ضمن
مسابقة "المهر" السينمائية للدورة الخامسة لمهرجان دبي السينمائي، عرضت
ثلاثة أفلام جزائرية هي "مصطفى بن بولعيد " للمخرج احمد الراشدي، و"آذان"
للمخرج رباح عامر زعميش و"مسخرة" للمخرج الشاب لياس سالم، الأفلام
تمثل الجزائر في هذه السنة وتملك حظوظًا كبيرة للفوز بإحدى الجوائز المهمة
في المهرجان. الأمر الذي يشكل عودة للسينما الجزائرية الفنية، والتي حققت
الكثير من الأعمال الكبيرة خلال الثلاثين سنة الماضية.
في الفيلم
الملحمي " مصطفى بن بولعيد " يقدم الجزائري احمد الراشدي سيرة البطل القومي
" مصطفى بن بولعيد " ، احد الابطال التاريخيين في الجزائر ، والذي كان احد
المؤسسين لجبهة التحرير الوطنية هناك، والتي قادت الثورة المسلحة ضد
الإستعمار الفرنسي في منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
ولمدة
اكثر من 163 دقيقة ، تقترب الشاشة كثيرًا من البطل وحياته، الفيلم يبدأ
بصور معارك حربية قاسية في ارض غريبة ، فمصطفى كان يحارب مع العديد من
الجزائرين الى جانب فرنسا في الحرب العالمية الثانية . بعد أن تنتهي الحرب
، يعود مصطفى مجروحًا الى الجزائر ، وينضم سريعًا الى اكبر الاحزاب الوطنية
هناك. باكرًا جدًا، يكتشف مصطفى والعديد من رفاقه الشباب ، ان الحزب لم يعد
يلبي طموحاتهم ، في ثورة مسلحة سريعة ضد الوجود الفرنسي، بعد عدة مشاكل مع
قيادات الحزب التقليدية ، يطلق مصطفى ورفاقه "جبهة التحرير الوطنية
الجزائرية" ، والتي تبدأ من اليوم الاول من وجودها ، حربًا شرسة ضد
الفرنسين.
بعد ان
يلقي القبض على مصطفى يبدأ القسم الخاص بتصوير السجن والذي كان يضم منتظري
حكم الاعدام ، فيقدم الفيلم مشاهد طويلة كثيرًا، لمحاولات السجناء الهرب من
السجن ، بعد ان ينجح مصطفى ومجموعة صغيرة من رفاقه من الهرب ، يعودان الى
الجبال ، ليواصلا الحرب التي كانت دائرة مع القوات الفرنسية. الفيلم يتبع
حياة "مصطفى .." الى آخرها ، وينتهي بمقتله عن طريق قنبلة وضعت في جهاز
لاسلكي فرنسي.
يقدم
المخرج الراشدي فيلمًا ملحميًا الى حد كبير بنفسه، وبنيته، وعلاقته بصورة
البطل وعلاقة الاخير بالتاريخ في الفيلم. الفيلم ممكن اعتباره محاولة جادة
حقًا وناجحة، لاعادة الاعتبار للثورات الوطنية، والتي كادت عقود
الدكتاتوريات الوطنية ايضًا ، تمحوها من الذاكرة الشعبية. اهمية الفيلم
الآن مضاعفة ايضا ، فاعادة التذكير هذه ، هي ايضا سعي جدي لاعادة اللحمة
الشعبية ، بربطها بتاريخ واحد ، والتعلق ببلد كان الحلم بتغييره يشكل هاجس
معظم ابنائه.
في الفيلم
، هناك اهتمام جدي حقًا بالتفاصيل ، واختيار الممثلين ، من اكثرهم حضورًا
على الشاشة ، الى الذين ظهروا في مشهد واحد فقط ، كثيرة هي المشاهد المؤثرة
والتي ادائها ممثلون نطقوا بجملة واحد فقط ، مثل "تحيا الجزائر" مثلا والتي
رددت بصور واحاسيس مختلفة لتقطع بنجاح و كل مرة ، الطريق الصعب من الشاشة
البيضاء الى الذين يجلسون في ظلام الصالة في مدينة دبي في عام 2008.
مسخرة
رغم ان
هناك علاقة عاطفية في فيلم "مسخرة" للجزائري لياس سالم ، الا انها ليست
الاساس او المحرك لهذا الفيلم المؤثر ، العلاقة الاكثر تاثيرا ، هي علاقة
الحب الاخوية ، بين شاب واخته ، والتي ظهرت على طول هذا الفيلم الكوميدي
الانساني ، المميز بتقربه من العلاقات العائلية وتعيد كما في فيلم " مصطفى
بن بولعيد " تقديمها بجوهرها الاصيل الدافئ.
البطل في
فيلم مسخرة ، هو شاب لا يملك شعبية كبيرة في محيطه الصغير ، بهيئته القاسية
وشاربه الضخم ، وسرعة غضبه . يخلق البطل (يقوم بالدور المخرج لياس سالم)
الكثير من المشاكل في الحي الذي يعيش به ، مع زوجته وابنه واخته العزباء ،
والتي تهاجمها على طول اليوم نوبات نوم مرضية ، جعلتها في نظر الكثيرين
معوقة لا تصلح للزواج.
الاخ
المهموم باخته ومستقبلها ، يخبر الحي بان هناك عريسًا غنيًا جدًا سيتزوج
باخته ، الكوميديا التي ستبدا بعد ذلك تضم الكثير من المشاهد الاصيلة ،
فاهل الحي يبدؤون بالتقرب من البطل ، والسعي للحصول على رضاه ، والاخت
تواصل علاقتها العاطفية مع شاب فقير في الحي ، لا يملك المال الكافي للزواج
بها.
