب» و «البافتا» (الأوسكارات الإنكليزية)، ومن هنا
بدلاً من الترقب والتشويق في مجال من سيتبارى، حل ترقب وتشويق حول من
سيفوز. ويمكن القول أن «أم المعارك» ستكون في مجال «أوسكار افضل ممثل»، لأن
بين الخمسة نجوم المرشحين، اثنين يحمى وطيس المعركة بينهما، هما شين بن (عن
فيلم «ميلك»، الذي يترجمه بعض الصحافة العربية بـ «حليب»، مع ان الكلمة هي
اسم شخصية بن في الفيلم)، وميكي روركي (عن فيلم «المصارع»). يعمل لمصلحة
الأول أداؤه الرائع في فيلم يتحدث عن حاكم لولاية كاليفورنيا امضى جزءاً من
حياته يدافع عن مثليته الجنسية لينتهي قتلاً. وضده أنه لم يمض عليه زمن
طويل منذ نال أوسكاراً. فيما يعمل لمصلحة الثاني قدرته على العودة مثل طائر
الفينيق، لاحتلال الصف الأول، بعد عبور صحراء طال كثيراً، منذ ظهوره الأول
نجماً وممثلاً أواخر السبعينات. لكن روركي وبن، لن يكونا وحدهما في
المعركة، حتى وإن كانا الاسمين المرجحين أكثر من زملائهما. فهناك ايضاً
فرانك لانجيلا عن دوره المميز في «فروست/ نيكسون»، وبراد بيت (الذي قد يكون
فلتة الشوط عن دوره في «حالة بنجامين باتون الغريبة»، حيث لعب دور رجل يصغر
عمراً بدل ان يكبر، ما اضطره الى خوض أعمار عدة برع فيها كلها). وهناك
أخيراً ريتشارد جنكنز (عن فيلم «الزائر» الذي عليه ان يكتفي من الترشيحات
الكبرى بهذا الترشيح بعدما سادت تكهنات كثيرة في شأنه).
ونحن إذا
كنا أوردنا اسماء هذه الأفلام، فإنما هي - باستثناء اسم اثنين فقط أسماء
الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم، إذ يحل هنا فيلما «القارئة» من إخراج
ستيفن دالدري، و «المليونير الصعلوك» لداني بويل، بدلاً من «المصارع»
و «الزائر». وبالتالي فإن أسماء المرشحين لأوسكار افضل مخرج، تتطابق، كما
هي الحال غالباً، مع أسماء الأفلام، حيث يتنافس بويل ودالدري، مع دافيد
فنشر (صاحب «حالة بنجامين باتون الغريبة)، ورون هاوارد (عن «فروست/ نيكسون»
الذي يعيد لهذا المخرج الذي كنا نعرفه ممثلاً شاباً أخرق في مسلسل «الأيام
السعيدة»، ويبدو إخراجه هنا لهذا الفيلم السياسي المميز عن مسرحية لبيتر
مورغان، فعل تعويض على إخراجه الأخرق قبل أعوام لفيلم «دافنشي كود»)،
وأخيراً غاس فان سانت (عن فيلم «ميلك»).
وبما ان
معظم الأفلام التي ذكرنا، حتى الآن، تبدو أفلاماً ذكورية بالكاد تعطي مكانة
لنجمة تؤدي في أي منها دوراً جيداً، يتعين الالتفات، في مجال أوسكار افضل
ممثلة، ناحية أفلام أخرى، في معظم الحالات، حيث يغيب، في هذا الحيز، أربعة
أفلام ليبقى «القارئة» الذي يعطي كيت ونسليت دوراً مميزاً - فازت عنه بغير
جائزة وتنويه حتى الآن، ما يكاد يشي بأن الأوسكار سيكون من نصيبها، خصوصاً
انها تحضر هذا الموسم في فيلم آخر مميز هو «الطريق الثوري». إذاً ونسليت
مرشحة لجائزة أفضل ممثلة، لكن عليها ان تخوض في سبيل ذلك، تنافساً صعباً،
على الأقل مع أنجلينا جولي (عن «الإبدال») وميريل ستريب (عن «شكوك»)، ثم مع
ممثلتين تبدوان، حتى الآن على الأقل، أقل حظاً: آن هاتاواي («راشيل تتزوج»)
وميليسا ليو («النهر المتجمد»).
