ماذا يمكن
ان يحدث لو انك ولدت بالعكس اي بدلا من ان تولد طفلا صغيرا قابلا للنمو
متجها نحو مرحلة الشيخوخة، تولد شيخا مسنا ومن ثم تعود الى الوراء حتى
تتلاشى وتصبح مرحلة الطفولة هي نقطة النهاية في حياتك؟
هكذا تخيل
الكاتب الاميركي سكوت فيتزجرالد حياة بطله بنجامين باتون في قصته الخيالية
القصيرة «الحالة الغريبة لبنجامين باتون» التي كتبها في 25 صفحة، والتي
تحولت إلى فيلم مهم ترشح مؤخرا لـ13 جائزة اوسكار.
مشكلة
الزمن
ربما أراد
فيتزجرالد الذي قدم لعالم الأدب روايته الشهيرة «جاتسبي العظيم» ان يتسلى
بالكتابة عن شخصية تولد بالعكس وتتربى في بيت للمسنين، ليلعب على التناقضات
الإنسانية عندما يتربى طفل يولد عجوزا في بيت للمسنين، وكيف ستكون الحال مع
مرور الايام عندما تأتي ساعة الرحيل لكي يغادروا الحياة بينما بنجامين
الطفل المسن سيبدأ رحلته في الحياة. وربما أراد فيتزجرالد دون أن يوضح ذلك
بشكل مباشر ان يناقش مشكلة الزمن والوجود تلك المشكلة التي شغلت الفلاسفة
على مر العصور. وربما وللمرة الثالثة أراد فيتزجرالد الذي عبر في مجمل
روايته عن خواء الحياة، وضرورة البحث عن معنى سواء كنا صغارا ونكبر أو كنا
كبارا ونصغر فالمحصلة واحدة وتختلف إذا نجحنا ان نجد معنى لهذه الحياة.
وانطلاقا
من هذه القصة الخيالية واستنادا إلى شخصية بنجامين الغريبة عمل كاتب
السيناريو اريك روث الذي يذكر له انه كاتب «فورست غمب» والعديد من الأعمال
السينمائية المهمة ليعالج لنا هذه القصة في فيلم طويل مدته ساعتان ونصف
الساعة يحمل عنوان القصة الأصلية لكن لا يمت بصلة كبيرة إلى المصدر الأدبي
المأخوذ منه، ويمكن القول ان المعالجة السينمائية تأتي لتجسد نجاحا كبيرا
على المستوى البصري وعلى مستوى العمق الفكري والانساني وعلى مستوى طرح
الأسئلة الكثيرة عن الحياة بشكل عام. وهي أسئلة نبيلة وجليلة.
علاقة حب
في الفيلم
تجسد كيت بلانشيت شخصية الراقصة ديري، التي يتعرف عليها بنجامين وهي طفلة
صغيرة حينما كان عجوزا بعد ميلاده، وعندما تكبر فإنها تصبح راقصة بالية
مشهورة ومع ظهورها مرة ثانية يقع بنجامين في حبها وتقع هي أيضا في حبه
وتصبح علاقة الحب بينهما هي العلاقة المحورية التي تبنى عليها الأحداث.
وبينما نلاحظ، التغيرات التدريجية التي تطرأ عليها بفعل تقدم السن بها، إلى
أن تصبح في نهاية المطاف عجوزاً هزيلة لا تقوى على التقاط أنفاسها، يكون
بنجامين في طريقه إلى مرحلة الطفولة حتى يصل إلى قدره المحتوم.
أما براد
بيت، فيجسد شخصية بنجامين في معظم مراحل حياته. ونعرف ان بنجامين ولد في
عام 1918 لعائلة معروفة من نيو أورليانز، حيث يبدو لحظة ولادته أشبه برجل
في السبعين من عمره. ونقول هنا في معظم مراحل حياته، لأنه عندما يقترب
الفيلم من نهايته، يتم استبدال براد بيت بأطفال أصغر وأصغر سناً للدلالة
على تقدمه المعاكس (أو تراجعه) في السن.
منذ
البداية يبدو بنجامين هذا المخلوق الصغير والمليء بالتجاعيد يحمل في الوقت
ذاته مواصفات الولد اليافع والرجل البالغ، لكن في كل مشهد من مشاهد الفيلم
يضيق الفرق بين هاتين الصفتين إلى أن يظهر في مرحلة معينة وبشكلٍ تدريجي
رجلٌ واحد بمواصفات واحدة يمثل دوره النجم المعروف براد بيت.
مسيرة
حياة
وفي الوقت
الذي تتحول مسيرة حياة بنجامين إلى محرك لأحداث الفيلم، نجد أنه يصبح (وكما
يوحي عنوان الفيلم) أقرب إلى مادة للتأمل منه إلى إنسانٍ حقيقي مكوَّن من
لحم ودم ويستحق أن يحظى بتعاطف المشاهدين، قبل تعرفه على ملذات الجسد
والخمر في المدينة التي شهدت ولادته.