رغم
الكوميديا الصاخبة في الفيلم ، الا انه لا يغفل ابدا روحه الانسانية
العميقة المشعة ، البطل القاسي الملامح ، يحمل الكثير من الحب لاخته ،
والذي يظهر في مشاهد عديدة مؤثرة وعلى طول فترة الفيلم ، هذا التباين بين
شكل البطل الخارجي وسلوكه ، وحبه الكبير لزوجته وولده واخته قدم باسلوب
مقنع وبعيد عن التكلف. الفيلم ينتقد ايضًا الطبيعة الذكورية لجتمعاتنا،
فالبطل يكذب كذبته الكبيرة، لأنه عاجز مثلاً عن الاقرار بحزنه وقلقه على
اخته، وعندما يبكي الاخ في واحد من المشاهد، يقترب كثيرًا من ذاته وإلى
العائلة الصغيرة المحبة التي تحيطه.
موقع "إيلاف" في 17
ديسمبر 2008
العنف الذي يحيط مواضيع الجنس والعذرية في مصر في فيلم ملف خاص
محمد موسى من دبي:
ترافق
كاميرا المخرج المصري سعد الهندواي احدى الطالبات المصريات ، في رحلتها
لايجاد اجوبة على قضايا الجنس والعذرية في المجتمع المصري في الزمن الحاضر.
المفارقة ان الطالبة نفسها ، والتي يبدو انها تنتمي الى طبقة اجتماعية
مثقفة ، رفضت ان تظهر في الفيلم ، بسبب موضوعه الحساس ، والذي يدخل ضمن
المحرمات الاجتماعية الكبيرة بالنسبة الى النساء في الكثير من المجتمعات
العربية.
من اجل
بحثها هذا ، تسافر الفتاة الى مدن مصرية مختلفة ، وتلتقي عشرات المصريين من
فئات عمرية و اجتماعية مختلفة ،لتطرح الاسئلة ذاتها ، عن مفاهيم العذرية
والجنس ، وحرية المراة الجنسية ، ولماذا يتجه المجتمع الى العنف ضد المراة
، والازدواجية التي تحيط بمفهوم العفة بين الرجال والنساء العرب؟
يبدو
الكثير من الاجوبة التي قدمها الفلم معروفا من كتب او دراسات مختلفة ،
فالنساء المثقفات المصريات والتي ينشغل بعضهن بالعمل الاجتماعي التثقيفي ،
شرحن باسهاب كبير ، الظروف التاريخية ، والتغييرات الاجتماعية التي مرت على
المجتمع المصري ، والتي تحدد الى حد كبير تعامله مع قضايا المراة ،
فالمجتمع والذي كان يتسم بالذكورة اصلا ، اثرت عليه ايضا ، الهجرات الكبيرة
للمصرين الى دول الخليج مثلا ، وتاثرهم بالعادات الاجتماعية الصارمة هناك
، اضافة الى التغييرات الهائلة التي حدثت في المجتمع المصري ، خلال
الثلاثين سنة الماضية ، وبروز ظواهر التدين ، والتي يركز الكثير منها على
المراة المصرية .
الفلم يضم
مجموعة من المقابلات الصادمة حقا ، مع رجال مصرين ، فعند الحديث عن ضحايا
الأغتصاب من الفتيات ، وكيف يتحولن بدورهن الى ضحايا انتقام من ذويهن ، رد
احد الذين ظهروا في الفلم ، بان المراة المغتصبة يجب ان تقتل ايضا ، بالرغم
من كونها ضحية الاغتصاب. وعندما ارادت الطالبة ، شرح المزيد عما يعنيه
الاغتصاب ، حسم الرجل امره ،وقال ان الاسباب لا تهمه ، فالمراة المغتصبة
يجل ان تنال نفس عقاب المراة التي تشارك برضاها بعلاقة جنسية .
مفهوم
القتل او ما يعرف بغسل العار ، يبدو محسوما ايضا للكثيرين ممن تحدثوا
لطالبة البحث ، اللهجة المؤكدة التي تحدثوا بها ، لم تترك الكثير من
المساحة للنقاش ، او محاولة طرح مجموعة من الاسئلة الجدلية ، بعض الأمهات
في الفيلم ، ايدن ايضا موضوع غسل العار ، بنفس الصرامة التي تحدث بها بعض
الرجال.
الفلم ذهب
ايضا الى الاطباء النفسيين والاطباء العاديين للحديث عن العذرية التي بدات
انها تشغل حياة الناس هناك ، احدى القصص المؤثرة في الفيلم ، روتها طبيبة
عن رجل صحب ابنته الى المستشفى من اجل اجراء عملية عادية ، وعندما اخبرته
الطبيبة ان من مضاعفات العملية ، سسيكون تمزق غشاء البكارة ، رفض الاب
اجراء العملية ، الامر الذي ادى في النهاية الى وفاة ابنته.
الفلم وجه
الاتهام الى الصحف ووسائل الاعلام في مصر ، بسبب ترويجها احيانا لجرائم قتل
الشرف ، في طريقة تقديم هذه القصص في الصحف مثلا ، الامر الذي يجعل الموضوع
يقترب من "البطولة" او "الحق الطبيعي" .
لم يختار
الفلم قصة معينة ما ، لتمنح القضية الوجه الانساني المهم ، حتى الفتاة
المصرية ، التي روت تجربتها بفقدان عذريتها مع صديقها وتخليه عنها بعد ذلك
، رفضت ان يظهر وجها في الفلم.
موقع "إيلاف" في 16
ديسمبر 2008
|