وبالنسبة
إلى أوسكار افضل ممثل ثانوي هناك جوش برولين (عن «ميلك» بعدما كان مرجحاً
ليتبارى عن «دبليو» لأوسكار افضل ممثل) وفيليب سايمور هوفمان (عن «شكوك»)
والراحل هيث لدجر (عن «الفارس الأسود») ومايكل شانون (عن «الطريق الثوري»)
ولكن خصوصاً روبرت داوتي جونيور (عن «عاصفة استوائية»). في مقابل هؤلاء
يخوض مباراة افضل ممثلة مساعدة، كل من آري آدمز (عن «شكوك») وماريزا طومي -
أو طعمة - (عن «المصارع»)، وفيولا دايفز (كذلك عن «شكوك») وتاراجي هنسون
(عن «حالة بنجامين باتون الغريبة») وخصوصاً بينيلوبي كروز (عن فيلم وودي
آلن «فيكي كريستينا برشلونة» حيث أعطاها المخرج الأميركي الكبير دوراً يمكن
ان يليق حقاً بجائزة افضل ممثلة، لا أفضل ممثلة مساعدة).
وإذا كانت
ثلاثة أفلام تحريك استبقيت لخوض أوسكار افضل فيلم تحريك (هي «بولت»، «كنغ
فوباندا» و «والي...»، فإن خمسة أفلام تخوض مباراة افضل فيلم أجنبي، لعل
أشهرها وأكثرها ترجيحاً هو فيلم «فالس مع بشير» للإسرائيلي آري فولمان،
الذي سبق ان اختير في بلدان عدة، وفي استفتاءات أكثر عدداً، فيلم العام. «فالس
مع بشير» الذي مُنع من العرض في لبنان وبلدان عربية أخرى، هو افضل وأقسى
عمل حقق حتى الآن عن مجازر صبرا وشاتيلا التي وقعت في لبنان عام 1982.
الفيلم المشغول على طريقة وثائقي - رسوم متحركة المبتكرة، لم يشفع له، لدى
الرقابات العربية انه سدد سهماً حاداً جداً لإسرائيل وجيشها، فتلقفه العالم
مدهوشاً للموقف العربي منه. مهما يكن يبدو ان معركة «فالس مع بشير» للفوز
بأوسكار افضل فيلم أجنبي لن تكون صعبة، حتى وإن كان من بين من يجابهه فيلم
«السعفة الذهبية» في كان «بين الجدران»، وفلم ألماني مميز عن مطاردة جماعة
بادار ماينهوف ومقتلها.
أما في
مجال جائزتي السيناريو: المكتوب اصلاً للسينما، والمقتبس. فالتنافس،
بالنسبة الى الأولى هو بين «ميلك» و «النهر المتجمد» و «رح سعيداً محظوظاً»
و «في بروج» و «والي». أما بالنسبة الى النوع الثاني فهناك «حالة بنجامين
باتون» و «شكوك» و «فروست/ نيكسون» و «القارئة» و «المليونير الصعلوك»،
وكلها بالتالي مقتبسة إما عن روايات وإما عن نصوص مسرحية. وهنا إذا
استثنينا جائزة افضل وثائقي التي تتنافس عليها خمسة أفلام لفتت أنظار محبي
النوع طوال العام («الخيانة» و «لقاءات عند آخر العالم» و «الحديقة» و «رجل
فوق حبل مشدود»، و «حرك الماء») تبقى لدينا الجوائز التقنية، من افضل
موسيقى («حالة بنجامين باتون»، «تحدي»، «ميلك»، «المليونير الصعلوك»،
و «والي») وأفضل أغنية (ثلاث اثنتان منها في «المليونير الصعلوك» والثالثة
في «والي»)، وأفضل توليف («حالة بنجامين باتون»، «الفارس الأسود»، «فروست/
نيكسون»، «ميلك» و «المليونير الصعلوك») وأفضل تصوير («الإبدال»، «حالة
بنجامين...»، «الفارس الأسود»، «القارئة» و «المليونير الصعلوك»)، إضافة
الى «افضل ملابس» و «أفضل صوت» و «أفضل ديكور»، وهي جوائز ستوزع في معظم
الحالات على الأفلام الرئيسة نفسها، مع فلتة شوط من هنا وأخرى من هناك...
وهكذا،
يبدو واضحاً غياب المفاجآت، ويقرر أهل المهنة السينمائية (5000 شخص عادة)
لمن سيعطون جوائزهم هذا العام. ومن جديد، وكما الحال في السنوات الأخيرة،
تتوزع الترجيحات، على أفلام أثبتت في شكل أو في آخر حضوراً شعبياً قوياً،
داخل الولايات المتحدة وخارجها، بحيث يمكن ان يقال هذا العام، من جديد، ان
الأفلام الجيدة حقاً، التي طلعت من هوليوود وغيرها هذا العام (أي - طبعاً -
العام 2008)، هي الأفلام التي رشحت، مع ظلم من هنا («الطريق الثوري»
و «الإبدال») وغض نظر من هناك. اما الذين قد يرون مناسباً ان يحتجوا على
هذه الاختيارات إما من موقع نخبوي، أو موقع جماهيري، فإن عليهم ان ينتظروا
سهرة توزيع الجوائز نفسها حتى تكتمل ظروف أو مبررات احتجاجهم... أليس كذلك؟
الحياة
اللندنية في 30
يناير 2009
|