يذهب
باتون للعمل على متن باخرة جوالة حيث يمكث لفترة وجيزة في روسيا، ويجرب
الكافيار والعلاقات العاطفية في بيت للدعارة . وعندما يعترف ابوه الذي تركه
وهو صغير عجوز وقبيح بأبوته تبدأ مرحلة جديدة في حياته ويكون على وشك
الوصول إلى منتصف العمر وعندما يتلاقى مع ديزي وينجب ابنته كارولين بعد
تردد يكون عليه ان يرحل خوفا من مصيره كأب يتجه نحو مرحلة الطفولة. وبالرغم
من أنه جنوبي أبيض ترعرع في كنف سيدة سوداء، فإنه يبدو غير معني
بالاضطرابات العرقية أو بأي شيء آخر باستثناء طبيعة مصيره الغريب والفريد
من نوعه.
عناصر
الإبداع
وتأتينا
قصة حياة بنجامين بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة وهي تُقرأ على ديزي من قبل
ابنتها (التي تجسد دورها الممثلة جوليا أورموند) في غرفة أحد المستشفيات
بولاية نيو أورليانز في العام 2005، وذلك بشكلٍ متزامن مع اقتراب إعصار
كاترينا من المدينة. قد يكون استحضار الإعصار في هذا الفيلم كنوع من
الإسقاط على اقتراب معرفة الحقيقة التي اخفتها ديزي عن ابنتها لمدة طويلة.
على صعيد
الفيلم «الفن» نحن بالفعل أمام تحفة سينمائية توافر لها العديد من عناصر
الابداع فعلى صعيد المؤثرات الخاصة البصرية والصوتية استطاع المخرج ديفيد
فينشر تكريس خبرته التي تعرفنا عليها من قبل في أفلامه مثل «اللعبة» و«غرفة
الرعب» و«نادي القتال» و«سبعة» و«زودياك». استطاع فينشر ان يقنعنا الى حد
كبير بما فعله بديزي وبنجامين في مراحل العمر المختلفة. ويمكن القول ان هذا
الفيلم يمثل خطوة متقدمة في عالم السينما الرقمية التي قدمت تجارب ناجحة من
قبل على يد مجموعة من رواد الإخراج من أمثال ستيفن سبيلبيرغ وبيتر جاكسون
وروبيرت زيميكيس.
وبالرغم
من تميز المؤثرات الخاصة فان إبداع فينشر يتجلى أيضا من خلال تركيزه على
المكان والشخصيات، وزوايا التصوير والقدرة على توظيف الإضاءة واختيار
موسيقى تصويره مؤثرة ومعبرة.
وهناك
إشارة أيضا إلى تألق النجمة كيت بلانشيت في دورها، ولا ننسى الأداء المتميز
للنجم براد بيت الذي يثبت مع كل فيلم قدرته الفائقة على فهم الشخصية التي
يلعبها مجسدا كل ملامحها الداخلية والخارجية.
فيلم
«الحالة الغريبة لبنجامين باتون» يعتبر من الأفلام الغريبة التي قدمت خلال
الفترة الأخيرة ورغم كل الغرابة في فكرته التي لا تستند إلى اي أساس علمي
فان الفيلم يمثل حالة سينمائية متفردة تثبت ان السينما هذا الوسيط الجميل
قادرة دائما على التجدد وقادرة ايضا على طرح الاسئلة التي تتعلق بوجودنا.
القبس
الكويتية في 28
يناير 2009
سينمائيات
ترشيحات الأوسكار.. ملاحظات أولية
كتب عماد
النويري:
كما يحدث كل عام فان ترشيحات جوائز الأوسكار لاتكون مفاجئة ولا تأتي
من فراغ وإنما تكون هناك العديد من النقاط التي يتم تجمعيها منذ عرض
الأفلام وحتى الإعلان عن الجوائز في فبراير المقبل. ويساهم في جمع هذه
النقاط عرض وترشيحات وفوز هذه الأفلام من خلال المهرجانات والجمعيات
السينمائية المختلفة.
عن فيلم «فيكي كرستينا برشلونة» للمخرج وودي الان تم ترشيح بينلوب
كروز للحصول على جائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي.. وكان الفيلم قد فاز
بجائزة الغولدن غلوب كأحسن فيلم كوميدي وقبلها عرض الفيلم في مهرجان «كان»
خارج المسابقة.
ومن مهرجان فينسيا يأتي «المصارع» إخراج دارين أنوفسكي وتمثيل مبكي
رورك بعد غياب طويل عن الشاشة.. وقد فاز الفيلم بالأسد الذهبي وليس غريبا
ان يرشح ميكي لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل وان يتم ترشيح ماريسا تومي عن
الفيلم ذاته كأفضل ممثلة ثانوية. ويذكر ان فيم فيندرز رئيس لجنة التحكيم في
مهرجان فينيسيا احتج علناً على لائحة المهرجان التي تحول دون فوز أي فيلم
بأكثر من جائزة، وقال إنه كان يود أن يفوز رورك بجائزة أحسن ممثل، وأنه
لذلك لن يشترك في أي لجنة تحكيم بعد ذلك. وفي مسابقة غولدن غلوب فاز رورك
بجائزة أحسن ممثل أيضا وقد يؤهله كل ذلك للفوز بجائزة الأوسكار في المنافسة
الشرسة بينه وبين شون بين عن «ميلك» وريتشارد جينكبيز عن «الزائر» وفرانك
لانغيلا «فروست /نيكسون» وبراد بيت «الحالة الغريبة لبنجامين باتون».
