تعبر
أحداث فيلم الإمبراطورية المتبخرة روسيا وتفاصيله عن أمور تتعلق بسقوط دولة
الاتحاد السوفيتي دون مباشرة أو خطابية .. وهي تستعرض حكايات عن مغامرات
شباب مع البنات ولكن دون أن يكون لهؤلاء الشباب شخصيات حقيقية مكتملة
الأبعاد . وقد تستهوي المخرج والسيناريست تفاصيل كثيرة عن ذكريات الشباب
وأيام الدراسة و الحياة في السبعينيات فتطغي علي مساحات كبيرة من
الفيلم.ولكن السيناريو لا يخلو من العديد من المواقف والمشاهد القوية
والمؤثرة و التي أداها ببراعة جيل من الممثلين المخضرمين مع مجموعة من
الوجوه الجديدة بإدارة مخرج متمكن لديه رؤية متميزة في أسلوب حركة وأداء
الممثل وكاتب سيناريو يتناول انهيار الاتحاد السوفيتي من زاوية جديدة ومن
خلال أبنائه الذين بهرتهم صورة الغرب وسعوا لتقليدها دون أن يدركوا أن
الثمن كان أغلي مما يتصوروا لقد تبخرت الإمبراطورية مع تفريطهم في كل ما
تحقق علي يد الأجيال السابقة .بإجادة بارعة و فهم واضح لرؤية المخرج يشترك
مونتير الفيلم أرييل روبينوف ومدير تصويره ريتشارد ساندز في إضفاء الإيقاع
والجو المطلوب من طول مناسب للحظات الشجن والتأمل وتكنيك الانتقالات بين
الفصول الدرامية بفواصل من السواد والربط بالألوان والإضاءة من المناطق
الضيقة المظلمة إلي العالم الواسع الفسيح وبطول اللقطات التي تتأمل العالم
من خلال ستائر الدانتيل . يختار المخرج أمين القيس في ثاني عمل له بعد
شوارع الجزائر 00، التعرض لتفجيرات 11 سبتمبر 001 في الولايات المتحدة
الأميركية بعد سبع سنوات من وقوعها. قرية خلابة ولكنها ذات طبيعة صخرية
مؤثرة علي سكانها المسلمين حيث يسيطر موروث قديم من العادات والتقاليد عن
الشرف تروح ضحيته فتيات بلا ذنب . من بين هؤلاء صاحبة القصة التي تلوكها
الألسنة لمجرد أن هناك شاباً عثر علي شالها .يقرر الأب إيداعها في قبو
لحثها علي الانتحار بدلا من أن يضطر إلي قتلها فيتعرض للسجن وتضيع الأسرة
.تعجز الفتاه عن الانتحار .و يصحبها الأب في الطريق لقتلها ولكنها تكاد
تسقط من مرتفع فتتشبث بيده في توسل . وهنا يقدم الفيلم واحدا من أكثر
النهايات السينمائية إيحاء وإثارة للتأمل . يتميز الفيلم بمعالجته الدرامية
القوية وإن كان يعيبه ثبات الصورة كثيرا في تأمل جمال الطبيعة بصورة مخلة
إيقاعيا وبدون ضرورة درامية .ينجح المخرج رشيد مشهراوي دائما في أن يتسلل
إلي قلبك بهدوء بلغته السينمائية البسيطة وأحداثه الوقعية الهادئة وأسلوبه
الساخر المحكم . يشكل من تفاصيله وأحداثه نسيجا متصاعدا مع موسيقاه
التصويرية المحملة بالشجن وبصورته المريحة بتكويناتها وبحرصها الشديد علي
إبراز البشر ومشاعرهم بصدق وحنو . ستعيش مع محمد البكري رحلته في يوم عمل
مليء بالمفاجآت والعقبات وكلك أمل أن يعود لأسرته سالما .وهذا بحق أجمل ما
يصنعه مشهراوي فهو قادر علي أن يصحبك معه في رحلة دون أن تشعر للحظة واحدة
أنك تتابع بشراً لا تعرفهم حتي ولو ظهروا علي الشاشة للحظات . وفي وسط
التفاصيل البسيطة سوف يكشف لك عن أن الاحتلال مازال قابعا ليس فقط عبر
الطائرات الإسرائيلية التي لا تتوقف عن التحليق في الأجواء ولكن الأخطر
فيما صنعه في النفوس من العدوانية والشعور بعدم الأمان وغياب العدالة ورفض
النظام والقلق الدائم والتطاحن بين أبناء الوطن وفي تلك الرغبة العارمة في
اختراق أي قانون ولو كان حظر تدخين السجائر داخل السيارات .تخرج فرقة
مسرحية متجولة في رحلة للترفيه عن الجنود الصرب أثناء الحرب 1993 . يجد
أفراد الفرقة أنفسهم وسط آتون الحرب بين الموت والدمار والضياع والوحشية ..
