بعد
مهرجان دبي في العام
الماضي، تُعقد الدورة الحالية من مراكش (تنطلق مساء غد)، مرة أخرى بالتزامن
مع
القاهرة. فكأن المهرجان المغربي الذي يصغر نظيره المصري بثلاثين عاماً،
يريد
التلميح الى انه ليس ثمة منافسة اصلاً بين مهرجانين، عقدتهما
انهما يجريان في قارة
واحدة. في الاثنين أفلام جدية وواعدة تكتب الحياة بلغة العصر، وأخرى
متخلّفة ولا
تقول شيئاً على المستوى الفكري ولا الفني. لكن المهرجانات العربية تعتقد
انها
مسؤولة
عن
الافلام التي تنتج في العالم وتشارك ضمن نشاطاتها. فكل مهرجان هو واجهة
وليس بيتاً، وهذا ما أدركته المهرجانات الغربية الكبرى، التي لا تفعل الاّ
الاكتشاف
ومشاركة الجمهور هذا الاكتشاف.
هناك
اهتمام أصبح معلناً بالنجوم و"الضيوف
الكرام" والبساط الاحمر في مراكش. المغرب بمهرجاناته التي صارت بالعشرات،
يحق له أن
يكون له مهرجان واحد يكون للبهرجة والسينما في آن واحد. أما
البلدان التي لها
مهرجان واحد، ولا تهتم الاّ بعدسات المصورين، فهذه مشكلة. هذا الاسلوب في
بسط
السجاد الاحمر تحت أقدام المشاهير، وهو اسلوب مستنسخ من مهرجان يجري على
ضفاف
الريفييرا الفرنسية، يبدو "لعبة أولاد صغار" مقارنة بـ"مهرجان
كانّ".
هناك
اتجاه في الوقت الحاضر لدى ادارات المهرجانات الناشئة الى عدم
اعتبار الزمن عاملاً
مهماً. نسمع كثيراً هنا وهناك ان هذا المهرجان او ذاك بدأ ينافس لا بل
يشكّل خطراً
على كانّ والبندقية وبرلين. وفي غياب الجمهور واهتمام المشاهدين، باتت
سياسة البعض
لجلب الانظار هي الاعتماد على البهرجة وفساتين السهر الطويلة،
ما دامت الافلام
الكبيرة غير متوافرة بكثرة (وخصوصاً في العالم العربي)، وإن وجدت فهي تذهب
إما الى
كانّ وإما الى البندقية وإما الى برلين. المعضلة أن الكثير من
التظاهرات لا تجد
أفلاماً تستحق أن تُشاهد. لكن ليست المشكلة في ان الافلام المهمّة باتت
قليلة بل أن
التظاهرات أصبحت كثيرة، وبعضها غير ضروري اطلاقاً. وهذا ما يجعل فيلم مثل
"ملح هذا
البحر" لآن ماري جاسر يدور على معظم المهرجانات العربية. يُعقد
مراكش ضمن "ستاندارات"
عالمية. وهو خارج اطار منطق الجهات الرسمية التي تدعم وجود هذه
المهرجانات لأنه لم يعد مقبولاً ألا يكون لكل عاصمة مهرجان تُمنح من خلاله
الانطباع
بأن الثقافة والفن والاشياء الجميلة المرتبطة بهما موجودة في
هذه الرقعة الجغرافية.
15
فيلماً
روائياً طويلاً هو عدد الأفلام التي ستعرض ضمن المسابقة في الدورة
الثامنة من مراكش التي تنتهي في 22 من الجاري. منها: الفيليبيني "100"
لكريس
مارتينيز، الايسلندي "زواج قروي" لفالديس أوسكارستدوتير،
واعمال تعرض للمرة الاولى
من
روسيا والصين وفنلندا. أما خارج المسابقة فيعرض "أكاذيب سلطة" لريدلي سكوت،
وللختام الفيلم الجماعي "8"، الذي شارك فيه جاين كامبيون وغاس
فان سانت من بين
آخرين. وفي عداد المكرمين نجد ميشال يو وسيغورني ويفر واندره كونشالوفسكي
ويوسف
شاهين. طبعاً ستعرض مجموعة من اعمالهم. كما يخصص المهرجان استعادة لأربعين
عاماً من
السينما البريطانية، بدءاً من عام 1968 الى اليوم، وتعود الى
محطات في تاريخ هذه
السينما. وسيكون هناك ما يسمى "فلاشباك" محوره الفرد هيتشكوك وستانلي
كوبريك وجوزف
لوزي.
لا شكّ أن
احد أكثر الاشياء التي تضفي على مراكش صفة "العالمية"، هو منح
رئاسة لجنة التحكيم خلال الأعوام الماضية الى أسماء كبيرة:
شارلوت رامبلينغ، جان -
جاك آنو،
ألان باركر، رومان بولانسكي وميلوش فورمان، أما الرئاسة الآن فالى باري
لافينسون ليختار مع زملائه (أوغوستي فيلارونغا، هيو هادسون، مارياما باري،
سيباستيان كوش، غيتا الخياط، يواكيم دي الميدا، ناتاشا رينييه،
كاترينا مورينو)،
الفيلم الذي سيراه الاجدر في نيل جائزة "النجمة الذهبية"، وذلك من بين 15
فيلماً
تتسابق الى هذه الجائزة وأيضاً الى 3 جوائز أخرى، واحدة تمنح
باسم لجنة التحكيم
واثنتين الى أفضل ممثل وممثلة. اللافت هذه السنة وجود أفلام هي الاولى
لأصحابها في
المسابقة الرسمية، كما كانت الحال في الدورة الماضية من "مهرجان البندقية"،
وهذه
خطوة جريئة، خلافاً لقرار افتتاح المهرجان بفيلم "ماذا حصل؟"
لباري لافينسون، الذي
سبق أن عرض في الدورة الأخيرة من "مهرجان كانّ". وهذا يبدو هدية في مقابل
ترؤس
مخرجه لجنة التحكيم، بغض الطرف عن احقية الفيلم في ان يفتتح
مهرجاناً كهذا أم لا،
وهو فعلاً فيلم يستحق أن يُشاهد. في المقابل، تبدو القائمة متنوعة ولعل ما
يزيدها
غنى أنها تضم 15 فيلماً من 15 بلداً مختلفاً. وفي البرنامج فيلم عربي واحد
هو
الفيلم المغربي "قنديشة" لجيروم كوهين - أوليفار.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
النهار اللبنانية في 13
نوفمبر 2008
|