وهناك ثلاثة أفلام لم تعرض في أي مهرجان، وإنما عرضت تجارياً في لوس
أنجلوس في نوفمبر لكي يكون لها الحق في التسابق على الأوسكار قبل نهاية
العام. وهذه الأفلام هي «ميلك» إخراج جوس فان سانت الذي فاز في مسابقة نقاد
نيويورك بجوائز أحسن فيلم وأحسن ممثل شون بين وأحسن ممثل في دور مساعد جوش
برولين، وبجائزة أحسن ممثل شون بين في مسابقة الجمعية القومية لنقاد
السينما الأميركيين، و«القارئة» إخراج ستيفن والدري الذي فاز بجائزة أحسن
ممثلة في دور مساعد كيت وينسليت في مسابقة «غولدن غلوب» و«الحالة الغريبة
لبنجامين باتون» ويذكر ان قد اختير للعرض خارج المسابقة في مهرجان برلين (5
- 15 فبراير 2009).
في أوسكار 2008 لأفلام 2007 حصلت 6 أفلام على الترشيحات العشرة لأحسن
فيلم وأحسن إخراج، كان منها 2 من كان و2 من فينسيا وفيلم من برلين وفيلم من
روما، وكان من بين الأفلام الخمسة المرشحة لأوسكار أحسن فيلم أجنبي 3 من
برلين وفيلم من فينسيا، ولكن يبدو أن الأمر يختلف في أوسكار 2009 لأفلام
2008، فالفيلم البريطاني الأميركي «المليونير المتشرد» إخراج داني بويل
الذي فاز بأحسن فيلم في مسابقة «غولدن غلوب»، وكذلك أحسن إخراج وأحسن
سيناريو وأحسن موسيقى، وبجائزة نقاد نيويورك لأحسن تصوير، كان عرضه الأول
في مهرجان تيليرويد الأميركي (كما جاء في توثيق للناقد سمير فريد).
وبالنسبة للافلام «فروست - نيكسون» إخراج رون هوارد فقد عرض في ختام
مهرجان سالونيك باليونان، و«شك» إخراج جون باتريك شانلي عرض في افتتاح
مهرجان لوس انجلوس، و«نهر يتجمد» إخراج كورتناي هونت فقد فاز بالجائزة
الكبرى في مهرجان صاندانس، وجائزة أحسن فيلم أول لمخرجه في مسابقة نقاد
نيويورك. وكان الممثل الراحل هيث ليدجر رشح قبل عام لجائزة الاوسكار لافضل
ممثل مساعد عن تجسيده لشخصية جوكر في فيلم «باتمان - فارس الظلام» الذي حاز
سبعة ترشيحات لجوائز الاوسكار.
وتبدو السينما البريطانية محظوظة في انتاجها الذي حققته العام الماضي،
الامر الذي أهلها لجوائز عدة هذا العام، فالممثلة كيت وينسليت حصلت على
جائزتين من «غولدن غلوب» الاميركية كأحسن ممثلة وأحسن ممثلة مساعدة عن
دوريها في الفيلمين «طريق الثوري» و«القارئ». الجهة نفسها منحت فيلم المخرج
داني بويل «المليونير المتشرد»، اربع جوائز رئيسية، بينها أحسن فيلم وأحسن
اخراج، اً. والفيلم حصل أيضاً على جوائز جمعية النقاد في نيويورك وتلك
الموازية لها في لندن. وأخيراً توجته البافتا البريطانية ومنحته احد عشر
ترشيحاً.
ومن الافلام التي تغيب عن الترشيحات الاوسكارية هذا العام دون اسباب
معقولة فيلم «كتلة اكازيب» للمخرج ريدلي سكوت ومن بطولة ليوناردو دي كابريو
وراسل كرو وكان الفيلم قد عرض ضمن افلام الدورة الثانية لمهرجان الشرق
الاوسط في ابوظبي ويغيب ايضا فيلم كلينت.
جدير بالذكر ان مسابقة الأوسكار والتمثال الذهبي رمز جوائزها، هي
الأشهر في عالم السينما والأعرق والأهم بحكم قوة السينما الأميركية التي
تهيمن على السينما في كل الأسواق ربما ما عدا الصين والهند ومصر، وهي
الأسواق الكبيرة التي تحدد عدد الأفلام الأميركية وعدد النسخ المعروضة
منها.
القبس
الكويتية في 25
يناير 2009
|