يقعوا في أيدي الكروات ولكن الصرب ينقذونهم علي آخر لحظة ويعيدون لهم
اعتبارهم كفنانين قدامي محترمين ولكن هؤلاء الجنود الذين يبدون تقديرهم
للفن لا يتورعوا عن قتل الكروات بعد عجزهم عن أداء أغنية يحبها القائد
الصربي وعبثا يحاول أفراد الفرقة مساعدتهم في أداء الأغنية .. يقعوا في
أيدي المسلمين فيعتقدوا أنهم هالكون ولكن القائد المسلم بعد أن أمر بقتل
المؤلف الذي تعرف عليه كأحد دعاة التطهير العرقي يسمح لهم بالعبور في تسامح
.. يتعرضون للعديد من المخاطر والمشكلات أثناء الرحلة ولكن لا بد للعرض أن
يصل إلي نهايته ..إنها رؤيا للحرب بعين فنان ونظرة شديدة التعاطف مع الحياة
.فيلم أكثر من رائع للمخرج جوران مالكوفيتش مليء بالمواقف المدهشة والأداء
التمثيلي الرائع والصورة السينمائية الموحية . يمتلك المخرج أيضا إيقاعا
خاصا متأملا يفرضه علي كل وحدات الفيلم وهو لا يتعرض للصور المقززة للحرب
أو الصرخات العالية أو التشنجات التمثيلية إنه يختزل الزمن إلي لحظات من
الدهشة والخوف والتأمل .. تصوير رائع وتجسيد صادق لأجواء الحرب فتشعر في
بعض اللحظات أنك في قلب النار دون الاعتماد علي التقنيات أو المؤثرات
الخاصة أو المشاهد الخطرة ..إن الانفجارات التي تقع علي الطريق أثناء سير
الأوتوبيس والتي يخبرهم قائده ببساطة أنها أمور عادية سرعان ما تألفها
لتتحول صور الانفجارات إلي مشاهد أقرب للألعاب النارية . تتعطل سيارة
المرشد السياحي الإسكتلندي في إحدي القري الأسبانية ويضطر للبقاء عدة أيام
لإصلاحها حيث يندمج في مجتمع القرية ويشارك أهلها سعيهم نحو إيقاف تشغيل
المصنع الذي تتسبب نفاياته في تلويث البيئة وإفساد المحاصيل الزراعية. فيلم
للمخرج جون أنطونيو كويروز مليء بالمشاهد القوية والمؤثرة و و الشخصيات
والمواقف المبتكرة ومنها مشهد ولادة البقرة والعجوز الذي يذهب لمقابلة
قريبته الأميرة ليعرض عليها المشكلة ولكنه لا يتمكن إلا من مقابلة سكرتيرها
يعود وهو يضحك ليخفف مرارة شعوره بالخجل وهو يحكي قصة الرجل الذي سافر علي
قدميه منذ ثلاثين عام ليقدم شكوي للملك ووعدوه بالنظر في أمره لكنهم حتي
الآن لم يلبوا طلبه . قد يوحي لك الفيلم بتشابه تفاصيله مع موضوع مصنع
أجريوم تبعنا. ندعوا السادة الزملاء كتاب السيناريو هواة نقش الأفلام
الأجنبية لمشاهدته علنا نساهم أكثر في تدمير السينما المصرية . يمارس توم
الصحفي الشاب عمله بمنتهي الحماس والانهماك والجدية ويصاحبه عادة زميله
المصور ويشكلان معا ثنائيا مرحا علي الرغم من أنهما يمارسان المهام الصعبة
للجريدة .وتبدو من أصعب وأشق تلك المهام متابعتهم لاحتجاجات المسلمين
المهاجرين علي ما يعتبرونه ظلما وعنصرية من جانب المواطنين الأصليين . ويعد
جد توم واحدا من أشد المحافظين والكارهين لوجود اللاجئين في بلادهم . ولكنه
يسقط صريع المرض بعد حوار عنيف معهم. في وسط هذه الأجواء المشحونة بالقلق
وسوء التفاهم كان توم يهئ نفسه للزواج من صديقته البلجيكية ولكن حياته
وأفكاره تتغير عندما يقع في غرام اللاجئة الباكستانية الجميلة نادية - سناء
موزيان - التي تسعي بجدية للحصول علي الإقامة في البلاد . ربما لتنوع
الخطوط والحكايات يضطر المخرج إلي استخدام أسلوب الراوي حيث نتوقف مع توم
من حين لآخرليوضح لنا بعض المواقف أو ليعلق علي البعض الآخر.ويتناسب هذا
الأسلوب تماما مع فيلم لا يطرح حكاية تقليدية من المطلوب أن يندمج المشاهد
معها ولكنه يناقش قضية جديرة بالتأمل ويعرض صراعا بين ثقافات وحضارات
بأسلوب شيق و ومبتكر.يقدم المخرج يانيس سماراجديس قصة الفنان التشكيلي
اليوناني ألجريكو 154 - 1614 بأسلوب مبتكر ومعبر .وعلاوة علي ما يطرحه من
فكر تقدمي عبر لغة سينمائية جيدة فإنه سوف يصحبك في جولة ممتعة وبرؤية
تشكيلية رائعة لتستمتع بمشاهدة مواقع تصوير رائعة في كريت وإيطاليا
وأسبانيا وبدقة شديدة في تصميم الملابس والديكورات لتناسب زمن الأحداث ..
تصوير اللوحات نفسه يتحول إلي جزء من الدراما والحدث ولوحات الجريكو لا
تصور الوجوه بقدر ما تعكس ما داخل النفوس إنها انعكاس للباطن العميق
للأشياء حيث يبدو الهدوء علي السطح ولكن في العمق حالة من الغليان. يبذل
نيك أشيدون جهدا كبيرا في أداء شخصية الجريكو بمختلف مراحلها معبرا بالصوت
والحركة والرقص أحيانا وكذلك بالتعبير عن الرسم أيضا حين تتحرك أصابعه بقوة
الانفعال والإحساس والحالة الحماسية والعاطفية.ولا ينافسه في روعة الأداء
سوي جوان دييكو بوت في دور نينو دي جويفارا ممثل المؤسسة الدينية الرجعية
المتزمته التي وجهت لألجريكو أقسي الاتهامات. ولكن الفنان امتلك طاقة بشرية
ومقدرة إبداعية مكنته من التغلب علي قوي الجهل والرجعية مما جعله نموذجا
إنسانيا رائعا و مصدر إلهام حتي يومنا هذا.كالعادة ينجح المخرج عبد اللطيف
عبد الحميد في نسج رؤيته الساخرة عبر الأغاني الوطنية والتناقض التام بين
حال الوطن والمواطن وما يردده من هتافات أشبه بالمحفوظات المدرسية .وربما
ينبع نجاح أفلام عبد اللطيف عبد الحميد علي المستويين الجماهيري و الفني
كحالة نادرة في السينما السورية بسبب حسه الفكاهي الجميل الذي ينجح في
توظيفه لخدمة موضوعات جادة حيث تأتي كل المواقف الكوميدية متسقة مع
الشخصيات من صميم الحكاية وتصب جميعها في المضمون الذي يسعي إلي طرحه .وعلي
الرغم من قدرته العالية علي صنع الأجواء المرحة إلا أنه دائما ما يكمن خلف
هذا المرح المأساة التي تتغلغل في صميم البناء بمنتهي الذكاء لتنفجر في
النهاية في لحظة تنوير قوية تنزاح فيها الغشاوة وتكتشف أن هذا المرح وتلك
الكوميديا لم تكن إلا غلافا علي السطح يكمن تحتها طبقات من الألم والحزن و
المعاناة و الأكاذيب .تماما كما تسير خطة السيناريو يأخذك الفيلم من أجواء
ليلية شبه مظلمة حيث يصعب عليك أن تتبين وجه من تعبث في الماء وبين
النباتات ثم يتزايد النور شيئا فشيئا مع نسائم الفجر حتي إشراقة الصباح
لتكون الوجوه قد اتضحت والبدايات والمقدمات قد انكشفت و الشخصية قد بدت بعض
جوانبها الأساسية الظاهرة . وهكذا تتوالي فصول الفيلم بهذا البناء البصري
وهذا التعانق بين الضوء والظل و اللون حتي تكتمل اللوحة السينمائية مع آخر
لقطة في الفيلم .وحيث يكون الدخول إلي هذا العالم العميق للفنانة الفرنسية
التلقائية سيرافين 1864 - 194عبر هذا البناء البصري المدروس وتلك القدرة
الرائعة علي التحكم في إضاءة توقيتات اليوم والزمن بنفس درجات تسليط وتراجع
الضوء عن هذه الموهبة الفذة المتألقة . تبدو الحياة عادية وسهلة ولكن هناك
شيئا ما قد يكون غائبا . إنه ذلك الشيء الذي ينقلنا من العادي إلي ما فوق
العادي والذي يضفي علي حياتنا قدرا من الصعوبة و يجعل وجوهنا قلقة ولكنها
أكثر إشراقا وخطواتنا عصبية ولكنها أقرب للرقص ونشعر بغشاوة علي عيوننا
ولكنها لا تلتقط إلا كل ما هو جميل تنساب في آذاننا معظم الوقت موسيقي
حالمة ولكنها تنذر بالخطر . هذا هو الحب الذي يحملنا قدرا من العذاب في
مقابل المتعة التي يمنحها لنا . ولكن أحيانا تفرض علينا عواطفنا أن نواجه
خبرات عاطفية تكون فيها مساحات العذب والألم أكبر بكثير . فهل يمكن أن
تستمر مثل هذه العواطف في علاقات مثيرة للخوف إلي حد الرعب ؟ هذه هي الخبرة
التي سوف نعيشها مع أنيكا بطلة فيلم الراقصون -أدت الدور بإبداع ملفت
النجمة تراين دايرهولم -و الذي تواصل فيه المخرجة بيرنيل فيشر كريتين ما
بدأته في فيلمها السابق الناجح الحساء 006 حيث قدمت معالجة متطورة لموضوع
جوانب الحب الخادعة والمدمرة . تعود من جديد في الراقصون لتقدم دراما قوية
لا تتهرب من السؤال الصعب : هل من الممكن أن تحب شخصا ارتكب جريمة لا تغتفر
؟
جريدة القاهرة في 18
نوفمبر 2008
|